منوعات

صفرمراد نيازوف : الديكتاتور الأكثر جنونا بالعالم

يوجد في هذا العالم الكبير 197 دولة وتبعية مختلفة وجميعها تختلف في ترتيبات المعايير . فلو نظرنا إلى مستوى الديمقراطية والحرية الصحافية فسنجد النرويج تحتل المركز الأول . وإن نظرنا إلى مستوى الأمان فسنجد اليابان وآيسلندا بالمركز الأول . بل وحتى لو نظرنا إلى الأشياء الأخرى مثل سرعة الإنترنت فسنجد كوريا الجنوبية تحتل المركز الأول ، لكن هناك دولة دوما تحتل المراكز الأخيرة بالأمور الجيدة والمراكز الأولى من الأمور السيئة . ألا وهي تركمانستان .

وفي مقال اليوم سنتحدث قليلاً عن تلك البلاد وعن الحياة فيها ، وكيف وصلت إلى هذا المستوى . وحتى نعرف الحاضر فعلينا أولا معرفة التاريخ ، ولنأخذ نظرة سريعة على تاريخ تركمانستان .

لمحة عن تاريخ تركمانستان

بدأت القبائل الأتراكية باستيطان تلك الأرض بالقرن 8 . وبعد هجوم المغول بالقرن الثالث عشرة سقطت تحت احتلالهم . فقد احتلها المغول ، ثم التيموريون ثم استعادها الصفويون وفي العام 1881 احتلتها روسيا .

ولاحقا ظهرت الثورة الروسية الثانية أو ثورة البلاشفة وأنشأ الإتحاد السوفيتي . وبالعام 1991 وبعد 69 عام من حكم السوفييت بدأ انهيار الإتحاد السوفيتي وبدأت الجمهوريات تحاول أن تخرج باستقلالها .

إقرأ أيضا : الجنرال الحاج عبدالسلام فرانكو ديكتاتور إسبانيا!

الا أن السياسي ورئيس الحزب الشيوعي التركمانستاني صفرمراد نيازوف رفض استقلال البلاد ، بل ورغب بانضمامها إلى الفيدرالية الروسية . لكن وبعد استراحة غداء التي دامت 45 دقيقة تحول إلى رجل قومي وقلب جميع آرائه . حيث أعلن أن البلاد ستستقل وتصبح تركمانستان بلدا مستقلا بعد 600 عام من الإحتلالات والحروب والتحالفات .

blank
موقع تركمانستان الجغرافي

صوت الحزب الشيوعي على استقلال البلاد واستلم صفرمراد نيازوف السلطة ، ومن هنا بدأت المشاكل تظهر .

بداية الديكتاتور

ولد صفرمراد نيازوف ولد في 19 فبراير 1940 في عشق آباد ، وذلك عندما كانت بلاده إحدى جمهوريات الإتحاد السوفياتي السابق . نشأ يتيما بعد وفاة والده في الحرب العالمية الثانية ، وموت بقية عائلته إثر زلزال أليم . ترعرع في إحدى مؤسسات الرعاية الحكومية التابعة للإتحاد السوفياتي ، ثم انتقل للعيش مع قريب له ودرس في مدرسة لينجراد للعلوم التطبيقية .

بدأ بالعمل السياسي عندما كان معلماً باللجنة التنفيذية للحزب الشيوعي التركماني ثم التحق نيازوف بالحزب نفسه عام 1962 واحتل مراتب عليا بالحزب حتى وصل لرئاسته . وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي في 27 أكتوبر 1990، انتخب للحكم كأول رئيس للبلاد لمدى الحياة .

blank
صفرمراد نيازوف

حينما استلم صفرمراد نيازوف السلطة كان رجلا قوميا وطنيا لدرجة أنه منح نفسه اللقب “تركباشي” أو أبو الأتراك . وكان أول أمر له هو جعل اللغة التركمانية لغة رسمية ومنع تعليم الروسية . وإن كان دل ذلك على شيء فهو عن مستوى القومية والوطنية لديه . حيث رغب بمحو اللغة الروسية التي فرضها القيصر والإتحاد السوفيتي على بلاده . وذلك لأن جميع الدول التابعة للإتحاد السوفيتي كانت ناطقة بالروسية . فأرمينيا على سبيل المثال فقط 30٪ من سكانها كانوا ناطقين بالأرمنية في حين أن بعض السكان لم يعرفوا ان لديهم لغة أصلية .

إقرأ أيضا : نظام الرصيد الإجتماعي الصيني : نظام الرقابة الأكبر بالعالم

وإعادة إحياء اللغة الخاصة هو أمر قد فعلته جميع الدول التي استقلت عن الإتحاد السوفياتي في سبيل قطع الروابط بينها وبين روسيا . وذلك حتى لا تتمكن روسيا من التحكم بهم إعلامياً وثقافياً .

كان صفرمراد نيازوف رجلاً وطنيا وقومياً للغاية ، أحبه السكان كثيراً في البداية واعتقدوا أنه رجل وطني سيجعل من بلادهم قوة كبرى ضمن الدول الأتراكية . ولكن سرعان ما سقط قناعه وظهرت حقيقته للسكان ، كان مجرد طاغية لا يهمه شيء سوى جيبه .

حيث تبين للسكان لاحقاً أن قراراته تلك كانت في سبيل عزل البلاد عزلة كاملة . وحتى يقوم بقتل كل من يعارض أوامره وسياساته وأن يفعل ما يريد دون أي عواقب .

ورغم أن تركمانستان خامس أكبر دولة تملك الغاز الطبيعي ، وسكانها أقل من 6 مليون نسمة . إلا أن الشعب يعيش بفقر مدقع . فحوالي نصف الشعب يعيش على 0.50 دولار يوميا وسكان الأرياف غير قادرين على تحمل كلفة منازل فيعيشون بخيم .

فأموال شركات الغاز وشركات النفط تذهب مباشرة إلى حسابات شخصية للرئيس داخل البنوك الأوروبية ، ويمنح هو ماشاء منها للبلاد .

إلا أن الفقر منتشر في كل مكان وزمان ، وكذلك الطغاة . ولذلك لن اتحدث في هذا المقال عن الفقر أو الأعمال الطغيانية التي قام بها هذا الشخص . بل سأتحدث عن بعض الأعمال الجنونية والغريبة .

لوثة من الجنون!

لقد قام صفرمراد نيازوف ببناء تماثيل مطلية بالذهب له ووزعها في كل مدينة بالبلاد . وكان كل تمثال يكلف أكثر من الآخر ، كما كان يملك كلباً يحبه ، إلا أن كلبه ذاك مات فحزن عليه نيازوف حزناً بليغاً وقام ببناء تمثال لكلبه مصنوع من الذهب الخالص . بل وبنى ميداناً خاصا لكلبه ليضع فيه التمثال ! . ثم منع امتلاك المواطنين للكلاب ، بل وأصبح اقتناء كلب جريمة بحد ذاتها ! وقد أثر هذا سلباً خاصة للرعاة التركمان الذين يستخدمون الكلاب لحراسة ماشيتهم .

إقرأ أيضا : خوانا المجنونة .. أوسع الملكات نفوذاً وأسوأهن مصيراً
blank
أحد تماثيل الذهب الذي أمر صفرمراد نيازوف بتشييده وسط عشق أباد

نيازوف أيضا شعر أن الشهور الرومانية هي عبارة عن تأثير أجنبي على البلاد ، لكنه لم يستطع إختراع تقويم جديد فاكتفى بتغيير الأسماء . مايثير الدهشة أن نصف أسماء الشهور هي لعائلته فشهر إبريل كان على اسم أمه! .

ولاحقاً .. دب في قلبه الحنين لوالدته المتوفية ، فما كان منه إلا أن فتح معجم اللغة التركمانية وقام بتغيير إسم الخبز إلى اسم أمه حتى ينطق التركمان اسمها يومياً! .

هو رأى أيضا أنه كاتب عظيم ، فما كان منه إلا أن ألف كتابا سماه كتاب “الروناما” والذي يعني كتاب الروح . و نشره بالأسواق ، وحيث أنه لم يشتري أحد الكتاب رغم أنه كان شبه مجاني ، بل ومجاني في بعض الأحيان . فقد غضب الرئيس كثيراً ، وما كان منه إلا أن قام بجعله كتابا رسمياً داخل المناهج التعليمية! .

ولم يشبع هذا الفعل غروره الكتابي فجعل من ضمن شروط الحصول على وظيفة أو رخصة قيادة هي حفظ الكتاب ! . بل حتى هذا يقنعه ، فما كان منه إلا أن قام بجعل اليوم الذي نشر فيه الكتاب عطلة رسمية داخل الدولة ويتم الإحتفال فيه سنوياً! .

في العام 1999 وقُبيل دخول العالم الألفية الثانية قرر صفرمراد نيازوف أن يقوم بمنح التركمان هدية . وكانت تلك الهدية عبارة عن ساعة وعليها صورته . أجل .. لقد حصل كل مواطن داخل العاصمة على تلك الساعة وكانوا مجبورين على لبسها بالمؤسسات الحكومية .

و لعل نيازوف رأى ذات مرة فيديو توضيحي لوضع الماكياج ، وقد رأى كيف تزيد مساحيق التجميل من جمال المرأة . وربما شعر أن هذا نوع من أنواع الغش الإجتماعي خاصة في بلاد تسير بنظم قبلية . فمنع الماكياج ومساحيق التجميل منعا باتا في سبيل إظهار الجمال الطبيعي للنساء التركمانيات . ولعل هذا كان له أثر سلبي على معدل الإنجاب في تركمانستان .

blank
منع النساء من استخدام مساحيق التجميل!

وحيث أن صفرمراد نيازوف رجل عادل . فلم يرغب بجعل قوانين المظهر تسير على النساء فحسب ، بل جعلها على الرجال أيضا . فأصدر قرارا بمنع تطويل اللحى لدى الرجال .

إقرأ أيضا : السيباستيانيزم .. أسطورة الملك العائد مع الضباب

وحينما بدأت الثورة التقنية منع الرئيس ألعاب الفيديو . كذلك منع استخدام الهواتف في أوقات العطل . فإن كنت عزيزي القارئ مواطناً في تلك الدولة ورآك أحدهم تستخدم هاتفك في وقت عطلة فسيقوم بالإبلاغ عنك وستقضي عدة سنوات بالسجن .

وحينما انتشر الإنترنت لم يرغب صفرمراد نيازوف بجعل تركمانستان بلادا غير متحضرة ، فأدخل إليها الإنترنت . لكن لا يمكنك شراء خدمة إنترنت إلا بعد أن ترسل فيديو وتشرح فيه سبب تركيب الإنترنت وبماذا ستستخدمه ، وتقسم به على المصحف أنك لن تزور المواقع التي لا ترضاها الدولة . ويقوم مجموعة من الضباط بمراجعة الطلب ويردون عليك في فترة تتراوح ما بين 24 إلى 36 شهراً .

وبالطبع إن تم رفض الطلب فلا يمكنك إعادة المحاولة مجدداً وقد ضيعت فرصتك الوحيدة للوصول للعالم الخارجي . وعلى فرض أن الطلب قد قبل لكن لا يجب عليك الفرح نهائياً بذلك ، حيث أن الإنترنت بتركمانستان هو الأبطأ عالمياً حيث أن متوسط سرعة الإتصال هو 1 ميجا بالثانية . فلو فرضنا انك رغبت بتحميل فيلم فسيتغرق التحميل يوما كاملاً .

وقد حجبت الحكومة التركمانستانية ألوف المواقع الأجنبية ، حيث يمكنك فقط زيارة بعض المواقع الحكومية . ولا توجد أي فائدة لتحميل أي برنامج VPN بسرعة اتصال 1 ميجا . فلو حدث ذلك فستكون سرعة الاتصال بضع كيلوبايتات ، إضافة إلى أن تحميل برنامج لفك المواقع المحجوبة هو جريمة .

وبما أن الجيل الجديد ناطق باللغة التركمانية ولأن تاريخ البلاد سجل باللغة الروسية فما كان منه إلا أن زور التاريخ . فقد بنيت جميع المتاحف والمساجد والمكتبات في عهده وعلى يده . بل وأصبحت تركمانستان إحدى اقدم الحضارات المعروفة على البشرية حيث ان التركمان قد عرفوا الحضارة قبل 5000 عام ! . وبطريقة لا يعلمها إلا الله فعائلة وقبيلة نيازوف لديها يد في كل حضارة بشرية سبق وأن قامت! . وبما أن الجيل الجديد أيضا لا يفهم إلا التركمانية فقد صدقوا التاريخ الذي درسهم إياه رغم أن التركمان لم يعرفوا الحضارة إلا بالقرن 19 ! .

إقرأ أيضا : كاليغولا .. امبراطور روما المجنون

الديكتاتور رأى أن الأطباء لا يأخذون قسم الإنسانية بمحمل الجدية فجعلهم يقسمون بإسمه في سبيل الحصول على الشهادة . كما أنه قرأ القرآن وقال أنه كتاب طويل يحكي قصصا عن شعوب أخرى غير التركمانستانيين . فما كان منه إلا أن منعه ومنع تداوله وبدله بكتاب الروناما الذي ألفه ، فأصبح الشيوخ بالمساجد يقرأون هذا الكتاب بدلا من القرآن في الصلوات ويقيمون حلقات لتحفيظ هذا الكتاب داخل المساجد ! .

blank

تمثال مطلي بالذهب لصفرمراد نيازوف، يدور 360 درجة كل 24 ساعة لكي يواجه الشمس ، أزيل بعد موته
blank
كتاب الروناما

بل وقال وأقتبس :

” من يقرأ الروناما 3 مرات باليوم سيدخل الجنة ” ! .

لقد وصل لمرحلة أخرى من الجنون فحينما رأى أن 89٪ من التركمان يقدسون النبي محمد عليه الصلاة والسلام ويعتبرونه قدوة لهم ، قال أنه النبي الذي يأتي بعد محمد وعلى التركمان أن يحترموه وأن يروا فيه قدوة . ورغم أن هذا خاطئ عقائدياً ، حيث أن النبي محمد آخر الأنبياء حسب العقيدة الإسلامية والإبراهيمية . إلا أن الشيوخ قد بايعوه على أنه خاتم الأنبياء وآخر نبي بعثه الله للبشرية! .

ختاما

توفي صفرمراد نيازوف في العام 2006 . وقالت بعض الشائعات أنه قبل وفاته بعدة أيام كان ينوي إعلان نفسه إلهاً ، وأن يجعل المساجد أماكناً مخصصة لعبادته وقالت شائعات أخرى أنه تعرض للإغتيال على يد بعض المقربين من حزبه .

ملاحظة : جميع حقوق المقال محفوظة لموقع كابوس . لا يحق لأي شخص كان النقل الحرفي أو المرئي للمقال المنشور دون إذن مكتوب من إدارة الموقع . وتترتب المسائلة القانونية المنصوص عليها على كل مخالف للتنبيه المذكور .

المصدر
WikipediaThe Golden Man | The New Yorkerموقع الميزان

آريو

-كاتب من سوريا - الكاتب الأفضل في كابوس لشهر اغسطس 2022
guest
40 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى