أدب الرعب والعام

سمايل رود 

بقلم : أحمد محمد زويل – مصر/ الإسكندرية

سمايل رود 
أثناء تصفحي للموقع نسيت تمامًا السبب الأول لوجودي هنا

 

( القصة الأولى )

يقولون أن الحب يأتي مرة واحدة في العمر، ولم يقل أحدهم متى تحديدًا..

طق! طق! طق!

سيدي أرجوك افتح الباب لدي قصة مختلفة هنا ! سيدي من فضلك ليس أمامي خيار آخر..

بدأت القصة – كما تبدأ كل القصص – حين رأيتها جالسة على كرسيها مندهشة أمامي، أو هكذا وددت أن أراها ، كنت أقف على خشبة المسرح بالجامعة ألقي بأشعاري أمام الجمهور القليل ، وككل قصص الحب في بدايتها توقفت عن الإلقاء لأحفظ ملامحهار، كالجليد لونها ، وقمرين يلمعان بمقلتيها ، و…
أبعدت نظري عنها وأكملت إلقائي :

– كانت صقيعًا يرتجف له جسدي كلما مر..
أفِر إليكِ مِنكِ..
أخفي خرائط طريقي عنكِ..
ثم أعود..
فكم من غريق قبل أنفاسه الأخيرة اشتاق للبر !

صفق الحاضرين، انحنيت بدوري، أفلتت ضحكة وأخفتها خلف ستار اصابعها، ثم غادرت المسرح..

***

سيدي أرجوك !

كانت ليلة تنام فيها القطط فوق إطارات السيارات محتمية بهياكلها، تعوي فيها الكلاب وترتجف في مداخل البنايات، ليلة تصبح فيها الواجهات الإعلانية للمحلات أهم من المحلات نفسها، إيقاع المطر على الأسفلت، أبواق الرياح تُصفر بالشوارع، حدة صوت اصطكاك الأسنان، أوركسترا الصقيع، وانا..
أجلس بغرفتي، أشاهد حلقة جديدة من مسلسل أمريكي، قرأت سابقًا أنه قد تم اقتباس أحداثه من أحداث حقيقية، تنتهي الحلقة بموت أحد أهم الشخصيات النسائية بالمسلسل، مما يجبرني على التوقف والبحث عن معلومات عن الشخصية، أكتب اسمه بخانة البحث ، تظهر النتائج، ويكيبديا أولًا ثم المواقع المتفرقة، المدونات الخاصة بالمسلسل، معلومات حقيقية وأخرى مزيفة، ثم.. موقع يعرض دمية جنسية تشبهها بمائة وخمسين دولار..!

أثناء تصفحي للموقع نسيت تمامًا السبب الأول لوجودي هنا أمام تلك الأشياء المعروضة للبيع أمامي، كالدمى والآلات الجنسية، والكتب الممنوعة، وغيرها من الأشياء المريبة، وكتبت أسم الموقع بخانة البحث “smile road”. وظهرت لي النتائج ومراجعات الموقع من المستخدمين.. الجميع يشير إلى أنه أكثر المواقع غرابة بحيث يقدم لك كل الخدمات التي تريدها، إنه الوجه المظلم لأمازون ، البعض ربطه بالإنترنت المظلم، والبعض قال أنه مزحة سخيفة، إلا أن الجميع أقروا بأنه يمكن تصنيفه الشيء الأغرب والأخطر على الشبكة العنكبوتية..
بفعل الفضول، سجلت بالموقع، ثم طلب مني معلومات عن عمري وهواياتي ومدينتي.. ورغم ترددي إلا أن الفضول كان أقوى مني هذه المرة.. استجبت ثم بدأت البضائع بالظهور أمامي..

***

طق! طق! طق!

استيقظت متأخرًا من نومي، وبدأت أطالع الأخبار عبر التلفاز أثناء تناولي بعض الخبز واللبن، رن هاتفي ببريد الكتروني مفاده أن موقع سمايل رود قد أرسل لي هدية الكترونية بمناسبة عيد ميلادي! لاحظت تاريخ اليوم، الثالث من يناير، عيد ميلادي بالفعل، تفحصت الهدية وإذا بها ديوان شعري نادر لأحد شعراء الجاهلية، ورمز من ثمان أرقام وحروف للدخول بأحد أبواب الموقع السرية مجانًا يوم الخميس القادم فقط ! أي بعد يومين من الآن..
ما الذي يمكن ان يتواجد خلف هذا الباب !؟

***

في اليوم التالي، داخل أسوار الجامعة تحديدًا كل شيء يمضي بسلاسة وبطء، المحاضرات، الأصدقاء، الابتسامات بوجه الحمقى، وتحمل سخافة المعارف، ولكنني عندما رأيتها لم تمضِ الأمور كما من المفترض أن تمضي، ما زلت أذكر ابتسامتها بين الجالسين بالمسرح، ذات الابتسامة ترتسم على بعد أمتار مني.. أشرت لها بيدي وبادلتها الابتسامة قبل أن أخطو تجاهها، وأنحني تلقائيًا نصف انحناءة يابانية توحي بالأدب وقلت: “مرحباً ، أتذكرك يوم حفل الشعر، كنتِ بين الجالسين”.
– أجل، اسمك حسن على ما أتذكر.. الشاعر أياه..
كتمت ضحكة سخرية، ثم أردفت: “آسفة، ولكنني لا أحب الشعر فبات الأمر كله مضحكًا للغاية”.
– لا بأس.. وددت إلقاء التحية فقط.
ابتسمت بمرارة، إنه موقف من تلك المواقف التي قد تحرك شاعرًا للكتابة عنها أو تنهي مسيرته بالكامل.
مدت إصابعها وصافحتني: “اسمي سلوى، تشرفت بلقائك”. ثم انصرفت مسرعة..

***

الخميس، اليوم الذي يفتح فيه الباب الخلفي لموقع سمايل رود، لم أتردد لحظة في الدخول عبر الرمز الذي أرسلوه إلي سابقًا. لهذا الباب لون أصفر مميز عن باقي أبواب الموقع، والكثير من الرسومات التعبيرية (emoji) يترأسهم الوجه ذو الابتسامة الساذجة والمستفزة. ورسالة تحذيرية بجوارها: “كل دولار تنفقه على شراء منتج يتيح لك يومًا إضافيًا للتبضع ، عدم الشراء يعني إغلاق هذا الباب للابد على المستخدم”. وبأسفل العبارة عبارة إضافية: “لديك ٧ أيام مجانية”.

أما عن نوعية البضائع فلم أستطع تعدادها، ولكنها كانت تنحصر غالبًا في أشياء ممنوعة التداول أو تسبب المشاكل أو أشياء نادرة..
كتب تعود للعصور القديمة، آثار فرعونية، أحجار أصلية تعود لحضارة المايا، زجاجات معبئة برماد ضحايا هيروشيما، وما يشابهها من أشياء. وبالطبع الكثير من المخدرات بأنواعها والأفلام الجنسية ومقاطع التعذيب التي تصل للقتل في بعض الأحيان. الأمر أشبه بسوق سوداء لكل شيء!

أغلقت الموقع، لا يمكنني التحديق في صفحاته أكثر من ذلك، ولكنني وبعد برهة من الصمت ومشاهدة المروج الخضراء لخلفية الشاشة تمكن مني الفضول فعدت له مجددًا، بدأت أبحث بين البضائع المعروضة لأروي فضولي لا أكثر حتى توقفت عند خدمة عرضها أحدهم بثلاثة دولارات مكتوبة بخط أسود عريض وبإنكليزية صحيحة: (الولوج لملفات هاتف الضحية عن طريق رابط فيسبوك الخاص به).
تلك الخدمة تجربة لا ضرر منها، كما أن ثلاثة دولارات مبلغ بسيط نسبيًا. بدأت أبحث عن ضحية مناسبة.. سلوى ! وجدت الملف الخاص بها على موقع التواصل الأشهر صدفة أثناء بحثي.. وربما لم تكن صدفة.. نسخت الرابط ووضعته بالمكان المخصص لاستقبال الخدمة، كتبت رقم الماستركارد الخاص بي في الخانة المخصصة.. عبارة تظهر أمامي باللون الأحمر: ” أنتظر من فضلك..” وبدأ عد تنازلي مكون من ثمان ساعات يتذيل بابتسامة صفراء ساذجة.

***

لم يكن الأمر مزحة إذن! لم يكن الامر مزحة أبدًا يا سيدي!

من اخترع الهواتف الذكية هل كان يعرف أنها في يوم ما ستعرف عنا أكثر منا ؟
كل الملفات والرسائل وأرقام الهاتف، حتى عباراتها السخيفة المدونة في الـNote ملكي الآن!
يظل التجسس هو الوجبة الذي لا شبع منها..
ليس لديها الكثير من الأصدقاء، أغلبهم يشبهونها على الأرجح، الكثير من الأحاديث النسائية المملة بينهم وتبادل الأغاني الرائجة وصورهم الشخصية بطريقة السيلفي عبر تطبيق الواتس آب.
ولثلاثة أيام متتالية لا شيء أمامي أفعله غير مراقبتها.. رأيتها اليوم بالجامعة، تضحك وسط أصدقائها، تتلفظ ببعض الكلمات تلتقطها أذني ولضمها بخيوط معرفتي عنها فيتضح النسيج.
يهتز صدري وتهرب الدماء من أوردتي كلما رأيتها.. ما معنى هذا؟

تفحصت هاتفها فور عودتي للمنزل، هناك فتى قد ظهر فجأة على تطبيق واتساب وقد كثرت الأحاديث بينهم.. عمر كان اسمه، وعلى الفور استعملت هاتفه للبحث عن حسابه على فيسبوك، ودفعت ثلاثة دولارات أخرى لاختراقه.. وبدأت النيران تشتعل بجسدي طوال ثمان ساعات أتابع أحاديثهم من طرف سلوى قبل أن أحصل على الطرف الآخر..
عمر شعبان، السنة الأخيرة له بالجامعة، يمكنني الحصول على كل شيء يتعلق به بداية من تاريخ ميلاده وحتى نوع شفرة الحلاقة التي استعملها صباحًا..

بدت نيته تجاه سلوى تتضح أمامي حين قرأت محادثة بينه وبين صديق له، ولم تكن نية سليمة ابدًا، أو ربما فهمتها على هذا النحو. كيف يمكنني أزاحته من طريقها؟
رقم هاتف أمريكي، يمكن الحصول عليه بدولار واحد يُستعمل لتشغيل خدمة الواتسآب، واتسآب بيزنس التطبيق التوأم لواتسآب، صورة سوداء واسم مبهم، ما من دليل واحد أتركه خلفي..

صور للشاشة (screen shots) هي إضافة همس بها الشيطان لصاحبها كما هم سابقًا بعزف مقطوعة الشيطان لتارتيني في حلمه. أجمع الصور أرسلها لها، ثوان وترى الرسالة ثم تجيب : من انت؟

– مجرد شخص يريد منك أن تظلي بخير.

– ماذا تعني هذه الصور؟

ترددت قليلًا ثم أجبتها: تعنى انني أرحت ضميري.
لم تُجب بشيء، وما يثير التعجب أنها لم تضعني على القائمة السوداء، مما يجعل خطتي على الطريق الصحيح. أيام قليلة واختفى عمر تمامًا من حياة سلوى.. لقد نجحت بثلاثة دولارات..

***

مر الوقت، كنت أشتري سلعًا ليس لها قيمة كبيرة فقط لتمديد فترة إقامتي على موقع سمايل رود، وبدأت سلوى تتخذ مني مخزنًا لأسرارها وجليس الشورى، لم أرتكب الأخطاء، وما أصعب تجنب الأخطاء بالنسبة للبشر.
قررت أن أحادثها بالجامعة، لقد بدت لي كصفحة مفتوحة وقد اكسبتني معرفة أسرارها ثقة كاملة في تقربي منها، أعرف ما تحب وما تكره، أعرف ما يغضبها وما يُسعدها، أعرف كل شيء تقريبًا عنها، المعرفة قوة لا يستهان بها..
تحدثت مع (سمايل) عني عبر تطبيق الواتس آب (سمايل) هو أنا بالمناسبة ولكنها لم تكن تعلم، وقد بدت فرصتي في تقربها لي كبيرة، أستطيع التحكم بها وإرشادها لطريقي، ولكنها وبالنهاية قد اتخذت مني صديقًا فقط!

لقد تحكمت في حياتها على الشكل الأمثل ولكنني تجاهلت التحكم بمشاعرها، إنه الجزء الأصعب والذي لا سلطة لي به..
قالت لسمايل: حسن هو صديقي المقرب الآن، أشعر بحبه تجاهي ولكنني لا أملك ان أبادله الشعور ذاته..

***

إنه مفترق طرق لا بعد منه، ماذا عسى أفعل أكثر مما فعلت؟ إنقاذها وتوجيهها لم يكفِ لكسب حبها، لم يعد الفارس المنقذ هو حلم النساء، لم يكن أبدًا، إنها قصة كلاسيكية شاعرية تستمتع النساء بمشاهدتها.. أما العيش داخلها فهو أمر مختلف تمامًا..
تبقي لي يوم واحد على موقع سمايل رود، لم أعد أزوره كثيرًا ولكنني الآن أتفحصه باحثًا عن حل..
السحر!
ورقة مكتوب به كلمات كأبيات الشعر، ولكنها كلمات غريبة، الورقة مصورة عبر كاميرة هاتف ذكي، ولكنها واضحة للغاية، ثمنها عشر دولارات ولكنها من فئة البضائع التي لا تزيد في مدة تسوقي يومًا آخر.
تقرأ على الشخص المراد فيقع في حبك.. بهذه البساطة.. دون أي إضافات.. فقط كل ما عليه أن يفعله هو أن يسمعها..
اشتريتها، وسجلت ما كتب بها في مقطع صوتي وأرسلته لسلوى عبر واتس آب بصفتي سمايل بالطبع، سألتني: ما هذا؟
– استمعي فقط بعناية..
مرت خمس دقائق ثم قالت لي: أنا أريد أن أنام..

***

هاتفتي سلوى من اليوم التالي ، طلبت مني اللقاء، أظن أن مفعول السحر قد بدأ الآن، استحممت وارتديت ملابس مناسبة، فتحت موقع سمايل رود قبل أن أرحل من منزلي، لقد انتهت فترة تسوقي فيه وأغلق أمامي تمامًا. لم يعد لي صلة به الآن..

***

يقولون أن الحب يأتي مرة واحدة في العمر، ولم يقل أحدهم متى تحديدًا.. ولم يقل أحدهم كيف يرحل!

سيدي أرجوك.. أريد ان أبيت هنا الليلة، إنها تلاحقني منذ أيام، إنها لا تنام، إنها مخيفة للغاية، سيدي أرجوك، لا أعرف كيف أتخلص منها الآن.. كنت أريدها فعلاً ولكنها الآن تريدني بطريقة جنونية.. لا سبيل للخلاص منها، لقد أرادت أن تأكلني، وأنا أعي ما أقول تأكلني فعلاً ! تغار بشدة وتصل لي أينما ذهبت.. سيدي أرجوك، إنها تقترب مني.. إني أراها قادمة من بعيد، بيدها سكين يا سيدي ! افتح الباب.. أنقذني رجاءً .. سيـ….

( القصة الثانية )

هل تسمح لي بالتدخين يا دوك؟ سأعتبر هذه إجابة، شكرًا جزيلًا لك، انت تعرف معظم الأطباء لا يسمحون بالتدخين في عيادتهم وتعرف بالطبع القصة الشهيرة للمدخن الذي أشعل سيجارة في رثاء طبيب أقسم انه سيموت يومًا بسبب الدخان.. ما علينا، ثانية واحدة..

تِشك! تِشك! تِشك!

كح كح كح! الآن أفضل بكثير.. همم حسنًا.. تبدأ القصة قبل الفجر بقليل، ولسبب أجهله فإن أغلب القصص تبدأ في التوقيت ذاته، السكون القاتل، الهواء البارد، الأعناق المغروسة بالجواكت كالأوتاد، لسبب قوى يلزم الجميع منزله، ولسبب ساذج كنت في الشارع وقتها.

مواء القطة يعلو، ليس مواءً بل عواء صريح، صراخ طفل بأيامه الأولى، استغاثة واضحة.. كانت تتلوى كما تتلوى الأفاعي، تجوب الشارع ذهابًا وإيابًا ككلاب الحراسة حتى توقفت أمامي، وأنت تعلم يا دوك ولا داعي لوصف ذاك الشعور، أن تقف قطة أمامك وتزمجر في غضب. لمحت خطًا طويلًا يحاوط جسدها، وقتها لا سبيل لك سوى تجاوزها بهدوء، لا داعي لاستفزاز قطة غاضبة على أي حال.. وهذا ما فعلت تمامًا.. هل تقول شيئًا؟ حسنًا لا بأس سأكمل لك فقط توقف عن الحركة.

يعمل أخي في إحدى الجرائد اليومية، لذا فقد كان يطالعني على أخبار الغد كل مساء، فلان سيبيع شركته، النادي الفلاني سيعلن بيع اللاعب الفلاني، الثري الفلاني سيعلان إفلاسه بعد تدخل فلان الفلاني في عمله، كنت أمل بحق يا دوك.. ولكن هناك قصة واحدة شدت انتباهي تلك الليلة، لقد قال لي أنهم وجدوا فتى مذبوح أمام باب فيلا بمنطقة رشدي، كانت الفيلا خالية من كلاب الحراسة كما أن الفتى اضطر للقفز من فوق السياج قبل أن تذبحه فتاة ثم وجدهم صاحب الفيلا بعد أن أكلت الفتاة قلبه بالكامل، إنه خبر مُفزع بحق أليس كذلك؟ ولكن ما أثار فضولي حقًا هو ما قاله ابن صاحب الفيلا، لقد قال أنه سمع الفتى يطرق على باب الفيلا مساءً ويذكر كلمات مثل أنا خائف، افتح الباب، سمايل رود !

أخبرني يا دوك.. ما الذي يجعل فتى على وشك الذبح أن يذكر كلمة مثل سمايل رود؟ طريق الابتسامة؟ هذا سخيف صحيح؟

حسنًا إنه ليس كذلك إطلاقًا، إنه موقع للتجارة السوداء، كل شيء يُباع هناك، هذا ما اكتشفته بعد بحثي عنه فور سماعي للقصة، هل تعرف ماذا وجدت؟ أعلن أحدهم منذ ساعة واحدة أن قطة نادرة قد هربت منه، المكافأة كانت ألف دولار، كانت صورة القطة مرفقة مع الإعلان، خمن ماذا.. ها.. ها.. نعم أحسنت، إنها نفس القطة التي رأيتها في الشارع مُنذ ساعتين!

ماذا كنت ستفعل إن كنت مكاني يا دوك؟ ماذا لو كنت داخل جسدي وظروفي وحياتي؟ هناك ألف دولار تجاوزتها بخطى ثابتة متجاهلًا إياها خوفًا من خدش سخيف.

التقطت حقيبة جلدية وبدأت بحثي عن القطة مرة أخرى ولحسن حظي فقد وجدتها سريعًا تختبئ تحت سيارة، وعلى الفور فتحت الحقيبة وتحملت خدشين بمعصمي وعضة بإصبعي أثناء وضعي إياها داخل الحقيبة، عدت للمنزل مرة أخرى، كانت الساعة قد تجاوزت السابعة صباحًا، هاتفت صاحب الإعلان وأخبرته أن القطة بحوزتي، كانت إجاباته مختصرة وبصوت خال من أي تعبير يمكن استنباطه «شكرًا لك.. سأرسل لك عنواني، أحضرها لي فورًا».

ارتديت ملابسي وحملت الحقيبة وذهبت للعنوان الذي دونته على هاتفي، في الحقيقة لم أكن أفكر إلا بالألف دولار، لابد أنه رجل ثري لا يهتم إلا بهذه الأشياء السخيفة كقطته أو غيرها. تنهدت وطرقت الباب وعلى الفور فتح لي الباب رجل في الخمسين من عمره، أسمر البشرة ذو وجه بشوش، قال لي: «تفضل».

انتظرت من هاتفني بالصالون، وتوقفت تلقائيًا عندما رأيته وبيده ظرف أبيض، لابد أن المال بداخله، سألني عن القط ففتحت الحقيبة وعلى الفور قفزت وبدأت تركض بأنحاء الشقة، صفق الرجل فجاء الرجل أسمر البشرة وأمسك بالقطة وحقنها بشيء ما فهدأت تمامًا.. إنها حقنة من نوع ما على ما أظن، من الطبيب بيننا هنا يا دوك؟ هل تعرف هذا النوع من الحقن؟

أعطاني الرجل الظرف، ثم ودعني، وقبل أن أغلق الباب خلفي سمعت مواء القطة يصدر عاليًا، نظرت عبر فتحة الباب تلقائيًا، فرأيته يشق بطن القطة ويخرج منها شيء ، بدا وكأنه حجر صغير، ثم تبينت أن نقوشًا رسمت عليه!
آثار مهربة، هذا ما يجعلهم يدفعون ألف دولار لأجل إيجاد قطة كتلك
انفتح الباب تلقائيًا بفعل الهواء لأجد نفسي في مواجهتهم!

يا دوك، توافقني الرأي أن الركض أصدق الأفعال أثناء الشعور بالخطر صحيح؟ صحيح يا دوك، هذا ما فعلته طبعًا!

هل لديك منفضة للسجائر بالعيادة؟ لا أستطيع التدخين بالمنزل.. لا بد أنك تتساءل عن السبب.. أعتقد أنني نسيت إخبارك أن أخي يعاني مشكلة في القلب، أزمة تأتيه من حين لآخر، ولكن في ذلك الصباح وعندما عدت للمنزل وجدته ساقطًا على الأرض، لقد أتته الأزمة، ليس لدي الوقت الكافي لشيء إلا لنقله لأقرب مستشفى، وهذا ما فعلته بالطبع، ولكنهم في المستشفى لم يقوموا بعلاجه، لم تمر بموقف كهذا من قبل أليس كذلك؟ أن يكون بجيبك ألف دولار ولكنهم يرفضونها بالمستشفى ولا يستقبلون أخاك فقط لأنهم لا يريدون إلا أموالًا مصرية، غريب صحيح؟ لقد ألقوا بأخي على سرير في الاستقبال ورفضوا علاجه قبل أن أدفع لهم.. وقد بحثت عن مكتب صرافة لساعة كاملة وعندما عدت للمستشفى.. هل يمكنني إشعال سيجارة أخرى؟

بعد أيام قضيتها بجوار عائلتي بالصعيد بعد وفأة أخي، وجدت رقم هاتفي على موقع سمايل رود، يطلبون رأسي مقابل ألفين دولار، أغلقت هاتفي مُنذ ذلك الوقت، يسهل تعقب الهواتف أليس كذلك؟.. تعرف من يطلب برأسي طبعًا صحيح؟

أنهم أخطر مما يمكنني أن أواجههم يا دوك، ولكنك تستطيع مواجهتهم صحيح؟ لقد قتلت أخي سابقًا عندما منعته من العلاج، ولديك الاستعداد للقتل مجددًا صحيح؟ حسنًا لا تزمجر لن أفك قيدك أبدًا، فقط سأضع هاتفي في جيبك بعد تشغيله وسأترك لك سكينًا على المنضدة وأرحل.. أعتقد ألا أحد في العيادة غيرك، قاتل بكل قوتك يا دوك، وداعًا..

( القصة الثالثة )

تأكد تومس في ليلة ماطرة بعد الكثير صفع الآثاث وركل الحائط والصراخ، ان حبوب السعادة التي اشتراها عبر موقع سمايل رود كانت السبب في مقتل ناتالي!

انقبضت ملامحه، ابتسم مندهشًا، ارتفع صدره وانخفض مرتين طاردًا هوءًا لم يستعمله ثم.. وفي خلال ثوانِ.. احتضنته أرضية المطبخ بجوار الجثة..

***

لم يصدق تاكاشي بعد ان أحدى خصيتاه قد استأصلت رغم مرور أسبوع كامل على إجراء عملية التبرع لأحد عملاء سمايل رود..

ولم تتوقف الأغنية البريطانية hitler has only got one ball عن الصفير برأسه.

***

لم تستطع أندريسا النوم لأيام عقب مقابلتها لأحد رواد موقع سمايل رود، في الحقيقة لم تستطع النوم لأن الشرطة كانت مازالت تبحث عن رأسها ! لم تكن مذنبة، كانت تبحث عن الحب.. ولكنها كانت تبحث بالمكان الخطأ!

***

وجد د.علوان مطعونًا بسكين بعيادته صباح اليوم، كانت مقيدًا في كرسي خشبي وبيده سكين صغير، وعلى المكتب بجواره حفرت عبارة سمايل رود. أغلب الظن ان المجني عليه حفرها قبل موته بلحظات.

***

– مرحبًا.. ألست المحقق جوردان كلارك؟

نظر كلارك لمحدثه نظرة متفحصة ثم أجابه بنبرة سخرية:
– نعم كنت كذلك قبل عامين.. الآن انا فقط العجوز كلارك.

كان جوردان كلارك سمينًا أبيض البشرة ولحية بُنية تحيط وجهه، ارتشف من زجاجة البيرة القليل ثم نقل ناظره لشاشة التلفاز بالحانة.

– مرحبًا سيدي، انا آدم.. أدم نولان.

مد يده مصافحًا أياه، وتابع حديثه:

– سيدي يجب أن نتحدث في مكان آخر، لدي أمر في غاية الأهمية.

– اسمعني جيدًا، إن كنت هنا لتعرض علي قضية ما فقد اخترت الشخص الخطأ.

ارتشف ما تبقى بالزجاجة وأردف:

– أتمنى ان تبحث عن محقق آخر، فقد انتهى عملي هنا..

– ولكن هذا ليس صحيحًا يا سيدي.. حسب ما أعرفه عنك أنك تعمل الأن كمحقق خاص ولكنك لا تجهر بذلك أمام العلن.. أغلب زبائنك ممن يأسوا من محققي الحكومة الحمقى.

– من أخبرك بهذا؟

– لقد عرفت بطريقتي الخاصة.

– أه.. طريقتك الخاصة.. كنت أعلم ان ولع المخرجين بما يكتبه أرثر كونان دويل لن يقودنا إلا لجيل من الحمقى..

قالها ونهض من مكانه، التقط معطفه وغادر المكان.

***

رن جرس الباب، كان أدم يقف وبيده مظروف ورقي كبير، فتح السيد كلارك الباب فوجده أمامه، هز رأسه ساخرًا:

– هل تمزح معي!

– سيدي أرجوك امنحني فرصة واحدة!

اقترب كلارك منه وأشار بإصبعه تجاهه وأردف بهدوء: “إن لم ترحل من هنا والآن سأتصل بالشرطة”.

– سيدي أنه أمر يهدد أمن لندن، فكر كم شاب سيموت فقط لأنـ..

– الآن! ارحل بهدوء..

– كلارك هل لديك ضيوف؟ قالت زوجته حين رأت أدم واقفًا على الباب.

– لا سيرحل حالاً.. قال كلارك سريعًا..

– سيدتي في الحقيقة أنا أريد السيد كلارك في أمر هام ولكنه يرفض التعاون معي! قال أدم فنظر له كلارك بتهكم وأحكم قبضته..

– اتركه يدخل يا كلارك، لسنا بمنزل يرفض الضيوف..

هم آدم ودخل عبر الباب ثم قال للسيدة كلارك: “شكرًا سيدتي”.

همس جوردان بأذنه: “خمس دقائق فقط ثم ترحل قبل أن أمزقك لأشلاء”.

– سيدة كلارك أفضل الشاي.

التفت للسيد كلارك: “سنتحدث ونحن نشاهد مباراة نيوكاستل، إنها تُعرض الآن.. أخبرني هل تفضل تشيلسي أم الأبيض والأسود؟”.

– أفضل أن أفجر رأسك بالمدافع.

نظرت له زوجته فأضاف: “المدافع.. أرسنال”.

***

– ماذا تريد مني؟

أخرج أدم الكثير من الأوراق من المظروف وفرزهم على الطاولة ثم بدأ يسرد: “هناك موقع روسي يتأجر في أي شيء وكل شيء”.

– ثم؟

– بدأت سياسته تتغير مؤخرًا، وبدأ يزحف لكل العالم وليس في روسيا فقط.. أنظر..

التقط ورقة بها صورة رجل ياباني وقال: “هذا تاكاشي ايديتشي من أوموري، هاتفني منذ أيام وقد أخبرني انه قد باع خصيته منذ شهرين تقريبًا لأحد تجار الموقع”.

– إذن هل تبحث له عن خصية؟

– سيدي إنها تجارة غير شرعية، انظر ايضًا..

التطق صورة أخرى لرجل مقيد في كرسي مقتول: “هذا دكتور علوان، من الاسكندرية، مصر، لقد وجد … في عيادته، ما يثير الدهشة إنه نحت عبارة سمايل .. بسكين على مكتبه قبل مقتله”.

– إذن؟ قالها كلارك ساندًا ذقنه على كفه..

– سيدي إن المتحكم في الموقع من هذه المدينة، لقد أطلق الموقع من روسيا ولكنه يتحكم فيه من هنا، من لندن!”.

– أخبر الشرطة فقط.. شكرًا لزيارتك..

كاد كلارك ينهض قبل ان يقاطعه أدم: “لا أستطيع يا سيدي، لأنه يدفع للسلطات مبالغ طائلة، ٣٠٪ من ربح الموقع سنويًا..”.

– أخبرتك في لقاءنا الأول أن لعبة المحقق الخاص قد انتهت.

– سيدي انت الوحيد القادر على إيقافه.. ابنك هو صاحب الموقع يا سيدي!

***

– من أين حصلت على معلومات كتلك؟

قالها كلارك بينما يداه تكاد ترتعش على مقود السيارة..

– في الحقيقة أعمل على اختراق المواقع..

– أنت من هؤلاء الأوغاد إذن الذين يستمتعون فقط بتخريب المواقع؟

– لقد جئت إليك كي ننهي تلك الكارثة قبل أن تزحف للندن..

– ماذا هل استيقظ ضميرك فجأة؟

– أخي يعيش في نيوجيرسي وقد طاله الأمر.. لقد قُبض عليه منذ أيام في جريمة قتل وقد أخبرني انه لم يكن الفاعل، لقد تورط أيضًا مثلما تورط الجميع.

أخرج صورة لشاب في منتصف العمر وقال: “هذا هو أخي.. تومس!”.

– اسمعني جيدًا يا فتى، ليس أمامنا إلا إخبار الشرطة عن كل هذا..

– أمامنا طريق آخر يا سيدي وهو أقصر وأسرع.. يجب على ابنك أن يموت.. !

***

دخل سميث للمقهى، وقد كان رجلًا يرتدي معطفًا جلديًا ثقيلًا وبحث بين الطاولات عن كلارك حتى وجده، احتضن العجوزان بعضهم بعضًا ثم جلسا، قال كلارك: “هل مازالت المهنة قائمة رغم تقاعدي؟”.

– نحن لم نفقد خدمات شيرلوك بالنهاية أيها السمين. قال سميث ساخرًا..

– لم تتغير إطلاقًا أيها الخرف!

– أخبرني ما الذي دعاك لاستدعائي..

حكي كلارك الأمر من بدايته لسميث، حك سميث رأسه ثم قال: “يؤسفني سماع هذا حقًا”.

– لا بأس كنت أعلم منذ البداية أن رحم زوجتي لن يُخرج إلا المجرمين..

– إذن.. ما الذي تنوي فعله؟

– أريدك ان تلقي القبض عليه.

– السلطات لن تسمح بذلك، فهي المستفيدة الأولى من وجوده.

– سأهاتفك في الوقت المناسب إذن، يمكننا بالنهاية إلقاء القبض عليه بتهم أخرى، إنه موطن في نهاية الأمر.

***

– هذا هو عنوانه إذن؟ سأل كلارك.

أجابه آدم: “نعم أنا متيقن تمامًا، هل لديك خطة ما؟”.

– نعم.. أعتقد.. أخبرني إلى أي مدى تريد أن ينتهي الأمر؟

– لو تكلف الأمر دفع حياتي ثمن له..

– سأتحرى عن المكان ثم أخبرك بماذا نفعل

***

أمام المبنى المقصود وقف الاثنان، تقول الخطة: يدخل أدم من الباب الخلفي للمنزل في الثالثة صباحًا، يطعن الفتى أثناء نومه ويسرق جهاز اللابتوب الخاص به ثم يخرج بنفس الطريقة، في هذا الوقت يكون كلارك منتظرًا إياه بسيارته لينطلقًا بعيدًا..

دخل أدم عبر الباب الخلفي وبهدوء وقلب يرتجف وقف أمام صورة معلقة على الحائط.. كانت صورة أخيه تومس! وفجأة تلقى ضربة على رأسه أفقدته الوعي!

***

– نعم يا كلارك، معك سميث.. لقد كان وحده بالمنزل ولكنه يصرخ فقط بأن أسمه أدم، ابنك مجنون تمامًا.. وقد وجدنا بجواره رأس امرأة لاتينية.. تقول التحقيقات انها رأس السيدة أندريسا، لقد نُشرت صورتها بكل الصحف بالتأكيد.. اللغز هنا انها قد قُتلت بالبرازيل ولكن رأسها قد وصل لندن بطريقة ما.. كان ذلك كافيًا لإلقاء القبض عليه طبعًا.. لا لم نجد أي حواسيب بالمنزل.. سأهاتفك إن وجد فريق التحقق أي جديد.. لا تقلق لن أتهاون في عقابه ابدًا.. يبدو ان موقع سمايل رود سيستمر بالتوسع طالما يخدم السلطات..

– النهاية –

ملاحظة : تم نشر القصص على صفحتي بالفيسبوك

تاريخ النشر : 2018-10-30

guest
14 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى