أدب الرعب والعام

عجائب شهرزاد(1)

بقلم : **ياقوت الشرق** – مصر

اسمعينا يا شهرزاد درّة من دُرركِ

في احدى الأيام .. و في بلاط السلطان .. تقدّم الوزير من الحاكم , و قال له :
-سيدي الحاكم !! شاع نبأ في المدينة : عن امرأة حكيمة , لها دررّ من العجائب و الأساطير ! و يأتي اليها الناس من كُل حدبٍ و صوب , ليستمعوا لروائعها..
-الحاكم : اذاً !! أأتوني بها

بعد ساعة .. وصلت شهرزاد الى القصر .. و أدخلها الحاجب الى ديوان الملك , القابع فوق عرشه المخملي .. و قد امتلأ مجلسه بالحاشية : من وزراء و معاونين و علّية القوم ..
فأقتربت شهرزاد بثبات من عرش الملك , و قالت :
-السلام على اهل السلام !! جائني نبأ : ان الحاكم يستأمرني القدوم ..فهمّمت مُقبلة , ملبيةً النداء سمعاً و طاعة !!

الحاكم باهتمام :
-شاع انكِ تروين الحكايات العجيبة , التي يسمعها الكبير و الصغير من سكان المدينة ؟!
شهرزاد بتواضع :
-هذا من فضل ربي , و الحمد لله..
-اذاً !! اسمعينا درّة من دُرركِ
– حاضر سيدي …. (ثم تنهّدت قليلاً) ..

كان يا مكان , في قديم الزمان !! قومٌ يُقال عنهم (جامان) .. كانوا يجيدون السحر و يتقنوه .. حتى انهم بنوا قصوراً لهم في الهواء .. و رُصِّفَوا طرقات مدينتهم بالذهب الخالص !
و رغم ان سكانها يمشون على الذهب , الا انهم كانوا فقراء و مساكين ! حيث تذهب كل خيرات المدينة الى صفّوة القوم , الملقّب فردها : بالجامانيّ .. و لا يحقّ للشعب المطالبة بأيٍّ من حقوقه .. لأنها جريمة سيعاقبهم عليها , حاكمهم المستبدّ !

و قد شيّد بنو جامان امبراطوريات لا مثيل لها بذلك الزمان .. و كانوا قوماً اولوّ بأسٍ شديد , يخشاهم كل من حاول يوماً تحدّيهم ..كانوا قوماً ينهبون الخيرات , و يرتكبون المحظورات بلا حسابٍ او رقيب !

الى ان وصل امر تجبّرهم الى الأمير العادل (ياسين) : سيد مملكة الشرق ..و كان ابناً باراً لأبيه , الملك ياسر .. و كانت مملكتهم معروفة : بمملكه العدل و السلام .. و قد حلّ بين شعبها الوئام , لا مكان فيه للظلم , فالجميع يعمل هناك بانسجام .. و بعد ان علِمَ الأمير بمعاناة الشعب جامان , قرّر بشجاعة ان يحرّر بنفسه المساكين من سلطة الفراعنة المتجبّرين .. فانطلق بإسطوله البحري المهيب , نحو امبراطورية جامان .. بينما ظلّ والده (الملك) يدعوا الله : بأن يجعل ابنه سبباً في نصرة المظلومين , و بأن يُحققّ بمساعيه الآمال ..

بعد ايام .. وصل الخبر الى جامان الكبير : بهجوم الإسطول البحري للأمير ياسين على مدينته .. فاستدعى اقوى سحرته و سألهم :
-ايكم يخلّصني من روح ياسين ؟!!
فتنازعوا أمرهم , فاختار جامان اعلمهم بالسحر و اخبثهم ..

فقال تابعه (الساحر) : لأسلّطنّ عليهم وحوش البحر , و اجعل منهم وجبةً للأسماك !!
ثم صار يتلو التعاويذ : (( يا شعشبون !!! انّي اوكلك بحكم ولائي لك , ان تسلّط سكان البحر على عدونا ياسين !! و لك منّي اجمل قربان !!! ))
فاستجاب له شيطانه …

***

و مع تباشير صباح اليوم التالي , و على حين غرّة !! راوغت اسماك القرش المسكونة و هاجمت الحيتان العملاقة , سفن الإسطول التابعة للأمير ياسين ! .. مما افزع الجنود !! فصاروا يطلقون القذائف المدفعية بغير هدىً , ممّا اغرق الكثير من سفنهم … فمات نصف الجيش !

تماسك ياسين وهو يري جنده يتهالكون .. ففكّر و تدبّر , الى ان آلت اليه فكرة ذكية : و هي أن يأمر جنده بتسريب نفط السفن , لتسميم الأسماك الضخمة , لتموت في الحال ..

و هذا ما حصل بالفعل !! ..و بنجاح الخطّة , نجا نصف الإسطول ..
لكن ياسين ادرك تماماً ان ما حصل مع جيشه , كان بفعل السحر الذي يتقنه كبار جامان .. كما أدرك أن عدوه صار لديه علم بقدومه ..فلم يكن امامه الاّ ان يستخدم بعض الدهاء لإقناع العدو : بأن اسطوله , تمّ تدميره بالكامل ..

فكانت الخطة كالتالي : قبل ان تصل سفنه الباقية الى شاطىء , اقرب جزيرة (تفصلها عن مدينة جامان مسافه 6 ساعات) ..
امر جنده بأمرين :
الأول : ان يدهن افراد جيشه جسمهم و ثيابهم بنبتة جوز الهند (التي بحوزتهم) لأنها تُخفي الرائحة البشرية , فلا تستطيع اسماك القرش ان تشمّ جروحهم , او ان تشعر بتردّداتهم و هم يسبحون في الماء !
ثانياً : ان تُرَحّل السفن , بعد ان يأخدوا منها لوازمهم .. ثم تركها تتحرّك بعيداً عن تلك الجزيرة..

و بعد ان وصل ياسين و جنده الى الجزيزة , بعد ساعات طويلة من السباحة .. امضوا الوقت المتبقي من النهار في نصب الخيام .. و بعضهم استعان بجريد النخل , ليحتموا داخلها من الأمطار و العواصف , الى حين ميسرة..

عندما سمع جامان بهزيمة اسطول ياسن , و فَنَاء جُندِه ..
ابتهج كثيراً , و اردف بكبرياء قائلاً :
-من ذا الذي يتحدّاني ؟!! و من يجرؤ اصلاً على عدائي , و انا سيّد القوّة !! .. ايها الوزراء !! اعلِمُوا اهالي المدينة عن انتصار ملكهم العظيم !! و انشروا الإحتفالات في جميع أرجاء المملكة ..و قدِّموا اجمل فتاة كقربان للشيطان , و انحروها عند البحر , لتغيظ دمائها روح ياسين !! و اقيموا حلبَة مصارعة يوم الإحتفال , لنستمتع جميعنا بهذا الحدث الكبير !!

ثم استدار في شموخ , مُحدّقاً بالسماء و قال :
-الويل الويل !! لمن يتحدّاني ..و انا ملك ضفاف البحيرات الكبرى .. و المدن السماوية الشامخة , التي حَفرتُ عليها اسمي , في يومٍ ما طلعت عليه الشمس !!

و بعد ان ازداد اعجابه بكونيته , صار يقول :
-تلاشي يا روح عدويّ في الهواء !! بعد ان اهرقت مياهي لحمك , في جداول سكّري ..فأنا من يبحث عن اعدائه , تحت نعال حذائه !!
في هذه الأثناء .. كان الأمير ياسين قد أمر جنده : بإنشاء سفنٍ صغيرة , بحيث تحمل كل سفينة : شخصين ..و ذلك بقطع اخشاب الأشجار , و تحضير كل ما يلزم لتهيئة هذه السفن .. فبادر الجنود على الفور !! بتنفيذ اوامر قائدهم ..

***

و رغم ان الجميع في بلاط السلطان , كان يتابع هذه القصّة و هو مشدوه بأحداثها ..

الاّ انه فجأة !! سكتت شهرزاد عن الكلام ….فعمّ الصمت المكان !

ثم قالت (شهرزاد) :
-اعذرني يا سيدي الحاكم .. سأتوقف عن سرد القصة اليوم لهذا الحدّ .. لكن اعدك ان اعود غداً لأكملها لحضراتكم ..فأخي طفلٌ صغير , و هو بانتظاري الآن .. لذا اعذرني سيدي ..

فأشار لها بالإنصراف , على أمل اللقاء بها ثانيةً لأتمام الحكاية..

و كان قد أمر رجاله بأن يعطوها بضع دراهم , لكنها ابتّ ..و انصرفت ذاهبة !

… يتبع

تاريخ النشر : 2016-01-07

guest
34 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى