أدب الرعب والعام

سيدة النور

بقلم : محمد الكسار – مصر
للتواصل : [email protected]

سيدة النور
اقتربت مني فلاحظت أنها كانت تخشى النور !

النور شعاع كهرومغناطيسي تستطيع العين البشرية تلقيه والإحساس به , وهو المسؤول عن حاسة الإبصار ، لأنه بدونه لا يستطيع الانسان أن يرى الأشياء حوله ، هو المليارات من النقط الغير مرئية التي تشع جميعاً في وقتٍ واحد ، لذلك فيمكن الاستغناء عن نقطة واحدة أو عدة نقط أو إبقاء نقطة واحدة ، تلك النقطة الضئيلة البسيطة تنير العين والقلب والروح في الظلام ، ماذا إذا لم تكن تلك النقطة موجودة في حياتنا ، هل يمكن ذلك ؟  

فلنفترض أن وجود الشمس في حياتِنا هو وجود حراري فقط ، بمعنى أنها لا تضيء ، هناك اختراعات مثل المصابيح وغيرها التي تُفعل بالوقود والكهرباء ، تساؤلات كثرة أثارت الجدل حول إن كان وجود الشمس حرارياً فقط ، وإن كان كذلك ، فالحياة ستنقرض بكافة أشكالها على كوكب الأرض ، ولكن لفترة لا بأس بها ستصبح الحياة مجرد شمعة أو مصباح على وشك الانتهاء ، عد للواقع الآن …

***

أنا “ميرنا محمد” طالبة في كلية التجارة ، عمري 19 سنة وثلاثة أشهر ، أحب الرسم ، الأعمال الفنية الأخرى والكتابة ، توفي والداي منذ ثلاثة عشر عاماً في حادثٍ ما .. أنا لا أفقه عنه شيء ، وبذلك أنا أعيش وحدي في المنزل ، بالطبع كبرت واحياناً أشعر بالإحراج عندما يعرف الجيران أو أصدقائي أني أعيش وحدي ، لكني تخطيت هذا الأمر وتقبلته ، لم أهتم ؟ ماذا أفعل ؟ أقتل نفسي من أجلهم ؟ 

لدي ثلاثة أصدقاء فقط في الجامعة هم “جيجي” و “أميرة” و “فاطمة” ، فأنا غير محبوبة في الغالب ، حتى هؤلاء الثلاثة لا يتحدثون معي كثيراً .. 
حسناً أنهي محاضراتي وأودعهن من بعيد حيث يكون معهم أصدقاؤهم الصبيان ، ثم أذهب إلى العمل ، ربما أطب وجبةً قبل الطريق إلى العمل .

صراحةً أفضل العمل على الجامعة ، أعمل نادلة في إحدى المطاعم في محطة بنزين قريبة من بيتي و بعيدة عن الناس قليلاً ، لم أذكر لكم أني أمتلك سيارة بسيطة كانت ملكاً لوالدتي ، تعلمت القيادة واخذت رخصتها العام الفائت ، أذهب إلى صاحب العمل “عم حمدان” رجل طيب ومتزوج من سيدة فاضلة ..

أقوم بتسجيل حضوري وأسلم عليه ثم أعثر على زميلة العمل وصديقتي المفضلة “ملك” التي تسلم علي وتضمني إلى صدرها وتقبلني وأنا أبادلها ، هي فتاة جميلة وطيبة ومرحة ، والداها متوفيين مثلي ولكنها تعيش مع عمتها ، نحن الاثنين النادلتين الوحيدتين إضافة إلى ذلك “عم حمدان” في داخل المطعم ، أما خارج المعم فتقبع محطة البنزين التي يعمل بها “حمو” و”سعيد” ، رجلين في منتصف العمر خفيفي الظل وفي حالهما ، حول المحطة لا يوجد مباني فهي تقبع على طريق صحراوي آمن يعبر منه العديد من الأشخاص والعائلات الذاهبون إلى العطل ، فيتوقفون عندها ليملؤوا خزان البنزين في سياراتهم ويدخلون المطعم ليتناولوا وجبة قبل الرحلة .

عملي يبدأ من الساعة الرابعة عصراً ، بعد نصف ساعة يأتي شاب وسيم يومياً ويجلس ليطلب غداءً من “ملك” بالذات ، يبدو أنه معجب بها ، لكنها لا تظهر أي اهتمام له ! 
استأذن من “عم حمدان” في الساعة السادسة يوم الأربعاء فقط للذهاب إلى الطبيب ساعة واحدة وأعود مجدداً إلى العمل ، ملأت خزان البنزين في السيارة لأنه كان على وشك الانتهاء من “حمو” و “سعيد” اللذان ألقوا بعض النكات السخيفة التي أضحكتني كثيراً ! ثم ذهبت إلى الطبيب في وسط المدينة الساعة السادسة و عشرون دقيقة .. الطبيب “حسين خميس الجندي” الطبيب النفسي ، ابتسم وألقى السلام وجلست على المقعد ..

– كيف حالكِ يا “ميرنا” ؟ لم تعد تحدث معك تلك المواقف كثيراً ، أليس كذلك ؟
– حمداً لله يا دكتور
– أنتِ هنا منذ شهرين فقط ، إنه تقدم هائل لكِ في تلك الفترة البسيطة
– أنا لست متأكدة ، أشعر أني لم أشفى تماماً
– لا أنا أستطيع الآن أن أبشرك بأنك شفيتِ بنسبة تسعة وتسعون بالمائة ، اليوم هو آخر جلسة علاج لكِ يا “ميرنا”
– فعلاً ؟
– بكل تأكيد نعم ، علاجك تم والحمد لله ، ولا تترددي في القدوم إلي في أي وقت إن احتجتي شيئاً
– شكراً جزيلاً لك يا دكتور ..

ودعت الطبيب وخرجت غير مطمئنة ، متجهة إلى سيارتي التي تقبع في شارع جانبي مظلم ، ركبت السيارة لأجد ذلك ، لا يوجد بنزين ! ماذا ؟ من ساعة تقريباً كنت قد ملأته بالفعل ؟ خرجت لأجد التانك مكسور والبنزين مسرب على الأرض ! قلت في بالي ماذا سأفعل ؟ خلال ذلك شعرت برائحة كريهة تلوح أمامي لأجد أمامي شخصين مختبئين في الظلام ، لا أرى ملامحه ولكني لم أتردد من الصراخ وطلب المساعدة ، تراجعت للوراء لأجد شخصاً خلفي يجري ثم تخطاني و واجههم بعصا حديدية وصرخ فيهما ليبتعدا ..

وبالفعل ابتعدوا عن المكان واختبؤوا في الظلام من حيث أتوا ثم نظر ذلك الشاب إلى عيني…
– ما الذي أتى بكِ إلى هذا الشارع المظلم ؟
– إن سيارتي هنا لم أعثر على مكان آخر .

وأخبرته عما حدث للتانك ويبدو أنه من فعل هؤلاء الاثنين ، أخذ مفاتيح سيارتي واستخدم آخر قطرة بنزين ليبعدها عن هذا الشارع ويخرجها على الطريق العمومي

– يجب أن يصلحها الميكانيكي صباح الغد.
– سأفعل ذلك ، شكراً جزيلاً
– هل تريديني أن أوصلك إلى مكان ما ؟
– أشكرك ، سوف أركب سيارة أجرة .
– لا ، أنا أصر ، سوف أوصلك.

اطمأنيت له وركبت معه سيارته واطلعته على العنوان حتى أوصلني إلى العمل وشكرته .
– لا شكر على واجب ، لم أتعرف على اسمك ؟
– إنه “ميرنا”
– أنا أدعى “أحمد”

شكرته مجدداً ودخلت المطعم وأخبرت الجميع عما حدث ووعدني “سعيد” بأنه سيتكفل بأمر السيارة في صباح الغد ، 

أتممت عملي ورحلنا سوياً أنا و”ملك” عن طريق القطار ، ذهبنا إلي شارعي ، الذي يعتبر شارع “ملك” فهي تسكن بجواري وكنت دائماً أوصلها بسيارتي ، عرضت عليها أن تصعد معي لكنها رفضت وقالت لي أنها ستبيت معي في الغد ، ودعتها وصعدت.

دخولي إلي المنزل كان مخيفاً بداية من ركوب المصعد فمصباحه يضىء ويطفي ، أخيراً وصلت إلى الدور ، ثانياً الخروج من المصعد لأجد الظلام القاتم ، أضيء فلاش هاتفي حتى أعثر على مفتاح نور الدور ، فعلته وفتحت باب شقتي

– السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أقولها دائماً عند دخولي المنزل مثلما كان يفعل أبي وتذكرت حديثنا عندما كنت في السابعة من عمري تقريباً.
– أبي لماذا تلقي السلام عندما لا يكون أحد بالمنزل؟
– يتوجب عليك يا “ميرنا” أن تلقي السلام عند دخولك أي مكان تركته لبضعة ساعات .

فهمت الآن لم كان لا يتوغل معي في الموضوع كي لا أخاف وأبكي ليلاً ، عندما كبرت فهمت أن السلام يكون على أصحاب المكان سواء كانوا إنس أو جن ،، ماذا ؟ هل قلت جن ! آه لم تذكرت ذلك الموقف الآن !

– يبدو أني لن أنم الليلة .

شغلت مصباح غرفتي وغيرت ملابسي ونمت على السرير وأنا متعبة وقد تركت النور مفتوحاً….
صحوت على رن هاتفي برقم خاص بعد منتصف الليل ، ببساطة لم أرد وأقفلت هاتفي نهائياً وقمت من سريري وذهبت إلى المطبخ لأشرب بعض المياه ، هاتفي رن مجدداً ؟!!
– ماذا ! لقد أغلقته بالفعل!
وبكل بساطة أغلقت الهاتف مجدداً ربما كان عطل أو ما شابه ، وفعلاً ظل الهاتف يغلق ثم يعاود التشغيل أوتوماتيكياً ، فأزلت البطارية منه ونمت…

في الصباح قمت من نومي وغسلت وجهيي ولبست لأذهب إلى الجامعة ، أعدت البطارية إلي الهاتف وشغلته لأجد رسالة ” تم الوصول إلي عدد كبير من الاتصالات” 
لم أهتم حقيقةً ، وأنا في طريقي إلي الجامعة رن هاتفي مجدداً ولكنني وجدته “سعيد” ، صبح علي وقالي لي أن السيارة ليست موجودة في المكان الذي أخبرته بمكانها !

تعجبت ثم شكرته على أي حال وأنهيت الحديث معه سريعاً ؟ ماذا ؟ كيف ذلك ؟ أنا معي المفاتيح ! فحصت حقيبتي لأجد لا شيء !! ا
أكملت سيري إلي الجامعة وحضرت محاضرة الاقتصاد نظرت بجانبي لأجد…؟! نعم ذلك الذي ساعدني ليلة الحادثة ، نظر لي وتفاجأ هو الآخر .

– ماذا ؟ هل أنتِ معي في الجامعة كل هذا الوقت ؟ أهلاً بكِ يااااا “ميرنا” أليس كذلك ؟
– أجل ، كيف حالك ؟
– بخير ، صحيح لقد نسيتِ مفاتيح سيارتك معي ليلة أمس ، لقد كنت سأجلب لكِ السيارة بعد أن أصلحها عند المحطة ، في المطعم الذي تعملين به.
– وأنت كيف عرفت أني اعمل في المطعم ؟
– لم أرَ بنتاً من قبل تعمل في محطة وقود فتأكدت أنك تعملين بالمطعم لا المحطة.
– صحيح

ابتسمت له وبادلني ذلك وأعطاني المفاتيح وطلب مني أن نتناول القهوة في فترة الراحة بين المحاضرات ، لكني رفضت بحجة العمل ..

ذهبت مبكراً إلى عملي واألقيت السلام على الجميع عدا “ملك” فلم تأتي بعد ، لكنني لاحظت تغيراً ليس بطبيعي على “عم حمدان” فقد أصبح أكثر عجزاً وينظر لي بخوف ويتلفت يميناً ويساراً ، لم أسأله لكنني اكتفيت بالنظر إليه وتسجيل حضوري ، ثم جلست وأخرجت هاتفي لأتسلى به قليلاً ، وجدت رسالة غريبة قد بعثت ليلة أمس بنفس الرقم الخاص وبها الأرقام :

922000… 922000…  922014

لا أدري !! أصابني الرعب بعد تلك الرسالة وظللت أفكر فيها بلا جدوى ، وقد أصبح اليوم أكثر خوفاً بالنسبة لي ،، أخيراً أتت “ملك” متأخرة ساعتان ويبدو عليها الخوف أيضاً وسألتها ما بك ؟ قالت لي أنه جائها رقم خاص ليلة أمس وقال لها تاريخ يوم توفي أمها وأبيها وتاريخ آخر ، تشنجت من ذلك الخبر وقلت لها على ما حدث معي تماماً مثلها و وجدت فعلاً أن تاريخ موت أمي وأبي فؤ 9/2/ 2000 ومكتوب مرتين في الرسالة لكن بدون الفواصل ، وما هذا التاريخ الأخير ؟ هل هو تاريخي موتي أنا ؟ 9/2/ 2014 ! اليوم هو 5/2 إذاً هذا المعتوه سيقتلني خلال الأيام القادمة !

ركبتاي لم تقدرا على الحركة وقالت لي ملك أنه مكتوب لها نفس الميعاد وتاريخ أبيها وأمها في 6/11/ 2003 و 21/1/ 2004
– ماذا يعني ذلك يا “ملك” هل سنموت نحن الاثنتين ؟
لم أتمالك نفسي وذهبت لعم “حمدان” .
– عم حمدان ماذا يحدث ؟ لم أنت خائف و ما الذي يحدث ؟
ظل ساكتاً وهو بدأ يرتعش ويتعرق ويتلو كلاماً غير مفهوم ! بقى على هذا الحال لفترة حتى خرجنا أنا و”ملك” خارج المطعم لأجد “أحمد” يخرج من سيارته وقادم إلينا مبتسم ابتسامة خبيثة ، لا شك أنه هو من يعبث معنا أنا و”ملك” وعم “حمدان” .
قلت لـ”ملك” أن تتظاهر بالشجاعة وكأن شيئاً لم يكن ، حتى أتى “أحمد” إلينا وتحدث بكل طبيعة وخبث .
– هل أغلقتم المطعم أم ماذا ؟
– لم نغلق بعد .
– إذاً لمَ أنزلتم صاج المطعم وأغلقتموه ؟

ماذا ؟ نظرنا خلفنا لنجد المطعم مغلقاً ، من أغلقه ؟ “عم حمدان” ! هرعنا بالقرب منه ونادينا على “عم حمدان” لكن لا يوجد سوى صوت صريخ “حمدان” المتكرر ، حتى تحدث “أحمد” وبدا عليه الخوف هو الآخر ، ربما أنا أخطأت بالحكم عليه .
– ماذا يحدث يا رفاق ؟
سألته ملك ..
– ما اسمك ؟
– أحمد
– هناك فتحة تهوية في سطح المطعم يمكنك أن تصعد بالسُلم الخلفي للسطح ثم تدخل من تلك الفتحة.
– أمم حسناً هل هناك شيء خطير ؟

صعد “أحمد” وقفز داخل المطعم
– أحمد ماذا يحدث بالداخل ؟ هل أنتما بخير ؟
كانت هذه أنا ، لكن ظل السكون متوازن مع وضعه لفترة ..

“سعيد” و “حمو” قدما ليتفقدا ما يحدث ، خلال ذلك لم أتحمل عدم رده وقلت لـ”ملك” أن تنتظرني وصعدت إلى السطح ونظرت من الفتحة لأجد المطعم مظلم ، عم “حمدان” ينظر إلي وقد انتفخ وجهه وجسده مقطع ، كل جزء في مكان ويطلب منا المساعدة ثم مات ..
صرخت وبكيت حتى ضمني “أحمد” إلي صدره وأنا أبكي ومازالت “ملك” في الأسفل تساءل عما حدث.

يوم حادثة قتل “عم حمدان” الساعة الثامنة ليلاً :

مازلت أتذكر المنظر وأنا جالسة تحتضنني “ملك ، و”أحمد” على وجهه الذهول وهو واقف بجانبنا ، “سعيد” و “حمو” لا يصدقان ما حدث ، خلال ذلك الشرطة تبحث بالداخل عن الدلائل حتى أتى ضابط الشرطة وسألني بعض الأسئلة وقد أجبت عليها ثم سألني سؤال مألوف
– هل بعثتِ رسالة إلى “حمدان” اليوم ؟
– لا يا حضرة الضابط !
نظر قليلاً ثم أطلعني على الرسالة ومكتوب رقم الهاتف المبعوثة منه ، الرسالة هي نفس الرسالة التي بعتت لي ولـ”ملك” ولكن مع اختلاف التواريخ وقد كانت
7/3/ 1971  .. 25 / 1/ 1963 وتاريخ اليوم 5/2/ 4014
– ماذا ؟
كانت هذه أنا ثم تحدث الضابط
– ماذا !  أتعرفين لمن هذا الرقم ؟
قلت بتردد :
– لا أعلم

عندما سأل الضابط “ملك” قالت له أننا مهددين بالقتل وعلى الموضوع كاملاً وشكرنا وأقفل المطعم وودعنا “سعيد” و “حمو” وحزنت لأجلهما ولأجل مصير “حمدان” و زوجته التي أتت وهي تبكي حتى أبعدتها الشرطة ، وبقينا معها حتى الساعة العاشرة عندما جاءت سيارة الإسعاف وأخذته وبقية الاجراءات ..

وهكذا في النهاية أتى ذلك الشاب المعجب بـ “ملك” نحونا كأنه ذاهب للعشاء ولكن وجد الموقف وسألنا عما جرى وتركت “ملك” تجيبه وذهبت أنا إلى “أحمد”
– هل أنتِ بخير يا “ميرنا” ؟
– أنا لا أصدق ما حدث ، أنا سأعود للمنزل أنا و”ملك”
– سوف أوصلكما.
– لا عليك
– لا أنا أصر ، فأنا ذاهب إلى وسط المدينة .
– حسناً .

ركبنا سيارته وأيضاً جاء معنا صديق “ملك” الجديد الذي يدعى “طارق” وذهبنا من طريق آخر نظراً لأن الشرطة قد أقفلت الشارع بأكمله لا أعلم لماذا !! 

رحلنا من طريق آخر أطول من الطريق الأصلي ، إنه طريق جيد ومنير لكن مشكلته أنه نادراً ما تعبر منه السيارات ، ولكن يبدون أني حسدت إنارة الطريق ، ففجأة انطفأت جميع الأعمدة بما فيهم نور السيارة ، نظرت حولي لأسمع صرخة قد أفقدتني حاسة السمع من “ملك” وهي تقول :
– احذر
فقد خبط “أحمد” شخصاً يعبر من اللامكان والسيارة انقلبت……

صحوت من الإغماء الذي كنت فيه لأجد نفسي في منتصف الشارع نائمةً على الأرض والسماء بلا نجوم ولا قمر ، جروح عميقة في جسدي تؤلمني بشدة ، الجو البارد و السكون إضافةً إلى الظلام الكثيف الذي أمامي لا يعكس لي سوى نور من بعيد ، إنه نور محطة البنزين ، مشيت باتجاه المحطة عسى أن أجد الأصدقاء هنا اأو هناك لكن لا شيء ! أخذت هاتفي لكن لا شبكة ! أكملت سيري تجاه المحطة البعيدة في هذا الطريق المظلم المليء بالحشرات والثعابين والعقارب الميتة بجانبي ، وجدت رجلاً جالساً على كرسي وأمامه بعض كاوتش السيارات وخلفه كشك شبه مدمر ، ناداني بأسمي!

– كان يجب عليكم مساعدة “عم حمدان”.
– …….
– كان يجب عليكم مساعدته.
– لم تكن بأيدينا حيلة .
– كان يجب عليكم مساعدة “عم حمدان”

لقد كان يثرثر بنفس الطريقة ونفس الجملة كأنه إنسان آلي مبرمج على قول هذا فقط ، لا أعرف لقد أخافني ، وأكملت سيري في نفس الطريق لكنني عثر على شخصين آخرين ، إنهما أمي وأبي ! هل أنا مت ؟
جريت نحوهما ، ألقيا علي السلام بكل لطف وقد تحدثت معهم بعض الأقوال العادية التي لا أتذكرها ، ثم تغيرت ملامح وجهيهما فجأة وباتا أكثر عجزاً وأكثر شراً وقالا مثلما كان يقول ذلك الرجل .
– كان يجب عليكم مساعدة “عم حمدان”.
– أمي أرجوكِ
– كان يجب عليكم مساعدته.
– كفاكما

وبدأا بالاقتراب مني أكثر ونظراتهما تتحول إلي الشر ، جريت مجدداً وأنا أنظر خلفي إليهما وأبتعد عنهما ، التفت للخلف لأجد نفسي !! أنا أشاهد نفسي ولكنها عارية وجسدها ملطخ بالدماء ، تحمل ابتسامة خبيثة وملامحها المخيفة التي جعلتني أهرب قبل أن اأتفاجأ منها ، مازالت تدقق النظر إلي وتبتسم وتختفي وتظهر أمامي في كل مكان ، وأنا مازالت أجري حتى أخفاها الضباب ..

“سعيد” و “حمو” في المحطة على بعد مائة متر أمامي ، وأنا اأراهما جيداً ، لكنه ينظر إليهما من نافذة المطعم ، فمه مفتوح ، وملطخ بالدماء إنه “عم حمدان” ، نور المحطة أغلق فجأة ، ولقد اصتدمت بشىءٍ ما ، حتى ظهر نور خافت جعلني أرى ما الذي أمامي ، إنها النسخة الأخرى مني ، أمسكتني من رقبتي وظلت تعصرها ، وهي تنظر لي وتفتح وتغلق فمها الكبير بسرعة رهيبة ، تخرج لسانها المقزز وقد وضعته على رقبتي ، وبيديها الأخرى قامت بإدخالها بداخل معدتي ببطء وتخرج منها أحشائي ، إنها تؤلم بشدة ، وأنا مازلت أصرخ وأبكي وأتألم ، نظرت إلي مجدداً ثم أدخلت لسانها في فمي وآخر ما سمعته هو صراخي…..

– “ميرنا” ميرنا هل أنتِ بخير ؟

كانت هذه “ملك” و نعم كان قد أغمى علي وهذا كله مجرد حلم .. وقد كان “أحمد” يخرجني من السيارة التي انقلبت ، خرجت منها بإصابة في بطني ورقبتي ، نعم مثلما فعلت تلك السيدة المظلمة ، أسندني “أحمد” على كتفه وظللنا سائرين تجاه المحطة جميعاً بالأضافة إلى “ملك” و”طارق” ..

أثناء سيرنا عثر على الكشك الخشبي المدمر وبعض الكاوتش والكرسي لكنه كان مدمر ! هذا ما شاهدته في الحلم ! سألت…
– لمن هذا الكشك ؟
رد “طارق”
– هل تعرفين عم “فرج” ؟
– “عم فرج” ؟
– نعم .. كان رجلاً طيباً وهذا الكشك له ، الله يرحمه.
– هل مات ؟
– نعم ولكن لقد فات على هذا الأمر حوالي ثلاثة أو أربعة سنين على ما أعتقد.

كيف مات وأنا شاهدت هيئته في الحلم ؟! سألت مجدداً :
– هل كان يعرف “عم حمدان”
– لا لا أعلم يا “ميرنا” حقيقةً ..

أكملنا سيرنا حتى وصلنا أخيراً إلى محطة البزنين ، لكن كان هناك شيء غريب ! سيارات الشرطة موجودة بالفعل لكن لا ضباط ولا عساكر ! أبواب السيارات مفتوحة ، بالداخل جهاز لاسلكي يتحدث فيه شخص ما .
– الوحدة الثانية هل تسمعني ؟
أخذ “احمد” اللاسلكي وأجابه :
– مرحباً
– الوحدة الثانية ؟
– لا نحن وجدنا تلك السيارات ولكن لا يوجد أي ضباط أو ما شابه حولنا في المنطقة .. هل يمكنكم مساعدتنا ؟ لقد انقلبت سيارتي في الطريقة أنا وثلاثة من أصدقائي.
– يا إلهي

تحدث معه حتى اختفت كل الأصوات من حولي عندما نظرت إلى المطعم وكنت أتأمله ، أشعر وكأن شخصاً ما يشدني للداخل ، حتى أمسكني شخص وجرني عكس اتجاهه ، أنا “ملك”
– إلي أين أنتِ ذاهبة ؟

سمعت الآن “أحمد” والضابط يتحدثان في اللاسلكي..
– أنا أكرر لك ، اذهب إلى منزلك وأغلق الباب وضع أي شيء ليقوي الباب ، المدينة ليست آمنة وهناك عمليات سطو و ………
– مرحباً ؟ الو ، هل تسمعني ؟؟ حسناً إن كنت تسمعني فأنا سآخذ سيارة من تلك السيارات اعذرني .
– ………………..

لا يوجد رد ، فجأة مصباح البنزينة الكبير كسر بفعل شيء غريب !  دخاناً أسوداً بدأ بالصعود من أنحاء المحطة ، إنه يتشكل في هيئة كائنات غريبة !  لم نعثر على مفاتيح أية سيارة وهربنا سيراً على الأقدام ، بدأت تظهر تلك الكائنات في كل مكان هنا وهناك ، اقترب كائن وأمسك رأسي بقوة وبدأت أشعر بأصوات ، كلام غير مفهوم في رأسي لا أتذكر منه سوى جملة مميزة وهي “لعنة الشمس السوداء” ..

أفقت من اللا وعي مرة أخرى وأنا في الشارع ، ليس هذا بل الطريق الذي انقلبت فيه السيارة ، سرت لأجد الكشك مجدداً وصاحبه جالس على الكرسي بنفس الطريقة تذكرت اسمه من حديث “طارق” ، ثم ناديته :
– عم “فرج”
نظر لي وتحدث هذه المرة بطريقة طبيعية :
– ما فعله “حمدان” كان خطأ
– ما الذي فعله “حمدان” ؟
– لقد أيقظهم
– أيقظ من ؟
– الظلال
– ماذا ؟
– هو السبب في موته ، هو السبب في موتي
– أنا لا أفهم شيئاً ، أرجوك أن توضح ما تقول .
– يجب على الكتاب الذي فتح أن يقفل مثلما كان ..
– ما هو هذا الكتاب ؟
– إنه ينتظرني أمام المحطة لكي أخبره بما يفعل .
– كيف أتخلص من كل هذا ؟

نظر إلي وفتح عينيه ثم نظر إلى مصباح منير بنور خافت ، ولم يسمع لي بعد ذلك و بقى على هذا الحال ..

أكملت سيري ، وجدت أمي وأبي مجدداً خلفهما طائرة وهما يبتسمان لي ويلوحان بيديهما ويركبان الطائرة ، ثم يقفل بابها .. وفجأة تصبح الطائرة مدمرة وتحترق ، أعتقد بأني عرفت الآن كيف ماتا..

فتحت فلاش هاتفي وأكملت سيري لأجد تلك السيدة المظلمة بنفس الابتسامة الخبيثة والشر الذي بداخلها ، لكنني اكتشفت شيئاً ، إنها تخشى النور ، لكنها لا تستسلم ، بدأت أوجه عليها النور وأنا أهرب وهي تصرخ ورائي ، حتى وصلت أمام محطة البنزين لأجد “عم حمدان” ناديته بأسمه :
– عم حمدان..
– كيف حالك ؟
– ما الذي حدث لك ؟
– لم أكن أقصد صدقني
– “عم حمدان” ؟؟

لم يكن يحدثني فقد نظرت خلفي لأجد “فرج” ، إنهما يحدثان بعضيهما .

– لم يجب عليك أن تفتح ذلك الكتاب يا “حمدان”
– لقد أخبرتك ، لم أكن أقصد.
– هل يمكنني أن أرى ذلك الكتاب ؟
– إنه اختفى بحق ، أنا فعلاً لم أره منذ أن فتحته.
– ماذا سنفعل الآن ؟
– سوف أبحث عنه .
– يجب عليك أن تعثر عليه في أسرع وقت ممكن.
– حسناً حسناً

اختفيا من أمامي تماماً وقد فهمت أنه يجب علي أن أقفل هذا الكتاب ! لكن ما هو هذا الكتاب ؟ لقد فرغت بطارية الهاتف والفلاش أغلق ؟
– لا لا لا لا
ظهرت أمامي السيدة المظلمة وأمسكت برأسي ثم رفعتني وقامت بفصل رأسي عن جسدي بيديها !..

صحوت مجدداً من اللاوعي ، لكنني كنت في بيتي ، معي “ملك” و “طارق وأحمد”.
– ماذا حدث ؟
– بعد ما حدث لـ “عم حمدان” الله يرحمه ، صدمتِ برأسك في باب سيارة “احمد” وأنتِ تركبين فغبتِ عن الوعي .
– ماذا ؟ ماذا عن اختفاء الشرطة وتلك الكائنات ؟
– فلتهدئي يا ميرنا لا يوجد شيء مما حدث ، ربما كان حلماً أثناء غيابك عن الوعي .
– لا لـ….. حمداً لله أننا في البيت ..

تحدث “طارق”
– النور مقطوع عن البلد بأكملها..

وفجأة قُطع النور عن البيت ، والخوف ملأ قلبي ، ظللت أنادي عليهم لكن لا أحد يرد علي ، قمت من سريري لأصطدم بجسم على الأرض فشغلت فلاش الهاتف لأجد “ملك” ملقاةً على الأرض وجسدها مفصول عن رأسها وأمعائها ملقاةً بجانبها وجسدها يرتعش ، أنا بجانبها ! وفي نفس الحالة ! هل أنا مت أم هذا حلم أم ماذا ؟ ظللت أصرخ وأصرخ لا أحد يسمعني ……….

– ماذا عندما يأتي النور ؟
– لا أخشى شيء
– جيد
– هل تشاهدين ما يحدث أثناء الظلام ؟
– أحياناً لا وأحياناً أخرى أرى أجساماً تتشكل داخل الظلام ولكن بدون ملامح .
– هل تلك الأشياء تتحدث ؟
– تقريباً ، يتمتمون بكلام ليس له معنى.
– إنها فوبيا الظلمة أو الوحدة ، ربما يكون علاجك بسيط و ربما لا يا آنسة “ميرنا”
– ……..

تحدث “طارق”
– النور مقطوع عن البلد بأكملها.
وحينها رأيت كل تلك الرؤية بما فيها من ما حدث لي أنا و “ملك” وتذكرت الجلسة الأولى بيني وبين الدكتور ” حسين” بعدما تحدث “طارق” بتلك الجملة في المرة الأولى ، ثم كررها مجدداً
– يجب علينا أن نرحل الآن كي تناما
كان المتحدث هو “أحمد”

ودعناهما وشكرناهما على المساعدة واتفقنا على المقابلة قريباً ،، 
باتت معي “ملك” بعد ما مررنا بيوم عصيب ، ربما كنت أنا اكثر واحدة قد مرت بيوم عصيب اليوم ، أغمضنا أعيننا ونمنا وصحينا ثاني يوم في نفس الوقت ، الساعة السابعة ليلاً ، كم من الوقت نمنا ؟ حوالي خمسة عشر ساعة ! نظرت في هاتفي لأجد أنا اليوم هو 9/2 !

ناديت على “ملك” ولكن قد فات الآوان ، فقد حضرت الظلال بما فيها من مخلوقات وبالفعل هي حولنا الآن ، احتضنت “ملك” ونحن نرتعش ، رأيت ذلك الملعون وراءهم إنه “عم حمدان” وظل يتلو التعويذة ….

إنهم يقتربون …..
 

تاريخ النشر : 2017-04-26

guest
27 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى