عندما تختصر الصورة الحياة
ستيف ماكوري..عندما تختصر الصورةالأشخاص والأماكن والكلمات والروائح وحتى المسافات… |
وفي مقالنا هذا سنتحدث عن أحد أهم أعمدة التصوير ، هذا الفن الذي يمكن إعتباره أكثر الفنون تكاملا..
إنه وبكل ثقة ((عراب التصوير)) ستيف ماكوري.
لنبدأ أولا بلمحة مختصرة عن التصوير الفوتوغرافي أو التصوير الضوئي أو الفوتوغرافيا المشتقة من اليونانية وتعني الرسم بالضوء وهو مرادف لفن الرسم القديم .. فمن خلال العدسة يقوم المصور بإعادة إسقاط المشهد أمامه على وسط يمكن من خلاله إعادة تمثيل المشهد فيما بعد…
ومن أهم فناني التصوير الضوئي عبر تاريخه القصير نسبيا.. المصور ستيف ماكوري وهو مصور صحفي أمريكي ولد في بنسلفانيا عام ١٩٥٠.
كان في بداياته يلتقط الصور الصحفية |
درس ماكوري السينما في جامعة بنسلفانيا وحصل منها على بكالوريوس الفنون المسرحية ومنها كانت خطواته الأولى في عالم التصوير حيث كان في بداياته يلتقط الصور الصحفية في صحيفة الجامعة اليومية…
ليبدأ بعدها مسيرته العظيمة ومشواره الطويل إلى الشهرة في مهنة أحلامه من خلال مهمته الرسمية الأولى بتغطية الحرب السوفياتية في أفغانستان متخفيا بلباس محلي وذقن كثيفة طويلة ولتتالى فيما بعد مهامه بتصوير الصراعات الدولية بما في ذلك الحرب العراقية الإيرانية والحرب الأهلية اللبنانية والصراعات في كمبوديا والفلبين وحرب الخليج إلخ….
وقد ذكر ماكوري أن مهامه كانت محفوفة بالمخاطر والمخاوف من أطراف الصراعات لدرجة أنه كان يعمل متخفيا في بعضها ويخيط أفلام النكاتيف بين طيات ملابسه لينجو بروحه من الإعتقالات والقتل …
مهامه كانت محفوفة بالمخاطر والمخاوف |
انتشرت أعماله في كل أنحاء العالم وبرزت صوره الجميلة والعميقة لينضم بذلك إلى فريق قناة ناشيونال جيوغرافيك ويصبح من أهم مصوريها وعضوا في جمعية ماغنوم فوتوز عام ١٩٨٦م ….
وقد خولته هذه الأعمال للحصول على عدد كبير من الجوائز والألقاب وأهمها: جائزة مصور العام من الرابطة الوطنية للمصورين الصحفيين…
الميدالية الذهبية المئوية للجمعية الملكية للتصوير الضوئي…
المركز الأول لمسابقة الصور العالمية لمرتين عام ١٩٨٥ و١٩٩٢….
صورة الفتاة الافغانية تعد من اشهر اعماله |
وأما عن سبب سطوع نجمه وتميزه عن باقي أقرانه من المصوريين الضوئيين فهي الصورة الأيقونية التي تعد وبحق الصورة الأكثر شهرة في التاريخ والاهم عالميا في القرن العشرين إنها صورة “الفتاة الافغانية” وقد كانت عبارة عن صورة لفتاة مجهولة الهوية من اللاجئين البشتون والتي قدر عمرها وقتها بـ ١٢ عاماوقد لاقت الصورة الإستحسان والإهتمام واكتسبت شهرتها بعد نشرها كغلاف مجلة ناشيونال جيوغرافيك عدد يونيو ١٩٨٥وقد تم استخدامها على نطاق واسع في منظمة العفو الدولية والكتيبات والملصقات والتقاويم.. وظلت هوية الفتاة مجهولة لأكثر من ١٥ سنة حتى تمكن ستيف بالإشتراك مع فريق ناشيونال جيوغرافيك من إيجادها وصور عنها وثائقيا….
صوره وثقت ايضا العلاقة بين البشر والحيوانات |
ومن أهم أعماله أيضا كتاب حيوانات ستيف ماكوري وهو كتاب مصور يوثق من خلاله الفنان العلاقات بين البشر والحيوانات… فعلى الرغم من شهرته كمصور للحروب والصراعات إلا أنه كان يملك بداخله شغفا طفوليا هو شغفه بالحيوانات معتبرا “إن الحيوانات هي واحدة من المواضيع المفضلة التي يحب ان يلتقطها لأنه من الصعب توقع ماستفعله”.. ويضم الكتاب صورا من جميع أنحاء العالم فمن القطط في ميانمارإلى الإبل في الاردن ومن آسيا إلى أوربا وأفريقيا والأمريكيتين… وتعد صورة الراهب الذي يدرس البوذية وبجانبه قطه في تايلاند صورة ماكوري المفضلة لما أحس من روحانية فيها.. أما بالنسبة لي فصورة الإبل التي تبحث عن الزاد والنار مشتعلة خلفها في الكويت أثناء حرب الخليج الأولى هي الافضل والأكثر عمقا وتأثيرا.. .
صور من حياة البدو في الاردن |
كما أن لديه سلسلة أعمال تدعى”أين نعيش”وهي عبارة عن رحلة فوتوغرافية مؤثرة إلى منازل مختلفة لحضارات متنوعة في العالم….
سأكتفي بذكر هذه الأعمال لأن الحديث عن إبداعات ماكوري لا يكفيها مقال واحد بل تحتاج لمجلدات ولكن بالمختصر فقد جمع ماكوري مايجب أن يكون في التصوير الفوتوغرافي وهو”إنسانية لحظة ما”….
نقل لنا صورا عن حضارات مختلفة |
ولكن وكما يقال لكل فارس هفوة فقد كان لفارسنا هذا هفوته وأخطائه التي وصلت الى حد تسمى فيه بالفضيحة حيث تعرض ماكوري لهجوم شرس بسبب استخدامه لبرنامج تعديل الصور(فوتوشوب) في واحدة من صوره المعروضة في معرض بإيطاليا بعد أن نشر المصور (باولو فيليوني) الصورة المعدلة والأصل ولكنه مالبث أن حذفها وقال: أنه لم تكن لديه النية في مهاجمة ماكوري إنما أراد مشاركة شيء غريب وربما مضحك قد شاهده بمحض الصدفة.
ولكن حذفه للمنشور وتبريره جاء متأخرا فبعد تشهير فيليوني له بدأ رواد الإنترنت و وسائل الإعلام البحث عن هفوات أخرى في أعمال ماكوري ولم يعودوا فارغي الأيدي فقد تم إجاد عدة صور معدلة من أعماله…
قد يظن البعض أن موضوع تعديل الصور يعد أمرا عاديا وطبيعيا في زمن الفوتوشوب والفلتر ولكن في حالة الفن الصحفي هو ليس كذلك لأن الصورة الصحفية يجب ان تعكس الواقع والحقيقة كاملة دون تعديل أو تحوير ولكن على مايبدو فحتى الصورة الضوئية بنقائها وشفافيتها أصبحت تجارة عالمية….
في الصورة المعدلة بالفوتوشوب تم حذف عدة امور مثل العربات الاخرى في الشارع واعمدة النور |
ولكن حتى ومع هذه الفضيحة المدوية يبقى رصيد ماكوري عاليا في عالم الصورة ويبقى من أعظم المصورين وأكثرهم تميزا في تاريخ المهنة وسواء كنت عزيزي القارئ من هواة ومحبين فن التصوير أو كنت شخصا عاديا ينظر الى صور هذا الرائع… سواء كنت معجبا بالصورة أو ناقدا لها … لا يمكنك أن تنكر أن اعماله تنقلك إلى أماكن يتعذر إليك الوصول إليها وتعرفك إلى أشخاص يستحيل اللقاء بهم وتروي لك حكايات من الخيال بكلمات خفية لا يمكن لجدتك أن ترويها لك في أمسية مظلمة ….وكما قال أحدهم: إن أفضل الصور هي تلك التي تحتفظ بقوتها وتأثيرها على مر السنين مهما تكرر عرضها…
المصادر :
– وكيبيديا عدد من المقالات
تاريخ النشر : 2019-12-11