الفيلسوف

عن الماضي والمستقبل

بقلم : فؤاد احمد – العراق

في بداية حقبة الثمانينات , وهي للعلم ليست ببعيدة عنا , هي للبعض منا كالأمس القريب , كان العالم مختلفا تماما عما هو عليه اليوم , كان تلفازنا أسود وأبيض , ولم يكن فيه سوى قناتين مملتين تعرضان عليك فلما أجنبيا مرة كل أسبوع .. ليلة كل يوم أحد على ما أذكر .. وفيلما عربيا ليلة الخميس .. أما المسلسلات فحلقة بالأسبوع .. أي المسلسل الذي طوله ثلاثين حلقة عليك أن تنتظر  أشهر لرؤية الحلقة الأخيرة ! ..

ولم تكن هناك اتصالات متطورة , كان هناك هاتف أرضي , لكننا لم نكن نستعمله كثيرا , كنا نمشي ..

للقاء أصدقائي كنت أذهب إلى منزلهم وأدق الجرس .. أو “أجعر” بصوتي مناديا أسم صديقي حتى يخرج ! .. أو كنا نضع موعدا .. وكنا نقضي الوقت جالسين على الرصيف نتحدث أو نلعب كرة القدم في الشارع .. والذهاب إلى السينما كان من المتع العظيمة ..

لم يكن الناس آنذاك يتعارفون على بعضهم عن طريق الفيسبوك .. بل عن طريق صفحات التعارف بالمجلات .. يرسلون صورهم وعناوينهم ليتراسلوا مع أناس آخرين في نفس البلد أو في بلدان أخرى .. وكانت الرسالة تأخذ وقتا طويلا كي تصل وجهتها ووقتا أطول كي يعود الرد ..

الراديو كان من المتع الكبيرة آنذاك .. أما لو كنت ممن لا يصبرون كثيرا ويودون سماع أغنياتهم المفضلة على الفور .. فيمكنك اقتناء شريط “كاست” .. والكاست لمن لا يعرفه هو مستطيل بلاستيكي فيه بكرتان ملفوف عليهما شريط بني اللون ..  

لم تكن أجهزة التكييف رائجة .. كانت غالية الثمن .. لذا كنا ننام صيفا على سطح المنزل .. كان الجو حارا أحيانا .. وأحيانا هناك بعوض .. لكن منظر السماء الرائعة الجمال كانت تعوض عنا لسعات الحر والبعوض .. للأسف لم تعد السماء بذلك الجمال.

في الثمانينات كنا نلعب الغميضة .. وشرطة وحراميه .. وشبطيط .. وسبع سيفونات .. ومصارع .. ودعابل .. وخريطة .. وغيرها الكثير مما نسيته .. – طبعا لكل بلد عربي أسماءه الخاصة للألعاب – .. أما اليوم فنادرا ما أرى الأولاد يلعبون في الشارع .. وحين تسألهم يخبروك بأنهم لم يسمعوا يوما عن تلك الألعاب .. الألعاب الوحيدة التي يعرفونها هي ألعاب الكمبيوتر والموبايل .. بإمكان أحدهم أن يعدد العشرات منها بسهولة ..

في الثمانينات كنا نقرأ الكتب .. كان الكتاب خير صديق فعلا .. كان وسيلة ترفيه رئيسية في حياة الكثير من الناس .. كانت هناك محلات واكشاك كتب كثيرة .. وكان في الناس بقية من ثقافة وحب اطلاع .. الرجال كانوا يطالعون الصحف .. أما النساء فيهوين قراءة المجلات .. الشبكة .. الموعد .. سمر .. النجوم ..

“زمان كان لكل شيء له طعم ومذاق مختلف” .. هذه عبارة تسمعها كثيرا ممن عاشوا طويلا .. الطريف هو أن نفس هذه العبارة كنت أسمعها أنا أيضا بحسرة من قبل أبي في ثمانينات القرن المنصرم ! .. كان هو يقارن مع الأربعينات والخمسينات .. أيام صباه شبابه .. لم يكن هناك تلفاز أصلا .. لا بل لم يكن هناك كهرباء في أغلب المدن والبلدات .. السيارات كانت نادرة وقليلة والعربات التي تجرها الخيول مازالت منتشرة .. كان الماء يصل إلى الكثير من الأحياء عن طريق “السقا” .. والشوارع غير معبدة .. والبيوت صغيرة ومتهالكة .. ووسائل التبريد معدومة باستثناء جرة الفخار .. كانوا يقضون الظهر في باحات منازلهم أو بالسراديب .. وكانوا يتسوقون يوم بيومه .. لم تكن هناك ثلاجات  ..

طبعا قد تسأل عزيزي القارئ عن مناسبة حديثنا هذا عن أيام زمان ..

حقيقة الأمر , أنا كتبت هذه الكلمات بسبب التطور الكبير الذي شمل كل نواحي حياتنا من كمبيوتر وموبايل وانترنت وامور اخرى لم نكن نراها في الماضي الا في افلام الخيال العلمي .. فاذا كان العالم قد تطور هكذا خلال اربعين او خمسين عاما فيا ترى ما الذي سيحصل خلال الخمسين عاما القادمة ؟ .. اطرح هذا السؤال وانا موقن بأني لن أكون حيا آنذاك .. وأتمنى من كل قلبي أن ألمح ذاك المستقبل البعيد ..

كيف سيكون وجه العالم آنذاك .. هذا السؤال يحيرني! ..

تاريخ النشر : 2021-05-09

فؤاد احمد

العراق
guest
3 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى