أدب الرعب والعام

صغير على الحب

بقلم : بائع النرجس – مصر

صغير على الحب
جلس الصغير ينتظر مرور الزمن

تحت شجرة ( الجميز)الضخمة التى امتدت أغصانها إلى عنان السماء ، وكأنها تدعوا الى الخالق بلا توقف ، وقد مالت بجذعها على هذه الترعة التى التمعت صفحتها تحت أشعة الشمس الدافئة جلس هذا الصغير صاحب الأعوام الخمس أسفلها يتابع هذه الطيور الصغيرة التى تهبط بين الحين والأخر فى الماء بسرعة خاطفة لتخرج ، وقد قبضت على إحدى الأسماك بين مخالبها لتطير محلقة مرة ثانية ، وبعد فترة وقف الصغير لتعبث النسمات بجلبابه الصغير، والقصير نسبيا لطوله ليسير فى صمت الى القرية حتى وصل الى بيته فوجد أمه بين السيدات على عتبة بيتها تجلس كالعادة ، وهناك مواضيع شتى تمرق بينهم ولكنه جلس وأخذ يستمع فوجد أحداهن تتحدث عن زوجها ، ومدى حبه لها الذى انتهى بالطلاق ، وأثناء إنصاته سمع آذان العصر لقد حان موعد درسه فى المسجد بسرعة دخل الى بيته وسرعان ما كان يعانق كراسته ، ومصحفه وأخذ يهرول مسرعا ، وكأن قدميه لا تلامس الأرض ، وقد رسم على وجهه الدائري ابتسامه تخلو من اى كذب أو خداع ، وقد زاده جمال عيونه السمراء الواسعة ذات الكحل الرباني ، وفى غضون دقائق كان قد وصل الى المسجد ، ووجد أقرانه يسرعون كذلك وكأنهم خدام الجنة يقبلون على الصلاة ليخدموا المصلين ، وهم سعداء وانتظروا حتى صلى شيخهم واقبل عليهم وهو بشوش ثم أعطاهم الدرس ، وانصرف جميع الأولاد إلا صاحبنا قبع فى مكانه ينظر الى الشيخ فى صمت بعيونه الواسعة وما لاحظه الشيخ حتى قال له وهو مندهش :

– يا فتى لقد انتهى الدرس فيما انتظارك إذا ؟

لم يتحدث الصبى الصغير بل أخذ يحملق الى الشيخ فقال له الشيخ بصوته العذب :

– ما بالك يا فتى؟

– لا تخاف —– تعالى بجوارى وحدثنى عن أمرك

وقف الصبى فى استحياء وتردد واقترب من الشيخ ليجلس بجواره فيحس بالدفيء والإطمئنان بجوار شيخه فيبدأ فى الحديث ويقول بصوته الصغير مثل سنه :

– سيدى الشيخ أريد أن أحدثك فى شىء اسمع عنه كثيرا ولكنى لا اعرفه !!!

ارتفع حاجبى الشيخ وقال فى هدوء:

– هات ما عندك يا ولادى

هتف الصبى فى سرعة، وكأنه يلقى ما لديه حتى لا يوقفه احد

– أريدك أن تحدثنى عن الحب فأنا اسمع أمى وأصحابها تتحدث عنه واسمع عنه فى التلفاز والإذاعة وفى كل مكان ومنذ حداثة سنى اسمع عنه ، ولكنى لا اعرفه فأرجوا أن تعلمنى !!

اندهش الشيخ وحاول ببساطة أن يفهم الصبى معنى الحب فقال:

هناك أنواع كثيرة من الحب فهناك حب عظيم وهو حب الله وهناك حب نتعلمه حب الأصدقاء ، وهناك حب نكتسبه حب الوطن وهناك حب بالفطرة وهو حب ألام والأخوات والأسرة و——-

قاطعه الصغير هاتفاً

– من علمك هذا الحب يا سيدى ؟

ضحك الشيخ وحك ذقنه وحار من أمر الصبى ، وقال له بعد هنيهة من التفكير :

– لقد علمنى الزمن يا ولادى معنى الحب

انطلق الصبى الى أمه وهو يبكى بحرارة سألته امه عن السبب فأجاب ببساطة

– أريد أن اترك شيخى واذهب عند شيخ آخر يدعى الزمن هو الذى علم شيخى

وحاولت الأم أن تفهم الموضوع من أوله وبسرعة حاولت أن تفهم الصغير ان الزمن ليس كائن مادى له حياة أو جسد فى الوجود أنما هو عبارة عن ثوانى ، ودقائق وساعات ،وأيام وأسابيع وشهور وسنين تمر علينا لنتعلم ونفهم الكون من خلالها ابتسم الفتى ، وكأنه فهم حديث أمه وبسرعة انطلق الى مكانه الحبيب والى صديقته الصامتة الى شجرة ( الجميز) وجلس تحتها فى صمت ،ودفن رأسه بين ركبتيه لينتظر أن يمر عليه الزمن ، وهو جالس مكانه لعله يتمسك به ، ويعلمه معنى الحب فرغم محاولة أمه لتفهمه ، ولكنه كان حديث السن ليفهم انه لابد أن ينتظر كثيرا حتى يكبر ليفهم معنى الحب وأخذت الطيور تحلق وتعود لتهبط فى الماء وتخرج بالأسماك وكأنها لا تبالى بهذا الصغير الذى أخذ الصمت منه مبلغا

ولم يدرك انه ما زال

مازال

(صغير على الحب)

نعم

مازال (صغير على الحب)

تاريخ النشر : 2016-06-12

guest
32 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى