شيءٌ ما !
اذّ بسيارته تتحوّل في ثوانيٍ لركامٍ و حطام ! |
..ذلك الإحساس الذي يأتي و يرحل دون سابق انذار ..
هذا الشيء الموجود و الغير موجود …موجود بالفعل و بالحضور .. و غير موجود , لأني لا اعرف شيء عن كونيته .. و لا اظن ان احداً آخر يعرف !
إن كانت تلك الحالة يمكن ان تمرّ بالإنسان في اماكن يعرفها و يألفها , الاّ انها تبقى نادرة جداً !
اتذكّر جليّاً !! حادثة وفاة صديقي حسن و ما سبقها من طقوسٍ سوداوية , و ما تركته في نفسي من أثر يستحيل نسيانه…
كثيراً ما كنت استمع الى موضوع (الحاسة التنبؤيّة السادسة) بغير اهتمام و ببرود اللّامبالي ..
حتى تراكمت الأيام ..و علمت ان الكون غامض و غريب , حتى في ابسط الأشياء !
حتى عن نفسك , فأنت تجهل عنها الكثير : كأين كنت قبل رحم امك ؟ و ما الأحداث التي ستمرّ عليك ؟ و كيف ستصبح في المستقبل القريب ؟!
حسن !! كان صديقي الحميم منذ سن العاشرة لثلاثين , لم نفترق بها يوماً ..سافرنا معاً لبلدٍ غريب و عملنا سويّاً ..و سكنا ببيتٍ واحد لأعزبين , طعامٌ في صحنٍ واحد..قلبٌ في جسدين !! نمَتّ بداخلنا اخوّة و صداقه متينة , لا يُفرّقها الا سُلطة القدر..
ثم جاء ذلك اليوم التعيس , الذي قرّر فيه حسن ان يذهب ليقدّم طلب (ريفيو) لإحدى شركات البترول , بعد ان استقال من عمله معي كمهندس في شركه الأسمدة , نتاج خلافه مع المدير في امورٍ اداريّة ..
عرَضتُ عليه في ذلك اليوم ان اذهب معه , فرفض قائلاً :
-لا داعي لهذا يا صديقي , لا تتعب نفسك ..اعرف جيداً ما عليّ فعله
و امسك المفاتيح و القدّاحة و المحفظة و وضعهم بالجاكيت ..و مشّط خصلات شعره ..
ثم رحل !
صوت وقع خطواته الأخيرة على بلاط الدرج , مازالت ترنّ في اذني الى اليوم .. انها اصوات رحيل اعزّ رفيق على قلبي !
كنت حينها اشعر بنعاسٍ شديد .. ذهبت للحمّام , اخذت اتوضأ ..و من ثم خرجت للصلاة ..و ما ان انتهيت , حتى ارتميت في احضان السرير كالقتيل ..
و ماهي الاّ لحظات , حتى ذهبت في نومٍ عميق…..
ثم كان هذا الحلم الغريب !
(( رأيته ! نعم رأيته هناك .. و هو يتحدّث مع مديره الجديد .. شهدّت كل الحوار الذي دار بينهم .. ثم رأيته يخرج من الشركة و يركب سيارته .. و هو يضحك مع امه بالهاتف , و يبشّرها بقبوله في العمل الجديد ….لكن !…انتبه يا حسن !! الطريق يا حسن !! …..
…و اذّ بسيارته تتحوّل في ثوانيٍ , لركامٍ و حطام ! ))
استيقظت مفزوعاً , اتنهّد خوفاً ! و القلق اهلكني , و نبضات قلبي تتسارع ..فقفزت الى الهاتف .. و مباشرةً اتصلت بصديقي … اللعنة !! الخط مشغول !..
همَمتُ مُسرعاً بالبيجامة , اخذت مفاتيح سيارتي ..و بأقصى سرعة ذهبت الى مكان الحادث الذي رأيته في الحلم …
و هناك !! فعَلَ القدر فعلته , بعد ان حقّق ما استهدفه !
جلست بجوار الحطام بلا حراك ! و الناس يركضون من حولي و يصرخون .. ثم بدأت اصواتهم تتلاشى من امامي شيئاً فشيئا.. و خارت قوايّ ….
استيقظت بعدها في المستشفى .. اتأمّل بُرهة , و استعيد المشهد للحظة..
ما كان ذلك الشيء الذي انبأني بالحادث ؟! أهو جزء من تكويني الروحي ؟! امّ مجرّد حدسٌ قويّ ؟!
في الليل ..عدّت الى مقرّ اقامتي العتيق , لأكمل رحلتي وحيداً.. نمت على السرير كنوم البليد !
————————
اليوم .. و في كل مرّة امرّ من ذلك الطريق المشؤوم .. اغمض عينيّ للحظات .. مُتخذاً موضع الحادثة , ذكرى تتعمّق في داخلي شيئاً فشيئا ! اصبح لي ماضيٍ يخصّ هذا المكان بالتحديد .. لكن لحظاته تتراجع كلّها , بعد ان اغادره .. لتشكّل جُزءاً من الماضي الممتدّ , الى البعيد المُنقضي !
اما عن ذلك الإحساس .. فلا ادري حقاً كيف اصفه .. او ماذا اقول عنه !…..
…… انه شيء .. انه شيءٌ ما !
تاريخ النشر : 2016-01-04