أدب الرعب والعام

سر الغرفة رقم 350

بقلم : Mouna Adami – الجزائر
للتواصل : [email protected]

ما كان عليكنَّ أبدًا الدُّخول الى تلك الغرفة !
ما كان عليكنَّ أبدًا الدُّخول الى تلك الغرفة !

كانت فكرة الحجز لمدة أسبوع في فندق ” خمس نجوم ” ممتازةً ، بالخصوص بعدما انهينا الامتحانات الفصلية و التي كانت نتائجها تستحق المكافأة !

بدأتُ هذا الصباح أَنا و صديقتيَّ بتحضير أمتعتنا في حماس و نشاط ، حيث لم نتوقَّف للحظة عن الحديث و مراجعة برنامج الاِستجمام الذي كنَّا قد أعددناه منذ امتحاننا الأوّل ، لذلك قررنا الاستمتاع بكل دقيقة و ثانية من هذا الأسبوع .

وصلنا أخيرا بعد رحلة طويلة ، نظرًا لبعد الفندق عن المدينة و كان سبب اختيارنا له منذ البداية كونَه يقع وسط الطبيعة في جو هادئ بعيدًا عن صخب المدينة و ضجيجها . اِستلمنا مفتاح الغرفة ذات الرقم 350 , من عاملة الاستقبال التي كانت سيّدة في الخمسينات من عمرها تحمل ابتسامةً ساخرةً مريبة لم تفارقْ ثغرها .

كانت غرفتنا الثلاثية تقع في آخر طابق بسبب “اكتظاظ الفندق” حسب ما أخبرتنا به العاملة يوم الحجز ، لم أستغرب عدد النُّزلاء الكبير بالنَّظر إلى جمال الفندق و مهارة عمَّاله و تفانيهم في الخدمة ، بقدر ما اِستغربت عندما دخلت غرفتنا المحجوزة ، فقد كانت باردة جدا مقارنة بقاعة الاِستقبال و جوِّ الفندق بشكل عام كما أنَّ جدرانها كانت مغطاةٍ بطلاء أزرق باهت و كانت طبقة الطلاء رقيقة و عشوائية ! وَ بعد التدقيق الجيد تبيَّن لي أنَّ هدف الطِّلاء هو اخفاء بعض الكتابات الحائطية الظاهرة فعلا لكننّي لم استطع فكَّ رموزها أو قرائتها !
– إنّ طفل أحد النُزلاء السّابقين قام بخربشة الحائط و سرعان ما أَصلحنا الأمر كنوع من التَّرقيع حتى نحضر مختصًّا يعيد طلاء الغرفة بالِاحترافية اللاَّزمة.

هذا ما تلقيته كجوابٍ عندما سألتُ العامل الذي حمل أَمتعتنا الى الغرفة عن سبب ردائة الطلاء ، كما أضاف بخصوص جوِّ الغرفة البارد أنَّ المدفأة في هذا الطَّابق معطّلة و سيتمّ إصلاحها غدًا صباحًا ، لم أُعِر الامر اِهتماما كبيرًا و التفتُّ لِصديقتيَّ و بدأنا في إفراغ حقائِبنا و تجاذُبِ أطراف الحديث ،

سرعان ما أرادتأخذ قسط من الراحة بعد أَن نال منهما التَّعب فِيما أردت أنا أن اجرِّب حمَّاما دافِئا قبلَ النَّوم ، فتوجَّهت إلى حمّام الغرفة و هممت بالدخول … حتى سمعت صرَاخًا بدا لي صوتُ طفل صغير ! في البداية ظننته ابن إحدى العائلات الحاجزة بهذا الطّابق لكنّ الصُّراخ بدأ يعلو و كأنّ مصدرَه يقترب بالفعل من غرفتنا ، أسرعت بفتح البَاب و كانت صدمتي كبيرة فلم يكن في بهو الطابق أيُّ طفل و توقف الصُّراخ في لمحِ البَصر بل و بدَا لي الطَّابق موحِشًّا و لم أَشعر بالاكتظاظ الذي زعمتٍه تلك المريبة ! سارعت بغلق الباب و قررت النَّوم فورا فربما قضاء مدة طويلة في الحافلة قد جعلني أُهلوس .

أَيقظتني صديقتاي تدعوانني لننضمَّ إلى العَشاء مع باقي النزلاء و راحت إحداهما تخمّن أي نوعٍ من الأطباق تمّ إدْراجها الى اللّائحة في البوفييه المفتوح اليوم ، أمَّا أنا فلم أكن جائعة بقدر ما كنت أُفكر دون توقُّفٍ ، فقد بثَّ في نفسي ذاك الموقف رعبًا لا يقاوم ، تصنّعت اِبتسامة و سبقتهما إِلى بهو الطَّابق كنوع من الفضول و التّنقيب ! كان كلُّ شيء على ما يرام عَدا المصعد الذي وجدناه معطَّلا فورا دخولنا !

اضطررنا لإستعمال الدَّرج في النُّزول و لم يكن ذلك ممتعا أَبدا فقد سمعنا صوت وقع أَقدام و كأنَّ أحدهم يركض ، أسرعت دون صديقاتي و رحت أحاول اللَّحاق بالصَّوت، حتى فوجئت بفتاة صغيرة استدارت و ابتسمت لي ، كان جميلةً جِدًا بشعر أشقر مضفور و لكنها تبدو متعبة جدا ، عيناها محمرّتان وَ ترتدي رداءً أسودا طويلاً ، ثم استمرّت في الرَّكض بعيدا و زدت أَنا في سرعتي فتعثَّرت في إحدى الدّرجات عندما التوت ساقي فجأة ! و سرعان ما توارت الفتاة عن نظري ، عندها لحقت بي صديقتاي و سألتاني باستغراب عن هذا التّصرف ، فرويت لهمَا ما رأيته ، حتى صرخت إحداهما قائلة: ” يا الهي إِنها نفسُ الفَتاة التي رأيتُها صبَاح اليومِ في المِصعد ابتسمت لها فأرادت وجههَا عنِّي و هربت بنفس الطّريقة التي رأيتِها للتو ” !!

نزلنا الى العشاء و كلٌّ منا متوترة أَكثر من الأُخرى و بعد ملئِ أطباقنا جلسنا بإحدى الطَّاولات الكبيرة المشتركة و كانت تقابلنا عجوز طاعنة في السّنّ تبدو لوحدها ركّزت معها قليلا ، فقد صرت حذرة أكثر بعد ما رأيته اليوم و كانت هي تبادلني النّظرات أيضا ،ألقت علينا التَّحية و سألتنا عن مكان غرفنا و موعد قدومنا إلى هنا ! أجابتها إحدى صديقاتي باِختصار ، حتى رأيناها تتأسف علينا بنوع من الصدمة فور سماعها رقم الغرفة ” 350 ”

– ما كان عليكنَّ أبدًا الدُّخول الى تلك الغرفة ! لن أطيل الحديث و سأروي لكنَّ ما الغريب فيها ، كانت غرفة عادية قبل عشرين سنة حيث كان هذا الفندق في أول سنة له تحده دارٌ للأيتام تأوي مائةً و ستّون طفلا و طفلة و كانوا يتعرّضون لمعاملة جدِّ قاسية من مسؤوليه ، ذات يوم نشب حريق مجهول السّبب في تلك الدّار و اِحترق كلُّ من كان بداخله و هرب البعض منهم ، وَ كانت هناك فتاة صغيرة من ضمن الهَاربين في الرابعة من عمرها ، من شدة خوفها لجأت إلى هذا الفندق ، فرأتها إِحدى العاملات و طردتها ؛ لأنَّ الأيتام كانوا دائمي الهرب من الميتم و اللُّجوء إلى هذا الفندق ، و لكنها عادت و صعدت إِلى أَعلى الطَّوابق و اِختبأت في غرفتكِنّ و أخذت ترسم و تخربش على الحائط و لكنَّ تلك العاملة لحقتها بنفسها حاملة عصًا و أرادت إِخراجها مجدّدا، فخافت المسكينة و ألقت بِنفسها من النَّافذة ، الغريب هو أن الدهاناتِ لم تكن كافيةً لإخفاء تلك الخربشات إلى اليوم ، لذلك لم توضع الغرفة للحجز منذ وقت طويل ، لكنَّ الظاهر أنهم أرادوا إعادة إحيائها !

صرخت صديقتاي : يا إلهي … هل يمكن أن تكون هي ؟!!
عندها هرعنا من الطَّاولة فورًا لأخذ حقائبنا و الخروج من هذا الفندق الغامض و المرعب فيما اِلتفت أنا و سألت العجوز : “ماذا كانت تعمل السيدة بالضَّبط ؟ “
فقالت : “عاملة استقبال ! تصاحبها ابتسامة خاصّة و لكنّها ماتت منذ سنة من الآن بنفس الطريقة ! إذ وجدوها ملقاةً من نافذة غرفتها ، و يعتقد الكثير أنها إنتحرت … ” !

إذًا من تكون تلك التي رأيناها في قاعة الاستقبال ؟؟ ..

تاريخ النشر : 2019-09-06

Mouna Adami

الجزائر
guest
14 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى