سينتراليا: مدينة فوق الجحيم
مدينة عاشت فوق حريق استمر لعشرات السنين |
فريق التحقيق الذي كان يجول في المدينة سمع وشاهد حادثة سقوط الطفل تود دومبوسكي ومن هنا قررت السلطات اغلاق المدينة واخلاءها فهذه الحادثة كانت خير دليل على حجم الكارثة في مدينة سنتراليا.
بداية القصة
تود دومبوسكي يقف بجوار الحفرة التي كادت ان تقتله |
في منتصف القرن 19 تم اكتشاف رواسب للفحم في ولاية بنسلفانيا ولأن الفحم كان مصدرا مهما للطاقة في ذلك الوقت فقد عمل الكثيرون في استخراجه وانشأت الكثير من المستوطنات بالقرب من مناجم الفحم وكانت مدينة سينتراليا احدى هذه المستوطنات حيث عرفت المناطق المحيطة بها بكثرة تواجد الفحم ومن اجله استقر بها العديد من العاملين بهذه المناجم واصبحت هذه المستوطنة مدينة مزدهرة وانشأت المدارس والمسارح وكنيستين وسكة حديد ومتاجر ورغم كل هاذا الا أن عدد سكانها لم يتجاوز 2000 نسمة.
عاش سكان سينتراليا في سكينة وهدوء الى أن جاء اليوم الذي سيغير كل شيء. في عام 1962 كانت مدينة سينتراليا تتهيأ لاقامة احتفالات لعدة مناسبات مجتمعة فأمر مجلس المدينة بجمع النفايات واحراقها كالعادة في احدى الحفر وقد كان رجال الاطفاء هم المتطوعون لهذه الاعمال دائما ولم يسبق أن حدث شيء خلال هذه العملية الروتينية.
صورة قديمة للمدينة عندما كانت هادئة وجميلة |
بدأ رجال الاطفاء عملهم وجمعوا كل النفايات ونقلوها الى مكب النفايات الخاص بالمدينة وقاموا باضرام النيران حتى احترقت كل النفايات ثم قاموا باطفاء اللهب المتبقي وانصرفوا.
لم يعلم مجلس المدينة ولا رجال الاطفاء أن مكب النفايات الذي يحرقون فيه نفاياتهم ما هو سوى حفرة لمنجم فحم قديم ومهجور ومنه بدأت الكارثة. فرغم أن رجال الاطفاء قاموا باطفاء اللهيب المتبقي الا ان اللهب كان قد امتد الى الاعماق السفلية للمنجم وأخذ في الامتداد والانتشار في طبقات الفحم الموجودة بالقرب من السطح ، ولأن الفحم كان يملأ باطن الارض فقد بقيت النار مشتعلة وكل يوم تمتد اكثر واكثر ولمسافة اكبر.
بقيت النار مشتعلة وكل يوم تمتد اكثر واكثر |
عرف مجلس المدينة بالحريق وحاول بكل الطرق اطفائه لكن دون جدوى فقد تم سكب كميات كبيرة من المياه في جوف الارض لكن بلا فائدة فالحريق بقي مشتعلا ويزداد انتشارا تحت الارض وخرج الوضع عن السيطرة ، و اتهم السكان المحليون رجال الاطفاء بالتسبب بالحريق عن طريق الاهمال لانهم لم يطفئوا النار جيدا.
بقي الحريق مشتعلا ولم تظهر أي بوادر لخموده رغم كل المحاولات من مجلس المدينة ، وبقي الناس يعيشون في المدينة رغم الحريق المشتعل تحت الارض ، لكن مع مرور السنوات وتوسع الحريق اكثر واكثر تحت الارض بدأت نتائج الكارثة بالظهور فبدأت الكثير من المباني بالتشقق والتصدع مهددة بالانهيار أما الطرق فقد بدأت هي الاخرى بالانهيار والتصدع وتم اغلاق الكثير من الطرق بطول 4000 قدم في المدينة لانها تشكل خطرا على السائقين ، كما بدأ السكان بالشكوى من اعراض صحية نتيجة كثرة استنشاق غاز الفحم المحترق الذي يخرج من تحت الارض فبعد تشقق وتصدع الطرق والاراضي نتيجة الحريق اصبح مألوفا مشاهدة الغازات السامة تخرج من هذه التشققات .
وفي احدى محطات الوقود اكتشف صاحب المحطة أن درجة حرارة خزان الوقود قد بلغت 77درجة ، تخيلوا أعزائي القراء لو انفجر هذا الخزان وما قد يحصل .. وبعد هذا أصبح اصحاب محطات الوقود يعملون خفية نتيجة الخطر الكبير الذي يشكله الوقود مع الحريق المتواجد تحت الارض الذي استمر في الاشتعال طول السنوات التالية.
صورة لاحد شوارع المدينة وقد تشققت ارضه |
اصبح العيش في مدينة سينتراليا كالجحيم فالغازات السامة تنبعث من كل شق في الارض والبنايات تصدعت والسكان اصيبوا بالامراض نتيجة الغازات السامة في الهواء، ومعظم الطرق مقطوعة او متصدعة وخطرة ومازاد الامر سوءا هو الحرارة المرتفعة التي تخرج من تحت الارض والتي جعلت الارض ساخنة لايمكن المشي فوقها بدون حذاء. وقد قدر العلماء بأن الحرارة التي يولدها الحريق يمكنها أن تذيب الحديد.
بعد كل ما حدث في المدينة بدأ الناس بترك منازلهم والنزوح لمناطق ومدن أخرى الى أن جاء عام 1981 وحدث الحادث للطفل تود دومبوسكي والذي سقط في فتحة داخل الارض انفتحت فجأة ونجا بأعجوبة رغم استنشاقه لمستوى أعلى بـ 30 مرة من المستوى المقبول من غاز اكسيد الكربون، هذه الحادثة تزامنت مع زيارة فريق تحقيق في الحريق الذي مازال مشتعلا تحت الارض رغم مرور سنوات عديدة ومدى الاخطار الناجمة عنه وكان الحادث أكبر دليل على الجحيم الموجود في المدينة فأمرت الحكومة باخلاء المدينة من السكان والذين كان عددهم 1000 نسمة فقط فقد غادر معظم السكان لان الحياة اصبحت مستحيلة، وتم تفكيك معظم المنازل واخراجها من المدينة ، وفي عام 1992تمت مصادرة جميع ممتلكات المدينة.
لقد قدر الخبراء أن مساحة الحريق تحت الارض تبلغ 1.6 كلم مربع ومن الصعب الحكم على عمق هاذا الحريق.
لماذا الحريق لم ينطفئ
استمر الحريق سنوات وعمدت السلطات الى سد الطرق المؤدية للبلدة |
قد يقول البعض انه من الغريب أن الفحم لم ينطفئ بعد سكب كميات كبيرة من الماء عليه واستمر في التوسع والانتشار مع الوقت والحقيقة أن الفحم الموجود في ولاية بنسلفانيا وبالقرب من مدينة سينتراليا ليس مثل الفحم العادي بل هو نوع خاص من الفحم ويسمى فحم الانثراسايت فمثلا جسم الانسان يتكون من 18%من الفحم والنبات حوالي 45%من الفحم اما الفحم الاسود العادي فيتكون من 60 الى 70% من الفحم في تركيبته اما فحم الانثراسايت فهو يتكون من 97% من الفحم في تريكبه أي انه يحترق لفترات طويلة اكثر من الفحم العادي كما انه يطلق غازات سامة عند احتراقه.
المدينة اليوم
صزرة للشارع الرئيسي في البلدة في الستينات وصورة له اليوم بعد اخراج السكان وتسوية المنازل بالارض |
لأكثر من ثلاثين عاما ومدينة سينتراليا مهجورة من السكان فالعلماء قدروا أن الحريق سيستمر من 100 الى 250 عاما وهذا ما يجعل العودة اليها مستحيلة في الوقت الحالي ، ورغم هجرة السكان كلهم الا أن البعض فضل البقاء والعيش في المدينة ففي عام 2005 بقي 12شخصا، ثم 9 اشخاص في عام 2007، وفي اكتوبر 2013 تم التوصل لاتفاق بين سلطات الولاية وآخر السكان المقيمين للسماح لهم بمواصلة العيش في المدينة ، وفي عام 2002 تم حذف الرمز البريدي للمدينة وهو 17927. وقد بقيت احدى الكنائس تقدم خدماتها للاشخاص القلائل الباقين في المدينة. كما اصبحت مدينة سينتراليا قبلة لصناع افلام هوليوود فأجواءها الغريبة كونها مدينة مهجورة وتنتشر فيها الغازات والتشققات جعلت الكثير من المخرجين يصورون فيها افلامهم وقد صور فيلم علمي فيها يصف الحياة على كوكب الارض بعد اختفاء البشر وغيرها من الافلام.
وأخيرا اذا زرت هذه المدينة فستجد كل الطرق اليها مغلقة وعلامات التحذير من الخطر في كل مكان ورائحة الدخان والغاز منتشرة في الاجواء فهل ستغامر وتزورها مع العلم انها اصبحت قبلة لعشاق المغامرة والاماكن الخطيرة والغريبة وحتى السياح ايضا اصبحوا يتوافدون اليها فهل ستكون واحدا منهم عزيزي القارئ لو سمحت لك الفرصة؟
مصادر :
– ويكيبيديا ومواقع انترنت
– Centralia
تاريخ النشر : 2021-02-15