أدب الرعب والعام

قصة قط

بقلم : جمال الدين – سوريا
للتواصل : [email protected]

قصة قط
لَنْ أغفر ، و لَنْ أنسى ..

قصة واقعية حقيقية تحصل كل يوم ..

ولدتُ في حياةٍ بائسة ، في مَتجرٍ لبيع الحيوانات وكأن جسدي و روحي مِلْكٌ لصاحب المتجر ، لَمْ تَحضُنني أمي وَلَمْ ترعاني ، لأَنِّي مُنذ ولادتي ، أخذَني صَاحبي بسعرٍ غالي ، بالتأكيد ، فعُمري لا يتجاوز الأيام ، ولدي عينانِ زرقاوينِ أصفى من ماء الخُلجان ، واُعَتبرُ من أفضلِ سُلالة القطط ، فأنا من سُلالةَ الشيرازي “مون فيس” و شعري أبيض كثيف ..

 

عِندما بدأت أول الأشهر في منزلِ صاحبي ، ظننتُ أنّي سأكملُ بقيةَ عمري في مَنزله ، لَقَدْ اعتدتُ عليه وعلى صوته ، كان قاسياً معي ، الا أنّي كنت أعودُ اليه ، لعلَّ قلبهُ يَحن و أعطي الله سبباً ليشفعَ لهُ ..

 

اكملتُ التسعة شهور ، بدأت مراحلَ طلب التزاوج لدي ، ولا بُد من رش البول في الزوايا و ارجاء المنزل، فَتِلكَ غريزة لا بُد منها ، لا ادري ما الذي حصل ! كان صاحبي يضرُبني و يُعاقبني ، لَمْ يحاول إحضار صَديقةٍ لي ، ظللتُ أبحثُ عن صديقة و زوجة ، حتى اكملتُ السنة ونصف ومن ثُمَّ أخذني إلى الطبيب ، وَلَمْ اعُد أطلُب التزاوج ابداً!..

لم أتوقف عن رَش البول فوراً، كُنت بحاجة إلى بعض الوقت ، لَمْ يقبل صاحبي بهذا الوضع ، وضعني في قَفصي ، وكان يَقوم بشتمي ، و ضَربي أثناء وضعي بالقفص ، حاولتُ أن أتمسكَ به ، “إلى أين تأخُذني ، انني اُحبكَ ، بحاجة لك ، رُبما اُدخلكَ الجنة ، أرجوك لا تَتخلى عني ، انا بحاجتكَ بقوة ” حاولتُ أن اُعبر لَهُ جميع هذه الحاجات ، لكنهُ أبى أن يضرُبني و يشتمني ، وضعَ القفص بالسيارة ، بدأتُ بالصراخ ، لعلَّ ذلكَ الحجرُ الذي أسفلَ رِئتيه يحنْ !

 

لَمْ يحن ، ولَنْ يحن ..

 

ترَكني في مَنطقة لا أعلم ما هي ، أُناس غُرباء ، اطفالٌ أشقياء ، سيارات و أصوات ، دخان و قمامة ، ما هذا المكان !!

بدأت بالبحث عَنْهُ ، لَمْ أجده ، أين ذهب؟ ، أين هو ؟ ، انا بحاجة اليه ، كيف يذهب وقد فعل خطيئةٍ بي ؟ ، ماذا سيكون ردهُ أمام الله حِينما يسألهُ عني ؟

 

مضى أول يوم و ثاني يوم ، دون أكل ، فأنا لا اجيدُ البحث عن الأكل ، فقد كان صاحبي يضعُ الاكل لي ..

بدأت حياتي المأساوية اكثر فأكثر ، فقد كانوا الأطفال يلعبون بذيلي ، لا آدري من اخبرهُم أنّي لا اشعر ؟ لم أكن ألومَهم كثيراً ! ، فَقَدْ كان الكبار يرمونَ عليّ السجائر ومن ثُمَّ الماء ..

انا أكرهُ الماء ..

بدأت أجوب شوارع المنطقة ، احاولَ أن أبحثَ عن الطعام و الماء ، لَمْ أجد ما يكفيني من الطعام ، اصبحتُ نحيلاً جداً ، رائحتي كريهة ، اصبحتُ اخاف من المشي في الشارع ، فإما أن يلمسَ طفلٍ ذيلي أو يرمي عليّ الحجارة ، أو أن يضربني الكبير برجله أو بالسجائر ..

بدأت حياتي تُصبح أسوأ فأسوأ ..

 

بعد مكوثي بالشارع ٤ أشهرٍ ، أمَسكني أحدَ الشباب ..

كانت ليلة “مؤلمة و طويلة و مظلمة”..

كان مع أصدقائه ، عددهم أربعةً أو خمسة …

بدأوا باللعب بي ، و زرع الألم بجسدي ، دون فائدة من كل هذا ..

أحضرَ أحد الشُّبان ، سكينةً ..

بدأوا بقص أذني اليمنى ، حاولت عضهم حاولت الدفاع عن نفسي ، دون جدوى ..

من أين لهم هذا الحجر ! من أين ؟؟ عندما بدأتُ بالصراخ ابتدأت اصواتهم تتعالى بالضحك ..

شعرتُ بكل آلم الدُنيا يُزرع بداخلي ، بُترت أذني كاملة بدأوا بمسك أذني و التسلية بها ، حاولت قدر المُستطاع الإفلات منهم ، حاولتُ قدر المُستطاع أنْ أدعهم يكفوا عن ذلك، لكن دون جدوى ..

قطعوا جزءً من جسدي ! حُرِّمَت من قطعة في أذني اليسرى ، و تم ترك نصف الاخرى ..كانوا يضحكون و يمرحون ، أليس ببالهم أنّ هُناك ربٌ ليأخذ حقي ؟ هل ببالهم أن الدين فقط صلاة و صوم ؟ ، أين الرحمة ؟ دخلت امرأة النار في قطة ! في قطة !

ما بالكم انا ؟ انا قطٌ حرمتُ من أذنيّ ، حرمتُ من الراحة و الأمان ، بعتُ كأني لستُ روحاً بعتُ كأني كرسياً اباع في المحلات التجارية وًالاسواق ..

حرمتُ من حضنٍ دافئ ، حرمتُ من الأمان ، لَمْ أفعل شيئاً للبشر ، سوى أنّي ضعيف ..

لم يكتفوا الشُّبان بهذا فقط ، فبدأوا بتجريح وجهي وتم ايذاء عيني اليمنى ، بدأت بالصراخ ، بدأتُ بمحاولة العض و الخرمشة ، كان بودّي ان أتكلم ، أنّ اسألهم ماذا فعلت لكي ألقى كل هذا ؟ تعالت اصواتهم بالضحك ، بلحظة استطعت أنْ أفلتَ منه ، بدأتُ بالجري و الهرب ، حاولوا إمساكي ، لكني افلتُ من تلك “الوحوش “..

بدأت بوضع يدي على وجهي ، انني انزف ، أنهُ مؤلم ، أنني أحترق ، تمنيتُ بتلك اللحظة أن تكون لدي قوى هائلة لكي ابدأ بضربهم ، لكي اُجازيهم ..

 

أتى الصباح ، الكثير من البشر نظر الى وجهي المُشوه و المؤلم ، وبدأوا بالضحك ، ما بالكم لا تشعروا ؟ اريدُ من يساعدني ! من يهتم بي ! لا من يضحك على وجعي ! انا بحاجتكم ! ..

بدأتُ الشمس تأتي على جروحي و تحرقها ، بدأت الجراثيم بالدخول إلى جرحي و تلوثه ، بدأ الألم كاملاً في جسدي ، لَمْ يحاول أحداً من البشر ان يُساعدني ، لَمْ يُحاول أحداً من المخلوقات التي كرمها الله عن باقي المخلوقات بالعقل ومساعدتي ، لَمْ يساعدني احد !

تُركت بالشارع أتألم وحدي ، أنزفُ وحدي ، أحترقُ وحدي ، و أصرخُ و أُنازع وأبحث عن ملجأ “وحدي” ..

دون أيّ رحمة من تلكَ الوحوش ..

 

مضت ٧ أيامٍ من عمري ، كانت قاسية ، قَدْ تلوث جرحي ، كُنت اهرُب من الشمس فمُجرد أن تُصيب أشعة الشمس جرحي إلا و تبدأ بحرقه ..

ما الذي فعلتُه لألقى كُل هذا؟ هل تاجرتُ بالبشر ؟ هل قطعت اذنَ بشر ؟ أو شوهتُ وجهه ؟ او أخذتُ طفلهُ منهُ ، في أيامه الاولى ؟ أو دعستُ بشر بسيارة وهربتُ و تركتهُ يتألم خلفي ؟ هل قطعتُ قدمَ بشر ؟ أو حرقتها ؟ ما الذي فعلته ؟

لحُسن الحظ ، رآني شابٌ طيب ، قدم لي الاكل ، يا لَهُ من رقيق ، شعرتُ بحُبٍ كبير اتجاهه ، وددت لو شكرته بأي طريقة على لطفه ، لا أريد الاكل و الماء ، اريدُ تِلك النظرة التي كانت في عينيه ، تلك النظرة الحنونة .. أريدها هي فقط

في اليوم الثاني قدَم لي الاكل و المسكن ، شَعرتُ برهبة مُخيفة ، هل سيفعل بي مثل ما فعل الشُّبان ؟ أو سيبعدني عن المنطقة ؟ انا خائف ، وضعني بقفصٍ يشبهُ قفصي القديم ، سلمني لشابٍ اخر ، لا اعلم من هو ، ماذا يريدون مني ! ..

أخذني الآخر الى بيته ..

فتح القفص بدأ بالتحسيس عليّ بلُطف ، بدأ بالتكلم بصوتٍ حنون ، بدأ يتفحص ذلك التشوه في رأسي ، ينظر لي نظرات الحزن العميقة ، نظرات الحب ، نظرات المساعدة ، بودّي لو اسأله “ما بالك ؟ هل ستساعدني ؟ انا بحاجتك !” وضعني في حُضنه وبدأ بحضني و التكلم معي بصوته الحنون ، شعرت بالحُب اتجاهه ، شعرتُ بذلك الشعور الذي افتقده ، هذا الذي أريده ..

بدأ بالاهتمام بي ، حماني من الشمس و التلوث ، وضعَ لي الطعام و الماء الصحي و النظيف، أحببته ..

 

فجأة ..

وضعني في القفص ، الى أين ؟ كلا ! لَنْ يفعل مثل غيره، نظراته حقيقة ! ، أخذني إلى طبيب ، بدأ بتفحص جرحي كنت اتألم قليلاً و أحياناً اصرُخ من شدة الألم ..

– لديه جرحُ فوق عينه بـ ٢سم ، قُطِعت أذنه اليمنى كاملة و تم ترك نصف الاخرى ، و بسبب مكوث الجرح ما يُقارب الأسبوع ، وتعرضه للجراثيم اصابهُ بالتهاب حاد ، وبسبب أشعة الشمس ، تم إصابته بالسرطان بتلك المنطقة ..

اقرّ مجموعة من الدكاترة أنّي لن أعيش ، لا بدَّ من إبرة الرحمة ..

رحمة ؟ ما بالكم ؟ عن أيّ رحمة تتكلمون ؟ تضعون الرحمة في إبرة ؟

لتضعوها في قلوبكم أفضل ! ..

وبعد كُل الذي فعلتموه معي تريدون أن اُحرم من حقي في الحياة !! “حقي في الحياة ” ؟

 

لَمْ يرضَ أيُّ طبيبٍ بمُعالجتي ، لا يريدون أنّ أبقى حي ، كأن روحي ملكٌ لهم ..

إلا طبيبٍ واحد ، لَمْ يرفض ..

– سيتم ازالة عينه اليمنى ، و ازالة منطقة سرطان ، و سيتم خياطة أذنيه ، لكن احتمال كبير أن يعود السرطان اليه ..

لم يرضَ صديقي اللطيف من البشر ، بإعطائي ابرة الرحمة ، و أبى أن يفعل كُل ما بوسعه لكي يُساعدني ..

حدد الطبيب موعد العملية، كان صديقي يعتني بي ، يعطيني الحنان الحقيقي ، كان يحبني حقاً ، لَمْ يُحبني أحداً مثله ..

 

في اليوم الثاني ، أخذني الى الطبيب وتَم تخديري كاملاً ، نُمتُ إلى اليوم الثاني ..

أشعرُ أن رأسي خفيفاً ، الألم قليل ! عيني لا تؤلمني ، أُذُنَيّ اسمعُ بهم دون ألم ، صديقي بجانبي لم يُفارقني ، نظرتُ اليهِ نظرات الحُب ، نظرَ لي نظرات الافتخار بنفسه لمساعدته لي ، حسسَ بيده الحنونة على جسدي ، تكلم معي بصوتٍ ناعم و رقيق ، شعرتُ أن كُل ما مضى لَمْ يَكُن سوى عذاب و انتهى ..

 

قرر صاحبي بأن يتبناني الى الأبد ، أن يُكمل مراحل علاجي كاملة وعلى مسؤوليته الكاملة ، وبما أن السرطان أخذ من جسمي و قوتي ، أصبحتُ نحيلاً للغاية ، إلا أن صديقي لم ييأس معي ابداً ، فما زال يساعدني ، ولن يتوقف ..

لَنْ استطيع شُكره في الدنيا غير أن انظُر اليه تلك نظرات الشُكر ..

لَنْ أستطيع شُكر ذلك الشاب الذي أمسكني وأعطاني إلى صديقي الوفيّ ، سأشكره عند الله

قصتي لَمْ تنتهي ، لا زلت في مراحل ايام علاجي الاولى …

قصتي ستبقى في أقوى قصص العالم ، انا لَنْ أغفر ، أبداً ..

حاولتُ أن أعطي الله سبباً بأن يغفر لصاحبي الاول الذي أخذني من الصغر ، لكنه أبى أن يكون قاسياً، وَلَمْ ولَن أستطع أن أغفُر له عند الله ابداً ..

حاولتُ أن أعطي الله سبباً ليغفر لكل شاب رمى عليّ السجائر ، لكنهم لم يتوقفوا ..

حاولتُ أن أعطي الله سبباً ليغفر للشُبان الذين زرعوا بجسدي الالم ، لكنهم لم يتوقفوا..

حاولتُ أن أعطي الله سبباً ليغفر لكل شخص نظر إلى وجهي المشوه وَلَمْ يساعدني ..

 

بداخلي رحمةً كبيرة ، و أعطيتكم مئات الفرص للسماح ، لكنكم أنتم اخترتم الجحيم ، انا ضعيف في الدنيا ، قوي في الآخرة ، معي الله ولن أيأس ..

انا لطيف ، وسأبقى أقاوم ، انا سأعيش ..

لو أن لي لسانٍ أدافع به عن نفسي لكُنتم خِفتوا مني ، فأنتم ضعفاء ، تخافون الكلام ، تظهرون قوتكم بالفعل فقط ..

وليست القوة بالفعل ابداً ، القوة باللسان فقط

لَنْ أغفر ، و لَنْ أنسى ..

انا ذلك القط الذى تعذب و حُرِمَ بأن يعيش بكل هناء و حب

انا ذلك القط …

تاريخ النشر : 2016-08-29

guest
51 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى