قطار الأيتام.. حينما كان كل الذنب ان تكون يتيماً
صفحة منسية من تاريخ امريكا |
الوضع لا يحتمل المزيد ولابد من حل سريع , فكّر “تشارلز لورينغ بريس” زعيم جمعية مساعدات الأطفال بحل ينقذ المدينة الحالمة من أطفال الشوارع ويخلصها من جرائم السرقة والتسول التي كانت طرق الأطفال في تحصيل مؤونتهم اليومية..
تشارلز لورينغ بريس .. اراد ايجاد حل لمشكلة الاطفال المشردين .. حل غير مكلف! |
كان الحل المثالي للشيطان تشارلز قطاراً يحمل أولئك الأطفال عابراً بهم مختلف الولايات الأمريكية حتى أقصى الشرق يعرضُهم فيه للتبني من قبل الأسر الراغبة في تبنيهم وانتهى الأمر هكذا بكل بساطة ، تم تقرير مصير آلاف الأطفال وتنفيذ الجريمة النكراء في حقهم دون أدنى شعور بتأنيب الضمير، جرى حملهم داخل القطار وفي كثير من الأحيان ضد رغبتهم فهم لم يعرفوا طيلة حياتهم القصيرة سوى تلك الشوارع التي سيتضح لاحقا انها أحن من قلوب بشر لا تعرف الرحمة.
جرى فصل الأطفال حسب جنسهم وتنظيفهم والباسهم حتى يظهروا بمظهر جيد لمن يرغب في تبنيهم أو شراءهم وقبل توقف القطار في محطته القادمة كان يتم إعلان قدومه فتصطف الأُسر الراغبة في التبني ويقف الأطفال في صف واحد وتختار الأسرة الطفل الذي ترغب به..
صورة لاطفال القطار .. سوق نخاسة متحرك |
كثيرٌ من الأطفال تم شراؤه بعقد عمل في الحقول فكان القطار بمجرد توقفه يهرع أصحاب المزارع للأطفال لإجراء فحص سريع على عينيه ان كان مريضاً بالصفار من عدمه وأسنانه وعضلاته ولونه الخالي من الشحوب إن كان يوحي بمرض ما، إن اتضح أن الطفل تجاوز اختبارهم السريع يشتريه مالك الحقل بمبلغ زهيد جدا ويكون قدر الصبي المسكين عاملا منذ طفولته التي سيقضيها في الحقول دون فرصة للحصول على تعليم جيد.
لم يكن كل الأطفال أيتاماً بل كان للبعض آباء أو أمهات ، هؤلاء ممن غزت الأمراض جسده وأسقطته طريح الفراش ولم يعد قادرا على رعاية أبناءه مثل والدة الطفلة هازيل لاتيمر التي كانت ترقد في مستشفى نيويورك لكن جرى فصلها عن ابنتها وترحيل الصغيرة الى تكساس..
تعرضن للضرب والقسوة لسبب غير معلوم بالنسبة للشقيقتين |
سارت الأمور بشكل مريع للشقيقتين نيللي ونيتي إذ قادهما القدر التعيس إلى العيش مع امرأة مجنونة كانت تتلذذ بتعذيب الصغيرتين اللتين لم يتجاوز عمرهما السادسة وجلدهما بالسوط وإرغامها على تناول السمك بالشوك تنفيساً عن حقد لم تعرف الأختان له سبباً وهن يستذكرن بعد سنوات طويلة ما مر بهن.
الأخوين فريد وهاورد بعد وفاة والدتهما المريضة التي ودعتهما بالبكاء بعد ان عرفت مصيرها لم يستطع والدهما المريض التكفل بهما واختهما الصغيرة التي لم يتجاوز عمرها بضعة اشهر والتي جرى بيعها لأحد الأسر , إذ بعد أن شقيا في العيش مع ستة أسر مريعة ابتسم لهما الحظ أخيرا وتبنتهما اسرة جيدة , بعد سنوات طويلة جدا استطاع الاخوين ان يجتمعا مع والدهما الحقيقي واختهما وأخبرا والدهما ان طفولتهما كانت جيدة واعتبرا والداهما بالتبني هما والديهما الحقيقيان.
بات تايسن تستذكر تلك السنوات بحزن شديد |
الأمور كانت جيدة لبات تايسن التي تستذكر العائلة التي تبنتها وكل تلك السنوات بحزن شديد وهي في عمر الثالثة والتسعين إذ قالت: “لقد كانوا أناساً جيدون ولكن في النهاية لم يكونوا أهلي”.
َتم ترحيل ما يقارب من ٢٥٠ الف طفل ما بين عامي ١٨٥٤ وحتى ١٩٢٩ وكانت آخر محطات القطار في أقصى الغرب وتحديدًا في المدينة الحديثة انذاك لاس فيغاس ولكن لماذا لاس فيغاس تحديدا؟
كانت المدينة لا تزال في طور البناء وتحتاج عمّالاً لمناجم الفحم المكتشفة حديثاً فكانت تلك المناجم المصير الحتمي لمن تبقى من الأطفال الذين لم يرغب أحدٌَ في تبنيهم وان لم تكن المناجم فالشوراع حيث العصابات الاجرامية تنتظرهم للانضمام إليها في تهريب المخدرات أو تنفيذ عمليات الاغتيال والقتل بعيداً عن مرأى القانون الذي لا يرغب في الدخول في متاهات مع تلك العصابات وأحياناً كثيرة حتى يومنا الحاضر.
خلف الانوار والصورة الباهرة تختبأ جروح غائرة |
في المرة القادمة التي تنظر فيها إلى ميناء نيويورك وقبل أن تنبهر بناطحات السحاب ومنظر المدينة الخلاب تذكر أنها قامت على آهات الآف الأرواح الصغيرة التي هُجّرت وأُبعِدت عن أحبتها إلى مصير غامض ودون ذنب سوى كونهم أيتاماً وبدلاً من أن يلاقوا كل الحب والرعاية يزدادون جرحاً فوق جرح في عالم الغرب الذي يدّعي الإنسانية دون أن يكون له صلةً بها..
مصادر :
– Orphan Train – Wikipedia
– Orphan Train Rider Stories
– The True Story of an Orphan Train Rider
تاريخ النشر : 2020-11-05