ساو .. حكاية قاتل أم ملهم ؟
تظهر الدمية المرعبة لتنطق باكثر العبارات غرابة : " اريد أن العب لعبة " |
لا يشعر بالنعمة الا من يهدد بفقدانها .. تلك هي النظرية التي اتبعها “جون كرامر” الذي تمكن منه السرطان ، و بعد معانته مع الداء الخبيث استسلم للامر برمته و قرر الانتحار .لكنه فشل في تطبيق قراره باللحظات الاخيرة واختلجته مشاعر من الندم و عاد له امتنانه لكونه لا يزال على قيد الحياة ، فقرر ان يسخر كل قدراته و كل ما تبقى له من وقت ليعيشه في سبيل ان يعاقب كل من لا يقدر قيمة الحياة .
و لكن ما الطريقة التي انتهجها في ذلك ؟ .. لقد ابتعد عن كل الطرق المنطقية من توعية و حوار و انتقى اكثر الطرق تطرفا حين اختار الحل الاصعب من خلال تعذيب من يستحق على حد اعتقاده!.
جون كرامر .. قرر ان يتختبر قيمة الحياة بطريقة غريبة |
لقد بدأ بانتقاء ضحاياه بمراقبة افعالهم ، وعند تأكده من عدم امتنانهم للحياة التي ينعمون بها يقوم بتخديرهم و اخذهم الى مسرح أعده لهم مسبقا و الذي يكون بدون شك المكان الاكثر رعبا بالنسبة للضحية و الذي لن ينساه في حياته.. هذا في حال بقي على قيد الحياة طبعا .
و من هنا تبدأ طريق تقويم افعال الضحية و نظرته الى الحياة ، فأما أن يخرج من ذلك المكان وهو مانح حياته القدر الذي تستحقه او ألا يخرج ابدا .
وهنا اعزاءي القراء لنا ان نضع انفسنا في ذلك الوضع المزري و المرعب الذي يجد فيه الضحية نفسه ، بجسد مكبل بالسلاسل الثقيلة ، و قلب يكاد يخرج من مكانه هلعا ، و ذهن تعتريه آلاف الافكار السوداء .. لكن ما ان تفتح تلك الشاشة الصغيرة حتى يبدأ الكابوس الحقيقي بالنسبة إليه و تظهر فيها الدمية المرعبة التي صممها القاتل جون وهي تنطق باكثر العبارات غرابة قائلة : ” اريد أن العب لعبة ” .. ثم تمنحه المعلومات حول اصعب اختبار وضع فيه ، فلنا ان نلاحظ ان القاتل يضع الأحجيات التي يجب ان يحلها الضحية حسب افعاله ، فمثلا من امضى حياته في التجسس على الناس و مراقبتهم فأن عليه ان يستأصل عينيه لكي يقدر بشاعة العمل الذي قام به ! .. وهكذا .
يجد الضحايا انفسهم في فخاخ وشراك مرعبة وتطلب منهم الدمية حل الاحاجي ليبقوا احياء |
الغريب ان من ينجح في الاختبار وعوضا من ان يكّن الكره للمتسبب فيه .. فأنه يصبح يكّن له كل الاحترام ، لا بل و يصبح في صفه فيضطلع بمهمة المساعدة ظنا منه ان هذا الاختبار القاتل قد منحه سببا ليحب الحياة و يقدرها ، وهنا يصيبه الاشمئزاز من هؤلاء الذين لا يقدرون قيمة نعمة الحياة التي يعيشونها فيصبح امام حتمية تأديبهم .
غرائب حول تفكير القاتل
يعتبر نفسه واهبا للحياة عبر وضع مجموعة من الناس داخل لعبة مميتة لكي يشعروا بقيمة الحياة! |
القاتل هنا يعتبر نفسه واهبا لأسباب جديدة و دوافع لحب الحياة .. كما انه يكره كلمة القتل و يشمئز من نعته بالقاتل و يكتفي بالاجابة بجملته الشهيرة : “يوجد ﺍلكثير ممن لا يقدرون ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ” .
و كأن داء السرطان قد زاده قوة و دهاء حتى انه اقترب في كثير من الاحيان من كسر القاعدة التي تقول “لا يوجد جريمة كاملة” بفضل دهائه و حنكته و حسه الاجرامي العالي و الذي عجز امامه كامل سلك التحقيق الامريكي من C.I.A و F.B.I حتى ان التحقيق في ملابسات القضية قد ألهم احد المحققين فانضم إلى صف القاتل!.
سر تسمية الفلم
اسم الفيلم مأخوذ عن لعبة معروفة |
اسم الفلم ساو “saw” هو اختصار لكلمة “jigsaw” اي “الاحجية” او ” قطعة البازل” و هو الاسم الذي اشتهر به القاتل في سلك الاعلام .
فلم مبني على قصة حقيقية
ديفيد باركر راي |
معظم افلام الرعب الناجحة تكون عادة مبنية على قصص حقيقية ، وفيلم ساو لم يشذ عن هذه القاعدة ، فالفيلم تم استلهام احداثه من حكاية ﺣﻘﻴﻘﺔ لرجل امريكي من ولاية نيومكسيكو ﻳﺪﻋﻰ “ﺩﻳﻔﻴﺪ ﺑﺎﺭﻛﺮ ﺭﺍﻱ” ، ويعرف أيضا بقاتل صندوق الألعاب ، وكان قد جهز مستودع لغرض التعذيب ﺑﻤﺒﻠﻎ تعدى 100 ﺃﻟﻒ ﺩﻭﻻﺭ ﻭ قد وفر كل المعدات من سلاسل و سكاكين و شفرات وكل هذا للايقاع بالنساء ﻭ التعدي ﻋﻠﻴﻬﻦ ليصل به الامر بعد ذلك لتعذيب الذكور من كهول و شباب ، و كان كل همه هو الوصول الى نشوته التي تقتضي الحاق أكبر كم ممكن من الالم بالضحية فيلزمهم بالقيام بأمور هي اقرب للمستحيل للبقاء على قيد الحياة ، فمن خلال ﺷﺎﺷﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ يسرد عليهم جملة من الاوامر …
الدافع والسبب وراء جرائم باركر هو تعرضه في طفولته إلى جملة من الاعتداءات . فاصبحت لديه نزعة سادية في سن مبكرة ، وفي مراهقته عثرت شقيقته في حجرته على رسومات رسمها بنفسه تصور قيامه بقتل وتعذيب الناس بطرق بشعة.
الشرطة عثرت على اجهزة وادوات غريبة للتعذيب |
الغريب في قصة باركر هو أنه كان له مساعدين في جرائمه ، من بينهم أبنته الشابة ، وحبيبته السابقة التي كانت لا تقل عنه ولعا بالتعذيب والاغتصاب ، إضافة إلى بعض اصدقاءه الذين كانوا يستمتعون بالمشاركة في حفلات التعذيب ، خصوصا عندما يتم حشر الضحية في صندوق خشبي صغير ويتناوب الجميع تعذيبها واغتصابها من خلال فتحة في مؤخرة الصندوق ، هذا إضافة لوسائل بشعة اخرى، من بينها قيام كلاب راي بأغتصاب الضحية وهي مقيدة ، وكان قد درب كلابه على ممارسة الجنس مع البشر .
كان يخطط لكيفية التعذيب ويأخذ صور ومقاطع فيديو لضحاياه |
أغلب عمليات التعذيب كانت تتمحور حول الجنس وتتضمن أفعالا سادية وتتضمن ألعاب مؤذية يجب على الضحية أن يقوم بها ، وكان راي يستلذ بتصوير وتسجيل جلسات التعذيب تلك .
ومن العجيب في القضية أن راي كان يطلق سراح بعض ضحاياه ، وكان هؤلاء يتقدمون للشرطة بشكوى ، لكن لا احد يصدقهم! .. واحدة من هؤلاء الضحايا ، كيلي غاريت ، تشاجرت مع زوجها ذات ليلة فقررت قضاء بعض الوقت خارج المنزل ، وفي حانة تعرفت على جليندا ، أبنة راي ، والتي قامت بأستدراجها إلى مستودع ابيها حيث احتجزوها هناك ومارسوا عليها شتى أنواع السادية ، وبعد ثلاث أيام قام راي بحز عنقها بالسكين ، وظنا منه أنها ماتت رماها على قارعة الطريق ، لكنها في الحقيقة لم تمت ، وتم انقاذها ، والمفارقة انها عندما تقدمت بشكوى لم يصدقها أحد ، حتى زوجها ظن أنها تكذب وبأنها على علاقة برجل آخر ، فطلقها.
الى اليسار صورة مساعدة باركر راي في جرائمه وإلى اليمين صورة ابنته |
في الواقع عدم تصديق الضحايا من قبل الشرطة يعود إلى حالة عدم اليقين التي يكونون فيها عند تقدمهم بالشكوى وعدم تذكرهم لتفاصيل ما حدث معهم ، وذلك لأن راي كان يعطيهم مواد مخدرة وعقاقير تؤثر على الأدراك والذاكرة .. وكان بارعا أيضا في أساليب غسل الدماغ والتلاعب بالافكار تماما مثل جون كرامر بطل فيلم ساو ، مع اختلاف الهدف والغاية طبعا . لدرجة أن واحدة من ضحايا باركر راي لم تتقدم بشكوى للشرطة إلا بعد أن ألقي القبض عليه وأشتهرت قصته في الإعلام ، وعندما سألوها عن سبب عدم تقدمها بشكوى سابقا ، قالت بأنها كانت تظن بأن جميع ما حدث لها من اغتصاب وتعذيب لم يكن سوى كابوس رأته في منامها!.
الضحية الاخيرة التي تمكنت من الهرب واوقعت بالقاتل ومساعديه |
القي القبض على ديفيد باركر راي سنة 1991 أثر هروب إحدى ضحاياه ﻭ ﻋﻠﻰ ﺟﺴمها ﺍﺛﺎﺭ اخضاع و تعذيب .. وهنا توقف عداد ﺿﺤﺎﻳﺎه عند 60 ﺿﺤﻴﺔ ، ﻭ ﺍﻟﺤﻜﻢ عليه بـ 220 سنة ، ﻭقد مات ﺑﺎﻟﺴﺠﻦ ﺑﻌﺪ بضعة اعوام.
سر نجاح الفلم
يعود السر في تفوق الفلم عن باقي افلام الرعب في حبكته المتماسكة و الفريدة ، فتتالي الاحداث يجعل المشاهد في شوق لمعرفة بقية ملابسات القضية ، حتى أن التكهن بالأحداث المقبلة يكون ضربا من الخيال .
ملاحظة : موضوع الفلم معقد .. لكني اخترت التركيز على شخصية القاتل و تفكيره نظرا لشخصيته الفريدة و المحنكة.
مصادر :
تاريخ النشر : 2017-06-07