طوائف و معتقدات

طائفة الحشاشين

بقلم : مصطفى 2018 – الجزائر

الحشاشون .. طائفة اشتهرت بتنفيذها الاغتيالات ضد اعداءها
اشتهرت الطائفة بتنفيذها الاغتيالات ضد اعداءها

طائفة الحشاشين أو الدعوة الجديدة هي طائفة إسماعيلية نزارية إنفصلت عن الفاطميين في نهاية القرن الخامس هجري ، إتخذت من بلاد فارس و الشام معقلا أساسيا لدعوتها ، اسست من طرف الحسن بن الصباح الذي إتخذ من قلعة آلموت المنعزلة حصنا منيعا لإطلاق دعوته و ترسيخ أركانها ، كسبت و بسرعة عداءا شديدا من قبل العباسيين و الفاطميين و ظلت تقض مضجعهم سنين طويلة.

إشتقت لفظة ASSASSIN و التي تعني الإغتيال من إسم طائفة الحشاشين.
الإستراتيجية الحربية الوحيدة التي إعتمد عليها الحشاشين في مجابهة أعدائهم كانت تقوم على الإغتيالات التي ينفذها الحشاشين بكل بسالة كأنهم لا يهابون الموت و هذا نظرا للتعبئة الكبيرة من طرف قائد الطائفة الحسن بن الصباح ، فتمكنوا من إغتيال شخصيات مهمة أنذاك منهم على سبيل الذكر لا الحصر الوزير السلجوقي نظام الملك و الخليفة العباسي المسترشد و الراشد و المركيز كونراد ملك بيت المقدس ….
بعد قرنين من الزمن على ظهورها قضى المغول على سطوتها في بلاد فارس و المماليك بقيادة الظاهر بيبرس في الشام.

لطالما شكلت الطائفة مادة دسمة لإطلاق القصص و الرويات الخيالية حولها بحكم ظهورها في زمان حرج من التاريخ الإسلامي و غموضها الشديد؟

مؤسس الطائفة و عقلها المدبر

الحسن بن الصباح
الحسن بن الصباح

الحسن بن الصباح و يعرف أيضا بشيخ الجبل ، ولد سنة 1037 م بالري أو قم ، عشر الإسماعيلي النزاري نسبة إلى إسماعيل الصادق إبن جعفر الصادق .

كان عمره أنذاك 17 سنة و كان يتبع مذهب أجداده حتى لقي حسب زعمه رجلا قوي الشخصية غير بوصلة تفكيره فإنكب على دراسة الكتب الإسماعيلية بدون هوادة .

بعد سنين من التجوال و الدعوة إستقر أخيرا بقلعة آلموت بإقليم الديلم إتخذها كحصن من مطاردة السلاجقة ، هذه القلعة كانت تقع فوق جبال عالية و لم يكن يوجد إلا طريق واحد يؤدي إليها لذلك فأي هجوم أو غزو يكون مكشوفا و ظاهرا.

و هذه قصة دخوله القلعة كما رواها إبن الأثير : الحسن الصباح كان يطوف على الأقوام يضلهم فلما رأى قلعة أَلَمُوت واختبر أهل تلك النواحي، أقام عندهم وطمع في اغوائهم ودعاهم في السر وأظهر الزهد ولبس المسح فتبعه أكثرهم وكان العلوي صاحب القلعة أحسن الظن به فكان يجلس إليه يتبرك به فلما أحكم الحسن أمره دخل يومًا على العلوي بالقلعة فقال له ابن الصباح : اخرج من هذه القلعة فتبسم العلوي وظنه يمزح فأمر ابن الصباح بعض اصحابه بإخراج العلوي فأخرجوه واعطاه ماله وملك القلعة].. اشتراها منه و قيل أنه إشتراها منه بـ 3000 دينار ذهبي.
منذ دخوله القلعة لم يغادرها حتى توفي بعد 35 سنة و خلفه في الزعامة بزرجميد.

قلعة آلموت .. تقع على سفح شاهق
السهم يشير الى مكان قلعة آلموت على سفح شاهق في سلسلة جبال البرز

وصف الصحفي الفرنسي اللبناني الأصل أمين معلوف قلعة آلموت فقال :

ألموت إنه حصن فوق صخرة على ارتفاع ستة آلاف قدم، تحيط به جبال جرداء وبحيرات منسيّة، ولهوب وممرات جبلية غير مُفضِية. وليس في مقدور أكثر الجيوش عديداً الوصول إليه إلا رِجلاً إثر رِجل، ولا أقوى المجانيق ملامسة أسواره. ويبدو حصن ألموت للقاطنين فيه وكأنه جزيرة وسط محيط من الغيوم، وإذا نُظر إليه من تحت فإنه مأوى الجِنْ

كما لم تخلوا المخلية الأوروبية من وصف الحشاشين فنجد الرحالة الإيطالي الشهير ماركو بولو يصفهم في قصته المعروفة بـ “أسطورة الفردوس ” فيقول :

بأنه كانت فيها حديقة كبيرة ملأى بأشجار الفاكهة، وفيها قصور وجداول تفيض بالخمر واللبن والعسل والماء، وبنات جميلات يغنين ويرقصن ويعزفن الموسيقى، حتى يوهم شيخ الجبل لأتباعه أن تلك الحديقة هي الجنة، وقد كان ممنوعاً على أيّ فرد أن يدخلها، وكان دخولها مقصوراً فقط على من تقرّر أنهم سينضمون لجماعة الحشاشين. كان شيخ الجبل يُدخِلهم القلعة في مجموعات، ثم يُشرِبهم مخدّر الحشيش، ثم يتركهم نياماً، ثم بعد ذلك كان يأمر بأن يُحملوا ويوضعوا في الحديقة، وعندما يستيقظون فإنهم سوف يعتقدون بأنهم قد ذهبوا إلى الجنة، وبعدما يُشبعون شهواتهم من المباهج كان يتم تخديرهم مرة أخرى، ثم يخرجون من الحدائق ويتم إرسالهم عند شيخ الجبل، فيركعون أمامه، ثم يسألهم من أين أتوا؟، فيردون: “من الجنة”، بعدها يرسلهم الشيخ ليغتالوا الأشخاص المطلوبين؛ ويعدهم أنهم إذا نجحوا في مهماتهم فإنه سوف يُعيدهم إلى الجنة مرة أخرى، وإذا قُتلوا أثناء تأدية مهماتهم فسوف تأتي إليهم ملائكة تأخذهم إلى الجنة.

تجدر الإشارة إلى أن ماركو بولو نفسه ولد بعد إحراق القلعة بسنتين ، إضافة إلى طبيعة المناخ السائد هناك حيث يغطي الثلج القلعة لأكثرمن 7 أشهر فيستحيل إذا زراعة الفواكه و ووجود الحدائق.

الدعوة و الإنتشار

لم يبق من القلعة سوى اطلال خربة
لم يبق من القلعة سوى اطلال خربة

بمجرد أن تمكن الحسن بن الصباح من السيطرة على قلعة آلموت حتى هب لنشر دعوته في كل أرجاء إيران ، فإستغل سخط الأهالي على حكم السلاجقة و ألبهم عليهم ، فإنتشرت شرارة ثورة شعبية في منطقة كوهستان التي يتواجد بها الدعاة الحشاشيين بكثافة ، كما فرضوا سيطرتهم على مدن أخرى منها قوعين و طبس و تون و شوشان ، إضافة إلى منطقة رودبار المجاورة لقلعة آلموت ، بينما كانت مجموعة أخرى من الدعاة تنظر للدعوة في بلاد الشام .
هذا الإنتشار الواسع و السريع أقض مضجع سلطان السلاجقة ملكشاه و وزيره نظام الملك و فتح أعينهم على الخطر الداهم من هذه الطائفة ، جذير بالذكر أن الوزير نظام الملك كان يكن لهم العداء الشديد .

الإستراتيجة العسكرية

سياسة الطائفة اعتمدت على ارسال عناصرها لتنفيذ الاغتيالات بحق اعداءها
سياسة الطائفة اعتمدت على ارسال عناصرها لتنفيذ الاغتيالات بحق اعداءها

لم تعتمد الطائفة في مجابهة أعدائها على الحروب التقليدية و المواجهات المباشرة بل إعتمدت على نظام الإغتيال الإنتقائي لألد أعدائها ، و لأجل تنفيذ هذا الغرض اسس منظرها و قائدها فرقة خاصة من الأوفياء للمذهب سماهم الفدائيين و هم رجال لا يهابون الموت بل يقدمون عليه إقداما.

كان أفراد هذه الفرقة مدربين بشكل إحترافي على التنكر و الفروسية و الليسانيات ، و كان عليهم الإندماج وسط خصومهم كالحرباء إنتظارا لتوجيه ضربتهم ، كانت علية التصفية تتم في الأماكن العامة عادة على مرائ و مسمع من العامة لإثارة الذعر و الرعب في القلوب ، و نادرا جدا ما كان ينجو الفدائي بعد العملية لذا كانوا يلجئون إلى الإنتحار تجنبا للوقوع في مصيدة الأسر من قبل أعدائهم .

الاغتيال

رسم مخطوطة قديمة يصور لحظة اغتيال الوزير نظام الملك
رسم مخطوطة قديمة يصور لحظة اغتيال الوزير نظام الملك

خطط قائد الطائفة على القيام بعملية إغتيال كبيرة يسمع صداها في الآفاق حتى يذيع صيته و تشتهر دعوته فكان ضحيته المثلى شخصية سياسية قوية من بلاط السلاجقة أعداءه الأزليين فوقع إختياره على الوزير السلوجوقي الكبير نظام الملك الطوسي و بطبيعة الحال فإن المنفذ كان من أمهر و أشجع الفدائيين في الطائفة .

سافر الوزير نظام الملك ذاك اليوم برفقة السلطان ملكشاه من أصبهان قاصدا بغداد فتقدم منه و هو في ركب السلطان رجل في هيئة سائل و صاحب حاجة فلما دنا منه إستل سكينا و طعنه فسقط ميتا فكانت بداية سلسلة طويلة من الإغتيالات للوزاراء و الملوك و الأمراء إستمرت 200 سنة.

و حسب مصادر تاريخية فإنه أوصى رجاله قبل خروج روحه بالعفو عن قاتله و هنا تطوى صفحة أحد أشهر الوزراء في التاريخ الإسلامي إلى الأبد.

مقبرة الوزير نظام الملك في ايران
مقبرة الوزير نظام الملك في ايران

بعث السلطان ملكشاه السلجوقي حملة عسكرية للإطاحة بالحشاشين لكنها فشلت في مسعاها بعد التصدي لها من طرف ميليشيات حسن الصباح و المتعاطفين معه ، كما أن الحشاشين كانوا على إستعداد دائم لعمليات الحصار الطويلة فبنوا مخازن الطعام و المياه و كانوا يخزنوه بكميات كبيرة و عليه فإنهم نجوا من كل الحملات الموجهة إليهم و صمدوا لعشرات السنين.

في 28 أبريل 1192 تمكن الحشاشون من توجيه ضربة كبيرة أخرى باغتيال المركيز الصليبي كونراد مونفيراتو ملك بيت المقدس بينما كان في صور، حيث تخفى مغتالوه في زي رهبان مسيحيين وشقوا طريقهم إلى خلوة الأسقف والمركيز وعندما سنحت الفرصة طعنوه حتى الموت.

في نفس السياق حاول الحشاشين إغتيال صلاح الدين الأيوبي فاتح بيت المقدس حيث يروى أنهم تسللوا إلى معسكره و تنكروا في ثياب جنده و تمكنوا من إغتيال عدد من أمراء الجيش منهم الأمير أبو قبيس لكن صلاح الدين نجا و لم يصب إلا بجروح خفيفة بسبب الدروع التي كانت يرتديها و على إثر ذلك إتخذ إجراءات للحفاظ على نفسه فكان لا يسمح رجاله لأحد بالإقتراب منه إلا أوفيائه و كان ينام في برج خشبي و تحت حراسة مشددة.

النهاية

بعض افراد الطائفة نجوا وفروا الى الجبال
بعض افراد الطائفة نجوا وفروا الى الجبال .. ومن هناك شاهدوا قلاعهم وهي تحترق

مر على الطائفة سبعة زعماء طيلة قرنين من وجودها تمكنت خلال هذه المدة من فرض وجودها بقوة و لم تنجح أي قوات من محوها لكن الخطر الداهم الوحيد كان المغول ، و هنا كان لآخر زعمائها ركن الدين خورشاه موقف واضح تمثل في إقامة السلام معهم و عدم جدوى المواجهة حفاظا على الدعوة.

فأمر ركن الدين أتباعه بالإستسلام و مغادرة القلاع ، فأخليت قلعة آلموت سنة 1256 م ، هولاكو نفسه أعجب ببناء القلعة و تحصينها .

و كتحصيل حاصل هدم المغول القلعة و أحرقوهاعن بكرة أبيها و لم يكلفوا أنفسهم عناء نقل الكتب و المخطوطات النادرة المتواجدة هناك فأبيدت هي الأخرى ، غدروا كدأبهم بزعيم الطائفة فقتوله و أفراد أسرته ، و أخيرا قاموا بحملة إبادة شعواء و لم يذروا أي إسماعيلي حيا إلا من إعتصم بشعب الجبال ، و لا ننسى أنهم هدموا و دمروا في طريقهم كل القلاع الأخرى و الحصون التابعة للحشاشين و غيرهم .

أما في بلاد الشام فقد قام الظاهر بيبرس بإحتوائهم ثم لما ظهر له خطرهم المحدق إستولى على قلاعهم و أنهى تواجدهم هناك أيضا.

الحشاشين في الثقافة الشعبية

رواية فلاديمير بارتول “آلوت ” المنشورة سنة 1938 م ، رواية سمرقند من تأليف أمين معلوف سنة 1988 م ، ظهروا أيضا في لعبة عقيدة الإغتيالي من إنتاج يوبي سوفت.

المصادر :

Les Assassins
Assassins – Wikipedia

تاريخ النشر : 2019-01-31

مصطفى 2018

- الجزائر - للتواصل مع الكاتب : [email protected]
guest
28 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى