أدب الرعب والعام

سهاد

بقلم : هـ . خطاب

سهاد

اخبروني أني سأمكث هنا للأبد بغرفه يكسوها اللون الأبيض الرائع ..

انعكست صورة وجهي على تلك النافذة نظرت لنفسي لأرى نظرة لم أعهدها من قبل و قد باتت أفكاري تتسارع و تتخبط , دقات قلبي بازدياد .. انه الوقت .. لقد حان دوري هم اخبروني بذلك علي التنفيذ الآن . ترجلت من المركبة , مشيت بهدوء واسترجعت شريط الذكريات علني لو تذكرته قبلا لما كنت هنا اترك جسدي لهم , الهواء شديد البرودة و هدوء أماتني هلعا .. أغمضت عينان أغرقت بالدموع و قفزت .. ليس لي خيار آخر أما القفز أو القفز ! .

لم اشعر بعدها بالكثير حتى دوى صوت ارتطامي بالأرض , وما هي إلا لحظات حتى تحررت من ذاك الجسد .

أفقت أنظر إلى جسدي ملقى بين صخور, اعتلتني ابتسامة و حلقت بعدها بعيدا .

ما كانت إلا ساعات قليله حتى اقترب من جسدي النحيل صوت رجل هزني بكلتا يداه عله يجد من يسكن ذلك الجسد , الم اعتصرني .. لم أعي ما كان يدور من حولي و كأنني قد سقطت بحفرة عميقة يملئ قاعها الشوك ,ما اذكره بعدها كان قليلا غرفة بيضاء جسدي ممدد على سرير بالوسط و أشخاص لا اعرفهم ممسكين بيدي يتهامسون ,طنين الأجهزة متتابع لا يتوقف يكاد أن يفتك بطبلة أذني و سيدة سرق الزمن من عمرها الكثير تدعي أنها أمي و ترجوا شفاء جسدي من الله ليل نهار لا تجف دموعها و لا يهدا لسانها عن الدعاء و الرجاء . لكن سؤال سلبني عقلي : من أكون أنا و من يمكنه إجابتي.

سهاد!! .. أجابت تلك السيدة .. و كانت تعتلي وجهها نظرة كأنني فقدت صوابي , أجبتها بنبرة تكللها بعض الأنين سببت ألم سكن كل ركن و زاوية من جسدي : من تكون سهاد ؟ .. أنا لا اعرف من أنا .. وعلا صراخي أكثر فأكثر : أنا لست بسهاد .. أنا لا أعلم من أكون .. ولم تجبني سوى دموع تلك السيدة فقد انهمرت على وجنتيها ممتزجة بكثير من الأسى و تبعها صوت الممرضة يهدأني و حقنه تخترق جسدي النحيل .

كانت بضع شهور تفصلني عن تلك الإجابة (من أكون ؟ ) .. و سهاد لم يكن سوى اسم حاولوا إقناعي به و لو أنهم فشلوا.

بعد بضع شهور فقط, صحوت من نومي على صراخ تلك السيدة التي اعتدت وجودها بجانبي , مشيت بخطى أسرع لأجد غرفة الطعام قد كساها اللون الأحمر , كم هائل من الدماء غطت كل شي و بمنتصف طاولة الطعام قطط السيدة منى الثلاث و قد فصلت رؤوسهم و قطعت أطرافهم, لقد صفيت دماء تلك القطط المسكينة ثم تم نثرها بأرجاء غرفة الطعام , اختلطت مشاعري رغم إنني لم افعلها , لكني شعرت بقليل من الخوف و اللوم .

انقضى يومان بعد تلك الحادثة عشتها بخوف أنا و السيدة منى .

فهنالك من حدثنا عن طقوس شيطانيه و هنالك من اعتقد انه تهديد من نوع ما . صحوت بمنتصف الليل بعد مرور ليلتان و قد اكتسى جسدي بألم غريب , أحسست أني أغادر ذلك الجسد مرة أخرى.

أنا لست سهاد !! .. لست ابنتك أيتها الحمقاء !! .. سهاد هربت تلك الجبانة الخائنة!! .. هي من قتلت تلك القطط أنا طلبت منها ذلك قربانا لي , أخبرتها أن تقتل المزيد لكنها اليوم ترفض لي طلبا لن تريها ثانية سأجعلها تندم اشد الندم !!!! صرخت بالسيدة و بصوت جهوري لم تفصلنا لحظات عن تحول وجهها إلى اللون الأحمر كدت أسمع تأوهات اعتصار قلبها و تسارع نبضه و انقطاع أنفاسها كانت يداي طوقت رقبتها و بدأت تعتصرها لم تستطع التصديق أني أنا من كنت أكلمها و أحاول سلبها الحياة بيداي و لم أستطع أن أصدق أني من تفوهت بتلك الحماقات وحاولت قتل تلك السيدة الطيبة .

تناولت معطفي و هرعت للباب مسرعة , أردت الخروج , كانت ليلتها تمطر و لأول مرة أحسست أن المطر كان يغسل جسدي و نفسي بآن واحد , لم أكن اعلم من يسكنني , لكنني لم أشأ أذيتها ..

في بصباح اليوم التالي أحسست بيد تهزني : هل أنتِ بخير يا ابنتي ؟ .. رفعت رأسي و كان الصوت انتشلني من سبات عميق لأرى سيده بمنتصف العمر و قد تركت مسافة عدة أمتار بعد أن قامت بهزي , لم اصدق أني قضيت تلك الليلة نائمة بمكب نفايات الحي حتى أني تقلبت بها فكانت النفايات تغطي معطفي وشعري و وجهي .

ماذا يحدث لي ؟ .. من أنا!! .. شرعت بالصراخ من جديد .. أنا افقد عقلي!!! .. ابتعدت المرأة مهرولة , أظن أني أخفتها حتى الموت .

عدت لمنزل السيدة منى , لم تكن بالمنزل , أردت الاعتذار و البكاء على صدرها علها تسامحني على فعلتي , استلقيت بالمغطس بعد أن ملأته بالماء الساخن , رائحتي لا تطاق , مرت الساعة أو الساعتان حتى أن أصابع كفي تجعدت . أردت النهوض لكنني لم استطع هناك من يجذبني للأسفل , مئات الأيادي بل أكثر بكثير .. أيادي سوداء بشعة طوقت جسدي, إنها تحاول إغراقي ! .

بدأت بالمقاومة , ارتفع صوتي , شربت كما كبيرا من الماء و أنا أتخبط .. لا أريد أن أموت .. اتركوني .. دعوني و شأني , أغمضت عيناي مستسلمة , لم اعد استطيع المقاومة أو العراك , انساب وجهي بالماء أكثر فأكثر , علمت أنها النهاية لا محال .

لا اعلم كم مر من الوقت حتى فتحت عيناي لأرى من خلال الماء السيدة منى تجذبني للأعلى تنتشلني من ذهولي , كانت تنوح و تبكي اعتصرتني و ضمتني إليها بعد أن أحاطتني ببطانية لستر عوره جسدي , كان كلامها متقطعا مختلطا بدموعها : لم تريدين الموت يا سهاد ؟ .. تلك محاوله انتحارك الثانية .. أجيبي .. ليس لي احد سواك .

حزنت لها و حزنت لي أيضا وددت لو أني استطيع أن اجعلها تفهم أني لست من يفعل بي ذلك وددت لو أني استطيع أن افهمها غرضهم مني .

بعد تلك الحادثة بحوالي الشهر اتجهت لعيادة الدكتورة أمل ,كانت تلك جلسه العلاج الثالثة أو الرابعة لا اذكر بالتحديد , كنت ارتاح لحديثي معها فهي مستمعه رائعة , بدا لي أنها تصدق كل ما أقول و كنت اشعر بعد كل جلسه بتحسن كبير حتى أني أخبرتها انه كان علي تقديم القرابين لهم بكل مرة ليدعوني أعيش بسلام ..

مهلا , لم أتحدث بصيغه الماضي ؟! .. هل من الممكن أني أنا من قتلتها بمشرط فتح الظروف بـ 37 طعنه بمتفرق أنحاء الجسد عند محاولاتها المتكررة فصلي عن عالمهم كما جاء بالصحف المحلية ؟؟ هل من الممكن أني أنا من صفيت دماء الثلاث قطط قبل تقطيعها و سلخها كقربان لهم لأعيش بسلام ؟؟ .. لا ليس من الممكن .. فأنا فتاة لطيفة جدا لا يمكن لي أن ألحق الأذى حتى بذبابة , هذا ما قالوه و أكدوه عني هنا بمنزلي الجديد , اخبروني أني سأمكث هنا للأبد بغرفه يكسوها اللون الأبيض الرائع , لكن ربط يداي معظم الوقت جدا مؤلم و السيدة منى لا تكف عن البكاء بكل مرة أراها رغم أنني سعيدة , لكن الآن فقط جاءت لمخيلتي فكرة أظن علي تنفيذها قريبا لأجعل السيدة منى مرتاحة و سعيدة إلى الأبد .

تاريخ النشر 05 / 10 /2014

guest
30 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى