تجارب من واقع الحياة

طفولتي مع أمي

بقلم : نسيم الليل – المغرب

أمي تخاف علينا كثيرا ولا تتركنا نغيب عن عينها لحظة

السلام عليكم و رحمة الله اصدقائي كيف حالكم اتمنى ان تكونوا بأفضل حال ان جديد هنا بالموقع و أعجبني كثيرا طرح الاصدقاء هنا لمشاكلهم و تجاربهم الغريبة و أريد ان اقص عليكم قصتي و ان كانت طويلة قليلا لأنني اريد إفراغ ما في قلبي ..

عمري 20 وأنا انتمي لأسرة صغيرة مكونة من ابي و امي و اخي الاصغر مني بسنتين ثم شقيقتاي التوأم الصغيرتان آخر العنقود .

كلكم عشتم طفولة مرحة مليئة بالمغامرات و المشاجرات و اللعب و لا زلتم احيانا لحد الان تتذكرون هذه الايام فتضحكون اما بالنسبة لي فالأمر مختلف فليس لي ما أتذكره من طفولتي سوى الأحزان، فعندما كنت صغيرا انا و اخي بعمر البراعم كانت امي تخاف علينا كثيرا … كل الامهات هكذا طبعا لكن امنا كان خوفها علينا اكثر من اللازم بكثيييير الى حد لا يتصور فكانت تمنعنا من اللعب في الحي مع الاطفال الآخرين و تقول أنهم مؤذون و تقول انه ليس علينا ان نخرج للعب في الحي فكانت تشتري لنا الألعاب الكبيرة و الضخمة من كل الأنواع بشرط ان نبقيها فقط في حديقة منزلنا الأمامية و نلعب بها هناك فقط، حتى الحديقة الامامية كانت امي تنقيها حتى من اصغر الحصوات كي لا نتأذي فكان عشب الحديقة كالجنة.

في سنوات دراستنا الاولى في الابتدائية كنا ندرس انا و اخي في مدرسة خاصة و كانت المدرسة بعيدة قليلا عن منزلنا لكن ليس بذلك البعد الكبير الذي يستدعي من أمي أن تصطحبنا و تقلنا من المدرسة كل يوم بعد الدوام المدرسي . لكنها كانت تصر على أن تقلنا كل يوم .. تخيلوا انني في كل سنواتي طفولتي لم ارى طريق مدرستي الا من السيارة فكلما خرجنا من المدرسة نجد امي دائما تنتظرنا بالسيارة في مكانها المعهود . تخيلوا حتى عندما كانت حامل بشقيقتاي كانت تصر على ابي بأن يخصص لنا سائق خاص يصطحبنا من المدرسة و ظلت تلح عليه الى ان رضخ لطلبها و لم يكن في استطاعة ابي اصطحابنا لأنه دائما ما يكون مشغول بعمله و اسفاره الكثيرة. وطول مدة حمل امي كان يصطحبنا سائق خاص و يقلنا من المدرسة انا و اخي و كانت امي دائما تكون بأنتظارنا في البيت و رغم شقاء حملها كانت تعد لنا اشهى الاطعمة ثم بعد ذلك تخرجنا للحديقة لنصف ساعة نلعب ثم تدخلنا وتحممنا ثم تتركنا مع التلفاز لبقية اليوم نشاهد الكرتون حتى انني لا زلت مدمن على التلفاز بسبب هذه العادة.

عند اقتراب وضع امي لحملها اتذكر انها كانت مريضة و لا زلت اتذكر لحد الان كلام الدكتورة مع ابي في المستشفى عندما قالت انها لم تر اجمل من امي قالت ان جمالها ملائكي لكنها اخبرت ابي ان امي لا زالت صغيرة كثيرا على احتمال ضغوطات الحمل و الاطفال لأنها في تلك الفترة كان جسمها ضعيفا و هزيلا، اخبرت ابي بأن عليه ان يهتم بتغذية امي لتستعيد عافيتها و شددت علينا بأن لا نتعب امي بعد حملها لأنها ضعيفة، كنت في سن التاسعة آنذاك لكنني قلت في نفسي أنت مخطئة يا دكتورة نحن لا نتعب امي بل هي من يتعبنا و تتعب نفسها بخوفها اللامعقول علينا .

بعد اسبوع أو اثنين من مكوثها في العيادة ولدت امي بنتين توأم و في مدة مكوثها بالمستشفى كنا نعيش انا و اخي عند جدتي و أخوالي و كانت احسن الأيام في طفولتي، كانت جدتي لطيفة و تتركنا نلعب و خالي كان يصطحبنا معه الى الملاهي، كنا سعداء و بعد تعافي امي عدنا الى الجحيم، كنت اظن ان امي ستخف مراقبتها لنا بسبب اختاي الصغيرتين لكن هيهات ثم هيهات .. لقد ازداد الامر سوءا اكثر فبعد شفاء امي زاد تقييدها لنا من كل شيء، زاد خوفها علينا كثيرا حتى الحديقة لم نعد نلعب بها كثيرا ، حتى في ايام العطل كانت تتركنا في الحديقة فقط لساعة أو ساعتين ، اشترت لنا جهاز بلايستايشن كي نظل في غرفتنا فقط و في المدرسة كانت توصي معلمينا بأن ينتبهوا لنا في الفسحة . و اتذكر انه في يوم اخي اكرم كان يلعب قرب المرحاض في المدرسة فسقط و جرح رأسه واراد المدير ان يعلم امي لكنني أثنيته عن هذا وقلت له انك لا تريد اخبارها لأنك ستندم كثيرا ، كنت اعلم ان امي ستغضب كثيرا ، داوينا جرح اخي في عيادة المدرسة و جلبت له قبعة كي لا ترى امي جرحه.

تخيلوا انه ما ان دخلنا البيت حتى خلعت امي القبعة لا يمكنكم ان تتصورا ردة فعلها صارت تشهق و تبكي و تصرخ فينا و تؤنبنا ، ضربتني ثم راحت تتشاجر مع مدير المدرسة و تؤنبه ، كانت تريد ان ترفع عليه دعوى لولا تدخل ابي ، حتى ابي صار يرتاب من تصرفات امي معنا و كم من مرة كان يتشاجر معها بخصوصنا ، كان ابي لطيفا جدا و يحبنا لكن انشغاله الدائم هو ما جعلنا نقع فريسة سهلة لخوف امي ، وبعد هذا صارت حالة امي تتدهور بسبب اختاي الصغيرتان و بسبب انشغالها الكبير معهما و معنا و مع البيت ، فأحضر ابي خادمة كي تساعد امي و لكن بعد جهد كبير لأن امي لا تحب الخادمات و تخاف منهن علينا فلم تكن تجعلها تقترب منا ولا من إعداد الطعام ، كانت فقط توكل اليها مهام التنظيف المهلكة و غسل الملابس ، و أتذكر في يوم ان امي كانت غاضبة جدا ذهبت الى المطبخ فوجدت الخادمة تأكل من الثلاجة .. يا الهي لا زلت اتذكر كيف ان امي شدتها من شعرها و مسحت بها الارض و ضربتها حتى اننا بكينا كثيرا انا و اخي لأن الخادمة كانت لطيفة جدا و بريئة ، وبعد هذا فصلت امي الخادمة و تشاجر ابي مع امي كثيرا الى حد وصل فيه الامر الى الطلاق، لكني كنت اعلم ان ابي لا يمكنه هذا لأنه يحب امي كثيرا بل يموت فيها حيث انها اذا ارادت قطعة من القمر سيأتي بها فكان سرعان ما يعود ليلا الى امي و يصالحها ، كنت اسمع ضحكاتهما من غرفتنا ، وحضينا في هذه الايام ببعض الراحة و المتعة في حضور ابي ، لكن بعد ان سافر الى فرنسا عادت امي الى عادتها ، الآن صارت تغضب من أتفه الأشياء، و في مرة خرجنا من الدوام وجدنا امي انها لم تأتي بعد فذهبنا كي نشتري بعض الحلوى و حينما عدنا وجدناها هناك كانت غاضبة و عيناها مغرورقة بالدموع صفعتني و شدتني من اذني عندما ادخلتنا السيارة ، صارت تصرخ فينا و تشتم و طلبت منا ان نعدها بأن لا نعيد الفعلة .. عن اي فعلة تتحدثين امي ذهبنا لشراء الحلوى فقط ؟! .. لكنها صرخت و قالت عدوني .. حسنا يا امي نعدك ..

بعد هذا كانت تضمنا بحنان و تبكي لكن في هذه اللحظة كنت اتأمل وجهها و عينيها البنيتين كنت اقول في نفسي امي المسكينة ستهلكين نفسك هكذا و انت في ريعان شبابك .

في هذه الفترة كنت قد كرهت و ضعنا كثيرا وصرت امقت تصرفات امي، كنت اغضب كثيرا منها واصرخ احيانا في وجهها و اقول لها كفى .. هذا يكفي فأنا في 12 من عمري و لا اعلم اي شيء عن العالم الخارجي . كانت تغضب من كلامي و تهاتف ابي تخبره انني اشاغب ، صرت اغضبها عمدا و اكسر اطباق الطعام واجري لغرفتي اقفل الباب علي ، كانت تأتي مرارا تترجاني ان افتح الباب و اتذكر في يوم و ليغفر لي الله قلت لها انت حمارة من وراء الباب فصمتت ثم ذهبت، أكلني الندم على قولي هذا فذهبت اجري لغرفتها ارتميت في حضنها، ضمتني و كانت تبكي فبكيت، صرت ابكي و ابكي و ابكي اخبرتها انها اذا استمرت على هذه الحال لن ابقى في البيت سأذهب الى جدتي ليلا بدون ان تحس، لكن بعد هذا صارت امي تقفل باب غرفتنا بالمفتاح ليلا و تأتي صباحا تفتحها، و صارت مهووسة بنظافتنا فكانت تهلكنا بالصابون و المعقمات .

صرت شجاعا بما يكفي كي اهرب من البيت، كنت اعرف الطريق الى بيت جدتي، و في يوم اخبرت اخي اننا سنهرب الى جدتي ليلا من غرفتنا و اعددت حبلا كي نخرج من النافذة و في اخر لحظة تردد اخي و كان خائفا من امي خصوصا انها تؤثر عليه بسهولة لأنه ضعيف، فقررت الهروب وحدي، لكن و انا انزل انقطع الحبل و كان العلو حوالي 3 امتار الى الحائط الخارجي لمنزلنا فوقعت مباشرة على الحائط على جنبي فكسرت ضلعان و يدي و لا اتذكر سوى صراخ اخي و امي . كنت في المستشفى عندما افقت بعد ساعة أو ساعتين وكنت مخدرا جدا و كانت شقيقتاي بجانبي و امي و اخي، كانت امي تبكي كثيرا و تقول لماذا فعلت هذا؟ لماذا؟ اتريد ان تموت لتقتلني على موتك يا بكري ..

في اليوم التالي اتى ابي و كان يبكي بدوره لكنني لا زلت اتذكر كلماته عندما اخبرني ان لا افعل بأمي هذا لأنها مريضة، سألته عن مرضها فقال مرض من نوع آخر .

بعدها شفيت من جروحي الحمد لله وعدت الى المنزل، و في هذه الايام كانت امي تتعالج عند طبيب نفسي، وبعد هذا تحسنت كثيييييرا و صارت اكثر قوة و اكثر اشراقا، خف خوفها علينا في ايام مراهقتنا انا و اخي رغم بعض القيود الا اننا صرنا نخرج انا و اخي و مع الاصدقاء و كانت توتر من هذا لكنها تتغلب على خوفها بمساعدة ابي ، و صرنا نذهب الى جدتي وحدنا و نلعب كرة القدم بكل سعادة ، كانت تخاف على شقيقتاي لكن ليس بذلك الخوف الكبير يعني فقط كباقي الامهات ، تحسنت حالتها كثيرا و صارت اكثر نضرة و جمالا ، كنا نخرج برفقتها الى المطاعم و مدينة الملاهي نضحك و نلعب، ابي كان سعيدا جدا لأجلنا خصوصا من اجل امي و صاروا اكثر انسجاما و حبا ، صرنا نفعل ما نشاء أنا و اكرم بدون قيد و كانت امنا دائما تضمنا و تقول سامحوا امكم ارجوكم سامحوها .. بالطبع اسامحك امي فأنت كل شيء انت الحياة و الجنة تحت قدميكي ..

أنا الآن سعيد جدا بأمي و سعيد لأن اختاي الصغيرتان لم تعيشا ما عشناه انا و اخي ، هما عاشتا طفولة مليئة بالحب و العطف و كل شيء و رغم هذا فالآن و بعد ان كبرت ووعيت صرت اعلم ان امي حينها كانت مريضة فقط و قد تعافت الآن و صرنا نحن انا و اخي من يخاف عليها الآن لأنها حامل مرة أخرى . صارت لا تتحرك من غرفتها فأنا و اخي صرنا نصر عليها بأن لا تفعل اي شيء سوى الراحة، صرنا انا و اكرم من يهتم بكل امور البيت و اختاي الصغيرتان فقط لأنني اربد التعويض ولو بهذا الجميل الصغير لأمي لأنني لم افهمها عندما كنت صغيرا لم افهم انها كانت تحس بالوحدة و الخواء في غياب ابي الدائم ليتكون لها خوف نفسي بأنها لن تستطيع تربيتنا وحدها ما جعلها تخاف من فقداننا فهذا ما قاله الطبيب .

و من هذا المنبر أقول إن الأم لن تستطيع ابدا ان تؤذي فلذات كبدها ابدا قبل ان تتسرع في الحكم عليها راجع ظروفها التي جعلتها تغضبك بتصرفاتها .

تاريخ النشر : 2016-01-03

guest
47 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى