أدب الرعب والعام

زواج جهنمي

بقلم : أحمد محمود شرقاوي – مصر
للتواصل : [email protected]

زواج جهنمي
كانت ليلة شاب فيها شعري من الفزع والرعب

 ظلام مخيف يحيط به من كل جانب ، يخيل إليه أنه سقط في عالم من الظلام ، عالم لا يعرف مسمى النور ولم يذكر أبداً في قاموس مفرداته ، عالم من الظلام ولا شيء سواه ، ومن قلب الظلام انبلج الصبح ، ضوء مبهر يعمي الأبصار خرج من قلب الظلام ، وضع كفيه على عينيه ليحميهما من قوة الضوء الذي ما لبث أن هدأ رويداً رويداً ليكشف عن حورية من الجنان هذا هو الوصف الأقرب لها ، جسدها يشع ببريق أبيض وكأنها سراجاً منيراً ، سبحت نحوه في هذا الفراغ ثم.

في لحظة واحدة تحولت لأفعى ضخمة والتفت من حوله ولدغته في عنقه لدغة جعلته يستيقظ من نومه صارخاً ، أخذ يلهث كمن تاه في سباق الألف ميل وهو ينظر يمنة ويسرة لمن ينام بجواره على تلك الأسرة ، نهض منهم البعض على صرخته ونظروا له بهدوء شديد ثم عادوا لثباتهم وكأنهم مجرد روبوت.

مرت نصف ساعة كاملة حتى استطاع أن يهدأ تماماً ، أخذ ينظر لما حوله في شرود ، تلك الإنارة الضعيفة التي تنبعث من المصباح العتيق تجعل الرؤية متاحة ، هذا الطلاء الأزرق القاتم المطلي به الحائط يبعث في نفسك الف الف شعور بالنفور والاكتئاب ، شقوق الحائط هي الوحيدة التي كانت تسليه نوعاً ما وهو يحاول أن ينظر من خلالها حيث عالم الحرية كما يظن.

ما أبغضها من مصحة ! السجن يعتبر جنة مقارنة بهذا المكان ، الكل هنا في غيبوبته الخاصة ، لا مكان هنا للابتسام ، الضحكات تعتبر جريمة لا تُغتفر ، فقط نظرات الحزن والقهر هي ما تخرج من الأعين ، كل الأعين ، يبدو أنها لن تتركه في حاله ، حتى بعد إن كانت سبباً رئيسياً لوجوده داخل هذا المكان.

بزغت الشمس في الأفق واستيقظ المرضى ليمارسوا حياتهم الكئيبة من ثم يعودوا لنومهم ، إفطار بسيط جداً لا يسد الرمق ، وجبة غذاء يسرق منها قطع الدجاج واللحم من قبل الممرضين لتصل إليك وجبة عبارة عن طبق من الأرز فقط ، هل ستشتكي ؟ من سيصدق مريض نفسي أو مجنون كما يسمونه ؟ الفاكهة لا تصل بتاتاً للمرضى وكأنها مخصصة لطاقم التمريض فقط.

أنا أحمد محمود شرقاوي ، هل تعرفني ؟.

نعم أنا الكاتب وقد كان لي دور في هذه القصة ، دور بسيط ، أنا أحيا بحلوان وبالقرب من تلك المصحة ، وصلني خبر من أحدهم أنني استطيع الولوج والتحدث مع البعض لكتابة رواية عن الأمراض النفسية ، وكم كان الخبر سعيداً بالنسبة لي ، سعيداً لأقصى درجة ، وصلت للمكان واستطعت أن أتحدث لسالم ، وكم كان الحديث قاسياً على نفسي ، قاسياً لأقصى درجة.

على لسان سالم.

– مرحباً يا أحمد كيف حالك ؟.

– أنا من أشد المعجبين بك ، وللعلم أنا من أرسلت لك على البريد لتزورني وكأنك صديق ، وللعلم أنا مريض هنا ولست بطبيب ، لا تتعجب فأنا فقط أريد الحديث هل تقبل ؟ عظيم فلنبدأ من جديد.

بدأ الأمر بقراءة رواية تتحدث عن الإنترنت المظلم ” الديب ويب ” الفضول القاتل ذبحني على أعتاب الولوج وبالفعل قمت بتحميل المتصفح الخاص و ولجت لهذا العالم ، لن أحدثك عن بشاعة ما رأيت فأنت شخص مثقف وتعرف كل تلك الأمور ، أنا فقط سأحدثك عن موقع خاص بكتب السحر والتحضير.

استطعت الوصول لشراء كتاب سحر قديم يسمى كتاب ………. كتاب يمكنك أن تسخر به لوسيفر نفسه ، كانت مجرد نسخة Pdf دفعت فيها مائتي دولار وقتها  وبدأت أتصفح في محتوياته.

تصفحت وتصفحت حتى وصلت لباب ” تسخير بنت الجان للمساعدة والعون والمدد في شتى أمور الحياة اليسير منها والعسير ” سرني الأمر جداً جداً وبدأت اقرأ ..

” هارمونيا بنت سنجاق الأسوادي هي الشيطانة المدللة في مملكة إبليس لها طقوس معينة لطلب المدد منها وبعدها تنشأ لك الجنان على الأرض “

ما اتسعت له عيناي رعباً هو الكلمة في الأسفل ،

طريقة طلب العون من هارمونيا بنت سنجاق ،

لن أطيل عليك ولكني في النهاية جلبت كل المطلوب وبعد عناء شديد فعلتها ، قمت بالاستعانة من هارمونيا ، وحضرت ليلتها وكانت ليلة شاب فيها شعري من الفزع والرعب.

بعد إتمام كل الطقوس والتي أعرف أنك لن تذكرها في كتاباتك شعرت برياح خفيفة تضرب ظهري من الخلف ، قشعريرة باردة انتابت جسدي ولكني تجاهلتها وتحدثت بما أريد وكنت أقف وقتها أمام المرآة عارياً لحظات ، و زادت الرياح والبرودة التي جعلتني أفرق جسدي بعنف لعل الدفىء يتسلل له.

لحظة واحدة رأيت فيها من تقف خلفي بشعرها الأحمر المموج وعينيها البيضاء ثم عم الظلام أرجاء المكان ، صرخت فزعاً وبدأت أتحرك بعنف لأسمع همس يقول لي في أذني :

لو مارست خوفك مني فسوف أقتلك شر قتلة.

تيبست مكاني من الرعب وبدأت انتفض كطائر مكسور الجناح قد بلله المطر ، قالت لي بصوت فحيح حية تسعى.

– ماذا تريد ؟.

– لا ، لا شيء.

جاء صوتها مخيفاً غاضباً:

وهل استدعيتني لأجل اللاشيء

ااااععععتتتتذرررر ببببششششدددددة

ما إن قلتها حتى عاد الضوء ثانية واختفت وكأنها لم تكن ، أحرقت كل المواد وتنفست الصعداء وظننت أن الأمر قد انتهى ، ولكنها لم تكن سوى مجرد بداية لما هو قادم.

رأيت في منامي ليلتها نفس الفتاة تقف قبالتي على جزيرة مهجورة وسط المحيط ومن حولنا الأمواج هائجة وكأنها في ثورة ضد المحيط ، نظرت لي بهدوء وقالت :

– أما أنت فلا تريد شيئاً أما أنا فأريد.

– وماذا تريدين مني ؟.

– سنتزوج.

لم تكد تكملها حتى ضربتني موجة عاتية وصلت لمكاني فألقتني بقلب المياه الثائرة.

استيقظت يومها فزعاً من ما رأيت ، ومنذ هذا اليوم وقد بدأت الأحداث تتلاحق لتجبرني إجباراً للزواج من الشيطانة المدللة في مملكة الملعون ” إبليس ” .

أيا صديقي لما العبث مع من لا يرانا ولا نراهم ، أيا صديقي لا تترك فضولك يقودك نحو الظلام. الظلام لا يبشر بأي خير فهناك و بين جنباته يتواجد الشر ، الشر المقيم الذي يتربص بأرواحنا ليأسرها من ثم يقذف بها نحو الجحيم ، جحيم خاص يزلزل روحك ويفتتها بين جنبات جسدك لتبقى في النهاية ميت على قيد الحياة.

هذه مجرد خاطرة كتبتها بعد أن اعتذر سالم ليغادرني لدقائق من ثم يعود ، ها هو قد جاء بملامحه المصرية ، ابتسم لي ابتسامة غامضة و بدأ يكمل حديثه.

على لسان سالم :

حينما تتورط مع الجان يا أحمد فإنك ترى ما لا يقدر عقلك على احتماله فيبدأ بالتفكك والانهيار وتصل بعدها للجنون ، الجنون وما أدراك ما هو ؟.

بدأ الجحيم يتلاعب من حولي كلما خطوت خطوة ، كوابيس وكوابيس في اليقظة والمنام  في الليل والنهار.

حتى رأيت تلك الرؤيا ، سقطت وقتها نائماً بعد ليال من السهر والأرق بسببها ، رأيتها تقف على قمة جبل من الجليد ، كانت كقطعة منه بردائها الناصع البياض ، أشارت لي يومها و جاءني صوتها عذباً.

– تعال لنتزوج .

نظرت لها بغل شديد وقلت :

– لا ، لن يحدث هذا أبداً.

قلتها بعد عذاب وعناء ، قلتها بعد رعب وفزع ، قلتها بعد أن فاض بي الكيل .

اهتز الجبل وقتها بعنف وتساقطت فتات الجليد تنبأ بانهيار جليدي شديد ، ولم تكد لحظات تمر حتى انهار الجبل نحوي ، سلاسل من جليد خرجت تقيد قدماي من تحتي ، وقفت أنظر بأعين قد اتسعت لأخرها نحو الأعلى ، قطع الجليد العملاقة وهي تهوي نحو شخص من لحم ودم.

سقطت قطع الجليد من فوقي واستيقظت صارخاً ، اشتعلت المصحة و هرول الكل نحوي ، كنت أشعر بثقل الجليد فوق صدري ، كان الألم يمزق بجسدي و يفتك بروحي ، شعر الكل بالهلع بعدها لمجرد وجودي معهم ، وقررت إدارة المصحة إيداعي بركن خاص ، فعلوها وليتهم ما فعلوا.

كانت تزورني كل ليلة في مكاني ، كانت تستمتع برعبي ، نظرات أعيني الخائفة ن ارتجافه جسدي وانتصاب شعر جسدي ، كانت تتفنن في عذابي و فزعي ، قررت في النهاية أن أتزوجها ، وسأقص عليك كيف حدث هذا.

هبط ظلام الليل كطائر عقاب أسود من قلب السماء على سمكة بين جنبات المحيط ، عم الهدوء أرجاء المصحة إلا من صوت خطوات تلك الممرضة البدينة والتي كانت تقترب نحو ركني الخاص. شعرت بها وهي تفتح باب الغرفة وتقترب نحوي.

كانت منتشيه بشدة وهي تقترب مني لتعطيني جرعة الدواء الخاصة بحالاتي ، اقتربت مني فوصلتني رائحة الويسكي منها ،علمت أنها مغيبة عن الواقع ، اقتربت مني ثم نظرت لي نظرة حزينة وقالت:

أنا أسفة يا سيف ، لن أبتعد عنك ثانية ، تقبل أسفي أرجوك.

ثم القت بنفسها نحوي ، دفعتها بعنف وأنا أصيح بها لكي تفيق ولكنها كانت مصرة أن تتلمس جسدي عنوة ، لم تكد تفعلها ثانية حتى شعرت برياح باردة ثم ظهرت هارمونيا ، كان وجهها أسوداً كقطعة من ليلة خالية من القمر ، شهقت الممرضة بفزع وأخذت تلهث من الرعب ومن شدة تلك الشحوم التي على صدرها وعنقها  اقتربت منها هارمونيا وقالت بصوت هادر:

– ما الذي تفعلينه يا عاهرة ؟.

شهقت الممرضة مرات ومرات وأنا أنظر لها بهلع ثم ما لبثت أن سقطت صريعة جراء أزمة قلبية حادة.

نظرت لي هارمونيا بغضب و قالت:

– سأقتلك ، قسما لأفعلها .

توسلت لها وأنا أبكي قائلاً:

أنا موافق ، أنا موافق سنتزوج ولكن ساعديني ، لقد ماتت تلك المرأة غالباً وسوف أكون المتهم الرئيسي.

لا تخشى شيئاً في هذا الكون طالما أنا معك ، أذهب للنوم الأن.

هرولت نحو الفراش واختبأت أسفل الغطاء ونمت على الفور.

في الصباح انقلب حال المصحة على وجود حالة قتل ، لقد وجدوا الممرضة صريعة في غرفتها الخاصة.

مرت الأيام قالوا أنها ماتت نتيجة أزمة قلبية وأن الوفاة كانت طبيعية.

تزوجت هارمونيا ، ومن ليلتها كانت تأتيني كل ليلة ، كانت تأخذني كل ليلة إلى الجحيم نفسه ، شيء يشبه الإسقاط النجمي ، أنام بجسدي و يظل وعيي معها يجوب الأرض ن صار شعري أبيضاً من هول ما رأيت ، الكثير من تلك الشياطين استطعت رؤيتها وأنا معها ، أشكالهم مخيفة لأقصى درجة ، حقاً لقد كان الرب رحيماً حينما وضع ستار بيننا وبينهم حتى لا نراهم ، سار الأمر هكذا حتى جاءت تلك الطبيبة للمصحة وعلمت بحالاتي وصراخي كل ليلة وقررت أن تعالجني ، عاندت مع الكل وقالت ” سأثبت للكل أنه مجرد مرض نفسي لا أكثر “.

جلست قبالتها نتحدث..

– أراها في كل مكان ، أراها في نومي و يقظتي ، في ليلي ونهاري ، إنها خلفك الأن يا دكتورة !.

– ولكني لا أؤمن بزواج الجن من الإنس وهذا الأمر ليس إلا وهم في رأسك.

– حسناً ، لنرى إن كان وهماً أم لا .

إنها مجرد عنيدة مثل جميع النساء ، أعتقد أنها تستحق ما سيحدث ، نظرت لهارمونيا والتي كانت تقف خلفها و أومأت برأسي ، و هنا عم الظلام أرجاء المكان.

في قلب الظلام كنت أرى ارتجافه جسد الطبيبة بعنف ، رأيت هارمونيا تدور من حولها كقرش يحوم حول بشري ضال في قلب محيط ، كانت تتحدث لها بصوت كالفحيح ثم برقت أعين هارمونيا في الظلام وهي تنظر مباشرة للطبيبة التي لم تلبث أن ظلت تصرخ وتصرخ وتقفز كالمصروعة ثم سقطت فاقدة للوعي.

ومنذ تلك الليلة يا صديقي وأنا أعيش على تلك الحال منعزل عن الكل حتى أنني قد أنجبت تورانوث وأنجيلا منذ أيام.

نظرت له ببلاهة واضحة وقلت : أنت تهذي يا سالم.

نظر بجواره ثم عانق الهواء وهو يبتسم وقال:

مرحباً يا أنجيلا يا حبيبتي ، حيي أستاذ أحمد

، انتفضت من مكاني وقلت :

لا ، لا يهم ، أجعلها ترحل من هنا أرجوك.

نظر للفراغ وقال : أذهبي لماما يا أنجيلا .

و لكن لماذا قررت أن تخبرني أنا بقصتك؟

– لأنني من أشد متابعيك ولست أنا فقط .

– و من أيضاً ؟.

– إنها هارمونيا ، لقد قرأت لك العديد من القصص.

– أنت تمزح أليس كذلك !.

– لا أمزح إطلاقاً ، ولكنك نسيت شيئاً ،هل تذكر تلك الابتسامة الغامضة والتي ابتسمتها لك حينما عدت ؟.

– نعم ، وكنت سأسألك عن السبب؟.

– لقد انفصلنا أنا و هارمونيا.

– هكذا و بكل بساطة ؟.

– لا ، فهي لم تكن لتتركني إلا لأجل أحدهم.

– ومن هذا الذي تركتك لأجله ؟.

اقترب بوجهه من وجهي واتسعت عيناه وهمس بصوت كالفحيح :

أنت يا صديقي ، لقد قررت هارمونيا الزواج بك !.

وفي تلك اللحظة سمعت صوت ضحكة أنثوية زلزلت كياني بأكمله ، تركته وهربت من المصحة بأكملها وأنا أتمتم بآيات الله وأستعيذ بالله من همزات الشياطين..

 

النهاية:

 

لا أعرف حقاً هل كان الرجل يهذي أم لا ، و لكن للعلم لقد قمت بحظره تماماً من على صفحتي فأنا لا أريده صديقاً بعد اليوم ، وها أنا أنتظر كل ليلة في خوف تلك الهارموميا ، وهل فعلاً ستأتي أم لا ؟ ولكن أين أنت يا سيرونا لتنقذيني مما أنا فيه ، فليكن الله في عوني.

لو حدث جديد فسأقصه عليكم أكيد..

……… ………. ………. ……….. ……… . ….

تمت بحمد الله

………………..

ترقبوا روايتي بمعرض القاهرة الدولي للكتاب

رواية ” إني رأيت “

………………

تاريخ النشر : 2018-12-13

guest
18 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى