سينما ومرئيات

"فتاة تَمَّت مقاطعتها" .. الإبداع في تدوين الألم

بقلم : نيروز مَنَّاد – سوريا
للتواصل : [email protected]

"فتاة تَمَّت مقاطعتها" .. الإبداع في تدوين الألم
فيلم جسد معاناة أحد أهم الأمراض النفسية التي تصيب البشر

أنهى الرَّسام يوهان فيرمير لوحته الشَّهيرة ” فتاة قوطعت أثناء عزفها ” في العام 1660 غير عالمٍ بكونها ستكون مصدرَ إلهامٍ للكاتبة الأميركية سوزانا كيلسون للبدء بكتابةِ معاناتها مع اضطرابِ الشَّخصية الحدية و الذي رافقها خلالَ مرحلةٍ طويلةٍ من حياتها.

"فتاة تَمَّت مقاطعتها" .. الإبداع في تدوين الألم
لوحة الفنان فيرمر

في العام 1993 نشرت الكاتبة سوزانا مذكراتها بعنوان فتاة قوطعت ففي حقيقة الأمر كانت سوزانا ترى مرضها بهذه الطَّريقة : فتاة تمَّت مقاطعتها من قِبل اضطرابٍ مزعجٍ خطير منعها من متابعةِ حياتها بشكلٍ طبيعي.

وفي العام 1999 خرج للعلن واحدٌ من أجمل أفلامِ السَّيرة الذاتية وهو مقتبسٌ عن مذكراتِ الكاتبة بطريقةٍ مذهلةٍ جداً. الفيلم من إخراج جيمس مانجولد و كتبتْ سيناريو الفيلم آنا هاملتون فيلن و أبدع في أداء أدوارِ البطولةِ فيه كلاً من وينونا رايدر , أنجلينا جولي, ووبي غولدبرج و بريتني مورفي.

"فتاة تَمَّت مقاطعتها" .. الإبداع في تدوين الألم
وينونا رايدر في تجسيدها لشخصية سوزانا

يسير الفيلم في خطين فهو يتناول الحياة الشخصية لبطلةِ القصة سوزانا كيلسون التي أدت دورها بكل إتقان الممثلة وينونا رايدر و في الخط الآخر هناك جميع المريضات في المصحة التي تقضي فيه سوزانا وقتاً طويلاً و لم تكن باقي الممثلات أقل إبداعاً ففي الحقيقة أدهشتنا الممثلة أنجلينا جولي بأداءٍ استحقت فيه أول جائزة أوسكار فازت بها كأفضل ممثلة بدور مساعد عن دورها المدهش في الفيلم.

و للحديث أكثر عن الفيلم علينا أولاً أن نفهم القصة و التي تبدو خلالَ الدقائقَ الأولى قصةً عاديةً جداً تتناولَ قضيةً ليست مثيرةً جداً كقضايا الإرهاب مثلاً أو احتجاز الرهائن أو تفجير الأبراج بطائراتٍ مسروقة و لكنَّك خلال الدقائق التَّالية تصابُ بالدَّهشة و يمسّكَ سحر الحكاية فهي مؤلمة و قاسية و لكنَّها تشبهنا جميعاً.

الاعلان الترويجي للفيلم

وينونا رايدر : هي امرأة في منتصف العشرينات مصابةٌ بما يعرف باضطرابِ الشخصية الحدية و قد أمضت عمراً تعاني من هذا الاضطراب الذي سببَّ لها الكثير من الألم النَّفسي و الجسدي و الجنسي فمن المعروف أنَّ المصابون بهذا الاضطراب ينخرطون في علاقاتٍ جنسية كثيرة الهدف منها دائماً إيذاء النَّفس.

أنجلينا جولي : هي امرأة أمضت في المصحة أكثر من خمسة عشرة عاماً فهي تعاني من عدة اضطراباتٍ نفسية خطيرة أخطرها فصام الشَّخصية .

بريتني مورفي : هي فتاةٌ عانت من اغتصابِ والدها المتكرر لها و للأسف فإنها تنهي حياتها عبرَ الانتحار في منزلها بعد خروجها من المصحة بفترةٍ قصيرة.

يبدو الفيلم للوهلةِ الأولى فيلماً قاتماً حزيناً يسبب الاكتئاب ولكنَّه في الحقيقة و ببساطة فيلمٌ يحاكي الواقع و يعبر عن معاناة الكثير من المصابين بأنواع مختلفة من الاضطرابات و لكنهم يعانونها بصمت من دون أن يشعر بآلامهم أحد. ينتهي الفيلم بخروج سوزانا من المصحة بعد تلقيها العلاج و بعد فهم الحياة بشكلٍ أعمق عبرَ رؤيةِ مختلف أنواعِ البشر و خوضِ تجارب مختلفة داخل المصحة . أنصحكم بمشاهدته بشدة ..

و الآن سأحدثكم باختصار عن اضطرابِ الشخصية الحدية الذي كانَ محور الفيلم و قد أصابَ الكاتبة في شبابها :

"فتاة تَمَّت مقاطعتها" .. الإبداع في تدوين الألم
ما هو مرض اضطراب الشخصية الحدية ؟

بدايةً سمي الاضطراب بالحدية لأنَّه يقف على الحد بين الذهان و العُصاب و قد كان يعتبر في الماضي نوع من أنواع الفصام و لكنَّه لاحقاً تمَّ تصنيفه كاضطراب نفسي منفصل من اضطرابات الشخصية و يعرف علمياً باسم اضطراب الشخصية غير المستقرة عاطفياً كون هذا الاضطراب يمتاز بعدم النَّظرة السوية للشخصية و عدم الرّضا عن الذات و الثقة المنخفضة جداً بالنفس. هو اضطرابٌ يظهر في شخصية المريض من الطَّفولة و تزداد أعراضه في بداية المراهقة و قد يستمر إلى ما بعد الثلاثينات و قد يختفي أحياناً في بدايةِ العشرين حتَّى من دون علاج نفسي. تذكر الإحصاءات أنَّ النَّساء هنَّ أكثر إصابةً بهذا الاضطراب من الرّجال .

** الأعراض :

_ ممارسات غير مسئولة مثل القيادة تحت تأثير الكحول أو ممارسة الجنس مع الغرباء بطرق غير آمنة أو تعاطي المخدرات
_ علاقات شخصية مضطربة
_ بذل الكثير من الجهود لتجنب الرفض ( هذا الرّفض غالباً يكون متخيلاً من طرف المريض )
_ إحساس دائم بالفراغ العاطفي حتى مع وجود شريك
_ نوبات من الغضب شديدة و عنيفة و إيجاد صعوبة في السيطرة عليها
_ التَّفكير بالانتحار أو التهديد بالإقدام عليه, إيذاء النَّفس كجرح الأطراف أو حرق الجلد و الهدف من هذا هو التَّخلص من العذاب النَّفسي
_ تقلب حاد في المزاج كالانتقال من حالةِ الحزن إلى الابتهاج ثمَّ الخوف و القلق بالإضافة إلى نوباتٍ من الاكتئاب
_ الخوف المَرضي من الوحدة
_ الخوف الشَّديد من الهجر و الرفض و الفقدان
_ التَّطرف في الكره و الحب تجاه الأشخاص فيمجدون من يحبون و يصفون من يكرهون بكل الصَّفات السيئة
_ عدم الرَّضا عن صورة الذّات و الشعور بالقبح عند النَّظر إلى المرآة
_ عدم القدرة على السَّيطرة على العواطف أو الأفكار و تنفيذ كل ما يخطر له من أفكار و رغبات على الفور
_ عدم القدرة على تمييز الحقيقة و في مراحل متطورة من المرض يصاب المريض بهلوسات سمعية و بصرية.

الخوض في أسباب هذا المرض معقد جداً و يطول شرحه ولكن يمكن تلخيصه بثلاث أسباب رئيسية وهي :

* أسباب وراثية: فقد أظهر بعض الدّراسات أنَّ هناك مصابون بالاضطراب الذي انتقل إليهم من أحد أفراد العائلة بشكل وراثي تماماً
* أسباب اجتماعية: الإساءة الجنسية, الجسدية, المعنوية, والإهمال والهجر و الحرمان العاطفي في الطفولة تشكل واحداً من العوامل المساعدة لظهور هذا الاضطراب
* تشوهات خُلقية: أكدت بعض الأبحاث أن لدى المصابين بهذا الاضطراب تشوهات في الفص الجبهي و تشوهات في حجم و أداء اللوزة و هي منطقة في الدماغ وظيفتها بالأساس تنظيم العواطف و الأفكار . الجدير بالذكر أنَّ لهذا الاضطراب شقين من العلاج أحدهما دوائي و الآخر سلوكي.

مشاهير مصابون بهذا الاضطراب:
سوزانا كيلسون كاتبة السَّيرة الذاتية ” فتاة قوطعت”
كورتني ميشيل لوف
أنجلينا جولي و هي أيضاً مصابة بفقدان الشَّهية العصبي
الأميرة ديانا التي كانت مصابةً أيضاً بفقدان الشَّهية العصبي
بريتني سبيرز
مارلين مونرو والتي كانت مصابةً أيضاً بجنون الارتياب الاضطهادي

المصادر :

1 – فيلم Girl Interrupted
2 – مدونة الباحثون السوريون
3 – اضطراب الشخصية الحدية ويكيبيديا
4 – اضطراب الشخصية الحدية فيلم قصير مترجم يوتيوب
5 – مدونة سالي – مشاهير مصابون باضطراب الشّخصية الحدية
6 – الدَّكتور أحمد تاجي – دمشق مشفى الرَّشيد

تاريخ النشر : 2018-07-20

guest
11 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى