طب أكلة لحوم البشر و مصاصين الدماء
طب القرون الوسطى تضمن وصفات عجيبة غريبة |
كانت أوروبا تعيش في جهل تام و امتد هذا التخلف من عصور الظلام حتى نهاية عصر النهضة ، في تلك الفترة كان الطب يمر في أسوء مراحله ، حيث لم يكن احد يستطيع التفريق بين الطب و الشعوذة ، فوصفات العلاج عند الطبيب هي نفسها تلك التي عند الساحر و المشعوذ مع اختلاف المظهر و الأسلوب بإقناع المريض و كان يستخدمها الغني و الفقير و المواطن الكادح و الأمير، و أول من تكلم عن الطب هم فلاسفة اليونان و قد اعتقدوا أن المرض ينتج عن فقدان التوازن بالجسم و لهذا يجب على المريض المصاب بعضو من جسده أن يتناول من نفس العضو و لكن من جسد حيوان ، و لهذا اعتقدوا أن التناول الأعضاء التناسلية للحيوانات تزيد من الخصوبة و القوة ، تلك النظريات انتقلت من اليونان إلى الحضارة الرومانية التي كانت اشد دموية ، ويشهد على ذلك مدرج الكولوسيوم ، حيث كان مسرحا لأشد معارك المصارعة الرومانية بين المجالدين وتخضبت ساحاته بدماء هؤلاء المتصارعون ، تلك الدماء التي كان يتهافت من أجل لعقها المصابون بالصرع
كان مرضى الصرع يشربوا دماء المجالد المهزوم |
فالرومان كانوا يعتقدون أن شرب الدماء الحارة المتدفقة من جروح المجالدين تساعد في الشفاء من الصرع ، و لهذا كان المصابون بالصرع يتوافدون بأعداد كبيرة على تلك الساحات من اجل شرب دماء المجالدين المهزومين و هم في النزع الأخير ، و ربما أنقض هؤلاء على المجالد المهزوم لكي يشربوا الدماء من جراحه الدامية مباشرة ، و من بين الأطباء الرومان الذين اقترحوا هذا هو الطبيب الروماني سكريبونيوس لارجس (Scribonius largus) الذي كان الطبيب الخاص للإمبراطور الروماني كلاوديوس ، ومن بين وصفاته الغريبة أن يلتهم المريض بالصرع أكباد المصارعين ، و لهذا كان المرضى بالصرع يجلسون بأطراف المسرح و عندما يسقط المجالد و هو يلفظ أنفاسه الأخيرة فأنهم ينقضون عليه بخناجرهم الحادة لأستأصل كبده و التهامها نيئة .
الطبيب الروماني سكريبونيوس لارجس صاحب فكرة أكل أكباد المجالدين لشفاء الصرع |
استمر هذا الوضع حتى تم منع تلك الرياضة الدموية عام 400 ميلادية ، بعدما اعترض الرهبان على تلك الممارسات الدموية ، أما في أوروبا فقد انتشرت عادات شرب الدماء باعتبارها تشفي من الإمراض و تجدد الصحة و الشباب حسب ما أعلن عنه العالم و الفيلسوف الايطالي مارسيليو فيسينو (Marsilio ficino) الذي زعم بأن شرب دماء الشباب ذوي الصحة السليمة تجدد الشباب لدى الشيوخ و تجعلهم بصحة أفضل.
وعندما مرض جوفاني باتيستا شيبو و هو بابا الفاتيكان اينوسينت الثامن ، يقال بأن أطباءه جعلوه يشرب دماء ثلاثة أطفال بعمر العاشرة ، ولاحقا مات هؤلاء الأطفال ، لكن البابا لم يتعافى و مات في 25 يوليو 1492م .
العالم والفيلسوف مارسيليو فيسينو : شرب دماء الشباب ذوي الصحة السليمة تجدد الشباب |
رغم ندرة الحصول على الدماء الطازجة و الحارة فقد وجد المرضى سبل أخرى للحصول عليها في الدولة الاسكندينافية و ألمانيا و بريطانيا ، و من تلك السبل هي ساحات الإعدام حيث يتم إعدام المجرمين و الخونة ، فهناك يتجمع المتفرجون لمشاهده منظر الإعدام و تطاير الرؤوس ، و أيضا يتجمع مرضى الصرع و هم يحملون في أيديهم أكواب عريضة لعلهم يجمعون بها الدماء المتطايرة من منصة الإعدام .
و في القرن السادس عشر سجلت حالة حيث قام احد المرضى بالقفز على منصة الإعدام و شرب الدم من عنق الشخص المعدوم مباشرة ، لم يقتصر الأمر على شرب دماء المجرمين بل توسع الأمر ليشمل شرب دماء الأمراء و الملوك ، ففي تاريخ 30 يناير عام 1649م تم إحضار ملك انجلترا تشارلز الأول إلى ساحة الإعدام و تم ضرب عنقه بتهمة الخيانة العظمى ، وتسابق الناس لجمع دماءه بأيديهم لاعتقادهم أن دماء الملوك تشفي من الأمراض و بذات مرض شر الملك و يطلق هذا الاسم على العقد اللمفاوية المتورمة بالجلد نتيجة مرض السل ، و قد استفاد الجلادون و حققوا ثروة من بيع أجزاء من شعر الملك و دماءه التي جفت على الأرض في ذلك اليوم .
كان المرضى يتجمعون أمام منصة الإعدام لجمع الدماء المتطايرة |
أما الوصفات التي تم مزجها و احتوت على بقايا بشرية فهي كثيرة جداً و من أشهرها وصفة قطرات الملك ، أو كما تسمى (goddard drops) و يرجع الأصل في تسميتها إلى العالم الكيميائي البريطاني جوناثان جودارد ، في البداية لم تشتهر هذه الوصفة و لكنها اشتهرت عندما اشتراها الأمير تشارلز الثاني و هو أبن ملك بريطانيا تشارلز الأول ، من جوناثان جودارد مقابل 6000 جنية ، و قد انشئ تشارلز الثاني مختبرات و معامل لإنتاج هذه الوصفة بكميات كبيرة حتى تغطي الطلب الكبير عليها ، فقد أطلق الناس عليها إكسير قطرات الملك نسبه إلى أسره تشارلز الملكية ، و تم بيعها بزجاجات صغيرة باعتبارها علاج للإمراض العصبية و التشنجات و استمر الإقبال عليها لحوالي 200 عام و رغم هذا فلم تكن لها أي خواص طبية و تسببت بموت كثير من الناس ، و قد جربها تشارلز الثاني بنفسه عندما أصابه المرض و هو على فراش الموت بتاريخ 6 فبراير عام 1685م ، و لكنه لم يستفد منها و مات بعد ذلك متأثراً بمرضه ، و بسبب كثرة الوفيات قل الإقبال على هذه الوصفة ، و أصبحت تركيبة الوصفة ليست سرية بل أنها كانت منتشرة في كتب الطبخ عام 1823م ، أما تركيبه الوصفة فهي عبارة عن مقادير متساوية من قرن الآيل و الأفاعي المجففة و العاج و خمسة مقادير من الجماجم البشرية ، حيث اعتقد الناس بذلك الوقت أن الأشخاص الذين يموتون بعنف فأنه يتم احتجاز جزء من أرواحهم في أجسادهم و بالذات بالجماجم و لهذا يعتبر مسحوق الجماجم مكون أساسي بالوصفة ، حيث كان يتم جلب الجماجم من سراق القبور الذين كانوا ينبشون المقابر الايرلندية ، طبعاً الوصفة ليس لها أي فوائد طبية و ربما اكتسبت شعبيتها بسبب تكون غاز النشادر الذي يتكون أثناء تخمر تلك المواد و تحوله إلى مشروب كحولي و هذا ما يعطي شعور بالتحسن و اختفاء الأعراض من المرضى .
من اليمين تشارلز الاول ثم ابنه تشارلز الثاني وإلى جواره صورة لطبيب يصنع وصفة |
و بما أن الاعتقاد السائد آنذاك أن جزء من الروح يحبس في جسد المقتولين أو الأشخاص الذين يموتون بطريقة شنيعة ، فقد ابتكر الطبيب البريطاني جون فرينش (John french) وصفة غريبة عجيبة عام 1651م ، حيث كان ينتزع أدمغة الجنود القتلى التي تصل جثثهم للمستشفى العسكري الذي يعمل به و يمزجها مع فضلات الخيول و يتركها تتخمر لمدة ستة أشهر ، ثم يتم بيعها للمرضى لكي يستنشقوها باعتبارها علاج لكثير من الإمراض بذلك الوقت ، و استمر العمل بهذه الوصفة حتى القرنين السابع و الثامن عشر و قد وجدت في كتب تعود لتاريخ 1730م .
نبش القبور وسرقة الجثث والجماجم والعظام من اجل بيعها كانت مهنة رائجة |
و خلال القرنين 17 و 18 كان الأطباء يجمعون العفن و الطحالب التي تنمو فوق جماجم الجنود القتلى بساحات المعارك و يتم سحقها لكي يستنشقها المرضى ، حيث اعتقدوا أنها تمنع النزيف ، كما يتم شربها من اجل علاج الدورة الشهرية عند النساء و شفاء الجروح عند المصابين. و أشهر من كان يصف ذلك العلاج هو العالم و الفيلسوف البريطاني السير فرانسيس بيكون .
العالم و الفيلسوف البريطاني السير فرانسيس بيكون : وصفة طحلب الجماجم ! |
أما في مجال التجميل فقد انتعشت في أوروبا تجارة بالدهن البشري و بالذات بفرنسا و انجلترا و كان ذلك بالقرنين 17 و 18 ، حيث كان الجلادون ينزعون الدهن من جثث الأموات أمام الزبائن من اجل الثقة و حتى لا يتم الغش و بيع الدهن الحيواني بدلاً عن البشري ، و من أشهر من استخدم الدهن البشري في تلك الفترة من الملوك هي ملكة بريطانيا إليزابيث الأولى ، حيث كانت تدهن وجهها بهذا الدهن حتى تخفي الندوب التي خلفه مرض الجدري على وجهها ، و يُقال أنها كانت تخلط مع الدهن كمية من معدن الرصاص و الذي أدى لتراكم الرصاص بجسمها و أدى لوفاتها في 24 مارس عام 1603م ، كما ظهرت في القرن 18 وصفة لتجميل الوجه و تم إضافة الدهن البشري و شمع النحل مع مادة التربنتين و هي مادة كيميائية تخلط مع العقاقير الطبية ، كما كان الدهن البشري يستخدم كعلاج لبعض الأمراض المزمنة كالتهاب العظام و النقرس.
ملكة بريطانيا إليزابيث الأولى كانت تدهن وجهها بالدهن البشري وصورة أوعية من الخزف التي كان يتم جمع الدهن البشري فيها |
أما الطبيب البريطاني جورج تومسون الذي ذاع صيته في أواسط القرن 16 ، فقد كانت له وصفات غريبة حيث اقترح شرب البول لعلاج الطاعون ، و لعل اغرب وصفاته هي لمس عرق الأشخاص المحكومين بالإعدام لشفاء البواسير ، فقبل صعود المحكوم عليهم بالإعدام فأن الناس تتجمع حولهم لكي تلمسهم من اجل أن يمسحوا عنهم العرق الذي يرشح من جلودهم خوفاً من الإعدام ، لاعتقادهم أن هذا العرق له خصائص طبية تنفع في شفاء كثير من الأمراض.
قبل الإعدام كان الناس يلمس المجرمين من أجل جمع العرق |
أما أكل لحوم البشر فقد وصفها كثير من الأطباء في القرن 16 و من أشهرهم الطبيب الألماني جون سكرودر (John schroder) ومن أشنع الوصفات و أشدها دموية هي ما يسمى بالوصفة الحمراء ، حيث كان لها من اسمها نصيب ، و كان يتم تطبيقها في السجون المظلمة و يتم اختيار الضحية من المجرمين لعدم توفر المتطوعين لهذا التعذيب الأليم و تتطلب هذه الوصفة شاب في مقتبل العمر بحدود 24 سنة ، و يكون جسمه خالي من الأمراض و العيوب الخلقية هذا بالإضافة إلى أن تكون بشرته بيضاء محمرة ، يتم ربط الشباب على العجلة و هي أداه تعذيب قديمة ، يتم بواسطتها تعذيب الشخص و تكسير عظامه حتى الموت ، و بعد الانتهاء من القتل ، تعلق جثته في الهواء الطلق بليلة تكون فيها السماء صافية حتى يتعرض لضوء القمر و بعدها يتم تقطيع جثه الشاب إلى شرائح صغيرة و يرش عليه بعض البهارات و بودرة الصبار و المر ثم يتم ترطيبها بالنبيذ و تترك لتجف تحت أشعه الشمس و ضوء القمر لتمتص القوة منهما ثم يتم تدخينها ، و يتم تطييبها بروائح العبير و زهور شقائق النعمان من اجل التخلص من رائحتها السيئة ثم يتم بيعها في الأسواق لعلاج كثير من الأمراض.
عقاب العجلة من أشد أنواع التعذيب حتى الموت |
من قديم الزمن اندهش الناس بالحضارة الفرعونية و أثار استغرابهم أهراماتها الضخمة ، و أكثر ما أثار فضولهم هي تلك المومياوات التي بقيت سليمة طوال الآلاف السنين ، و اعتقد الأوروبيون أن المومياوات تحمل سر الخلود لدى الفراعنة ، و بدأت تجارة المومياوات المصرية و نقلها لأوروبا في القرن 12 حيث كان التجار يجلبونها من مصر لأوروبا حيث تباع بأسعار باهظة ، حيث كان الأطباء يستخرجون مادتي القار و الراتينج الصمغي الذي كان يدهنه الفراعنة فوق المومياء لمنعها من التحلل ، و كان الأوروبيين يسمونه بلسم المومياء حيث اعتقدوا انه يعالج الجلطات و التسمم و كسور العظام و الكثير من الأمراض ، و لاحقاً اقترح الأطباء أن تسحق المومياء كلها و أن يباع هذا المسحوق كعلاج فعال للأمراض المزمنة ، استمر هذا الوضع حتى منعت الحكومة المصرية بيع و تهريب المومياوات ، و بهذا أصبح من الصعب توفيرها في أوروبا ، لهذا لجئ كثير من الدجالين إلى وضع الجثث العادية في الشمس لفترة طويلة من اجل أن تبدو مثل المومياء لكي يغشوا بها الناس في أوروبا .
المومياوات المصرية كانت مطلوبة في أوروبا و بأسعار باهظة |
لم تكن المومياء المصرية هي المطلوبة فقط في أوروبا فهناك نوع أخر من المومياء اشد غرابة و نادرة جداً و يصعب شراءها لان تحضيرها يأخذ وقت طويل جداً و يتطلب التضحية بشخص قد فقد الأمل بالحياة و يطلق عليها (mellified) مومياء الحلوى أو مومياء العسل ، فما هي مومياء الحلوى و ما هي طريقة تحضيرها ؟
أستخلص الأطباء مواد التحنيط من المومياوات و اعتقدوا أن لها خواص علاجية |
ذكرت هذه الطريقة في كتاب المواد الطبية الصيني لمؤلفه الطبيب الصيني (Li shizhen) و ذلك في عام 1596م ، و حسب وصف “لي شي زين” فأن هذه الوصفة قديمة جداً و كان يقوم بعملها قدماء العرب ( مع العلم انه لا توجد حتى الآن أي مراجع تثبت أن العرب قام بهذه الوصفة ) ، و تتطلب الوصفة أن يضحي احد الأشخاص بنفسه و بالغالب يكون من كبار السن الذين تجاوزوا 70 أو 80 عام ، و فقد الرغبة بالحياة بسبب ضعف جسده و عدم مقدرته على الحركة ، حيث يتم عزله في غرفة مغلقة تتوفر فيها كميات كبيرة من العسل ، و يقضي كل وقته في حوض العسل يغتسل و يشرب منه دون أن يأكل أو يشرب شيء أخر ، حتى تصبح الفضلات التي تخرج منه تحتوي على العسل و بعدها يموت نتيجة تركز السكر في جسمه و يتم بعد ذلك وضعه في تابوت صخري مملوء بالعسل و يغلق عليه بإحكام و يسجل تاريخ الوفاة فوقه ، و بعد مائة عام بالضبط يتم فتح التابوت و أخراج المومياء بعد أن تكون قد تشربت العسل الذي حولها و تحولت إلى كتلة هلامية لزجة ، يتم بعدها تقطيعها إلى أجزء صغيرة و حفظها في أوعية خاصة و بيعها في الأسواق بأسعار عالية جداً ، حيث يزعم الأطباء بذلك الزمان أن دهن مكان الإصابة أو أكل جزء منها يؤدي إلى شفاء كسور الحوض و الأطراف الخطيرة و كثير من الأمراض المستعصية .
ملاحظة :
بهذا المقال لا اسخر من ثقافة الآخرين لأن الوصول للنور يتطلب السير في طريق الظلام ، لقد ساهمت هذه الوصفات الطبية في النشوء المبكر لعادات و أساطير عن مصاصين الماء و أكله لحوم البشر.
بالرغم من التطور الهائل و المُتسارع في مجال الطب و الأدوية إلا أن الأطباء لا زالوا يصفون بعض أجزاء الجسم كعلاج للمرض ، فالأطباء لا زالوا إلى الآن يقومون بنقل الدماء من المتبرعين إلى مرض فقر الدم و حالات النزيف عبر الحقن الوريدية ، و كذلك يتم نقل الأعضاء البشرية من المتبرعين المتوفين لإنقاذ مرضى الفشل الكلوي و القلب ، كما يستخدم الدهن البشري في عمليات التجميل للآن و غيرها من الاستخدامات الأخرى ، لا شك أن العلم سوف يتطور أكثر في مجالات الطب مثل الخلايا الجذعية و الحمض النووي و سوف يستغني عن هذه الطرق المستخدمة حالياً و ربما سخرت الأجيال القادمة من الطرق العلاجية التي تُستخدم اليوم و اعتبرتها طرق قديمة و وحشية.
المصادر :
– Mummies, Cannibals and Vampires: the History of Corpse
– The Gruesome History of Eating Corpses as Medicine
– Europes “Medicinal Cannibalism”: The Healing Power
– Top 10 Corpse Medicines That Turned Patients Into Cannibal
تاريخ النشر : 2017-07-06