أدب الرعب والعام

غابة الأرواح الملعونة

بقلم : محمد حمدي – مصر
للتواصل : [email protected]

إنه طيف زوجتي الخائنة !

كنت أقود سيارتي بسرعة شديدة ( في هذه الليلة الباردة من شهر يناير ) غير مبالٍ بالمطر الغزير أو الظلام الحالك الذي يكاد يبتلع معالم الطريق …… فلم يكن يهمني أىٌّ من هذا فقد ارتكبت جريمةً لا تغتفر ….. ويجب على إخفاء الأدلة بسرعة …… وأول ما على التعامل معه …… هو بالتأكيد تلك الجثة.

نعم جثة تلك المرأة الخائنة التي يبدو أنها تنوي أن تسبب لى المشاكل في حياتها ومماتها على حدٍ سواء ……. نعم لقد قررت أنِّي سأدفنها في تلك الغابة الواقعة على أطراف المدينة فتلك الشائعات الغبية التي تدور حولها ستمنع أيًّا كان من البحث عنها هناك ….. سأقدم بلاغًا عن اختفائها ….. وأني لا أعلم مكانها ……. لذا لا داعي للقلق سأنجوا بفعلتي نعم سأفعل.

ها أنا أخيرًا أقف أمام مدخل تلك الغابة المحاطة بذاك السياج الخشبى الهش المتآكل بفعل عوامل الجو والزمن ….. ترجلت من سيارتي وأخرجت الحقيبة التي أضع فيها جثتها ثم حملتها على كتفى واتجهتُ نحو الغابة …… وقبل أن أتخطى السياج سمعت صوتًا قادمًا من خلفي لرجلٍ يقول: إلى أين أنت ذاهب أيها الفتى؟

صمتُّ للحظات وقد تجمدت الدماء في عروقي ظنًا منّي أن أمري قد اكتشف لا محالة …….. فقلت بصوت واهنٍ متردد: ل … ل .. لقد ج ج جئت هنا للتخييم يا سيدي.
فعاد الصوت مرة أخرى من يميني قائلًا باستنكار: أتمزح معي أم ماذا ؟ أهناك من يخيم في مثل هذا الجو؟ أأنت مجنونٌ أم ماذا؟
فقلت: لدى عدتي المناسبة لهذا الطقس يا سيدي …. و و و أنا اعتقد ان هذا الجو مناسب لي فأنا افضل التخييم في المطر.

فقال الصوت من أمامي: وما هذا الذي تحمله معك ؟ …. ولماذا اخترت هذه الغابة بالذات؟…. ألم تسمع بما يدور حولها أم ماذا؟ ….. تحصل هنا الكثير من الأمور الغريبة يا بنى.
فقلت: ما أحمله هو الأداوات التي سأستخدمها في التخييم يا سيدي ….. واخترت هذه الغابة لأنه لن يكون هناك أحدٌ ليزعجني …. كما …. كما ؟

فعاد الصوت من يساري هذه المرة بنبرة غاضبة: فكما ماذا أيها الفتى؟
فقلت بصوت مرتجف: هى أقرب غابةٍ من سكني يا سيدي.

وفجأة لمعت عينان صفراوان كعيني القطط وأضاء البرق المكان ليكشف عن عجوز قصيرِ القامة له أنفٌ طويلٌ حاد …. وأذنان كبيرتان … وعينان لامعتان غريبتان … ووجهٌ تملؤه التجاعيد ….. كما أنه منحني الظهر لدرجة تشعرك أنه يكاد يلامس الأرض.

فارتبعت من المفاجأة ولم استطع التحمل فوقعت على الأرض …… ثم أظلم المكان مرة أخرى وعاد الصوت من خلفي ليقول باستهزاء: هل رأيت شبحًا أم ماذا أيها الفتى؟ على كلٍ فالأشباح ليست هنا …. بل هى في الداخل يا فتى.

نظرت لمصدر الصوت برعب وقلت: آسف فقد فقدت توازني لا اكثر….. اعذرني لم أقصد أى إهانة لك…. لكن أأنت حارس الغابة أم ماذا؟
فقال بمكر: هذه الغابة لا تحتاج حراسةً مني ….. فهى بالفعل لها من يحرسونها …… لذا أحقًا ما زلت تريد الدخول إلى هذه الغابة …. ألم تسمع ما يدور حولها حقًا ؟

فقلت له بعد أن عادت بعض ثقتي بنفسي نتيجةً لمعرفتي أنه ليس الحارس: أتقصد موضوع الأشباح المتجولة في هذا الغابة؟ ….. أهناك أحد يصدق هذا الهراء يا جد؟
وفجأة تغير لمعان عينيه في الظلام من أصفر إلى أحمر وقال: هراء تقول؟ ….. لا يقتصر الأمر على تجول الأشباح في الغابة يا بنى ….. بل يتعداه إلى ما هو أخطر من ذلك ….. يقال أن أى جثةٍ تدفن هنا ….. فإن روحها تعلق داخل الغابة ….. تجولها ليلًا ونهارًا ….. تبحث عن قاتلها لتنتقم …… وتنتظر أى بشري ليدخل هنا …. فتقتله …. لتضمه إليها في هذه الغابة الملعونة.

فقلت له: أصلًا ما دليل وجود تلك الاشباح؟ ….. وإن كانت موجودة فإذًا لماذا لا تغادر الأرواح تلك الغابة … وتبحث عن قاتليها في مكانً آخر أيها العجوز؟

فأضاء البرق وجهه المرعب مرة أخرى ليكشف عن ابتسامة خفيفة على وجهه الشاحب ويقول: إذا هلّا فسّرت لي لماذا لا أحد يدخل الغابة ويعود حيًا أبدًأ ليحكي ما مرّ به ؟ وبالنسبة لبقاء الاشباح بالداخل …. لماذا تعتقد أنّ هذا السياج موضوعٌ من الأساس؟ فهو تعويذة سحرية تمنعهم من المرور .
فقلت: ما هذه الخرافات ….. كل هذه الأقاويل ما هى إلا مجرد إشاعات تناقلها الناس ليخيفوا بعضهم لا اكثر ولا أى من هذا حصل.

نظر إليّ الرجل بغضب وقال: للمرة الأخيرة سأحذرك من الدخول إلى تلك الغابة الملعونة ولكن إن كنت مصرًا …. فلا تلومنَّ إلا نفسك …. حسنا في الواقع ستلوم نفسك لفترةٍ طويلةٍ جدًأ.

لم أهتم بكلامه فقد اعتقدته مجنونًا لا أكثر فتركته ومضيت في طريقي باتجاه الغابة متجاهلًأ إيّاه ثم أضأت مصباحًا كهربائيًا صغيرًا لأنير به الطريق وتخطيت السياج دون الإلتفات إلى كل تلك اللوحات التحذيرية المحيطة بالمكان والمعلقة تقريبًا على كل شجرة محيطة بسياج الغابة ….

وبعدما تعمقت فيها بشكل كافي وتأكدت أن ذلك العجوز لا يراقبني …. أخرجت المعول الذي كنت أخبئه في الحقيبة …….. وبدأت الحفر في أرضية الغابة المبللة بفعل المطر …. حتى استطعت بشق الانفس حفر حفرة بحجم مناسب لوضع جثة تلك الحقيرة فيها … حملت جثتها …. وضعتها في الحفرة …. ثم غطيتها بالتراب وبصقت على قبرها وهممت بالخروج ….. لكن واجهتني مشكلة صغيرة …. فأنا لا أعرف طريق العودة.

فمن أين جئت …. ما هو الطريق الذي سلكته …. حتى أنّ المطر قد أزال آثار أقدامي ….. هل تهت حقًا …. اللعنة كل هذا بسببها تلك الخائنة اللعينة.

وفجأة وبينما أنا في دوامة أفكاري سمعت صوتًأ أُنثويًا غريبًا قادما من ورائي وهو يقول: أحمد … أحمد … لماذا قتلتني يا أحمد؟
نظرت خلفي بسرعة وكلِّي رعب لكني لم أجد أي شئ !

ثم عاد الصوت مرةً أخرى وبدأ ينادي: أحمد ….. ما الذي فعلته لأستحق هذا منك يا أحمد؟ …. لقد أحببتك من قلبي يا أحمد.
فالتفت إلى مصدر الصوت بسرعةٍ خاطفة ولكني لم أجد شيئا أيضًا.

حينها تملكني الخوف والغضب في آنٍ واحد فصرخت بكل ما لدى: من ذاك الذي ينادي؟ … ومن هو أحمد ذاك؟ ….. أظهر نفسك أيها الجبان.
فقال الصوت الأنثوي: ألست أنت أحمد؟
قلت بغضب: طبعا لا أنا اسمي مؤيد ومن أنتِ وأين أنتِ ومن هو أحمد أصلًا … فقط أريني وجهك فيكفيني ما أنا به من خوف.

حينها سمعت ضحكة غريبة خبيثة ثم قالت: أحقا تريد رؤيتي ؟ حسنًا سألبي طلبك.

وفجأة ظهرت من العدم فتاة – كأنها القمر في يومه الرابع عشر- من أمامي …. وبدأت تقترب مني بهدوء … لكن ومع كل خطوة كان شكلها يتغير… فظهر جرح على طول رقبتها … ونذفت رقبتها الدماء بغزارة …. وتغير لون بشرتها من الأبيض إلى الأزرق الشاحب …. وجفّ جلدها …. وتساقط لحمها من وجهها وأطرافها …. حتى أصبحت كجثةٍ تحللت من عشرات السنين.

وقبل أن أدرك وأستوعب ما حدث أمامي هجمت على الفتاة وحاولت عضي في رقبتي فحميت رقبتي بيداى …. لكنها لم تستلم بل عضت يدي وبدأت بنهش لحمي وقبل أن أدري وجدت نفسي بردة فعل عكسية أضربها على وجهها بيدي الاخرى السليمة فانكسر فكها بسهولة ثم وقعت على الأرض ……. فاستغللت الفرصة لأهرب بعيدًا عن تلك المجنونة …… وركضت بأقصى ما لدى من قوة دون مراعاة للاتجاه …….. فقد كان همي الوحيد هو الابتعاد قدر الإمكان عن هذا الشئ المخيف الذي رأيته.

وبعدما تأكدت من أنّي ابتعدت عن هذه الفتاة وأنّها لم تعد تلاحقني نظرت إلى ذراعي وقد هالني ما رأيت فقد نهشت تلك الشمطاء قطعة كبيرة من لحم يدي لدرجة أنَي رأيت عظمة “الكعبرة” بارزة كما انّي كنت كنت أنذف بغزارة …….. وللحظة كدت أن افقد وعيي ولكني تماسكت … وقطعت جزءًا من قميصي … وربطت يدي من فوق الجرح لأقلل من وصول الدم إليه … كما أني ضمدت الجرح بجزءٍ آخر لأوقف النزيف تمامًا … ثم أسندت ظهري إلى أقرب شجرة مفكرًا في ما أوصلني إلى هذه الحالة …… مالذي فعلته لأصاب بكل هذا … فكل ما حدث هو أنّي قتلت تلك الخائنة اللعينة.

قد كان من المقرر أن أذهب في سفرية لمدة ثلاثة أيامٍ إلى إحدى فروع الشركة التي أعمل بها الواقعة في مدينة أخرى …… لكن القطار الذي كان من المفترض أن أستقله قد تعطل …. فاستأذنت من شركتي أن أؤجل السفر إلى غد …. وان آخذ اليوم إجازة بالمرة لأقضيه مع زوجتي الحبيبة ….. فقد اعتقدت أنها ستفرح بذلك فقد كانت تشتكي من أنها خائفة لتواجدها وحيدة في البيت وأنها لا تطيق فراقي …. لكن لم أتخيل أن فراقي صعب لهذه الدرجة ….. فلم تمضي سوى ساعتان منذ رحيلي من البيت وما إن عدت حتى وجدتها في أحضان رجلٍ غيري ….. لم أتمالك نفسي …. هرعت إلى المطبخ …. حملت السكين …. توجهت إلى غرفة النوم …. لكن الرجل كان قد فر …. ولم يتبقى سواها … قتلتها … نعم قتلتها في ثورة غضب عارمة.

قطع حبل أفكاري صوت طفلة صغيرة تبكي ……… فوقفت على قدمى ….. ثم أضأت المصباح وصوبته نحو الصوت …….. لأجد فتاة صغيرة مستلقية على الأرض ….. تغطي وجهها وتبكي وتقول: أبي … أين أنت يا أبي لماذا تركتني ….. بابا أين أنت أنا خائفة … أشعر بالبرد يا بابا …. أرجوك تعالى وأخرجني من هنا يا بابا أنا وحيدة.

ذهبت باتجاه الفتاة الصغيرة بسرعة …. ثم وضعت معطفى عليها لأقيها من المطر ….. وقبل أن أسألها عن حالها بدأت الفتاة الكلام بصوت مرتجف وقالت: لقد كنت ألعب الغميضة مع أصحابي بالقرب من هنا …. وقلت لنفسي لما لا أختبأ في الغابة فلن يجدوني أبدًا مهما بحثوا عني وسأتغلب عليهم جميعًا ……. لكنّي تهت … وأنا لا أعلم طريق العودة ….. أرجوك أنقذني.
قلت لها : لا تقلقي يا صغيرة سآخذك وسنخرج منها …. سأساعدك لا تقلقي.

حينها رفعت رأسها وأزاحت يديها لتكشف عن وجه مشوه بملامح شيطانية وبدأت بالصراخ: تساعدني قلت هاه؟ كما قال ذاك الرجل الذي شوه وجهي ووضع السكين في بطني …. ذاك الذي شرحني وأخرج أمعائي صحيح؟ ثم كشفت عن بطنها ….. وتدلت أمعاؤها وأحشاؤها إلى الخارج.

لم أتمالك نفسي ووقعت على الأرض فقفزت الفتاة على صدري وبدأت بمخالبها تشريح وجهي – و كأن هذا ما ينقصني – فبدأت بالبحث على الأرض عن أى شئٍ قد يساعدني من التخلص من هذه الفتاة ……. حتى لمست صخرة … فأمسكتها وبكل ما أُتيت من قوة ضربت بها رأس الفتاة … لدرجة أني سمعت صوت تهشم عظام رأسها … وطارت جمجمتها ووقعت بعيدا عن جسدها …. لكن جسدها لم يتوقف واستمرت بجرحي بأظافرها … فركلتها بقدمي … وأبعدتها عني ثم وقفت بسرعة … وجريت مرة أخرى بأقصى ما لدى بعيدًا عن هذا المكان المجنون.
وبينما أنا أركض بدأت أسمع أصوات الكثير من الناس تناديني ……. فمنها من يقول: لماذا تهرب يا مؤيد …. نحن لن نؤذيك فقط نريد بعضًا من لحمك !! ……….. وآخر يقول: أينما ذهبت فسنجدك لا مهرب لك اليوم منّا ….. وآخر يضيف: لا تخف لن نؤذيك ….فقط سنجعلك واحدًا منّا .

وفجأة ظهر أمامي طيفها ….. نعم إنه طيف زوجتي الخائنة …. بنفس ملامحها قبل أن تموت مباشرةً ……. وبدأت بالكلام: مؤيد أعتقدت أنك تستطيع الهرب بفعلتك؟ كلا لن تستطيع الفرار فقد حان وقت الانتقام …. ثم هجمت على.

لا أعلم حقًا ما الذي حدث بعدها ….. فلقد استفقت لأجد نفسي ملقًا في وسط الغابة وقت الظهيرة ….. نظرت حولي لكني لم أجد أى شئ يدل على ما حصل معي البارحة …. ونظرت إلى ذراعي فوجدتها سليمة ……. وقميصي لم يكن ممزقَا …. فوقفت على قدمى ومشيت قليلًا حتى وصلت إلى السياج الخشبى أخيرًا ….. ولكن …… لسبب ما فأنا …… لا أستطيع عبور السياج ….فهناك قوة تمنعني من الخروج ببساطة.

بدأت اسمع اصوات أشخاصٍ يضحكون ويقولون: مرحبًا بالعضو الجديد فلقد أصبحت واحدًا منّا الآن.

وخارج السياج وقف ذاك العجوز يتطلعني بعيونٍ ساخرة وابتسامةٍ هازئة وقال: ألم أقل لك أنك ستندم.

ثم أعطاني ظهره ومشى مبتعدًا عنّي غير مهتم بصراخي وندائي له.

تاريخ النشر : 2016-01-08

guest
62 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى