أدب الرعب والعام

سر البوابات المخيف

بقلم : تامر محمد – مصر

وجد رأس كاريمان الشبحية..يبرز من بين قدميه
وجد رأس كاريمان الشبحية يبرز من بين قدميه

“أنا حي مثلك…..فلتشعر بي واقفا الآن إلى جانبك…
….ولتغمض عينيك ولتلتفت لليسار….أنا حي مثلك….الآن تري وجهي المظلم….لا تخف….هيا إقترب….أنا حي مثلك…….”

* * * 

1-
انزلت قدماها إلى الأرض ..وسط ظلمة الغرفة تتلمس طريقها شبه ناعسة إلى الصالة حيث الحمام..أدركت الآن كم كانت مخطئة عندما تجرعت كل تلك الكمية من البيبسى كولا قبل النوم
تتكاسل عن فتح النور
ترفع غطاء المرحاض
تجلس..
بغتة..
تقفز كالملسوعة!..
تسقط على الأرضية الباردة..
تخرج قافزة من الحمام
تقف مرتجفة
“ماهذا..الذي هناك؟”
تضغط زر النور..بيد مرتجفة
يضاء الحمام..بنور الفلورسنت الأبيض
تراها هناك فى قلب المرحاض
و لا يسعها إلا أن تطلق صرخة هائلة تشرخ صمت الليل..
و تسقط أرضا
***
احتضنها بسعادة لا توصف نابعة من قلبه..بادلته الحضن إلا أنه شعر بيدها مرتخية نوعا ما..لم يعر الأمر إهتماما
“اكيد مجهدة من حفل الزفاف”
نظر إلى عيناها..واسعة سوداء كم أحبهما دائما
قال :
-مبروك يا عروسة؟
ابتسمت :
– مبروك لي أنا يا أحمد
– أخيرا تزوجنا
– نعم
– من يصدق أنا و أنت فى شقتنا بعد عامين من التجهيزات
يقف أحمد يواجه انعكاسه فى المرآة ..نظرة الغرور تشع من عينيه..بذلة سوداء أنيقة..يعدل من ربطة العنق الحمراء ..
و يغمغم :
– لم أتخيل أبدا أني سوف أتزوجك يا كاريمان
يبتسم فى سخرية و يكمل :
– لكنه النصيب..اليس كذلك؟
لا يسمع منها إجابة..
يستدير..اختفت!
– أين ذهبت..؟
يلاحظ..باب الشرفة مفتوحا..الهواء يداعب الستارة
يقول في نفسه
“يال قلة الذوق”
يدخل الشرفة و هو يغمغم :
– لا فائدة فيك..ماذا تفعلين عندك؟
طالعه مشهد السماء السوداء بنجومها المتناثرة و قمم الأبراج المضاءة..
و لكن الشرفة خالية
هتف ساخطا :
-كاااااريمان..؟
بغتة اصابه خاطر مخيف:
– هل من الممكن أن…
أسرع..
تدلى من الشرفة..
و من أعلى الطابق الـ18 شاهدها..

قفزت كاريمان بثوب العرس لتهوي على الأسفلت محطمة..
لقد انتحرت!

* * *
انتفض من كابوسه على الصرخة المفزعة..
خدر النعاس مازال يقيد حركته..بطيئة..لكن “الصرخة حقيقية” قالها لنفسه
هرع إلى الصالة..
وجدها على الأرض تبكي متشنجة عيناها تلمعان كمجنونة .
إنحنى عليها يقول بسرعة :
– ماذا بك يا جيهان؟..ماذا حدث؟
لا تجيبه
عيناها مسمرة على باب الحمام المضاء..
تشير بأصابع مرتجفة.. متشنجة
و تهمس بصوت مخنوق :
– المرحاض..المرحاض يا أحمد
يلتفت فى وجلإالى حيث أشارت
يطالعه مرحاض برىء عادي

– مابه؟…لا أرى شيئاً
تتسع عينا جيهان :
– ألا ترى..ألا ترى..؟
يصيح بعصبية..مازال الكابوس عالقا براسه :
– ماذا؟
تقول بشفاه مرتجفة :
-رأس كاريمان كانت هناك

* * *
وقف يفرك يديه..الدموع تلطخ وجنتيه..
“ليه يا كاريمان..؟؟..و فى ليلة عرسنا”
اقترب والده و ربت على كتفه و قال :
– البقاء لله يا أحمد..
رمقه أحمد فى لامبالاة..
“تواسيني فى ماذا..عروستي انتحرت فى ليلة الدخلة”

صوت أجش :
– أستاذ أحمد الخطيب؟
– أجل
– رشدي فؤاد ضابط مباحث
“كملت يا أحمد..سوف يتهموك بقتلها”

* * *

تلملم جيهان ملابسها و تدسها فى حقيبتها بلا نظام و على عجل..بينما أحمد جالس على حافة السرير يراقبها دون أن يمنعها و يقول :
-تخيلات يا حبيبتي
تهتف :
– لا حقيقة..لقد لمستها عندما جلست
تهز رأسها نافضة الذكرى المخيفة
يغمغم :
– كاريمان ماتت منذ عامين..
– أعلم..و كانت تحبك
“يال النساء “
ينهض..و يحتضنها من ظهرها
-و لكنها ماضي و أنتهى..و أنتِ حبيبتي .
تستكين له..و تقف ثورة الملابس مؤقتا
يكمل :
– كل التخيلات بسبب أن ذكرى وفاتها كانت الليلة .
تستدير له و تنظر فى عيناه و تقول مرتجفة :
– لقد رأيتها..و لمستها..صدقني 
تترقرق عيناها بالدموع .

“تبدو صادقة..حظك يا أحمد موعود بالمخابيل من النساء”
يمسح دمعة فرت إلى خدها و يقول:
– أنا معك..لا تخشى شيئا
بغتة ..
تتسع عينا جيهان في خوف هستير!..
تتراجع إلى الخلف!..
تسقط على السرير تصرخ فى جنون و هي تشير إلى ما خلف أحمد
– أأأأأأأأأأأأأأأأه
ينتفض..
و ينظر..
و تتسع عيناه هلعا!!…

2-

قالت بتأفف :
– أحمد الخطيب يا كاريمان؟؟..لم تجدي إلا أحمد الخطيب !
أحتست كاريمان رشفة من كوب النسكافية..ووضعته على المنضدة و هي ترمق صديقتها هدى بأستخفاف:
– أنسب شخص
– لكن مغرور جدا
– أعلم
– حالة الملل التي أصابتك..سوف تؤدي إلى نهايتنا معا
تنحني كاريمان نحو هدى و تقول مبتسمة :
– التجديد يا عزيزتي..التجديد
و تغمز لها..
تنفجر هدى فى الضحك و تهمس من بين شفتيها الضاحكة :
-أنتِ مجنونة
تلوح بيدها :
– ليس أقل منك جنونا يا هدى
فى تلك اللحظة يمر أحمد مع زميله من أمامهما..يسير بثبات يرتدي ملابس أنيقة متناسقة
تغمغم هدى :
– مغرور جدا

* * *
يتجرع أحمد كوب الماء البارد دفعة واحدة..
مازال غير قادر على السيطرة..أعصابه انفلتت بعد ما شاهدها..
غمغم هشا م:
– إهدأ يا أحمد على مهلك
ترك أحمد الكوب جانبا و غمغم :
– لن تستطيع يا هشام أن تتصور مدى الرعب و الدهشة و الصدمة التي حلت بي عندما شاهدتها هناك
تساءل هشام :
– كاريمان؟
– أجل..الله يكون فى عون جيهان..أصابها انهيار فظيع
نهض هشام و هو يقول :
-جيد أن تركتها تذهب إلى منزل عائلتها
– لا ليس جيدا والدها سوف يقلب الدنيا على رأسي.

– حاول النوم..و أنا موجود بالشرفة أكتب مقالي
– تسلم لي يا هشام..اتعبتك معي .
– لا تقل هذا نحن أصدقاء و أنت أكثر من اخ..نام الآن
ينصرف هشام..
بينما أحمد يحاول أن يغمض عينيه..
و لكن مشهد كاريمان و هي تزحف صاعدة إلى سقف الغرفة لا يترك له مجال للنوم و صراخ جيهان المتواصل
يغمغم :
– معك حق يا جيهان..لقد عادت و لا أدري ماذا تريد
و أغمض عيناه..
و لم يلحظ ذلك الظل الأسود الذى تحرك على الحائط قبل أن يغوص بالأرضية

* * *
– صباح الخير
– صباح النور يا كاريمان
– ممكن أجلس؟
– طبعا.. تفضلي
قالها أحمد بلامبالاة و هو يتصفح الجريدة..
تجلس كاريمان على المقعد إلى جواره بقاعة السكشن التعليمي و تقول :
– تبدو مشغولا؟
– لا أبدا..أنا اتصفح باب “حظك اليوم”
تصفق في حماسة و تقول :
-الله..ابراج…اممم..ماهو برجك؟
– أنا جدي..و أنتِ؟
– أنا برج القوس
– أها برج طموح اصحابه متألقين..لكنهم سريعي الغضب
– يا سلام..برج الجدي برج عنيد مغرور أليس كذلك؟
دافع أحمد عن نفسه بكلام كثير و كانت كاريمان تجره إلى الحديث فى مجالات مختلفة
و كانت تقصد ذلك..
فقد اختارته..
اختارته لنفسها..!

* * *
انتفضت جيهان عندما أقتربت منها أمها..
– آسفة يا ماما..مازل المشهد يثير أعصابي
– حاولي أن ترتاحي يا جيهان..
– أرتاح؟؟..صعب..لا أستطيع نسيان منظر رأسها في المرحاض تنظر لي..و في غرفة النوم تزحف على الجدار إلى السقف و هى ترمق أحمد بتلك النظرات المخيفة قبل أن تختفي.. لالا لن أرتاح ..لابد من حل لهذا الوضع

– أبوك لن يسكت و سيتكلم مع أحمد
– أحمد..!!..زواجنا لم يمضي عليه 6 شهور و لكنه لايبالي أنا أعلم كيف يفكر

تجلس الأم و تقول بعتاب :
– إختيارك يا جيهان
– بصراحة كان شاب مناسب رغم أن زوجته قد انتحرت ليلة عرسها و لكن هذ لم يزعجني..مهندس اتصالات راتبه 7000 جنية شهريا..فيلا سيارة..كان حلم يا أمي
– النقود ليست كل شيء
تبتسم جيهان ساخرة و تغمغم :
– الأفضل أن أنهض و أحاول النوم

* * *
محاولات كاريمان نجحت بعد مرور شهور..
أخيرا تحرك جبل الغرور – احمد الخطيب طبعا – و افصح عن حبه لها
أخبرتها هدى ..و هما تجلسان على مقعد من الجرانيت أمام كورنيش النيل:
– كنت متاكدة أنه سوف يقع أسير هواكِ
تبتسم كاريمان و هي تفرك يدها :
– كان الموضوع سهلا
– و الخطوة القادمة ؟
– يخطبني طبعا
تضحك هدى و تقول:
-يا مجنونة
ترمقها ساخرة:
– لست وحدي المجنونة
تمسك هدى بيدها و تقول:
– أنا خائفة عليكِ هذه المرة
– حبيبتي لا تخافي سوف أنجح

* * *
انهمك هشام فى الكتابة..
و أمامه فنجان القهوة..قد فقد حرارته..
بغتة..
انتفض هشام على صرخة أحمد
– ماذا حدث؟
نهض مسرعا و اتجه إلى غرفة النوم..
و فتح الباب..
و اتسعت عيناه فى ذهول
و أحمد يصرخ :
-انقذني يا هشااااااااام

* * *
عندما حاول أحمد الخطيب النوم..
تقلب عدة مرات محاولا ان يأتي بالنعاس الشارد منه..
و أخيرا بدأ يغط في نوم هادىء نوعا ما..
و هنا..
ظهر ظل أسود ثخين لرأس يبرز من أرض الغرفة..سرعان ما طار في الهواء ساحبا خلفه ذيل أسود يشبه السحاب..تعلق فى الهواء أعلى أحمد..
يراقبه لوهلة
قبل ان ينقض عليه..
برودة تنخز في جسده كألاف الإبر..و هو يسير في تلك الأرض الجليدية التي تمتد إلى ما لانهاية مسطحة منبسطة
تحدث أحمد و البخار البارد يخرج من أنفه:
-أنا فين؟..أنا بحلم..أنا في بيت هشام صديقي
أستدار حول نفسه..
– اي حلم هذا..الثلج على امتداد البصر
انحنى على ركبتيه قبض قبضة من الثلج..جرشها بأصابعه..شعر ببردها
– كأنها حقيقية
و فجأة..
تشققت طبقة الجليد تحت قدميه..
صرخ..
و هو يسقط فى الماء المثلج المظلم..
الذي سرعان ما ابتلعه بلا رحمة..
انتفض أحمد مستيقظا..
– ياله من كابوس..مازلت أشعر ببرودة الماء..
و بغتة..
وجد رأس كاريمان الشبحية..يبرز من بين قدميه الممدودة على السرير
و صرخ..صرخ بكل ما أوتي من قوة
و أسرع هشام بفتح الباب
و اتسعت عيناه فى ذهول
و أحمد يصرخ:
-انقذني يا هشااااااااام

بغتة..ارتفع السرير بأحمد..في هواء الغرفة..
يدور حول نفسه كقرص دوار بلا رابط
و صراخ أحمد يتعالى و يتعالى فى هستيريا

3-
– أنا عندي الحل
قالتها هدى
و هي تجلس أمام أحمد و هشام
قال هشام :
– أنتِ اتصلتي و كنتِ تعلمين كل شيء
بللت هدى شفتها بلسانها و قالت:
– أجل..أعلم كل شيء..

نظر لها أحمد بدهشة و قال:
-كيف؟
نظرت له هدى و قالت:
-لقد أتت لي يا احمد..كاريمان أتت لي
و كانت صدمة

* * *
قادت هدى سيارتها و أحمد يجلس إلى جوارها
وقالت:
– كاريمان كانت أكثر من صديقة يا أحمد
هز رأسه و قال:
– أعلم كانت مرتبطة بك كثيرا
– هل تعرف اني حذرتها من الزواج بك؟
– أعلم..قالت لي..بحجة أن القوس و الجدي لا ينسجمان
 -و لكنها لم تسمع نصيحتي “تترقرق عيناها بالدموع” و ماتت
– انتحرت يا هدى..ماتت كافرة
دعست دواسة الفرامل توقفت السيارة بصرير حاد
– لا تقل كافرة
زفر أحمد في ضيق و قال:
– أنا آسف
– لا تعلم عن ظروفها اي شيء
– قلت آسف
تسأانف القيادة و يى تغمغم:
– لقد وعدت نفسي ألا أقترب منك مرة أخرى بعد أن تسببت فى موتها

كظم أحمد حنقه و هو يرمق هدى فى ضيق
أكملت :
 -لكنهااصرت على أن أساعدك يا أحمد
– فيها الخير و الله..
قالت هدى:
-أها..لقد وصلنا
و تطلع أحمد أمامه..إلى تلك البوابة المعدنية الصدئة..
إنه على عتبة دخول المقابر

* * *
شاهد القبر الأسود الرخام..
انتصب فوق المقبرة بداخل حجرة تحتوي على ثلاثة قبور أخرى
قالت هدى:
– كانت تحب اللون الأسود
تلفت أحمد حوله في توتر و قال:
-اه..هلا تسرعي..؟..ما المفروض أن نفعل هنا؟
– لم تبخل أسرتها في تجهيز قبرها
-و لا أنا..ها.. ما المفروض أن نفعل هنا؟؟؟
رمقته في ضيق و غمغمت:
– غير مبالي إلا بنفسك..المسكينة أحبتك
– و أنا أحببتها كذلك..ألا ننتهي؟
– حسنا..لقد أتت لي كاريمان و كان لها مطلب واحد
– ماهو؟
– أن تذهب إليها
هتف :
– ماذاااا؟؟؟

* * *
صاحت جيهان :
– ماذا تقول يا هشام..ذهب مع هدى إلى قبر كاريمان!
تغلق المكالمة و هي تزفر في غضب و غيرة
غمغمت أمها:
– ماذ هناك يا بنتي؟
-البيه..ذهب إلى قبر حبيبة القلب القديمة
– كاريمان؟؟
– أجل..برفقة صديقتها الصدوق هدى
– لماذا؟
– لا أعلم..و لابد أن أعلم

تنهض و تذهب إلى غرفتها
تصيح الأم:
– إلى أين؟
– أبدل ملابسي سوف الحق بهما إلى المقابر

* * *

قالت هدى :
– أنت تحبها..صح؟
– نعم أحبها لكنها ماتت و هي الآن تطاردني و لن أذهب إليها..اتريدين مني أن أنتحر بدوري؟
تبتسم هدى بسخرية :
– طبعا لا..أنتم الرجال لا تملكون اي عقول بالمرة
– كل الموضوع أنها تريدك أن تذهب إليها في عالم الأروح و تتقابلوا و تنهوا ما بدأتموه
– ننهي ماذا؟.لقد ماتت..لا أموات يرجعون
أقتربت منه هدى و هي تقول:
– كاريمان لم تمت يا أحمد
صعقته العبارة..
تراجع كالملدوغ..
و غمغم:
– أنتِ مجنونة..لابد أن أذهب..لقد أخطأت بحضوري معك إلى هنا
و بالفعل تركها و انصرف
و على عتبة حجرة الدفن..
شعر بوخزة حادة في عنقه..
و هدى من خلفه تمسك بمحقن و تغرسه برقبته و تغمغم:
– آسفة اضطرتني إلى فعل ذلك..
و من خلفهما ..من مقبرة كاريمان..
ارتفع الظل الأسود في الهواء
دفع أحمد هدى جانبا بعنف و شد المحقن من عنقه و صرخ:
– أنتِ مجنونة..بماذا حقنتني؟..سم..هل تريدين قتلي
و بغتة.. ازداد الهواء جنونا..و برودة..
و شعر أحمد بدوار و خدر يجتاح عقله..
و عيناه تغيمان برؤية ضبابية
و تخيل له أن كاريمان تقف أمامه مبتسمة
ثم سقط أرضا فاقدا الوعي

* * *
انطلقت جيهان تخترق شوارع القاهرة المزدحمة بسيارتها..
“ذهب إلى حبيبته القديمة”
“حسنا يا أحمد..أصل إليك فقط و وقتها سوف أريك”
ضغطت على دواسة الوقود مجبرة السيارة الصغيرة على الإسراع أكثر
و من بعيد لاحت..
المقابر

* * *
انتفض أحمد..
البرد يشمله..و ندف الثلج تغطيه..
“أين أنا؟؟”
اعتدل..مسح الثلج عن وجهه..كان كبقعة سوداء وسط بحر هائل من الجليد المترامي إلى مالانهاية
“الحلم؟..أنا أحلم من جديد”
يقف..
يلمس عنقه
“الحقنة..هدى..هل مت؟”
“لا..إنها أرض الحلم”
و فجأة..
هزة أرضية خفيفة..و تصدع و تشقق الجليد من تحته
-اااااااااااه..
و سقط أحمد فى المياه الباردة..
لوح بذراعية و رفس بقدميه
إلا أن المياه نجحت في إبتلاعه..
و عادت قشرة الثلج تغلق من جديد..
برودة رهيبة..و ظلمة مخيفة..
“كأنه حقيقة و ليس بحلم”
و فوجىء أحمد بعدم قدرته على التنفس..و اتسعت عيناه..إنه يختنق
و سبح إلى أعلى..حيث السقف الجليدي للقشرة التي أغلقت دونه..
ضرب بقبضته عليها
لكن هيهات كانت في صلابة الصخر
“ااااه..أموت هنا في الحلم..لالا”
و فجأة..
شعر بقبضة دافئة قوية تمسك قدمه
نظر إلى أسفل في رعب و شهق مبتلعا كمية من الماء التي احرقت رئتيه
كانت كاريمان هناك
تجذبه إلى الأسفل
إلى القاع..

* * *
أوقفت جيهان السيارة..
و ترجلت..
“فين بقى مقبرة حبيبة القلب؟”
و سارت في جد تبحث عنها

* * *
الظلام..
و الصمت..
و هدوء يشمل روحه و عقله..
و فجأة..
يقذفإالى أرض طينية وحلة..
يسقط على وجهه..يتلطخ بالأوحال..يقف غير مصدقا نفسه
“لقد نجوت من الغرق”
كان داخل كهف
أمامه..
تمثال يجلس القرفصاء..لإنسان عاري الصدر له أربعة أذرع رأسه على شكل ماعز..تحيط به مشاعل ملتهبة
غمغم أحمد و هو يشاهد أنثى راكعة أمام التمثال :
-لو سمحتى يا…؟
تلتفت إليه الأنثى..عيناها واسعة سوداء عميقة
تبتسم في ثقة..
غمغم في فزع:
-كاريمان..؟
تقف و تقترب منه و تقول:
– آسفة يا أحمد
– أنا بحلم
بغتة..تصفعه كاريمان على وجهه بعنف
– اه..لماذا؟
تقول ساخرة :
-حتى تتأكد أنك لا تحلم
تضع يديها على كتفيه..يشعر بالرعب تغمغم:
-خائف مني؟
– لا..اه..ماذا تريدين؟
– أريدك يا حبيبي
– أنا..و لكنك ميتة؟
-لا لست ميتة..أنت هنا و أنا كذلك أراك و تراني اليس كذلك..لقد خنتني؟
– أنا خنتك..أنتِ ميتة
– تزوجت من بعدي
– سنة الحياة..أنتِ من انتحرتِ
يتغير وجهها و ينفر و تظهر أسنانها حادة..و لسانها المشقوق و تزمجر هاتفة :
– تزوجت من بعدي..
شل لسان أحمد من الرعب
اختفت الملامح الشريرة و عادت كاريمان لطبيعتها في ثانية ..
و هي تقول :
– لابد أن تعوضني
– موافق..لكن دعيني أخرج من هنا
-أنت خائف مني؟؟
– لالا ..أنا أحبك
– تحبني؟ ..امممم..ام خائف مني؟
– و حياتك أحبك
و كاد يبكي
تبتسم فى سخرية:
– إذن تريد الخروج من هنا؟
– نعم
-ردد خلفي الكلمات حتى تخرج
“كتولو” صاحت بالكلمة
كرر أحمد من بعدها كتولو..كتولو
و اهتز الكهف..و أرتفع صوت كاريمان
كاااااااااااااتولو
و أحمد يردد خلفها
وفجأة..
أضاء المكان ضوء باهر كألف شمس

* * *
هزته جيهان برفق:
– أحمد..أحمد..استيقظ
فتح أحمد عيناه برفق..
ليطالع وجه جيهان..ابتسم و قال:
-كل شيء إنتهى..أنتِ طالق يا جيهان

* * *
بعد عام..
تلفح أحمد بكوفية تقيه البرد..يقف في شرفة البيت الجبلي يتطلع إلى مشهد أشجار الأرز التي غطت مساحة واسعة من جبال لبنان
أتاه صوتها يقول:
-الشاي جاهز يا حبيبتي
يستدير و يدخل..
هدى تجلس إلى الأريكة مبتسمة و تقول:
– المرة القادمة إختاري شخصا أقل غرورا..افتقدتك على مدار عامين
يجلس أحمد مبتسما و يحتسي الشاي:
– هههههه حاضر يا هدى هانم..لكنك تعرفين لابد من مرور عامين قبل أن أبدأ من جديد
ترتاح هدى فى جلستها و هى تقول:
– أعرف..أعتقد أن أحمد الخطيب إنتهى الآن يا كاريمان
– لا يا عزيزتي ليس تماما..فهو لم يدرك ما حل به حتى تلك اللحظة
– امازلت مصرة على الإحتفاظ به؟
– نعم للذكرى..كل تلك الأروح التي أحتليت أجسادها على مر العصور محبوسة فى سجن الكابالا السفلي
تبتسم هدى:
– من يصدق أن هدى و كاريمان يسيران على الأرض منذ عشرة الآف عام متنقلتان بين الأجساد
ترشف كاريمان من كوب الشاي و تقول:
– كانت صدفة سعيدة عندما عثرنا على تعويذة الخلود تلك
– و بوابات الأرض الأخرى

* * *
و هناك فى بُعد آخر سحيق..
مظلم..وقف أحمد الخطيب..فوق جرف على شفا حفرة هائلة الإتساع من الحمم المنصهرة..
و من خلفه وقفت فتاة بديعة الحسن ترتدي الأثمال قالت:
– لا فائدة يا أحمد..لن تجد طريق للخروج..كاريمان حبستنا في أرض الكابالا المحرمة
– لن ايأس..سوف استعيد نفسي من جديد
تمسك بساعده و تغمغم:
– أنت أول من قال هذا ..الجميع أصابهم اليأس
قال فى عناد:
– لا تنسي أني من برج الجدي
و ابتسم في الجحيم..
و بداخله أمل في الخروج من البوابات المخيفة ..

(((تمت)))

تاريخ النشر : 2021-08-06

guest
17 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى