أدب الرعب والعام

قتلت حماتي

بقلم : النصيري – مصر

حاولت أمل حامد أن تنسى ماضياً جلب عليها الحسرة و الندم ، كيف لها أن تفرط في أبنيها هدى وأحمد من زوجها سعد الدين يوسف ، لم يكن زواجها زواجا تسبقه الرومانسية والحب ، وإنما كان زواجاً تقليدياً ، و لم يكن سعد بالنسبة لها مجرد منقذ لها من العنوسة فقد قاربت سن الثلاثين ، و يد تنتشلها من براثن الفقر والعوز في بيت والدها صاحب العيال ، رضيت به كأمر واقع ، حاولت أن ترفضه في بادئ الأمر و لكنها تراجعت ، فقد رأت أنه المرفأ الذي ستستريح عليه فترة من الزمن ثم تعود لأحلامها التي راودتها كثيراً بفارس أحلامها الفتي الوسيم القادر مادياً مقتحماً حياتها اقتحاماً ، و تمنت أن يكون سعد هو ما تحلم به و لكن كل المقدمات تنفي ذلك ، اكتشفت أنه أسواء مما توقعته فهو على درجة كبيرة من البخل الشديد لا ينفق إلا بعناء وإلحاح منها.

عاشت معه في منزل متواضع فهو وحيد والديه و يقيم مع أمه بعد وفاة والده و قد ورث عنه مطعم متواضع ، لم يكن مع أمه إلا طفل على الرغم أنه تجاوز الثلاثين من عمره لم يستطع أن يرفض لها طلباً أو يعصي لها أمراً ، في نهاية كل يوم يقدم لها تقريراً عما فعل و ما لم يفعله ، وصل الأمر بأنها تأمره بأن يترك زوجته ليبيت في غرفتها بحجة أنها مريضة و تحتاج لمن يرعاها.

تألمت أمل حامد عندما اكتشفت عيوبه و حاولت طلب الطلاق ، و لكنها اكتشفت أنها حامل في أبنتها هدى ، و هذا لم يمنعها من ذلك إلا أن أهلها رفضوا طلاقها من أجل المولود القادم على أمل أن تنصلح الأمور ، عافته لدمامته وعدم اعتناءه بظهره أو بنظافته الشخصية ، لم يمر عامين و قد وضعت المولود الثاني أحمد ، لم تشعر بسعادة لمولده و إنما شعرت بأن الهروب من حياتها مع زوجها أصبح مستحيلاً فهي كلما مر الوقت معه زادت كراهيتها له وتمنت الخلاص و لو كان ثمن ذلك قتله.

تحول المرفأ الذي استقرت عليه بزواجها منه إلى جحيم و مشاكل مع أمه التي تسلطت عليها مراقبةً إياها في حركاتها وسكناتها ، لم تفعل شيء إلا وتدخلت فيه ، لا يمكن لأمل أن تخرج لزيارة أسرتها إلا بأذن منها ، واذا حاولت أن تستأذن من زوجها يطلب منها بضعف شديد أن تستأذن من أمه تنظر : اليه باحتقار : لماذا ؟ ألم يكفي أن استأذن منك ؟ و تصفع باب العرفة خلفها و تصب عليه اللعنات ، كل هذا لم يحرك له ساكن وهو يسمع اللعنات والشتائم منها ، تتسأل بصوت مرتفع : ألم تكن زوجي أم أني تزوجت من السيدة الوالدة ؟ و هو صامت لا يستطيع الرد عليها ، إلا أنه من سوء حظه قد سمعت أمه التي انبرت في الرد عليها بشتائم يندى لها الجبين وعابت عليها أن تسيء لزوجها ولي نعمتها ، تشعر أمل بأنها وجدت ضالتها فتشتعل وصلة الردح والشتائم و ينتهي المشهد بأن تخرج أمل تحمل شنطة بالية بها أغراضها و تصر على الذهاب إلى بيت والدها ، لم تسمح لها بالخروج إلا على شرط ان الا تصطحب ولديها معها.

انهارت أمل و زاد صراخها بشكل هستيري  و أعلنت أنها ترغب في الطلاق ، ردت حماتها و بكاء الطفلين يسبق ردها : فلتذهبي إلى الجحيم ، و وضعت يداها على الطفلين و هي تقف بينهما تهددها بعدم أخذ طفليها معها و أنها لن تراهم أبداً إذا خرجت.

نظرت حماتها إلى أبنها وأمرته أن يلقي عليها يمين الطلاق ، وهو لا حول له ولا قوة لم يملك من شجاعة أمام جبروت أمه إلا البكاء ، أصيب بالذعر عندما سمع كلمة طلاق ، توجه إلى أمل يرجوها بالا تخرج ، مقبلاً يدها متوسلاً بأولاده ، صغر في عينها و زاد احتقارها له ، لم يشعر إلا بأمه تمسكه من تلابيب ثوبه فكادت أن تخنقه ثم صفعته على وجهه بقوة عدة مرات و هو مستسلم لها لا يملك غير البكاء ، مردداً أنه لا يمكن أن يطلق أمل.

تمسكت أمل بموقفها على الرغم أنها كادت أن تتراجع من أجل طفليها ، و لكنها كبحت عواطفها و توجهت نحو الباب بمفردها دون أن تنظر لطفليها حتى لا تشعر بالضعف رغم بكائهما ومحاولتهما الفكاك من قبضة جدتهما ، هددتها بأنها ستزوج أبنها بأفضل منها ، لم تعيرها أدني اهتمام ، لم تشعر أمل بالندم مع زوج مسير بإرادة أمه على الرغم أنها حاولت أن تغير فيه إلا أنها فشلت .
جربت أن تهجره حتى تملي عليه ما تريد و يخرج من سيطرة أمه ، فكان يسرع إلى أمه و كأنه كان في سفر وعاد إليها متشوقاً يقبل يديها ، ما الذي فعلته له حتى تمكنت منه ؟ حالما وصلت منزل والدها لم يسألها أحد عن سبب مجيئها في هذا الوقت المتأخر ، ألتف حولها أخوتها و اخواتها فهم كثر ، بنات وبنين في أعمار متفاوتة ، هدأت ثائرتها وغضبها و هنا شعرت بحنين الأم التي فارقت أبنائها.

فالتهبت غريزة الأمومة و هتف داخلها هاتفاً بأن تعود الأن من أجل أولادها و ليكن ما يكون ، و لكن هبط من عزمها على ذلك شيء من الكرامة وعزة النفس ، هل تعود للجحيم ؟ لا يمكن أن يتعرض طفليها لسوء ، أنها تكذب على نفسها مستسلمة للبكاء ، اقتربت منها أمها و هي تسوق أولادها و بناتها أمامها ليفسحوا لها الطريق قائلة لها : هل هذه المرة مشكلة مع حماتك ؟
وطرحت عليها الحل بأن تعود لأولادها فوراً . حاولت أن تمنع الضوضاء التي أحدثتها أبنائها ، نظرت إليها أمل وهي تجفف دموعها : كيف أعود؟ أني أشعر بأني لن أرى أولادي مرة أخرى .

 طيّبت أمها خاطرها و أمرتها بالعودة والصبر على حماتها ، ردت على أمها و هي تدفع أحد أخوتها بعيداً عنها : سوف أعود و ليكن ما يكون .

نظرت أمل صاحب العيال إلى حال والدها الفقير الكادح الذي يعول أسرة كثيرة العدد ، فكيف يتحمل المسكين نفقات جديدة ؟ باتت أمل ليلتها لم يزر النوم عينيها وهي تفكر بمخرج لأبنائها ، هل تأخذهما و تهرب إلى أي مكان و تتولى بتربيتهما بعيداً عن سعد و أمه ، وجدت ذلك مستحيلاً ، أذن الحل في الرجوع ، مع شروق الشمس خرجت أمل عائدة لأبنائها اللذين ارتميا في حضنها.

أما زوجها غمرته السعادة بعودتها ، أسرع اليها لكنه سمع صوت أمه وهي تناديه أن يكون بعيداً عنها ، توجهت إليها بنشوة المنتصر بأنها خرجت وعادت إليها مهزومة منكسرة ، وجهت إليها سؤال يصعب الإجابة عنه : لماذا عدتي ؟

أجابت بانكسار عدت من أجل أولادي.

ليس لكِ عندنا أولاد.

بذل : أرجو منكِ أن تسامحينني و تغفري لي.

ضحكت العجوز بجنون مقتربة منها موجهة إليها صفعة قوية ، لم تشعر أمل بنفسها إلا بيديها على رقبتها بعد أن طرحتها أرضاً ، حاول سعد أن ينقذ أمه فلم يستطع ، و الأطفال يصرخون بشكل مجنون ، فارقت العجوز الحياة بعد أن دمرت حياة أمل . عندما سألها القاضي : لماذا قتلتي أم زوجك ؟. أنكرت مجيبة القاضي : هي يا سيدي التي قتلتني.

كان الحكم قاسياً ، عشر سنوات مع الشغل ، ضجت قاعة المحكمة لبكائها و هي تتلمس أنامل أبنائها من خلف القضبان ، هذا ظلم ، هي التي قتلتني.

النهاية …..

guest
9 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى