سينما ومرئيات

قبر اليراعات – سيتا الحنون –

بقلم : سارة الغامدي – جدة-السعودية

 

سأحكي عن فيلم انمي يدخلك في اكتئاب نفسي، و يخليك تشعر بنعمة الأمن و الأمان.
هذا الفيلم فيه مشاهد قاسية و غير مناسبة للصغار، و أنا لا أدري كيف كنا نتابعه و نحن أطفال، فيلم رائع بكل ما تعنيه الكلمة، من إخراج، رسم، تحريك .. و الموسيقى في الخلفية، فيلم يوضح لك جريمة الحرب و بشاعتها، و أن من يدفع ثمنها هم الأطفال، الذين فجأة يجدون أنفسهم بين ليلة وضحاها بين القصف واللجوء والجوع والمرض و اليُتم …

معلومات الفيلم

استندت قصة الفيلم على أحداث حقيقية عاشها الكاتب زمن الحرب العالمية الثانية ونشرها عام 1967 كأعتذار لأخته حيث اعتبر أن إهماله لها كان السبب الرئيسي في وفاتها.

تصنيف الفيلم : دراما، تاريخي، واقعي.
تاريخ الصدور: 16 ابريل 1988
المخرج: إيزاو تاكاهاتا
كاتب القصة: أكايوكي نوساكا و سيناريو : إيزاو تاكاهاتا.

 أول دبلجة عربية للفيلم كانت أردنية في مطلع التسعينات وبعنوان : “سيتا الحنون”.
لكن امتد لها مقص الرقابة بكثافة وكانت متدنية الجودة تقنيا، وأثارت الكثير من الجدل، وتعد واحدة من الأعمال القليلة لتاكاهاتا المدبلجة للعربية.

وكما قامت شكرة الآء للإنتاج الفني أيضا بدبلجة عربية للفيلم تحت عنوان “نارا الصغيرة والطائرات المغيرة”

قصة الفيلم

blank
الطفلة ستيسكو

سيتا فتى عمره 11 سنة، مع ذهاب والده الضابط في البحرية إلى الحرب أصبح هو المسؤول على عائلته، فهو الذي يهتم بأخته الصغيرة سيتسكو في أثناء الغارات الجوية وقام بحمايتها وحافظ على سلامتها.

سيتسكو عمرها 4 سنوات فقط، في البداية كانت فتاة بريئة وسعيدة جدا وكانت تبدو فكرتها للحرب بريئة أيضا، وعندما ماتت أمها بكت كثيرا.

طفلان صغيران لا يعرفان معنى للحرب يشاهدان طائرات تقصف مدينتهما و بيتهما، و تشرد أهلها الآمنيين دون أن يعرفا سبب ذلك ابدا.
ويوضح لنا الكاتب أن سيتيكو اصبحت مسؤولية سيتا بعد أن حملها على ظهره.

الفيلم يوضح لنا معنى فظاعة الحرب، و كيف دمرت المدينة إلتي احتوت سيتا وأخته و كبرا فيها مع والديهما.
يقف سيتا حاملا سيتسكو على ظهره و ينظران لمدينتهما التي أصبحت بيوتها مسواة بالأرض و لم يعد فيها أي حياة سوى اشخاص بائسين ينقلون المصابين و أخرين يدفنون الموتى و آخرين مشردين بلا بيوت.

تخيل عزيزي القارئ إنك طفل عمرك إحدى عشر سنة، وتسمع إن أمك أصيبت بسبب القصف، تذهب لرؤيتها فيأتي إليك شخص و يعطيك خاتم و يقول: هذا الشي الوحيد المتبقي لك من أمك.

ماذا سوف يكون شعورك عندها ؟ ترى أمك مضمدة بضماد مليء ببقع الدم و جسدها محترق و أنت لا تعرف ماذا عليك ان تفعل.
هذا منظر المفروض لا يراه طفل ابدا ..

بعد موت الام يجد سيتا نفسه الراعي والمسئول الوحيد عن اخته الصغيرة التي تحتاج الحب و الحنان والاهتمام.
يحاول سيتا أن يُلهي أخته التي تبكي بعد ما قال لها إن ماما مريضة وسنزورها غدا.
فبكت سيتسكو حزنا لفراق أمها الحنون دون أن تعلم أن نبع الحنان قد ماتت و أحرقت جثتها.

blank
سيتا وشقيقته

يعيش الطفلان عند عمتهما القاسية التي كانت بخيلة معهما بالطعام و تعطيهم نصيب أصغر من نصيب زوجها و ابنتها، و كانت دائما تقول لسيتا: لماذا لا تعمل أو تذهب للمدرسة أو تشارك بالجيش.
و تقول لهما أيضا: أن من يعمل لخدمة البلاد يحصل على غذاء أكثر من الذي يجلس في البيت.

يأخذ سيتا اخته للبحر لكي ينسيان أجواء الحرب، هناك تلهو وتلعب الصغيرة ، وتعود الذكرى بسيتا لأيام قبل الحرب حين كانت أمه على قيد الحياة وكانوا يعيشون بسعادة دون خوف أو قلق.

العمة تبيع فستان الأم (ثوب الكيمينو الحريري) لكي تشتري الأرز، تنهض الطفلة و تبدأ بالصراخ و التشبث بها و تقول: أريد فستان أمي، لا تبيعه، لا تبيعه.
يقوم سيتا و يبعدها عن عمته لكي تقايض الفستان بالأرز.

تنظر الطفلة بعيون حزينة إلى العمة التي تصنع كرات الأرز لإبنتها و زوجها، و حين تقول لأخيها أنها تريد مثلهم. يجيبها بأنها سوف تصنع لهم مثلها على الغداء.
فترد العمة: لا لن أصنعها لكما، هذه من أجل الذي يقوم بحماية بلادنا.

blank
لماذا اليراعات تموت بسرعة

فرحة الطفل هي الحلوى والتي ترسم الفرحة على وجهه و تعتبر أحد أسباب سعادته في الحياة، سيتا يطلب من أخته ان تغمض عينيها و تفتح فمها، فامتثلت لأوامره، فوضع قطعة سكاكر في فمها. و حين ذاقت طعم السكر قامت و بكل براءة تدور حول نفسها و تردد : “حلوى، حلوى” ثم نظرت إلى أخيها و ابتسمت ابتسامة بريئة.

ذاق سيتا ذرعاً من عمته فقرر أن يعيش في ملجأ قديم مهجور مع أخته لأن الحياة صارت عند العمة لا تطاق ، على الرغم من أنهما قررا الطبخ لنفسهما و الأكل لوحدهما، لكن هذا لم يكن ليرحمهما من تسلط العمة الدائم.

يقوم سيتا بجمع اليراعات في وعاء من أجل أن إنارة الملجأ وتبديد ظلمة الليل، وكانت الطفلة فرحة بها جدا.
يستلقي الإثنان على فراشهما و يتخيل سيتا أن اليابان إنتصرت و الحرب انتهت، و يضل يردد أناشيد وطنية.

عند الصباح يستيقظ سيتا و يجد أن أخته تحفر في التراب.
يسألها:ماذا تفعلين؟
قالت بكل براءة:أحفر قبرا، عمتي قالت لي أن أمي موجودة في القبر.
عندها بكى سيتا و تذكر أمه المصابة و التي بعد موتها قاموا بحرقها.

نظرت سيتسكو لأخوها و قالت: لماذا على اليراعات أن تموت بسرعة.

وهنا الكاتب كأنما أراد أن يوضح لنا أن الأطفال الذين هم شعلة المستقبل أرواحهم تزهقها الحروب بسرعة.

ينتهي الطعام الذي كانا يملكانه، وتمرض سيتسكو فيضطر سيتا لأن يسرق لكي يطعمها، ويتلقى الضرب و التهديد بالسجن أمام عيون أخته المريضة التي تنادي عليه. ورغم التوسلات يقوم المزارع بسحب سيتا وشده الى مركز الشرطة دون الإكتراث لنداء اخته الصغيرة.

يأخذ سيتا اخته لطبيب بعد ما ظهرت عليها أعراض سوء التغذية و صار جسدها مليء بالتقرحات، بعد فحصها قال الطبيب : إنها تحتاج إلى الغذاء.
حمل سيتا أخته بين ذراعيه و صرخ بالطبيب: من اين لي بالغذاء؟

يذهب سيتا الى البنك ويسحب كل المال من حساب أمه ، ويهرول الى السوق يشتري بعض الطعام لشقيقته ، ويعود مسرعا للملجأ لكي يطعمها ، فيجدها تهذي جراء المرض ، وتضع في فمها صخور وتراب ظنا منها انها طعام .. يسرع سيتا باعداد الطعام لاخته ، لكنها تموت قبل ان تتناول اي لقمة .. في الحقيقة المشهد مأساوي جدا تعجز كلماتي عن وصفه ، لذا اضع لكم مقطع الفيديو لكي يشرح لكم النهاية الحزينة :

في النهاية سيتا نفسه يموت ، لتلتقي روحه بروح اخته الصغيرة ويرحلان معا إلى أرض مكان لا يوجد فيه سوى السلام والسعادة والاطمئنان ..

***

عزيزي القارئ عليك أن تحمد الله كثيرا و تشكره على النعم إلي أعطاها الله لك.

نعمة العائلة التي الكثيرون محرومون منها و كثيرون يتمنون وجود أم و أب و أخ معهم.
لذلك هذه النعمة تعد من أكبر نعم الله عليك بعد الصحة و العافية.

نعمة العذاء و الدواء، كثير من الدول الفقيرة أو التي تعاني من الحروب، لا تجد ما تسكت به جوعها أو ما تدواي بها مرضاها.

نعمة البيت و السكن، حيث هناك ملايين يعيشون في خيام تحت الثلوج و المطر، يتجمدون حتى الموت من شدة البرد.

نعمة الأمن و الآمان، حيث تذهب إلى مدرستك، تذهب إلى المسجد أو حتى الذهاب إلى البقالة القريبة و أنت مطمئن لست خائفا من رصاصة غادرة أو قصف ينزل عليك من السماء.

نعمة العافية و الصحة التي يوجد ملايين البشر محرومين منها و مصابين بأمراض لا علاج لها، يظلون في المستشفيات و لا يخرجون منها ليعيشوا حياتهم مثل البقية.

في بداية الفلم هناك لقطة على علبة الحلوى، وكنا نراها في القصة و لا نفهم معنى وجودها.
لكن أعتقد أنه يقصد بها أن الطفل حلمه و أمنيته علبة حلوى، و أراد أن يوضح لنا أن من يدفع ثمن الحرب دائما هم الأطفال.

المصادر :

Grave of the Fireflies
كارتون سيتا اخي الحنون – يوتيوب

تاريخ النشر : 2019-09-02

سارة الغامدي

السعودية
guest
26 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى