سيدة البيت الملعون
أكثر النساء شرّا وإجراما عبر التاريخ |
امرأة وثلاث رجال
ماري دولفين ( Marie Delphine ) |
ولدت ماري دولفين عام 1775 من أب يدعى ” لويس شوفالي دوماكارتي ” الذي كان ضابطاً رفيع المستوى في الجيش ، و أم تدعى ” ماري جيان ليرابل ” ، كانت السادسة بين إخوتها و كانت عائلتها تنتمي إلى علية القوم بمدينة ” نيو أورليانز ” ، إذ أن ثروتهم كانت تأتي من عدة أعمال أهمها الاستثمار في حقول القطن و قصب السكر ، بالإضافة إلى ملكيتهم للبنوك وتجارتهم للعبيد ، و في عمر الخامسة والعشرين تزوجت دولفين من ” دون رامون ديلوباز ” وهو القنصل العام لإسبانيا بلويزيانا ، و كانت كل من فرنسا وأسبانيا في تلك الفترة تتنازعان على ملكية أراضي ” لويزيانا ” بما فيها ” نيو أورلينز ” وهي أراض شاسعة تضم اليوم أكثر من خمسة عشر ولاية أمريكية ، لينتهي المطاف ببيعها من قبل ” نابوليون بونابرت ” إلى الولايات المتحدة عام 1803 بمبلغ يناهز 68 مليون فرنك ، فكان من الطبيعي أن تتكون علاقات اجتماعية بين الساكنين الذين ينحدرون من أصول فرنسية و إسبانية لذلك تم الزواج ” بكاتدرائية سانت لويس ” القريبة من بيتهم ، لكن هذا الزواج لم يستمر سوى أربعة أعوام إذ تعرض دون رامون للنفي إلى كوبا من قبل الملك إثر اتهامه بالخيانة، عند ذلك حزمت دولفين حقائبها و اتجهت إلى إسبانيا ملتمسة الرحمة و إعادة الاعتبار لزوجها مستغلة حسنها و مكانتها الاجتماعية المرموقة ، إلاّ أنّ دون رامون لم تكتب له الحياة ليرى أرض بلاده ثانية أو يرى ابنته ” بوركيتا ” حيث توفي بهافانا لسبب غير معروف في عام 1804 وهكذا عادت دولفين إلى أمريكا لتواصل حياتها كأرملة شابة .
صورة القصر من بطاقة بريدية |
لم تبق دولفين ماكارتي أرملة لمدة طويلة ؛ فلم تكد ابنتها تبلغ الرابعة من العمر حتى قررت الزواج من جديد ، هذه المرة وقع خيارها على ” جون بلانك ” وهو محام معروف و تاجر ذو سمعة جيدة خاصةً في مجال تجارة الرقيق ، بعد الزواج مباشرة اشترى جون منزلاً فخماً بشارع ” رويال ” وهو حي راقٍ موجود بالساحة الفرنسية في مدينة ” نيو أورلينز ” ، أثمر هذا الزواج عن أربعة أطفال وهم (ماري لويس، ماري لور، ماري جيان و بيار بولي) إلا أنه انتهى هو الآخر بموت جون عام 1816 لأسباب غامضة أيضاً ، و للمرة الثانية وجدت دولفين نفسها أرملة و بقيت على ذلك الحال لما يقارب العقد من الزمن . بعدها قررت دولفين , التي تخطت عتبة الخمسين أن تتزوج للمرة الثالثة ، و كان زوجها الجديد ” ليونارد نيكولاس لالوري ” الذي يصغرها بعشرين سنة قد هاجر من فرنسا بحثاً عن فرص أفضل كطبيب بنيو أورلينز ، و قد حصل التعارف بينهما حين بدأ في علاج إحدى بناتها من زوجها الثاني والتي كانت تعاني من تشوهات على مستوى العمود الفقري ، ومع أن العلاج لم يكن بذلك النفع للفتاة إلا أن العلاقة نشأت بين دولفين وليونارد ، ولأن الأخير لم يكن يخطط في البداية لأن تكون علاقة جدية فقد سافر إلى فرنسا لكن شقيقه أقنعه بأهمية الزواج من دولفين ماكارتي لما تملكه من ثروة ونفوذ فعاد ثانية إلى نيو أورلينز ، في ذلك الوقت كان قد تزوج البعض من أبناء دولفين زيجات رفيعات المستوى ، و لم يشاركها حياتها الجديدة سوى اثنتين من بناتها ، و مع بداية عام 1831 بَنَتْ دولفين ماكارتي التي باتت تعرف الآن باسم ( مادام لالوري ) ( Madame Lalaurie ) فيلا فاخرة ذات ثلاث طوابق وإطلالة جميلة بالحي الفرنسي .
السيدة الأولى
الفودو : نوع من أنواع السحر الأسود حيث يتم استخدام الدمى فيه لإلحاق الضرر بالضحية |
بسرعة أصبح الزوجين من أبرز الوجوه الاجتماعية بنيو أورلينز وكانت مادام لالوري تتفنن في تنظيم الحفلات التي يطغى فيها الإسراف والبذخ إلى درجة كبيرة تجعل منها الحدث الأبرز في المدينة , فكان أغلب المدعوين من رجال الاقتصاد والسياسة وأهم الشخصيات نفوذا داخل المجتمع ، وكثيرا ما كان يقع المديح والثناء على سيدة البيت والتي اعتبرها الكثيرون امرأة ساحرة وذكية إضافة إلى نعومتها وجاذبيتها الشديدة ، وفي نفس الفترة تلك تعرفت مادام لالوري على ماري لافو ( Marie Laveau ) المعروفة بممارستها للسحر والملقبة بملكة الفودو ( السحر الأسود ) ، وكانت ماري تعمل آنذاك مصففة شعر فتم التعارف بينهما صدفة حين كانت هذه الأخيرة تتردد على منزل لالوري لتصفف شعر دولفين ، ثم تطورت الصداقة بين السيدتين لتكشف ماري لافو بعضا من أسرار الفودو لصديقتها الجديدة والتي أبدت فضولا شديدا للخوض فيه ، ولأن امتلاك العبيد كان يعتبر رمزا للثراء والجاه فإن الزوجين لالوري امتلكا عددا لا بأس به من الخدم ذوي البشرة السوداء للقيام بشتى الأعمال داخل المنزل وخارجه ، وغالبا ما تكون أعمالا شاقة ومرهقة ، رغم أن العبيد في ذلك الوقت كان لهم الحق في التمتع بيوم راحة أسبوعية إلا أن آل لالوري لم يكونوا ممن يؤمن بإعطاء أية حقوق للرقيق ، بل الأكثر من ذلك أن بعض الزائرين كانوا يلاحظون الهُزال الشديد والتعب على ملامح الخدم ، فانتشرت التعليقات والأقاويل حول سوء معاملة السيدة لالوري لخدمها ، لكنها كانت مجرد أقاويل بهدف السخرية من دولفين فمن يهتم بالحالة الصحية لهؤلاء العبيد؟ فقد كانوا آنذاك ببساطة أقل شأناً من الحيوانات ( وعذرا على التشبيه ) .
الوحش الناعم
كانت سيدة القصر تعامل العبيد بقسوة |
خلافا للصورة الناصعة التي كانت تروجها دولفين لالوري عن نفسها وعن حياتها فإن الواقع كان مغايرا تماماً لما يراه الناس ، إذ أن سيدة البيت لم تكن تعيش حياة زوجية سعيدة بل كثيرا ما يشهد المقربون منها شجارات بينها وبين زوجها الذي كان يترك لها البيت ببساطة لتبقى هي في حالة هستيريّة تصرخ وتشتم وتحطم كل ما يعترضها ، أما في ما يخص العلاقة بينها وبين عبيدها فالظاهر كان عكس الحقيقة ، حيث أنها كانت تبدو إنسانية في تعاملها مع الخدم ، تبتسم في وجوههم دائماً حتى أنها أعتقت منهم اثنين ، أحدهم كان يدعى ” جون لويس ” والآخر ” دوفنس ” ، من جانبهم كان العبيد في منزلها شديدي الحذر والدقة لمن يراهم , فهم دائمي الخشية من نظرات “سيدتهم” حتى أنهم كانوا يقفزون خوفا ويرتجفون لمجرد سماع صوتها ، كان أمرا مثيرا للريبة حتى لزوارها , وبتزايد الشكوك حول سوء تعامل دولفين مع العبيد أرسلت السلطات المحلية أحد المراقبين لمعاينة وضعيتهم في فيلا لالوري ، ويبدو أنه الآخر سحرته جاذبيها ولباقتها فكان تقريره إيجابيا في حقها.
لم تكن للعبيد أية حقوق آنذاك |
ورغم كل المحاولات لتلميع صورتها ، إلا أن الأقاويل حول تصرفات دولفين لم تتوقف ، فقيل أنها كانت تربط إحدى الخادمات ، وهي سيدة عجوز، في فرن المطبخ ، وقيل كذلك أنها أصيبت بحالة من الجنون جعلتها غير قادرة على التحكم في ردات فعلها حتى أنها انهالت ذات مرة بالضرب على ابنتيها حين رأتهما تطعمان بعضا من العبيد الجياع ، فيما رأتها إحدى الجارات وهي تركض حاملة سوطا فوق سطح المنزل خلف خادمة صغيرة تبلغ الحادية عشرة من عمرها و تدعى ” لِياَ ” ، و كان السبب هو أن هذه الخادمة آلمتها بينما كانت تمشّط لها شعرها عن غير قصد. وحين أرادت الفرار من بطش سيدتها لم تجد أمامها غير الدرج إلا أن دولفين ازدادت غضبا وتبعتها إلى السطح فلم تجد هذه المسكينة حلاّ سوى الوقوف على حافة الهاوية لتسقط ميتة من الطابق الثالث وسط ساحة المنزل ، ومع حلول الظلام تم دفن الجثة بشكل سريٍّ داخل حفرة تحت شجرة السَروِ ، و مرة أخرى قامت السلطات بإرسال أحد المراقبين للبحث في قضية موت الخادمة وأمام شهادة الجارة تم الحكم على دولفين بإعتاق تسعة من الرقيق ودفع مبلغ قيمته 300 دولار ، لكن هذه الأخيرة أصرّت على براءتها و كان الاهتمام المُنصبُّ حول حياتها ومدى اهتمامها بالخدم يزيد من تعكير صفوها و يزيد في توترها ، انتهى التحقيق حول موت الخادمة لِياَ بعدم توجيه أي اتهام ل(مدام لالوري) و تم إدراج ما قامت به ضمن حقوقها المدنية و حريتها في التعامل مع ممتلكاتها الخاصة !! كما استطاعت بمساعدة بعض من معارفها أن تعيد شراء العبيد الذين أجبرت على إعتاقهم ، و بمجرد عودتهم إلى فيلا لالوري بدأت أسوأ كوابيسهم تتحقق ؛ فدولفين كانت عاقدة العزم على جعلهم يدفعون الثمن أكثر من ذي قبل ، وبطريقة ما شعرت بأنهم كانوا السبب وراء هذه الإهانة العلنيّة التي لحقتها.
الحريق
كانت تعذب العبيد في غرفة سرية !! |
” من الصعب أن نجد المفردات التي تعبر عن بشاعة ما رأيناه في ذلك المكان المظلم ، لم نستطع الدخول في البداية فحاولنا عدة مرات أن نكسر الباب الحديدي إلى أن نجحنا بعد جهد كبير ، الدخان والظلام كانا يغمران تلك المساحة الصغيرة المليئة برجال ونساء وأطفال من السود ، كان بعضهم ميتا وكان البعض الآخر شبه ميّتٍ ولكن أغلبهم كانوا مقيدين من أيديهم وأرجلهم بسلاسل حديدية إلى الأعمدة والجدران ، فيما أجبر آخرون على الجلوس وهم عراة فوق سهامٍ خشبية ، عددٌ منهم ربطوا أحياء مع بعض الجثث المتعفنة داخل أقفاص , و البعض الآخر شُدّ وثاقهم فوق طاولات مخصصة للعمليات الجراحية ، وقد بدا وكأنهم خضعوا لتجارب طبية جنونية , لعلهم بقوا لأشهر عديدة في ذلك المكان وهم يذوقون ويلات العذاب و الفظائع من قبل أناس مهووسين ، فحين عاينا الجثث رأينا بعض العيون وقد أخرجت من محاجرها وبعض الألسن والأنوف التي قطعت ، كما تم تشويه أعضائهم التناسليّة التي انتزعت من أماكنها ثم أعيد تثبيتها مرة أخرى ، بعض الضحايا تم خياطة أفواههم و عيونهم وتم قطع آذانهم ، و آخرون انتزعت عظامهم ثم و تم إعادتها بشكل ملتوي ومتشابك ، فيما ثقبت جماجمهم ووجدت بداخلها ملاعق من النحاس ، وأغلب الظن أن جل الفظائع قد حصلت لهؤلاء العبيد وهم لا يزالون أحياء “
ما بعد رحيل السيدة
يقال أن أشباح العبيد لا تزال في القصر |
و في نهاية القرن التاسع عشر شهدت الولايات المتحدة وفود آلاف من المهاجرين على غرار بعض الإيطاليين الذين اتخذوا من نيو أورلينز مستقرا لهم ؛ فقاموا بابتياع المنازل القديمة والمتداعية وحولوها إلى شقق سكنية عصرية ، و كانت فيلا لالوري إحدى هذه المنازل التي شملتها التحسينات , و لكن حالها لم يكن أفضل مما مضى فجميع من سكنوها واجهوا بدورهم حوادث غريبة ومشاهدات مرعبة ، فمثلا تعرّض أحد الساكنين إلى هجوم مباغت وهو يصعد السلالم من قبل أحد الرجال السود ، والذي ظهر فجأة عاريا ومقيدا بالسلاسل ليختفي بنفس السرعة التي ظهر بها ، وآخرون كانوا هدفا لإحدى الأشباح الغاضبة التي كانت تطاردهم حاملة سوطها ، فيما كان الأطفال يلحظون وجود حيوانات ميتة ومقطوعة الرؤوس في أماكن عدة من المنزل ويلمحون جثث أشخاص ملفوفة داخل أكفان ، كما شاهدت إحدى المقيمات في الفيلا ذات مرة سيدة أنيقة وجميلة كانت متكئة على طرف السرير فيما بدا وكأنها بصدد إرضاع ابنها, فأغمي عليها من الصدمة ، كان من الصعب الحفاظ على مالك واحد لهذا البيت فتعدد المالكون له و اختلفت استعمالاته من إصلاحية لتأهيل الأطفال المنحرفين إلى مجلس كنسي ثم إلى حانة ليتحول في أواسط القرن العشرين إلى معرض للأثاث الفاخر الذي ما لبث صاحبه إلا أن عانى من تخريب وتدمير لرأس ماله فغادر هو الآخر ، بعدها اشتراها شخص يدعى راسل أولبرايت وحولها إلى عشرين شقة سكنية نافيا وجود أي آثار للأشباح ، لينتهي المطاف بهذا المنزل – الذي لقب ذات يوم بأعلى منازل الحي الفرنسي – ضمن أملاك الممثل نيكولاس كايدج ( Nicolas Cage ) الذي اشتراه عام 2007 بمبلغ يناهز الأربعة ملايين دولار والذي صرح في إحدى المناسبات أنه لم يمضِ أية ليلة داخل البيت لشعوره بالوحشة والرهبة منه ، بل أنه لم يتناول فيه سوى وجبة غداء واحدة ليتخلص منه بدوره بمبلغ أقل مما اشتراه .
ختاما
مصادر :
Delphine LaLaurie – Wikipedia
Delphine LaLaurie | Murderpedia
تاريخ النشر : 2016-04-24