أدب الرعب والعام

في المشرحة

بقلم : البراء – مصر

في المشرحة
سأجدّ ايّ طريقة للخروج من هنا !

حاول المحققّ (اشرف) فتح عيناه بصعوبة .. و هو ما يزال يشعر بأثر المخدّر الذي وضعوه بقماشة على انفه , ليستيقظ بعدها بساعات في غرفة ضيقة .. بابها حديدي , به فتحة صغيرة ..
– و اخيراً استيقظت !!
قالها سجينٌ آخر كان مستلقي على السرير الذي فوقه .. فأقترب منه اشرف و سأله بقلق :
– من انت ؟ …و اين انا ؟!
– اهلاً بك في زنزانة المشرحة
– المشرحة !
– نعم .. هذا يعني اننا لن نخرج من هنا احياء , يا صديقي
– ما هذا الهراء ؟! اين القانون ؟ انا محققّ جنائي و لن اسمح…
– و انا المحامي سعيد احمد..
– المحامي الشهير ؟!
– نعم للأسف .. ماذا ! اراك متفاجأً ؟ ..اذاً اجلس , و سأفهمك الموضوع … (ثم تنهّد بحزن).. هذا ليس سجناً عادياً .. بل هو معتقل بنوه رجال الأعمال الكبار و اصحاب النفوذ .. و بما انك هنا .. فهذا يعني انك مثلي , اغضبت احد المسؤولين .. فماذا فعلت بالظبط ؟
– كنت احققّ في قضية مقتل ذلك الرجل الفاسد .. صاحب البرج الكبير..
– آه عرفته ..الذي وجدوه محروقاً في حوض استحمامه , اليس كذلك ؟
– نعم هو .. القاتل كان ابن صاحب الأرض الذي اغتصبها منهم هذا التاجر , ليبني عليها البرج .. و بسبب ذلك توفي والده بأزمة القلبية .. و كان ابنه يعمل كهربائي .. و شاءت الأقدار ان ترسله شركته الى شقة التاجر لإصلاح السخّان .. فاستغل فرصة وجوده هناك .. و اوصل بطريقة ما , احد اسلاك الكهرباء بحوض الإستحمام .. و عندما كنا نجري التحقيقات ..استطعت ان اجد كاميرا صغيرة فوق مرآة الحمام…
– آه فهمت .. و ما ان رآه يستحم , حتى اوصل التيار بالماء .. فمات محروقاً .. يالها من فكرة جهنمية !.. طيب , و ماذا فعلت انت ؟
– بصراحة لا ادري لما فعلت ذلك ! لكنني خبّأت الكاميرا بجيبي , كي لا يراها الشرطة المتواجدون في مكان الحادث .. ثم نزلت و سألت البواب : و عرفت منه , بقدوم الكهربائي قبل يومين .. ثم بحثت , الى ان وجدت مكان عنوانه .. و ذهبت لوحدي لمنزل الشاب ..و حينها اخبرني بكل التهديدات القذرة الذي قام بها هذا التاجر في سبيل حصوله على ارضهم
– يعني برّأت الشاب ؟!
– نعم !! لأن الحقير كان يستحق الموت .. فهو عليه الكثير من الشكاوي الأخرى ..لذلك أغلقت القضية : على أنها قضاء و قدر..
– و انا مثلك .. نجحت في سجن ابن مسؤولٍ كبير , لإعتدائه على فتاةٍ صغيرة .. و في اليوم التالي ..وجدت سيارة مظلّلة النوافذ امام بيتي ! و طلبوا مني ان اركب معهم بهدوء , و الاّ سيخطفون احد ابنائي ….
– و هل رأيت الى اين اخذوك ؟ اقصد .. هل تعرف بأيّ سجنٍ نحن الآن ؟
– في قصر بوسط الصحراء , يبعد ساعتين عن المدينة ….لا تتفاجأ هكذا .. نعم ..قصرٌ من الخارج , و معتقل من الداخل .. و جميع المساجين هنا : هم رجال قانون محترمين امثالي و امثالك
– و هل تظن أنهم سيقتلوننا ؟!
– انا يا صديقي , موتي اكيد .. فوالد الشاب الذي سجنته , سيطالب حتماً بإعدامي .. اما انت , فلديك بعض الأمل ..فالمقتول الذي حقّقت بوفاته , كان لديه الكثير من الأعداء.. لذلك ربما تبقى ح..

و هنا !! سمعا صوت الباب و هو يفتح .. ليدخل السجّان و معه رجلٌ ضخم , مُقنّع الوجه .. و قال السجّان بإبتسامةٍ لئيمة :
– سعيد احمد !! لقد حان وقتك
فشدّ المحامي على يد اشرف (بعد ان اصفرّ وجه تماماً) ..و همس له مترجّياً :
– جدّ ايّ طريقة للخروج من هنا .. ثم ابحث عن بيتي , و اخبر زوجتي و اولادي بأنني احبهم .. رجاءً لا تنسى !!
فقال السجّان للرجل المقنّع :
– هيا !! احضره الى غرفة التعذيب
و قام المقنّع بسحب المحامي بعنف , و الذي ظلّ يترجّاهم برعبٍ شديد :
– اتركوني رجاءً !! سأفعل ايّ شيء لأصحّح خطأي .. ارجوكم اعطوني فرصة ثانية !!

و من بعدها ..امضى المحقق اشرف ساعتين كاملتين و هو يستمع لصراخ المحامي المؤلم , القادم من غرفة التعذيب ..قبل ان يختفي صوته تماماً !
و هنا !! عاد اشرف بذاكرته للوراء , ليتذكّر لحظة اعتقاله :
(( كان مغشياً عليه في تلك السيارة .. و لم يفق , الا بعد ان انزلاه رجلان في ساحة هذا القصر .. و كان ما يزال يترنّح من اثر المخدّر , لكنه انتبه الى اقتراب بعض الرجال منه .. كان قائدهم يلبس طقماً رسمياً و معه رجاله السبعة , الذي قام بعضهم بإستلام اشرف من الخاطفين .. و في المقابل : اعطاهم ذلك القائد , حقيبة مليئة بالنقود ! ..فأخذها الخاطفان بسعادة و انسحبا , تاركين أشرف مع السبعة الآخرين .
ثم فُتحت بوابة القصر لتخرج سيارتهم (بعد ان استلموا مالهم) ..
فابتسم القائد ابتسامة صفراء , و قال بسخرية :
– و الآن !! ….. بووووووم .
تزامنت كلماته مع إنفجارٍ كبير , خارج اسوار القصر .. فأردف القائد مبتسماً :
– المرتزقة الحمقى .. لم ينتبهوا جيداً للحقيبة !))
..و هذا كل ما تذكّره اشرف , قبل ان يستيقظ في زنزانته الصغيرة !

و بعد مرور أربع ساعات .. صار يطرق اشرف على باب زنزانته بغضب :
– اريد دخول الحمام !! الا يوجد احدٌ هنا ؟!!

و بعد قليل .. فُتح باب الزنزانة , و دخل هذه المرة : رجل بزيّ عسكري .. ثم أقتاد اشرف إلى حمامٍ صغير بآخر الممرّ ..و قال له :
– أمامك خمس دقائق .
و بعد ذلك .. اعاده العسكري إلى زنزانته من جديد ..

و بعد قليل ..عاد العسكري و معه سطل حديدي صغير , و رماه الى داخل الزنزانة .. و هو يقول بلؤم :
– هذا سيكون حمامك من اليوم فصاعداً .. اما الطعام و الماء فسيكون مرّة واحدة في اليوم .. اسمعت !!
و في تلك اللحظة ..لم يكن يهمّ أشرف سوى كوب الماء ، فقد جفّ حلقه تماماً ..
و بعد فترة ..أعطاه (نفس العسكري) كوب ماء صغير .. فتجرّعه أشرف في أقل من ثانية !

* * *
و هكذا مرّت الأيام .. لا يتناول اشرف فيها , سوى وجبة واحدة من العصيدة الرديئة ..
و بعد مرور ثلاثة أشهر .. طالت لحيته , و نحِلَ جسمه كثيراً ..

و ذات يوم .. و بينما هو متكوّر على نفسه في السرير , اذّ بذلك القائد (الذي عرفه فيما بعد بإسم : ربيع) يدخل مع الحرس الى الزنزانة .. و بعد ان رأى اشرف بهذه الهيئة , قال ساخراً :
– تمام !! أرى أنك اجتزت الفترة التأهيلية
فردّ أشرف بوهن :
– ماذا تقصد ؟!
– أقصد أننا كنا نؤهلك لما أنت مقبلٌ عليه ، لأن التعذيب الحقيقي سيبدأ الآن .. هيا خذوه و احلقوا له .. ثم اجعلوه يبدأ العمل !!

ثم أقتاد الحارس أشرف إلى الساحة الخلفية لهذا القصر الملعون .. و كان فيه بعض الأحجار الضخمة , و بعضها كان مفتّتاً لأحجار صغيرة .. و يبدو ان كل سجين كانوا يحضرونه الى العمل منفرداً , ثم يعيدوه ليحضروا غيره .. و بذلك لا يلتقي المساجين مع بعضهم .. و حينما وصل اشرف الى هناك .. اعطاه الحارس معولاً , و هدّده بأنه سيلاقي مصير المساجين الآخرين اذا لم يحسن العمل .. وهذا يعني ان على جسده الهزيل ان يعمل لساعة كاملة تحت حرّ الشمس , و الا سيرسلونه الى غرفة التعذيب .. و أشرف كان بالكاد يستطيع الوقوف على قدميه , فأخذ يضرب الصخور بضعفٍ شديد .. و استمر بالعمل حتى احرق جسده كل مالديه من طاقة , لينهار قبل دقائقٍ قليلة من نهاية الساعة المحدّدة له , و يسقط على الأرض مغشياً عليه ….فكان ذلك اول يومٍ له في غرفة التعذيب

***********
بعد مرور شهرين ..كان جسد أشرف مليئاً بالندوب و آثار التعذيب .. و لم يكن امامه الا ان يعمل بكل طاقته , و يدعو الله ألا يخونه جسده .. لأنه حينها سيحقنونه بمحلولٍ , يجعل جسده يتحمّل عمليات التعذيب المتقنة و الدقيقة .. و التي أقل ما يقال عنها : أنها توصل الجسد الى اقصى درجات تحمّله .. و بعد ان يصل لحدود الموت , يعودوا و يحقنوه بإبرة المقوي , ثم يرسلونه الى زنزانته .. ليتكرّر الشيء ذاته في اليوم التالي ..
و كان أشرف على مدار الخمسة أشهر التي قضاها في المشرحة , يراقب كل شيء .. فتمكّن من معرفة أن سجن المشرحة , ينقسم إلى قسمين : قسم شرقي : فيه زنزانات السجناء و الحمّامات …و القسم الغربي : به الغرف الأخرى : كغرفة المدير و الحرّاس و المطبخ …

و في ظهر يومٍ ما .. و بينما اشرف يقوم بتكسير الصخور .. سمع الحارسين يتحدّثان : عن أنه بالغد , سيتم تركيب الكاميرات في كل ارجاء القصر ..
فقال اشرف في نفسه :
-تباً ! اذاً لابد ان انفّذ خطتي اليوم .. فبوجود الكاميرات سيصبح الهروب مستحيلاً ..
و بعد ان اكمل ساعة عمله .. إنتقى بسرعة حجراً صغيراً حاداً من بين الصخور المفتّتة .. و اخفاه تحت لسانه , دون أن ينتبه عليه أحد .. و هكذا تمكّن من الإفلات من التفتيش , قبل عودته الى زنزانته ..

و بعد ان اقفل الحارس الباب عليه .. أخرج اشرف الحجر من فمه .. و صار يبصق الدماء بسبب جرح صغير تسبّب به الحجر .. ثم صار يراجع الخطة من جديد في رأسه .. كان يعلم بأن امامه نصف ساعة فقط , قبل ان تمرّ دورية الحرس على الزنزانات .. فأخذ كوبه الحديدي (الذي يعبأ بالماء , مرّة في اليوم) .. و رفع كمّ قميصه , و جرح ذراعه بالحجر الحادّ .. و حاول تجميع الدمّ في الكوب , لكنه لم يكفي .. فعاد و جرح ذراعه اكثر من جرح (متقارب) .. و بألمٍ شديد بدأ يعبث بالجروح , حتى امتلأ ربع كوبه بالدماء .. ثم مزق طرف شرشف سريره , و ضمّد ذراعه ..ثم انزل كمّ قميصه ليخفي الجرح .. و بدأ أشرف بالعمل على خطته .. فاستلقى على الأرض ..و غمّس طرف الحجر بالدماء .. ثم سكب الباقي على عنقه , الى ان اصطبغ باللون الأحمر ..

و بعد دقيقتين ..مرّ العسكري و هو يحمل عصاه (التي تطلق الشرارت الكهربائية , للسيطرة بها على المساجين) ليرى من نافذة الباب الصغيرة : اشرف و هو بهذه الهيئة .. ففتح باب الزنزانة بسرعة ليتأكّد من انتحاره , و ما ان قرّب وجهه عليه , حتى باغته اشرف (بكل مالديه من قوة) بغرزه للحجر الى داخل عنق الحارس .. الذي صرخ بألم و بقوة , كانت كافية ليسمعه الحارس الآخر المتواجد في الممرّ , و الذي بدوره اخرج جهازه اللاسلكي محذّراً :
– محاولة هروب !! ..أكررّ !! محاولة هروب من القطاع الثاني , في الصفّ التاسع , ممرّ رقم سبعة !!
ثم أنطلق مهرولاً بإتجاه الزنزانة المفتوحة .. و بثواني .. أنطلقت صفّارات الإنذار في ارجاء السجن .. فاختبأ اشرف خلف الباب الحديدي المفتوح , بعد ان اغمي على الحارس المجروح بسبب جرحه الغائر ..
و ما ان دخل الحارس , حتى اصيب بشحنة كهربائية من العصا (الذي اخذها من العسكري المجروح) ثم عاد و ضربه بها على رأسه , افقدته الوعيّ .. ثم اسرع و نزع ثيباب العسكري المجروح , ليستفيد من اثر الدماء التي سالت على قميصه , و لبسها بسرعة .. ثم مرّر يده على جرح رقبة العسكري , و مسح اشرف نصف وجهه بالدماء .. ثم أخذ جهاز اللاسلكي من الحارس الثاني .. و خرج من الزنزانة الى آخر الممرّ ..
و عندما شاهده ثلاثة حرّاس كانوا يركضون باتجاهه .. احنى اشرف ظهره و اخفى بيده جزءاً من وجهه , بينما ترك الجزء الثاني الملطّخ بالدماء .. و ما ان اقتربوا منه , حتى قال بصوت متعب :
– لقد ضربني اللعين !! سأذهب لأوقف النزيف , ثم ألحق بكم
– و اين هو الآن ؟!
– لقد هرب الى القسم الغربي .. أسرعوا الى هناك .. هيّا بسرعة !!

***********
لكن القائد ربيع كان داهية , و يعرف بأن محققاً جنائياً محنّكاً كأشرف لن يكون بهذا الغباء .. لذلك بعد ان اخبروه الحرس بأنهم ينطلقون الى الجهة الغربية .. عرف ربيع على الفور بأن اشرف ذاهب الى الجهة المعاكسة .. فرفع جهازه اللاسلكي و نادى :
– معكم القائد ربيع ، لا تتركوا القسم الشرقي !! ..أكرر !! لا تتركوا القسم الشرقي !! السجين الهارب مازال في ممرّ الزنزانات !! ..ابحثوا في كل مكان ..تحت الأدراج و في الحمّامات ايضاً .. اسمعتم !!

ثم انطلق ربيع مع بعض حرسه الى زنزانة اشرف .. فوجدوا هناك : العساكر الغائبين عن الوعي , و احدهم منزوعة ملابسه .. فأقترب ربيع من الحارس (الواقع قرب الباب) و صفعه صفعة قوية , كانت كافية بإيقاظه ..
ثم صرخ عليه بغضب :
– كيف تمكّن من ضرب ثلاثتكم ؟!!
– سيدي لقد فاجأني ب ..
– اسكت !! أقسم بأنني سأجعلك تعاني كثيراً بسبب هذه الغلطة.. و الآن قم !! و ابحث معهم عن السجين !!
– و ماذا عنه ؟
و اشار الى العسكري الغارق في بركة من الدماء.. فقال ربيع بلا مبالاة :
– يبدو انه نزف كثيراً , فمات ..دعك منه .. هيا انطلقوا جميعاً و ابحثوا عنه .. ماذا تنتظرون ؟!!

فخرج العسكري و هو يترنّح , مع باقي حرس المدير من الزنزانة .. ثم تبعهم القائد ربيع , الذي كان يتكلم باللاسلكي مع باقي عساكر السجن :
-انتباه للجميع !! لقد قام السجين الهارب بتجريد أحد العساكر من ملابسه .. فلتتفقدوا زملائكم !! …اكرّر !! السجين يتنكّر بثياب عسكري !!

و بعد ان خرجوا جميعاً من الزنزانة .. قام العسكري المجرّد من ثيابه , و الذي لم يكن سوى : اشرف ((الذي كان عاد الى زنزانته , بعد ان ذهب العساكر الثلاثة للجهة الغربية ..ثم خلع ثيابه العسكرية و البسها للحارس الميت .. و استلقى بآخر الزنزانة فوق ذراعه المجروحة (التي لم يلاحظوها) ..كما لم يلاحظ احد : اختفاء مسدس العسكري القتيل !))

ثم خرج اشرف ليلاقي بعض الحرس .. فقال لهم بنبرة غاضبة :
– سأذهب لقسمنا لألبس شيئاً .. فاللعين !! اخذ ثيابي

و هكذا مرّ اشرف من بين الجنود , الى ان اتجه لنهاية القسم الغربي حيث المطبخ (الذي كان فارغاً) :
– جيد .. يبدو ان الطباخين هربوا بعد سماعهم لصفّارات الإنذار .. هذا من حسن حظي
ثم دخل الى غرفة الطباخين (الموجودة بطرف المطبخ) و وجد بعض ملابس الطباخين , فلبسها .. و كان اشرف قد عمل بهذا المطبخ بإحدى شهور سجنه , و قد حفظ ابوابه الثلاثة : باب يؤدي إلى الساحة , التي بها تلك الصخور .. الباب الثاني : هو الباب الذي دخل منه , و هو يوصل المطبخ ببقية القسم الغربي .. و الباب الثالث : الذي يؤدي إلى الساحة الأمامية للقصر , و التي بها البوابة الرئيسية الكبيرة .
لكن المشكلة : انه يوجد اكثر من حارس يحرسون البوابة العملاقة .. و اكيد بأن العدد زاد الآن , بعد حالة الإستنفار التي حصلت بعد هروبه !
لذلك لم يكن امامه حلّ : الا بقتل اكبر عددٍ منهم بضربةٍ واحدة , و هذا لن يحدث الا بالإنفجارٍ ضخم ..
فقال يحدّث نفسه :
-اذاً الموضوع يحتاج لأنابيب غاز .. جيد انني حصلت على المسدس ..

ثم اتجه اشرف ناحية الموقد , و اقفل ساعة الغاز .. ثم نزع الوصلة المطاطية التي توصل الجرّة بالموقد .. و لأن جرّات الغاز في المطابخ الكبيرة (كالسجن) عادة ما تكون من الحجم الكبير .. فلم يكن امامه الا ان دحرج انبوبة الغاز الأولى , و وضعها بالقرب من باب المطبخ (الذي يوصله الى الساحة الرئيسة)..ثم دحرج الثاني ووضعه بالقرب من الجرّة الأولى .. و هنا انتبه لمفاتيح الباب :
-جيد .. يبدو ان الطباخين هربوا , و نسوا امر المفتاح ..
فوضعه في جيبه .. و كان قد فتح انبوبين آخرين في الداخل , ليتسرّب الغاز في كل المطبخ .. ثم خرج يدحرج احدى الأنبوبين للساحة , و هو يخفي جزءاً من وجه بقبعة الطباخين
فصرخ به احد حرّاس البوابة :
– هاى انت !! ايّها الطباخ ..ماذا تفعل بهذا الأنبوب ؟
– سيأتي شخص بعد قليل و يستبدله بآخر , فقد نفذ الغاز ..و عليّ انهاء الطبخة !!
– اهذا وقته ؟! …الا تسمع صفّارات الإنذار ؟!
– و ما دخلي انا !! سيأتي الرجل بعد قليل .. ابقوه بجانبكم , سأحضر الإنبوب الآخر (الذي عند باب المطبخ)
و تركها أشرف امامهم , ثم ركض مبتعداً عن المكان .. فصرخ أحد الجنود :
– لحظة ! لقد عرفته .. هاى أنت !!… توقف !!

و قبل ان يكمل جملته , كانت رصاصة اشرف استقرّت في أنبوبة الغاز , ليحدث بذلك انفجار كبير أطاح بالحرّاس الخمسة , كما احدث ثقباً صغيراً في الباب الذي كانوا يحرسونه .. و من حسن حظ اشرف : إن الإنفجار قذف بقنبلة دخانية (كان يحملها احد الحرس) لتسقط بالقرب من قدمه .. و على الفور !! اطلقها لتحدث غيمة دخانية , تمنع الحارس القنّاص الموجود على سطح القصر من رؤيته .. ثم أسرع اشرف بإقفال باب المطبخ بالمفتاح (الموصل للساحة) بعد ان سمع صوت اقدام الجنود , قادمة من الداخل باتجاهه .. و دحرج الإنبوب الثاني من خلال الدخان الكثيف , محاولاً ابعادها عن سيل الرصاصات الطائشة التي كان يطلقها حارس السطح ..
ثم وضعها بالقرب من البوابة الرئيسية الحديدية .. و قبل ان يبتعد مسافة آمنة ..دوّى انفجار ثاني , بعد ان اصابت رصاصة القنّاص الطائشة الإنبوب .. ليصاب كتف اشرف بشظية حديدية .. فأخرجها و هو يتألم و ينزف ..
و بهذه اللحظات ..دوّى انفجار ثالث من داخل المطبخ , بعد ان حاول احد الجنود (من الداخل) اطلاق النار على الباب المقفول دون ملاحظته للغاز المتسرّب ..فاستغل اشرف ارتباك القنّاص (فوق السطح) بعد تصاعد السنة الدخان و النار اليه من اسفل القصر .. و انطلق مسرعاً ناحية البوابة الرئيسية , التي احدث الانفجار الثاني ثقباً كبيراً فيه ..

***********
و انطلق اشرف في الصحراء بكل قوته .. لكن مالا يعلمه : ان غرفة القائد ربيع لديها بابين : واحد داخل السجن , و الثاني يوصله الى الساحة .. و هنا !! وقف ربيع و هو يحمل بندقية القنّص , محاولاً قتل اشرف الذي كان واضحاً له من منظار البندقية .. الا ان تعثّر اشرف باللحظة الأخيرة , انقذه من رصاصة ربيع التي كانت ستستقر حتماً في رأسه .. فانتبه اشرف لذلك , و انبطح بسرعة على الأرض و اخرج مسدسه ..
فيراه ربيع من منظار بندقيته , فيبتسم ساخراً :
– لنرى من الأسرع بيننا

و اذّ بربيع يسقط جثةً هامدة .. فيتفاجأ اشرف ! لأنه لم يطلق النار بعد .. و هنا ينتبه الى سيارة كانت متوقفة بعيدة عنهم .. و هناك قنّاص يطلّ من نافذتها , و هو من قتل ربيع .. ثم ظهر صوت رجلٌ من داخل السيارة :
– اترك سلاحك يا محققّ اشرف !! نحن اتينا لأنقاذك !!
فابتسم اشرف بتعب :
– اخيراً ! شرطة شريفة ..

ثم اغمي عليه .. ليستيقظ بعدها بساعات في غرفة صغيرة .. و امامه رجل في العقد السادس , و هو يدخن السيجار بالقرب من سرير اشرف ..
فقال اشرف بتعبٍ و قلق :
– من انت ؟!
– انا الذي انقذتك من الحقير ربيع .. كما ان طبيبي داوى جروحك ..
– أأنت من الشرطة ؟
فضحك ضحكة عالية ساخرة :
– لا يا صديقي .. انا منافس ربيع .. و اريدك ان تعمل معي .. فنحن نحتاج الى محققٍ بارع مثلك , ليخفي جرائمنا .. تماماً كما فعلت مع ذلك الكهربائي
– يا الهي ! ابعد كل هذا التعب , اخرج من حفرة لأقع في حفرةٍ اخرى ..لا طبعاً !! انا لن اتعامل مع القذرين امثالكم !!
– هذا القرار لا يعود اليك

ثم اشار بيده .. فامسك حارساه بأشرف جيداً .. ثم اقترب الطبيب و بيده حقنة..فصرخ اشرف بفزع :
– ماذا تفعلون ؟! …لا !! اتركوني !!!
فقال الرجل :
– لا تقلق ..هذا المخدّر لن يفقدك عقلك , لأننا بحاجة لذكائك ….لكنه سيجعلك خاتماً في اصبعي.. و الآن !! ستنام قليلاً , لكنك ستستيقظ و انت في قمّة النشاط .. و حينها تبدأ بتخليصنا من اول قضايانا.. مفهوم !!

ثم اشار لطبيبه الذي غرز الحقنة بذراع اشرف , الذي لم يستطع الإفلات من يد الحارسين :
– لا ابتعد يا حقير !! .. لا تفعل … رجاء ..لاااا !!
ليغطّ بعدها اشرف في نومٍ عميق….

تاريخ النشر : 2015-12-26

البراء

مصر - للتواصل: [email protected] \\ مدونة الكاتب https://baraashafee.blogspot.com/
guest
34 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى