منوعات

عظماء في حضرة الغباء!

بقلم : وليد الشهري – المملكة العربية السعودية
للتواصل : [email protected]

لا يكاد يدور في خلد أحدنا أنّهم يرتكبون الحماقات
لا يكاد يدور في خلد أحدنا أنّهم يرتكبون الحماقات

حين نستمع بكثرةٍ إلى مناقب العلماء باختلاف تخصصاتهم، وتظلّ أعمالهم الجليلة وأفكارهم العبقريّة تتردّد على أسماعنا في كلّ حين، فإنّ عقولنا – بمرور الوقت – تحيطهم لا شعوريًّا بهالة من القداسة والتبجيل، حتى لا يكاد يدور في خلد أحدنا أنّهم يرتكبون الحماقات، أو تمرّ بهم لحظات من الغباء السافر، ولو حدث العكس، أي لو أنّ مواقفهم البلهاء قد سبقت إلى إدراكنا قبل إنجازاتهم التي تؤكّد ذكاءهم، لما صدّقنا بسهولة أنّهم علماء وعباقرة، وربّما ضحكنا بشراهة قبل أن نأخذ الأمر على محمل الجدّ!

والأمر نفسه ينطبق على القادة السياسيّين أو العسكريّين أو غيرهم، لا سيما أولئك الذين بلغت شهرتهم الآفاق، فملأوا الدنيا وشغلوا الناس بمهاراتهم القياديّة، أو دهائهم الفكري، أو حنكتهم السياسيّة، أو حسن تدبيرهم بصورة عامّة، أيًّا كان مجالهم الذي يشغلونه.

والحقيقة أنّ كثيرًا من متّقدي الذكاء هؤلاء لم يكونوا بمنأى عن سطوة الغباء التي لا يكاد ينجو منها أحد، وإن كان الناس يتفاوتون في ذلك بين مُقلٍّ ومُكثر، وفيما يلي نستعرض بعض النماذج لعظماء تعثّروا بحجارة الحماقة، دون مراعاة للتسلسل الزمني..

الجاحظ (ت 868م)

blank
من العباقرة في البيان والفصاحة

هو عمرو بن بحر بن محبوب الكناني البصري، عالم وإمام في الأدب، كان ذا ثقافة واسعة وشغف بالمطالعة، ومن العباقرة في البيان والفصاحة، وكان دميم الخلقة، عُرِف بالجاحظ، وهو لقب أُطلِق عليه لجحوظ عينيه (بروزهما)، وله مؤلفات كثيرة، من أشهرها “البيان والتبيين” و “الحيوان”.

مما رُوي عنه أنّه نسي كُنيته يومًا، ولم يفلح في استذكارها لثلاثة أيام، حتى ذهب إلى أهله يستعلمهم: ما هي كنيتي؟! فقيل له: أنت أبو عثمان!!

وقد حدث موقف مشابه للعالِم الأمريكي الذي عُرِف باختراعه للمصباح الكهربائي “توماس إديسون” (ت 1931م)، حين كان ينتظر دوره في إحدى الجهات المسؤولة عن استلام مدفوعات الضرائب، حتى إذا جاء دوره، سأله الموظّف عن اسمه، فانتابته حيرةٌ شديدة أثناء محاولته تذكّر اسمه دون جدوى، إلى أن أنقذه أحد معارفه الذي صدف وجوده هناك، فقال له: اسمك هو “توماس”!!!

إسحق نيوتن (ت 1727م)

blank
لا يكاد يخلو مقرّر دراسي علمي من ذكره

العالم الرياضي والفيزيائي الإنجليزي الغني عن التعريف، فلا يكاد يخلو منه مقرّر دراسي علمي، يرافقه عادةً وجود طالب واحد على الأقل يتخيّل مدى سعادته لو سقطت الشجرة بأكملها على نيوتن بدلًا من التفاحة، ولم يضطرّ لدراسة الجاذبية وما تلاها من نظريات!

يقال أنّ نيوتن كان يملك قطّة مزعجة، فقد كانت تقلق راحته بين حينٍ وآخر حين تخمش الباب محاولةً فتحه للدخول، في ظلّ انهماكه في المطالعة وإنجاز البحوث، حتى اضطرّ في النهاية إلى فتح منفذ أسفل الباب، بحيث تتمكّن القطّة من الدخول والخروج دون إزعاجه.
لم يكن هذا التصرّف ليثير الغرابة والضحك في حدّ ذاته، لولا أنّه أقدم لاحقًا على خطوة استباقيّة بفتح منافذ جديدة في نفس الباب، وذلك بعد معرفته بأنّ قطّته قد أنجبت، وأنّ دخولها وخروجها عبر الباب، سيكون من الآن فصاعدًا بصحبة صغارها، في حين أنّ المنفذ الذي فتحه مسبقًا لقطّته، يكفي لدخول صغارها معها دون أدنى عناء!!

شارل الخامس (ت 1380م)

blank
كان شارل الخامس يُلقَّب بالحكيم

هو أحد الملوك العظام للأراضي الفرنسيّة خلال القرن الرابع عشر الميلادي، وقد بدأ حكمه منذ العام 1364م وحتى وفاته. شكّل عهده نقطة تحوّل في استمالة نتائج حرب المئة عام (1337 – 1453م) التي دارت رحاها بين الإنجليز والفرنسيين لصالح بلاده، وقد انتهى حكمه باستعادة كامل الأراضي الفرنسيّة وانتزاعها من الإنجليز.

كان شارل الخامس يُلقَّب بالحكيم، لكنّ هذا اللقب لم يَحُل دون وسمه بلقبٍ آخر يوحي بالسخرية وهو “الإمبراطور الزجاجي”، وسبب إسباغ هذه الصفة عليه، هو اعتقاده الجازم بأنّ جسده يتحوّل مع مرور الوقت إلى الكريستال، وقد اتّخذ عددًا من الإجراءات المشدَّدة لوقاية نفسه من “التهشّم”، من أهمّها: امتناعه عن الخروج إلى الناس في الطرقات، خشية أن تصيبه رشقة حجر طائشة من مواطنٍ ساخط تحيله إلى قطع من الزجاج المتناثر!!!

مينيلِك الثاني (ت 1913م)

blank
إمبراطور إثيوبي شهير

إمبراطور إثيوبي شهير، تسلّم مقاليد الحكم في بلاده عام 1889م، ويوصَف بأنّه أحد أعظم الأباطرة في العصر الحديث، ففي عهده اتّسعت حدود بلاده، ونجحت في هزيمة المستعمر الإيطالي وإخراجه من أراضيها، ثم حصلت فيما بعد على اعتراف دولي باستقلالها.

كان “مينيلك” نصرانيًّا متديّنًا على نحو غريب، فلم يكن يتردّد في التهام صفحات من التوراة كلّما تعرّض لوعكة صحّيّة، ويبدو أنّه كان يقدّر عدد الصفحات التي سيأكلها بحسب شدّة المرض، فحين أُصيب بنوبة قلبيّة خطيرة، قرّر ابتلاع “سِفر الملوك” كاملًا في محاولة لاستجلاب الشفاء التام، ومن نافلة القول أنّه لم يستجلب غير الوفاة العاجلة!

أمبادوقليس (ت 430 ق.م)

blank
قرّر اصطحاب تلاميذه ذات يوم إلى بركان

فيلسوف يوناني شهير، من مواليد منطقة “أكركاس” اليونانيّة (وهي اليوم جزء من جزيرة صقلّية) يُعَد أحد الفلاسفة الطبيعيّين المتأخرين (ما قبل سقراط)، وهو صاحب فكرة العناصر الأربعة (الماء والنار والهواء والتراب) كمكوّنات أساسية للكون، تتّحد مع بعضها بمقادير متفاوتة لتشكيل كلّ شيء فيه، ويروى أنّه كان يعتقد بتناسخ الأرواح متأثّرًا بالفيثاغوريّين (أتباع فيثاغورس)، حتى وصل به الأمر إلى الاعتقاد بأنّه سيتحوّل إلى كائنٍ إلهي خالد ما إن يفنى جسده الحالي ويتلاشى!

وفي محاولة لإثبات ذلك، قرّر اصطحاب تلاميذه ذات يوم إلى بركان جبل “إتنا” في صقلّية، ثم قذف بنفسه إلى داخل البركان على مرأى منهم حتى يشهدوا حدوث “المعجزة” المنتظرة، إلّا أنّ الأمر انتهى على نحو مأساوي، وذلك حين غادر التلاميذ مندهشين وقد خاب أملهم بعد أن بصق البركان فردة حذاء معلّمهم عقب وقت وجيز من سقوطه وانصهاره!

في الختام..

ربما كانت الحماقة صفة ملازمة للإنسان تعتريه بين حينٍ وآخر، مهما بلغ نبوغه وفطنته، ولعلّ الفيلسوف الأمريكي “ألبرت هابرد” قد أدرك ذلك حين قال: “كلّنا ذلك الشخص الذي تعتريه الحماقة لخمس دقائق في اليوم، وتتمثّل الحكمة في محاولة الإبقاء على تلك المدّة دون أن تزيد”.. دمتم بخير.

المصادر :

– عدد من الكتب والمواقع الإلكترونية.

تاريخ النشر : 2020-09-05

وليد الشهري

السعودية
guest
28 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى