أدب الرعب والعام

ساتن وجنون العظمة (ج٢)

بقلم : أحدهم – كوكب الأرض
للتواصل : [email protected]

ساتن وجنون العظمة (ج٢)
عند زيارة ساتن للحديقة السماوية رأى كائن يشبهه داخل الحديقة يمرح في الأنهار ويتجول بين الزهور والأشجار

ملخّص الجزء الأول:

من بين كل الكائنات الطيفية، كان ساتن هو المختار من بني قومه ليذهب ويرى مملكة السماء ويعود ويخبرهم، لكن ساتن كان يضمر مخططات أخرى.. عندما وصل ساتن إلى السماء أخذ ينشر بذور الشك بين الكائنات النورانية حول إخلاصها وأفضليتها عن الكائنات الطيفية في محاولة منه ليظهر تفوق جنسه وأحقيته بمكانة بين الكائنات السماوية.. لكن السماء كانت تعلم بمكره وخبايا نفسه، وعمدت لتفضح جوهره أمام الجميع.. لذا وأثناء جولاته وجد ساتن كومة من الطين أمام حديقة سماوية من أجمل وأغرب ما رأت عينه.. تحولت تلك الكومة فيما بعد إلى مخلوق ضعيف البنية، وكان من نصيب هذا الكائن دخول الحديقة السماوية كأول مخلوق من خارج الحديقة يدخل من بوابتها العظيمة.

 ***

المخلوق الغريب:

عند زيارة ساتن للحديقة السماوية لم يجد ذلك الكائن عند البوابة، بل رأى كائن يشبهه داخل الحديقة يمرح في الأنهار ويتجول بين الزهور والأشجار، كان بعيداً حتى يناديه، لكن ساتن نادى أحدى الكائنات السماوية القريبة من داخل الحديقة (هيه أنت.. من ذلك المخلوق الأسود؟) قال الكائن السماوي (ذلك هو “هومن”) قال ساتن باستغراب (هومن؟ أليس هو ذلك الكائن الطيني الذي كان هنا عند البوابة؟) قال الكائن السماوي (بلى، لقد استيقظ بعد سباته ثم فُتحت له بوابة الحديقة من تلقاء نفسها كأنها تدعوه للدخول.. هو أول مخلوق يدخل هذه البوابة).. هنا أخذ ساتن يحدّث نفسه (ماذا يفعل هذا الكائن الرخيص والضعيف في حديقة الأكوان هذه؟!؟)، لسبب لم يفهمه كان ساتن يمقت هومن ويحقد عليه، لكنه كان يستبعد أن يكون له شأن في مملكة السماء.

 ***

ينبوع الحكمة:

كان هومن يتجول ويتأمل ويسأل ويتساءل، كان فضوله وحبه للمعرفة يدفعه للبحث في أصل الأشياء وغاياتها، وكانت الكائنات النورانية تتجمع حوله ليخبرها بما عجزت عن فهمه، كان يريها الجمال الخفي خلف الموجودات، وكان يكشف عن اسرارها المخفية وعن ماضيها ومستقبلها كيف يمكن أن يكون، كان يفهم تتابع الأحداث وترابط الأشياء.. وفوق كل ذلك وجدت الكائنات النورانية صفات العطف والرحمة متأصلة في جوهره، كانت سرائره نقية كالكائنات النورانية الأسمى في أعلى مراتب السماء، وكان جوهره حر وطليق لجوهر ساتن المخلوق الطيفي القادم من الأرض.. جمع هومن في جوهره صفات الكائنات النورانية والطيفية ليكون كائن فريد من نوعه في مملكة السماء على الرغم من ضعفه وطبيعة خلقته.

 ***

سيد الخلائق:

وفي يوم من أيام السماء كان هناك ذلك النداء ليجتمع كل سكان المملكة السماوية في بقعة قريبة من بوابة الحديقة السماوية (پارادوسيا)، كان ذلك اليوم هو إعلان سماوي جليل عن سيد مملكة السماء والقائم بأمر الإله العظيم فيها.. كانت هناك عدد لا يحصى من الكائنات وكانت ساتن من بينهم يرقب الحدث العظيم.. وفي لحظة ترقّب فُتحت بوابة الحديقة السماوية ليخرج هومن، ذلك الكائن ضعيف الخلقة ليحضر اجتماع المملكة بين الجميع.. ثم أتى أمر السماء بأن هومن هو سيد مملكة السماء وكائناتها.. خضعت كائنات السماء لأمر السماء كما كانت تفعل دائماً إلا ساتن، فقد كان وقع الخبر عليه أكبر من أن يحتمله.. جن جنونه بعد لحظة صمت طويلة لم يصدق فيها هول ما يحدث.

 ***

التمرد:

تقدم ساتن نحو هومن والحقد يفيض من عينيه، وأخذ يدور حوله قبل أن يتوقف ويشير بإصبعه السبابة نحو هومن وموجهاً صراخه لمملكة السماء (أهذا هو سيد الكائنات هنا؟ أهذا الكائن حقير الخلقة هو سيد مملكة السماء؟ أسود كالليالي الباردة ومن طينة أرضية رخيصة؟ هذا؟ هذا المخلوق؟) وأخذ ساتن يذم خلقة هومن ولهاثه المحموم يعبق بالكره والجنون، والكائنات السماوية الصامتة هالها ما تسمع، هذا العصيان الوقح لأوامر السماء لم يسبق أن تجرأ عليه كائن قبله في مملكة السماء، أعلن ساتن في وقاحة عصيانه وتمرده على أمر لم يكن يتوقعه ولم يكن ليرضخ له.. وفي ثورة جنونه بان جوهره للعيان، وظهرت على جوارحه معالم قبيحة لم تكن موجودة، نبت له قرنان طويلان وطالت أنيابه واحمرّ لونه وتحوّلت قدميه لحوافر الدواب، وهنا اقتادته الكائنات النورانية ليُحبس في مكان بالقرب من جدار الحديقة السماوية حتى قدوم وقت الرحيل نحو الأرض. بانت حقائق السرائر وانفض الاجتماع على حادثة غريبة لم تحدث في تاريخ المملكة، ورجع هومن لحديقته.

 ***

هومن يتساءل:

أخذ هومن يتساءل عن ذلك المخلوق الغريب وعن سبب ثورة الجنون تلك، كان ذلك أبشع ما يتصوره، لم يكن يتصور ان تُعصى أوامر السماء من قبل أي مخلوق كان، فهذا جحود يصعب تصوّر حدوثه، ونكران للجميل لا يُعرف له سبباً.. كان هومن يتجول ويتساءل عن سبب ذلك الحقد الذي يكنّه ذلك المخلوق اتجاهه، ماذا فعل هومن حتى يغضب ذلك الكائن ويعصي لأجله أوامر السماء؟ ولم يكن هومن يجرؤ على طرح السؤال لأحد لكنه كان يعلم بأنه يجهل الكثير من حقائق الوجود.. وفي غمرة تساؤلاته أحس بالوحدة، كان يريد أن يسأل لكنه كان يخشى تجاوز حدود الذوق في التساؤل.. أحس أنه وحيد نوعه، ولا أحد يفهمه، فنام تحت شجرة حتى تهدأ عواصف تساؤلاته، وانحنت أغصان الشجرة نحوه في حنان لتمنع عنه فضول الكائنات السماوية.

 ***

إيڤاني:

عندما استيقظ هومن وجد مخلوق جميل مضطجع بالقرب منه وكان رأس المخلوق ينام على صدر هومن في سكون.. خشى هومن أن يوقظ ذلك الكائن اللطيف، لكن أنفاسه ودقات قلبه المضطربة أيقظت الكائن النائم.. أخذ الكائن الجميل ينظر حوله في تعجب، ثم التقت عيونه مع عيون هومن.. كانت تلك العيون أجمل من كل زهور الحديقة وصفاؤها الساحر كان أجمل من كل أنهارها، سأل هومن في لطف (من أنت؟) قال الكائن (أنا هي إيڤاني)، كان ذلك الكائن يشبهه في الخلقة ولكنه مختلف عنه كذلك، أخذ هومن الكائن الجميل من يده الحريرية الناعمة وذهب به في جولة طويلة حول الحديقة السماوية، وفي فضول أخذ كليهما يسأل الآخر عن حقيقته.. هومن كان سعيد بوجود هذا الكائن الضاحك. كانت إيڤاني هي نصفه المفقود الذي عثر عليه وسط وحشة تساؤلاته المضطربة.

 ***

الشجرة:

كان ساتن الحبيس من خلف جدار الحديقة السماوية يسمع ضحكات إيڤاني وهومن، وكان يرى من فرجة بين لبنات الجدار سعادتهم الغامرة في أرجاء الحديقة، وكان حقده وغضبه يزداد كل لحظة ينظر لها من فتحة الجدار.. هذا المخلوق قد سلبه حقه في المكانة التي كان يطمح لها، طموح سعى له بكل الأثمان، بذل لأجله جهده ووقته وتضحياته.. وهنا تحسّس ساتن جيبه ليجد حبوب أشجار چولوم الكئيبة، وخطرت في ذهنه فكرة ليدنس بها منزل هومن.. استطاع ساتن بعد محاولات عديدة أن يلقي ببذرة من فوق جدار الحديقة السماوية لتسقط البذرة في الداخل بالقرب من الجدار.. رأى ساتن من فتحة الجدار ارتعاشة ارض الحديقة عند موضع البذرة لتنبت في مكانها شجرة سوداء كئيبة وتثمر ثمارها الصفراء اللزجة.. وهناك رأى ساتن كائنات نورانية تهبط على جناح السرعة في الحديقة وتبلغ هومن بأمر السماء (لا تقربا هذه الشجرة).

 ***

الوسوسة:

لكن هومن أخذ من بعيد يدور حول الشجرة الغريبة في الحديقة ويتساءل عن سبب وجودها المفاجئ، وكانت إيڤاني تشاركه تساؤلاته، وكان ساتن ينظر إليهم من فتحة الجدار.. بعد فترة قرر هومن المضي بعيداً عن الشجرة وأخذ معه إيڤاني لينطلقا في جولة بعيدة في إرجاء الحديقة السماوية، لكن ساتن ناداه من خلف الجدار بصوت حاول إخفاء قبحه (يا سيد الخلائق؟) التفت هومن وإيڤاني خلفهم لكنهم لم يروا أحداً (من هناك؟)، وجاء الصوت (أنا كائن نوراني يريد لك الخير.. لن تراني، هكذا أُمرت) سأله هومن (وما الخير؟) قال ساتن (ثمار الشجرة)، قال هومن (لكنها محرمة علي)، قال ساتن (بل الحرمة في الاقتراب)، قال هومن (لكن قطف الثمار يستوجب الاقتراب).. وهنا كان ذلك الجدل المتكلف والمراوغة في المغالطة (ما فائدة الشجرة هنا إذن إذا لم تكن لغرض؟.. وهل يخلق ربك عبثاً؟) لكن هومن لم يعقّب، وهنا كان على ساتن أن يسلك درب آخر في المراوغة والغواية (ثمار الشجرة خُلقت لتذهب عنك ضعف بنيتك.. ستكون لك أجنحة تحلّق بها في أرجاء المملكة كما تحلّق طيورها وترى عجائب الوجود.. وتعيش كسيد عظيم في مملكة السماء..) ثم أردف (اقسمُ لك بعزة الإله العظيم على صدق ما أقول).

 ***

المعصية:

أخذ هومن يفكر في حوار الصوت وبين أمر السماء بعدم الاقتراب من الشجرة، ولم يجد ما يبرر له أكل الثمار، ولكن ذلك القسم عظيم ولا يمكن أن تكذب الكائنات النورانية.. ثم قرر هومن بعد طول توجس الاقتراب، واقتربت معه إيڤاني.. كان ساتن ينظر في خبث بين لبنات الجدار.. اقترب هومن من جذع الشجرة وانتظر من الثمار ان تنحني إليه لكنها لم تفعل كما تفعل ثمار أشجار الحديقة السماوية، وانتابته الشكوك لمرة أخيرة لكنه بالرغم من ذلك مد هومن يده وقطف ثمرة لزجة وناولها إيڤاني ومد يده وقطف ثمرة أخرى له.. وفي تردد واشمئزاز قضم قضمة ولاكها، وقضمت إيڤاني كذلك قضمتها.. لم يستطيعا ابتلاعها لكن عصارتها الصفراء الكريهة سرت في جوفهما.. وهنا بانت لهما آثار العصيان في جوارحهم، طالت الأنياب والأظافر، وسال اللعاب اللزج من أفواههم والمخاط الأصفر من أنوفهم.. أخذت مشاعر جديدة من الإعياء والألم تسري في جوفهما فسقطا يتألمان ويبكيان.. هنا أدرك هومن وإيڤاني حقيقة الخدعة لا سيما عندما سمعا صوت القهقهة الخبيثة من خلف الجدار.. لم يشعر ساتن بنشوة الانتصار كما شعر بها عند تلك اللحظة.

 ***

الفراشات الهومية:

شعر هومن وإيڤاني بمشاعر ضعف لم يشعرا بها من قبل: ألم، إعياء، جوع وعطش.. كانت مياه الأنهار تهرب منهم، وكانت الثمار تختفي بين أصابعهم، والأزهار كانت بتلاتها تسقط قبل أن تمتد أصابهم نحوها، وكانت الحشائش تموت من تحت أقدامهم.. شعرا بحجم الخطأ الذي وقعا فيه، ما كان عليهما الاقتراب أصلاً من تلك الشجرة المحرّمة كما أرادت رسالة السماء، وما كان عليهما أن ينصتا لتلك الوسوسة الخبيثة.. وفي غمرة الحزن والجوع والعطش احتضن هومن إيڤاني وناما تحت شجرة أبت أن تحني أغصانها نحوهما.. عندما استيقظ هومن لم يجد إيڤاني على حضنه، لكنه وجدها خلف الشجرة مطأطأة وتحتضن شيئاً مضيئاً إلى صدرها.. (إيڤاني.. ما الأمر؟).. التفتت إيڤاني إليه بهدوء وهي تبتسم، وانطلق من حضنها مليارات من الفراشات المضيئة.. كانت هذه الفراشات تشبه هومن وإيڤاني لكنها صغيرة ومجنحة.. تساءل هومن (ما هذه الكائنات الجميلة.. إيڤاني؟)، قالت (إنهم نسلنا.. أطفالنا.. هم الأنس في الزمن الصعب).. لكن تلك الفراشات الهومية كانت قد لحقها ما لحق أبويهم من آثار الثمرة المحرّمة.. كانت الزهور تتساقط عندما تحطّ عليها الفراشات، وكانت الحشائش تذبل.. كانت الفراشات الهومية حزينة هي الأخرى.. وكانت إيڤاني حزينة وهومن حزين لأجلهم كذلك.

 ***

الحجر النوراني:

نزلت الكائنات النورانية لتواسي هومن وإيڤاني، وقالت بأن عليهما النزول إلى الأرض حتى تذهب عنهما بقايا عصارة الثمرة المحرّمة حتى موعد رحلة العودة في الزيارة اللاحقة.. هنا أخذ هومن يحكي لتلك الفراشات الصغيرة القصة عن الحديقة السماوية، وعن ساتن، والشجرة المحرّمة، وعن رحلة النزول للأرض ورحلة العودة للديار.. وجاءت ساعة الرحيل، فمضى هومن وإيڤاني وفراشاتهما خارج الحديقة السماوية، لكنهما قبل أن يخرجوا من بوابتها الجميلة التفت هومن خلفه لينظر نظرة أخيرة لمنزله الذي سيشتاق إليه، ثم سقطت من عينه دمعة حزن وندم، كانت إيڤاني حزينة هي الأخرى، جرت إيڤاني لتقطف زهرة لتحملها إلى الأرض، لكن تلك الزهرة تساقطت بتلاتها وتلاشت على حجر نوراني من أحجار الحديقة كان بالقرب منها.. حملت إيڤاني الحجر وجرت بعدها لهومن.. كان ذلك الحجر هو بعض من منزلهم الذي سيشتاقون إليه ويكون رمزاً يذكرهم به دائماً في وحشتهم على الأرض.

 ***

القادم: ماذا جرى لهومن وإيڤاني أثناء رحلة الهبوط من مصائب يحفرها ساتن لهم حتى قبل أن يصلوا إلى الأرض، وكيف ستكون حكايتهم على الأرض بعد ذلك سيكون ضمن الجزء الثالث والأخير.

 —

ملاحظة: بالطبع الكل يعرف الإسقاطات الواضحة للقصة.. لا داعي لمناقشة هذه الإسقاطات ودقتها وصحتها حتى لا نقع في فخ الجدل ونهرب عن الجوهر والغاية.. الرجاء التركيز على العناصر الفنية.

تاريخ النشر : 2016-09-09

guest
16 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى