كشكول

صورة وقصة : العجوز الذي لم يملك سوى بنطالين!

بقلم : اياد العطار

أنظر إلى هذا العجوز في الصورة ، تذكروا أسمه ، ديل شرودر ، رجل فقير ، مجرد نجار عمل 67 عام في إحدى الشركات الصغيرة في بلدة مغمورة في مقاطعة آيوا الأمريكية .. لم يملك في حياته سوى بنطالين ، واحد للعمل والآخر للذهاب إلى الكنيسة يوم الأحد ، لم يتزوج ، لم ينجب اطفال ، ليس له أي أقراب .. حين مات عام 2005 لم يشكل رحيله فرقا في حياة من عرفوه ، مجرد رجل عجوز مقطوع من شجرة .. دفنوه ونسوه ..

بعد عدة أشهر ، على بعد أميال في بلدة صغيرة أخرى في نفس الولاية ، رن الهاتف بأحد المنازل التي ينم شكلها عن فقر الحال ، رفعت السماعة فتاة شابة أسمها كيرا كونارد ، تكلمت لبضعة لحظات قبل أن تسقط على الكرسي المجاور وهي تمسح دموعها .. فرحا وليس حزنا ! ..

ماذا حدث؟ .. هرعت إليها أمها .. قالت الفتاة وعلائم الدهشة بادية على وجهها : “أتصل بي أحد المحامين الآن وقال لي بأن شخص يدعى ديل شرودر قد دفع تكاليف تعليمي الجامعي بالكامل” ..


عفوا .. من ؟ .. هل هناك خطأ في القصة! ..


لا عزيزي القارئ ليس هناك خطأ ، نعم هو العجوز الفقير الذي لا يملك سوى بنطالين ولم يحضر جنازته احد .. إليك المفاجأة .. ترك خلفه ثروة مقدارها 3 ملايين دولار .. أوصى محاميه قبل موته أن تصرف بالكامل على تعليم الطلاب الفقراء الذين لا يملكون مصاريف الجامعة ..

في الحقيقة ديل لم يحزن في حياته سوى على شيء واحد ، ليس أنه ولد فقيرا أو لم يتزوج .. لكن أنه لم يكمل تعليمه ولم يستطع الذهاب للجامعة ، هذه هي الغصة الوحيدة التي كانت تعتصر قلب ديل حينما توجه صباح أحد الأيام إلى مكتب المحامي ليخبره ببساطة أنه تقشف طوال حياته لهدف واحد فقط ، هو أن يتيح الفرصة لأشخاص آخرين أن يحققوا الحلم الذي لم يستطع هو تحقيقه في حياته .. التعليم الجامعي .. وأن كل ثروته التي جمعها قرشا على قرش يتركها لتصرف على شكل منح إلى طلاب فقراء يتم اختيارهم بعناية من البلدات الصغيرة في مقاطعة آيوا ..

تقول كيرا كونارد : “تخرجت من الثانوية بدرجات جيدة وكانت لدي احلام كبيرة لدخول الجامعة وبناء مستقبلي لكني لم اكن املك المال ، لقد ولدت لعائلة فقيرة تمتلك أربع بنات ، ولم يكن لدى عائلتي القدرة أبدا على دفع مصاريف الجامعة .. لكن ديل شرودر غير حياتي ، هذا الرجل حرم نفسه من كل شيء من أجل اناس اخرين لا يعرفهم ولم يلتق بهم أبدا”.

في عام 2019 ، 33 رجل وأمرأة تجمعوا ووضعوا الزهور على قبر بسيط في مقبرة منسية في ركن قصي من بلدة صغيرة .. كان فيهم الطبيب ، والمعلم ، والمهندس .. كلهم درسوا وتخرجوا بفضل منحة ديل شرودر ، وقد تجمعوا ذلك الصباح ليؤدوا التحية والاحترام للعجوز الفقير الذي كانت حياته البسيطة بمثابة شمعة أنارت طريقهم وفتحت مجالات وآفاق في حياتهم لم يكونوا يحلمون بولوجها والوصول إليها ..

أنها من مفارقات الحياة التي تجعلك تفكر مليا ، أناس أمضوا كل حياتهم في غرور وخيلاء ، يسعون وراء النفوذ والمال والأضواء .. ماتوا ونساهم العالم ولم يعد يذكرهم أحد .. وعجوز فقير لا احد سمع به سابقا ولم يهتم لموته أحد .. تصدر فجأة عناوين الصحف وصارت حياته نبراسا للعمل الطيب والمقاصد الخيرة ..

صدقا .. لا يبقى من أبن آدم سوى العمل الصالح ..
مصادر :

  • Dale Schroeder
guest
29 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى