أدب الرعب والعام

قفص الزوجية – الجزء الأول

بقلم : توتو – مصر

قفص الزوجية - الجزء الأول
اجتمعوا في الجزيرة متأملين أن ينعموا برحلة جميلة

بهو كبير في شركة ضخمة مفروش بسجادة حمراء ، موظفين هنا وهناك يعلو ضجيجهم ويهز المكان ، منشغلون بعملهم الشاق ، أوراق ومستندات والكثير من المواد الخام صعبة الحفظ ، وهنا نقترب قليلاً من هذا الموظف الشاب الذي يتجول في البهو و يرتدي ربطة عنق أنيقة وقميص أبيض متناسق ، وقد قبض بيديه على مستند أصفر اللون ، وعلى ما يبدو أنه في الطريق لغرفة المدير لتسليمه . 

– ” هذا جيد ، اعملوا جيداً يا رفاق ، سأدعوكم على الغداء بعد العمل ، أنا في طريقي الآن لتسليم هذا المستند للمدير وسأعود لكم فوراً ” 

تقابله فتاة حسناء طويلة القوام ترتدي لباس أسود من فوق وتنورة قصيرة ” لباس سيدات الأعمال ” ، وترتطم بكتفه عن قصد قائلة :
– ” آلان .. إلى أين أنت ذاهب أيها المتسرع ؟؟ ما بك تجري هكذا ؟! ” 
ترتسم ابتسامة مصطنعة على وجه صديقنا آلان ويجيبها قائلاً وهو يرفع كتفيه :
– ” أعتذر جيسي .. هذا ليس وقتكِ الآن “
وبعدها يتابع وقد اختفت الابتسامة من على وجهه وقد قطب جبينه ..
-” تغزلي في أحد آخر ” 
ثم أدار ظهره لها وكاد أن يكمل سيره ولكنه فوجيء بها تمسك بذراعه قائلة :
– ” لحظة لحظة .. لا تكن متكبراً هكذا .. أتظنني أتسول هنا ؟ ” 
ثم وضعت إصبعها على خدها وقالت له ببشاشة وضحكة عريضة :
– “صحيح .. سمعت أنك ستستقبل أول مولود لك الأسبوع القادم .. مبارك لك أنت وزوجتك “
قال لها بابتسامة :
– ” نعم نعم .. أرأيتِ ؟ .. الأيام تمر وسأكون أباً ” وبعدها قطب جبينه مجدداً واختفت ابتسامته وقال لها :
– ” والآن عرفتِ كل شيء ؟ .. اذن .. اغربي عن وجهي ! ” وبعدها تابع سيره ، وقبل أن تكمل الفتاة سيرها التفتت لـ آلان وهو يعطيها ظهره أثناء سيره وابتسمت وأكملت طريقها .. 

وهنا انتصب آلان واقفاً أمام هذا الباب الضخم في نهاية ممر الشركة ، وعلى ما يبدو أنه مكتب صاحب هذه الشركة الفخمة .. طرق الباب طرقات خفيفة استئذاناً للدخول ، وفجأة سمع صوتاً خشناً صادراً من بين أجزاء هذا الباب الخشبي الضخم قائلاً له :
– ” ادخل ” 

كانت غرفة هذا المكتب ضخمة للغاية ومظلمة ، اتجهت أنظار آلان إلى هذا الرجل الذي يعيطه ظهره بكرسيه الدوار ، وجلست بجانبه على حافة المكتب فتاة شقراء تدلك له كتفيه ببراعة ، فتح آلان عينيه على آخرهما ، وبدا مشتتاً وقلقاً ، وهنا سحب هذا الرجل بيده الضخمة المليئة بالخواتم الذهبية من تحت أحد الكتب ورقتي نقد من فئة 200 دولار وأعطاهما للفتاة وقال لها :
– ” اذهبي أنتِ الآن ” 

كان آلان ينظر إلى الباب الذي أغلقته الفتاة وراءها ، قطع نظراته صوت خشن وكأنه صادر من أعماق الجحيم :
– ” ماذا تريد يا آلان ؟؟ ” 
قال له آلان بصوت متقطع :
– ” معي كشف جميع المستجدات داخل شركتنا هذا العام يا سيد بارسباي ” 
رفع المدير يده من الوراء وهو يعطيه ظهره إشارة منه أن يضع الملف في يده ، وبالفعل تقدم آلان وأعطاه المستند ، قال له بعد أن تفحصه قليلاً :
– ” بالرغم أن موعده ليس الآن ولكن سأخذه منك ، ألديك شيء آخر ؟ ” 
– ” لا سيدي ” 
– ” حسناً .. يمكنك الذهاب الآن ” 
– “حسناً سيدي ” 

وقبل أن يخرج ويفتح الباب ناداه مديره قائلاً بصوت خشن ..
– ” انتظر ! “
استدار آلان وقال له :
– ” ماذا سيدي ؟! ” 
– ” سمعت أنك ستستقبل أول مولود لك الأسبوع القادم .. لماذا لم تقل لي ؟؟ “
قال له آلان بتعجب :
– ” كيف عرفت يا سيد بارسباي ؟! .. أنا لم أخبرك .. لقد نسيت سامحني ” 

وهنا قام بإدخال كفه في الدرج الخاص بمكتبه وأخرج سيجارة عريضة وأشعلها بيديه الضخمة المليئة بالخواتم الباهظة ، وأخذ ينفث دخان سيجارته في ركن مكتبه المظلم وهو يعطي ظهره لـ آلان ، وبعدها استدار بكرسيه وظهر وجهه أخيراً ! 

كان السيد بارسباي يمتلك شعراً أبيض مع خطٍ عريضٍ من الشعر الأسود في المنتصف ، وجهه عادي يميل للوسامة ، وبعد ذلك ارتشف رشفة آخرى من سيجاره الكبير البني وقال لآلان :
–  “البشر لا يكفون عن التفكير فيَّ فقط لأن عقلهم لا يستوعب كيف أستطيع معرفة ما بداخل علبة الهدية دون أن أعاينها ! أنت تعرف يا آلان أنه لا شيء يخفى علي ، لو لم أعرف كل شيء عن موظفيَّ وأين يذهبون ويأتون سأكون بيزنيس مان فاشل ” وبعد أخذ رشفة آخرى تابع قائلاً :
– ” وأنت تعرف لعبتنا مثل لعبة الاستخبارات ، أنت تعمل في شركة ضخمة خاصة بتمويل وبناء حدائق الحيوان حول العالم ، وعليك أن تعرف أن مديرها يجب أن يكون كبيراً بما فيه الكفاية لكي يضاهي حجم شركته ، لهذا لا تأتِ وتسألني كيف عرفت ؟ ” 

شعر آلان بالرعب من كلام هذا الرجل الغريب وبلع ريقه وحاول أن يتكلم ولكنه فوجئ به يقاطعه قائلاً :
– ” والآن مبارك لك ، ولولا انني كنت أظن أنك ستخبرني بنفسك وتدخل السعادة في قلبي ، ولكن لا عليك ، أكثر ما يسعدني هو الورق ! الورق الأخضر ذو الرائحة النفاذة (النقود ) 
وبعدها يضحك ضحكة عالية هزت أرجاء مكتبه 

هنا ابتسم آلان وقال له :
–  ” نعم النقود مصدر سعادة فعلاً ، و عليك أن تفخر بنفسك يا سيدي أنت رجل أعمال صنعت نقودك بعرقك وذاتك ، أما بقية رجال الأعمال الآخرون فهم لصوص .. يسرقون من هنا وهناك لتجميع تلال من الورق الأخضر ، والمعذرة يا سيدي لأنني نسيت إخبارك .. أجزم لك بـ روا أغلى شيء عندي أنني نسيت إخبارك فعلاً “

ضحك السيد بارسباي وقال له :
– ” عندما كنا صغاراً يا صديقي كانوا يقولون لنا أن اللصوص يذهبون مباشرة إلى الجحيم ، حيث يعانون هناك ، ولكن عندما كبرنا ونضجنا وجدناهم يذهبون إلى .. طوكيو .. لندن .. باريس ! “

كان آلان ينظر إلى الرجل ويتابع كلامه ويخفض رأسه ويرفعها ببشاشة وكأنه يؤيده .. ثم بعدها تابع الرجل كلامه قائلاً :
– ” وذلك شيء مدهش .. ستسمونها روا ؟ ” 
– نعم سيدي .. سنسميها كذلك 

ثم أخرج له آلان صورة من حفل زفافه وناولها ليد السيد بارسباي وجلس يشير له بإصبعه ويقول :
– ” هذه زوجتي وهذا أنا .. أما هذه فتكون والدتها ” 
– ” والدتها !!! ” 
– ” نعم سيدي ما الخطب ؟! ” 

أخذ بارسباي يحملق في وجه والدة زوجة آلان بتعجب ، وقال له آلان أثناء بحلقته في الصورة :
– ” إنها والدتها السيدة سارة ، امرأة رزينة وعاقلة وأنا أعتبرها مثل أمي تماماً .. ثم بعد ذلك صمت قليلاً  ثم قال لمديره الذي لا يزال يحدق في وجه السيدة دارين وهو ينفث سيجارته وقال :
– ” سيدي ! هل هناك مشكلة ؟؟ ” 
– ” ما .. ماذ .. ماذا ؟ لا لا .. لا شيء .. فقط أشبه عليها من صديقة قديمة لي 
صمت قليلاً وبلع ريقه ثم قال :
– ” حسناً آلان .. شرفتني .. يمكنك الذهاب .. ولكن رجاءً اترك لي هذه الصورة كذكرى جميلة منك .. أحتفظ بصور حفلات زفاف جميع موظفي الشركة وتنقصني صورتك أنت ، وعندما تنجب زوجتك طفلتكم أخبرني فوراً لكي أحضر هذا اليوم بنفسي “

وبعدها قام بدفن لهيب سيجارته وخمدها في مطفأة زجاجية صغيرة وقال :
– ” لديك عندي مفاجأة أنت وعائلتك بسبب هذه المناسبة ” قال له آلان وقد غمرته الفرحة :
– ” حقاً .. ستحضر بنفسك يا سيدي ؟! .. لا أعرف ماذا أقول لجنابك .. أنا ممتن لك جداً .. لا أعرف ماذا أقول .. وما هي هذه المفاجأة ؟! أنا متشوق لمعرفتها “
– ” ستعرف عندما يحين موعدها .. لا تكن عجولاً هكذا ياعزيزي لكي لا تفسدها على نفسك .. والآن اذهب لمنزلك وارتح ، بالرغم أن ميعاد انصراف الموظفين لم يحن ولكن سأسمح لك بالمغادرة لأنك أنجزت عملك باكراً ، اعتبرها منحة لوقتٍ مجانيٍّ مني ، والآن هيا .. يمكنك أن تذهب “
– ” أشكرك سيدي هذا لطف منك .. بعد إذنك “

فتح آلان الباب وانصرف من أمام مديره غريب الأطوار ، كلام السيد بارسباي معقد دائماً وغريب ، بالكاد أفهم منه شيئاً ، هذا الرجل غامض ومريب للغاية ، ربما ثروته الهائلة قد جعلته مجنوناً ، ربما أشغاله ، ربما زوجته … لا لا لا ! هو غير متزوج ولا أحد يعرف السر حتى الآن ، وما هي المفاجأة التي وعدني بها ؟ أتشوق لمعرفتها . هذا لن يشغل بالي كثيراً ، المهم أنه أعطاني وقتاً مجانياً للخروج باكراً من عملي والتخلص من الروتين الممل .. هكذا قال آلان لنفسه أثناء انصرافه من مكتب مديره ..

ذهب آلان إلى مكتبه العمومي بجانب زملائه وأخذ حقيبته و معطفه لكي يتهيأ للذهاب لمنزله ، وبعدها سأله أحد زملائه  وكان يجلس على مكتب آخر قائلاً له :
– ” إلى أين أنت ذاهب ؟؟ لايزال الوقت باكراً ! ” 
– ” بارسباي أعطاني الإذن للرحيل باكراً من وجوهكم “
– ” وجوهنا ! يا آلان .. أنت آخر من يتكلم عن الوجوه يا وجه اليقطينة ” 
بعدها تتدخل زميلة لآلان وتقاطع صوته هو وزميله بصوتها الرقيق وتقول له بدلال :
– ” أنا أيضاً سمح لي السيد بارسباي بالرحيل باكراً اليوم بعد إنجاز عملي وها قد أنجزته الآن ، ما رأيك بتوصيلة مجانية إلى منزلك ؟ أنت تعرف المواصلات مزدحمة الآن “

لم يمانع آلان و لحق بها ، فقال له زميله مازحاً : 
– ” احذر أن تراك زوجتك بجانبها فتقتلكما معاً “
و غرق في الضحك ، ضحك آلان وقال له :
– ” وهل تظن زوجتي نمراً لكي تفعل ذلك ؟ “
– ” لا أعرف صراحة يمكنك أن تسأل بارسباي فهو من يستورد الحيوانات للحدائق التي يبنيها ، ربما زوجتك نمر فعلاً .. وربما لا “
لم يرد آلان على زميله السمج ولحق بزميلته إلى سيارتها الرياضية الحمراء التي كانت متوقفة أمام باب الشركة 

ايملي هي صديقة العمل المقربة لصديقنا آلان ، هي إدارية وموظفة ناجحة للغاية ، تمتاز ببشرة سمراء وعيون رصاصية وشعر أسود حتى الخصر ، طويلة وترتدي الزي التقليدي لسيدات الأعمال في الشركات الكبيرة ، دخل صديقنا آلان إلى سيارتها وجلس بجانبها وبدأت رحلتنا نحو بيته ، أخذت دارين تقود السيارة ، قالت متسائلة :
– ” ما بك سارح هكذا ؟ أنت تفكر كثيراً ، نصيحة مني .. زيادة التفكير في الأمور من حولك تعني زيادة المتاعب “
– ” لا أفكر .. فقط سارح بسبب الإرهاق ” 
– ” لا ، أنت تفكر ، أنا أعرفك جيداً ، ماذا بك يا آلان ؟؟ “

أدار رأسه اليها وقال :
– ” يجب أن أفكر يا ايملي .. سأفكر وأفكر وأفكر حتى أعرف من أنا وماذا أريد من هذه الحياة التي أنا فيها ، التفكير بالنسبة لي يبقيني في دائرة الأمان 
ـ ” أنت لا تثق بنفسك وهذا يعد خطأ كبيراً ، الإنسان الذي يفكر ويقلق باستمرار لهو إنسان مشتت وخائف ” 
– “بعض الناس لا يستطيعون الإيمان بأنفسهم إلا عندما يؤمن بهم الآخرون “
– “الآخرون يؤمنون بك ولكن أنت لا تنتبه لذلك كثيراً ، أنت تقصر في حق نفسك ، حاول أن تسترخي قليلاً ، أنت تقريباً شارد الذهن في كل مكان تذهب إليه ، لاحظت ذلك ، لا شيء يدعو للتفكير به “
– ” لا تحكمي علي .. أنتِ لا تعرفين ما مررت به “
– ” آلان .. كلنا مررنا بتجارب عاصفة أفقدتنا توازننا ، أنت فقط لا تحب الواقع ” 
– ” الواقع مر ، إنه شيء لا يختفي ” 
– ” الواقع لا يختفي لأنك توقفت عن الإيمان به ” 
– اسمعيني جيداً يا ايميلي .. أنا دائماً ضحية .. لم أكن يوماً صياداً ، لم ألعب دور المفترس ولو لمرة ، أنا أعيش الواقع ، وبمصطلح فلسفي أنا شخص متشائم ودائم التفكير “
– ” مشكلتك يا آلان أنك لست اجتماعياً ووتتحاشى أغلب الموظفين هناك ، حاول أن تنسجم مع بني جنسك ، لن تظل طوال حياتك تطعم قطتك وتروي عصفورك ” 
– ” تعتقدون أن مشكلتي مع البشر تكمن في أني لست شخصاً اجتماعياً ولهذا أتورط ، ولكن ماذا إن كانت مشكلتي الحقيقية هي أني لا أحبهم ” 

ضحكت ايملي ضحكة كبيرة وقالت له :
– ” كيف حال زوجتك وطفلتك القادمة ؟ “
– ” بخير ويرسلون سلامهم إليك .. ثم صمت قليلاً وقال :
السيد بارسباي سيحضر يوم مولد روا بنفسه ، لا أصدق بصراحة ، وقال لي أنه يحضر لي مفاجأة .. ما هي ؟؟ لا أعرف ” 
-” غريبة هذه أول مرة يهتم بأحد موظفيه هكذا ، على العموم هنيئاً لك أنك حظيت باهتمامه ، لو كنت مكانك لكنت فرحت “
– ” نعم ستفرحين مع بعض الشك أيضاً ” 
ضحكت ايملي وقالت له :
“نعم مع بعض الشك “
– “حسناً انحرفي على اليسار .. نعم نعم هنا .. أشكركِ “

ظهر بيت آلان وفتح باب السيارة ونزل منها .. وقال لصديقته ببشاشة :
– ” تريدين شيئاً ؟؟ ” 
– ” لا أشكرك .. ولكن عند موعد ولادة ابنتك اتصل بي لكي احضر أنا أيضاً “
ضحك وقال :
– “حسناً ، سترين بارسباي هناك أيضاً إذا كان صادقاً في كلامه ، وسأعرفكِ على زوجتي وعائلتي أكثر ، أراكِ لاحقاً ، اعتني بنفسك ” 

ابتسمت له ايملي وانطلقت بسيارتها مبتعدة .. بينما وقف هو يتأمل بحنان سيارتها وهي تغرب من أمام عينيه في نهاية الطريق .. 

***

– ” وقد كنت تتكلم معها “
–  ” لم أكن أفعل .. قلت لك إنها زميلة عمل لا أكثر ” 
– ” حقاً ؟ وما أدراني أنا ! ” 
– ” هل يمكن أن تجعليني أتناول غدائي ؟ أنا جائع للغاية و لم أتناول شيئاً منذ الصباح يا قوم ” 
– ” يمكنك أن تأكل من القمامة ! لن أجعلك تأكل من طعامي الذي طبخته بيدي وأنا أشك فيك ” 
– ” تتحديني إذن ؟ ” 

بدأ المشهد بجدال على مائدة الغداء بين آلان ودارين زوجته ، وقد كانت السيدة سارة والدة دارين تتابع جدالهم هذا وهي تبتسم بجذل ..
دارين زوجة آلان تمتاز بشعر أحمر ووجه طويل مسحوب وعريض ، مع عيون رمادية ، والمعضلة هنا أنها تتفوق على زوجها في الطول .. حيث أنها تمتاز بطول فارع للغاية ، بعكس آلان الذي كان قصير القامة .

– ” دارين .. أخبرتك أكثر من مرة أن لدي الكثير من زميلات العمل هناك ، ولو كل واحدة تريني معها ستتصرفين هكذا لن ينفع الأمر “
وقبل أن تتلفظ دارين بكلمة قاطعتها السيدة سارة والدتها قائلة :
– ” هل يمكنكما أن تتوقفا الآن ؟! لا تتشاجرا مثل الأطفال هكذا ” 
نظر الاثنان إلى السيدة سارة نظرات مطولة وكأنهما في انتظار بقية توبيخها ..

كانت السيدة سارة امرأة اربعينية شقراء ، وبالرغم من سنها فقد كانت تحتفظ بكامل أنوثتها ، فتابعت كلامها قائلة لهما .. – ” دارين .. هو نفى وقال لك أنها صديقة ولا بأس في ذلك ، وأنتِ أيضاً اخطأتِ هنا ، بما أنه زوجكِ عليكِ أن تحسني الظن به “
– ” ولكن يا أمي أنت تعرفين أنني لا أحب أن يستغفلني أحدهم ، كان عليه أن يحترمني قليلاً ويقلل من الكلام معها ” لمحته من الشرفة ” 

– ” حسناً حسناً لا مزيد من الكلام أنتِ وهو الآن ، لنتناول طعامنا فسيبرد بعد قليل “
ردت دارين على أمها وهي تنظر لآلان نظرة تأنيب :
– “طيب يا أمي كما تريدين ” 
قال آلان بفرحة :
– ” الحمد لله ، أخيراً سأملأ معدتي الخاوية ” ثم صمت قليلاً وتابع وهو يأكل :
– “صحيح لدي لكم مفاجأة ! تخيلوا من سيحضر يوم مولد روا بنفسه ؟؟ ” 
لكز دارين الغاضبة بمرفقه لتخمن وقال للسيدة سارة ..
– ” خمني يا أمي العزيزة من ؟! ” 

قالت له السيدة سارة وهي تضحك :
– ” والله لا أعرف يا عزيزي ، أنا ودارين لا نعرف أحداً سواك بعد موت زوجي والد دارين ، كما تعرف نحن مقطوعين من شجرة .. من ؟ أهو صديق لك ؟ “
– ” ليس بالضبط .. إنه صديق كبير جداً و ذو هيبة ” 
قالت له دارين وهي تنظر له نظرة سفلية :
– ” المعذرة ، من هذا ؟! ” 
– ” انه السيد بارسباي بنفسه ! مدير شركتي “
ابتسمت دارين وقالت ” رائع ! ” 
قالت له السيدة سارة بفاجعة كبيرة :
– ” بارسباي رجل الأعمال المشهور ! هل تقصده ؟ هل هو من يدير شركتك بنفسه ؟ لماذا لم تخبرني أنك تعمل عنده ؟! ” 
– ” ما بك يا أمي أخبرت دارين من قبل ولكن يبدو أنها لم تخبرك ؟ هل هناك خطب ما ؟ ” 
قالت له بتشتت : ” لا لا .. لا شيء .. فقط متعجبة بعض الشيء ” 
– ” نعم ، وقد رأى صور زفافنا وأعجبته جداً “

قالت له سارة بعصبية :
– ” آلان أنت أخرق ؟ كيف تعرض لأحد لا نعرفه صوراً شخصيةً لنا ؟!! “
قالت لها ابنتها دارين بهدوء :
– ” أمي ما الخطب ؟؟ الأمر بالنسبة لي يبدو عادياً ! ” 
تجاهلت السيدة سارة كلام ابنتها و تابعت :
– ” كيف قبلت أن يأتي بنفسه في يوم مولد روا ؟ ” 
نظرت إليها دارين بغرابة شديدة وقال لها آلان بنبرة جدية :
– “لحظة لحظة .. أذكر أنه أيضا جلس يحدق في صورتك قليلا ثم تفاجأ وكأنه تذكر شيئاً عندما نظر لوجهك “
ثم بعدها ترك ملعقة الطعام وقال للسيدة سارة بنظرة جدية :
– ” ما الخطب ؟ لا أفهم شيئاً ؟ ” 
قالت له السيدة سارة :
– ” لا يوجد خطب ولا شيء بالطبع ، كل ما في الأمر يا عزيزي أنني لا أحب الأغنياء ورجال الأعمال لأنهم متكبرون في كلامهم ، وقد يتكبر علينا في كلامه وتصرفاته عندما يأتي ، هذا كل مافي الأمر ” 

ابتسمت دارين وقال لها آلان وهو يضحك :
– ” لا تقلقي لو كان متكبراً لما طلب مني أن يأتي ، لا تقلقي من شيء .. كل الأمور تحت السيطرة يا عزيزتي ” 
قالت السيدة سارة وهي تبتسم :
– ” حسناً .. الحمد لله أنهيت طعامي .. اسمحا لي الآن ” وبعدها نهضت من على المائدة وتركتهما ..

قالت دارين لآلان بنبرة جدية :
– ” أشعر بشيء مريب في أمي ” 
– ” نعم وأنا أيضاً لا تهتمي ، ربما أمك لا تحب الغرباء فقط لا غير ، المهم الآن عليك أن تكوني قوية يا عزيزتي ، ابنتنا الآن في انتظار أن تطلقي سراحها ، أتشوق لهذا اليوم ، لا تقلقي من شيء وكوني قوية ، ستكون هذه أول طفلة تضعينها وهذا الأمر سيكون صعباً عليكِ أعرف ، فقط ثقي أنني بجانبك ” 
قالت له دارين بنبرة دافئة وهي تمسك بيده :
– لم أقلق يوماً يا عزيزي ، اعتدت على التحدي منذ صغري ، لا تقلق علي من شيء ، فقط بهذا سنحيا أنا وأنت ” 

بعدها شكلت بيدها نصف قلب ثم ضم آلان يده لها وشكل النصف الآخر واكتمل القلب ، واقترب المشهد من يديهم للغاية وعلى نفس شكل القلب المرتسم بيديهم ارتسم وظهر مجدداً في مشهد آخر ، ولكنه ظهر هذه المرة مرتسم على لفافة الطفلة الصغيرة ” روا ” .. وقد كانت تبكي في يد آلان في المشفى ، وكانت دارين تبتسم وهي منهكة على السرير ، وجلست بجوارها السيدة سارة وهي تبتسم ووضعت يدها على كتفها ، وقد كان بكاء الطفلة الصغيرة يملأ المكان بأسره ، أخذ آلان يرفع الفتاة بيديه لكي يهدئها ، وفجأة طرق الباب عليهم و كانت ايميلي ، استقبلها آلان بفرحة عارمة قائلاً :
– ” ايملي .. كنت في انتظارك .. أنرتِ المكان بأسره ” 

دخلت ايملي وحملت الطفلة من يد آلان ، وأخذت دارين تحملق فيها بشيء من الريبة ، وبعدها قال لها آلان :
– ” أعرفكِ .. هذه دارين زوجتي و هذه حماتي السيدة سارة “

أخذ الجميع يتجاذبون أطراف الحديث مع بعضهم البعض 
قالت ايملي لآلان بصوت خافت :
– ” أين بارسباي ؟؟ ” 
قال لها آلان وهو ينظر لوجه زوجته و يتصنع ابتسامة بأسنانه :
– ” ألم اخبرك ؟ رجل كذاب ! ” 

و فجأة دخل عليهم الطبيب بنفسه و برفقته بضعة ممرضات شقروات ، وقال له ببشاشة :
– ” أنت محظوظ للغاية سيد آلان ، لن تصدق من أتى لك بنفسه لزيارتك هنا ؟ “
وقبل أن يكمل الطبيب كلامه دخل بارسباي من الباب المفتوح وراءه ، وقال له وهو يحمل باقة ورود كبيرة :
– ” لا تحتاج أنت تقول له يا دكتور ، هو يعرف أنني قادم”

وهنا .. تسمرت السيدة سارة على السرير بجانب ابنتها وأخذت تحدق في عيون بارسباي بشيء من الذهول ، نعم .. تلاقت عيناها مع عينيه ، وأخذ هو ينظر إليها أيضاً وكأنه يعلن التحدي ، صافح آلان السيد بارسباي واحتضنه بحرارة ، وبعدها عرف آلان السيد بارسباي على زوجته وقد صافحها برقة وهي جالسة على السرير وقال لها :
– ” أحسنتِ يا سيدتي ، عائلتك كلها فخورة بك اليوم ” 
وبعدها قام بوضع باقة الزهور على بطنها وهي جالسة على السرير ..
كان بارسباي هيكتور رجلاً لطيفاً 
قالت له وهي تضحك :
– ” شكراً لك سيدي ” ونظر بارسباي لايملي وبالطبع لم يحتج أن يتعرف عليها لأنها موظفة عنده :
– ” أهلاً ايملي ، أنتِ محظوظة ، دعاك آلان أيضاً ” 
قالت له ايملي وهي تضحك :
– ” نعم نعم .. هو فعل للأسف ” 
وهنا أدارت السيدة سارة وجهها باستنكار عندما حان دورها للتعارف على السيد بارسباي ، وهنا قال آلان للسيد بارسباي بلهفة :
– “والآن أعرفك على أمي وحماتي العزيزة .. السيدة سارة “

ابتسم بارسباي وقال لآلان :
– ” المعذرة يا صديقي ، ولكن أنا من سأعرفك على السيدة سارة وليس أنت ! انها عشرة عمر طويلة ” 
قال له آلان بتعجب :
– ” سيد بارسباي .. أنت تعرف السيدة سارة ؟!! “
– ” كانت صديقة حميمة لي في الدراسة والعمل ، أنا لا أحتاج إلى التعارف عليها .

وبعدها مد يده إليها ليصافحها وسط دهشة الجميع وتعجبهم من كلامه ، وبعد مرور فترة مدت السيدة سارة يدها أيضاً وصافحته ، وتعجب الجميع من أنه يعرفها منذ سنين فهو رجل أعمال مشهور وهي سيدة ميسورة الحال من الطبقة المتوسطة .
قال بارسباي لآلن والجميع بعد شهيق وزفير منه :
– ” طيب والآن حان وقت المفاجأة التي وعدتك بها ، كما تعرف .. أنا لا أخلف وعودي أبداً ” 

أخذ الجميع ينظرون لبعضهم وهم يبتسمون ، وأخذوا يخمنون ما هي مفاجأة السيد بارسباي المجهولة .
أخرج من جيبه تذاكر برتقالية اللون ومزينة بشكل مكلف للغاية وقام بتوزيعها عليهم جميعاً بالتساوي ، وقام بإعطاء ايملي واحدة أيضاً وقال لها :
– ” بما أنكِ هنا يجب أن تأخذي نصيبك أيضاً “
أخذت إيملي التذكرة وبحلقت عيناها فيها بفرحة غامرة ، وبعدها قال بارسباي بهدوء للجميع :

– ” حسناً .. إن هذه التذكرة رحلة مجانية لكم إلى جزيرة براديس ، هذه الجزيرة أسست عليها قرية ومجموعة من المنازل التي تقع وسط أحراشها الجميلة الخلابة ، وهي فكرة من طراز فريد من نوعه ، تخيل أن تنعم بمنزل فخم وسط غابة جميلة هادئة ، ستستمتعون بإقامة هناك داخل منزل فخم وسط الأشجار والأحراش الجميلة ، في كل منزل كابينة لحارس أمن شخصي لكل بيت ، آل آلان سيأخذون منزلاً كاملاً ليقيموا معا ، وأنتِ أيضاً يا ايملي ستقيمين في منزلٍ لكِ وحدكِ ، ولو احتجتم أي شيء يمكنكم الذهاب للقرية الكبيرة التي تقبع وراء هذه المنازل مباشرة ، هي منعزلة عن منازلكم والأحراش ولكنها ليست ببعيدة عنكم لهذه الدرجة ، بها مولات وأماكن كثيرة للتسوق وهي مجانية لكم أنتم فقط لأنكم ضيوفي هناك .

هذه الجزيرة عمرتها واسستها بعرقي لسنوات طويلة ومرحباً بكم عليها ، ومشروع منازل الأحراش هو الأول في العالم لي ، موعد الرحلة كما هو مكتوب في التذكرة .. 23 / 1 / 2017 أي بعد أسبوع ، ريثما تتعافي المدام دارين 

وسط فرحة الجميع بكلام هذا الرجل السخي قالت السيدة سارة بنبرة جدية منادية بارسباي :
-” سيد بارسباي .. لدي سؤال ؟!! “
– ” نعم سيدتي .. ما الخطب ؟؟ ” 
– ” هل كل هذا لآلان وهو مجرد موظف بسيط عندك ؟!ّ وأنا بصراحة من الممكن أن أعتذر “

ضحك بارسباي وقال :
– لم أتوقع هذا السؤال منكِ سيدتي ، سؤال غريب ليس في محله بالنسبة لرجل أعمال مثلي ، سيدتي العزيزة يمكنك أن تستجوبي آلان وتستجوبي جميع عملائي ، أنا أنظم رحلات لمدن كثيرة حول العالم وهذا سهل بالنسبة لي لأنك والجميع تعرفون طبيعة عملي ، أنا أموِّل حدائق الحيوانات الكبيرة حول العالم بالموارد والحيوانات النادرة ، ورحلة صغيرة إلى قرية تخصني لموظف بسيط مثل آلان أمر سهل بالنسبة لي ولا يعد شيئاً ، لدي “برستيج” خاص بعملي وهو مكافأة موظفي في مناسباتهم ، وسبق وأن كافأت آلان أكثر من مرة وهو يعرف ، لا تقلقي ..

نظرت دارين لوالدتها سارة وقالت لها :
– ” لا بأس يا أمي العرض جميل ومغري ، سنغير جو هناك ” 
– ” ولكن اليأس يا سيد بارسباي يظل مع المرء طوال حياته طالما أنه لم يجد الأمل ” 

قال لها بارسباي بنبرة هادئة :
– ” الأمل شيء لا يوجد يا سيدتي ، لا تضيعي وقتكِ في البحث عنه لأنه ببساطة غير موجود ، نحن من نصنعه بأنفسنا ، يبدو أنكِ لا تفقهين فن الخروج من المحن ، في عز يأسكِ حتى ابتسامة عدوكِ في وجهكِ قد تدل على الأمل !! ” قالت السيدة سارة وهي تنظر لوجه بارسباي :
– ” حسناً يا ابنتي .. حسناً ياسيد بارسباي .. أعتذر عن فضولي ” 

اتبتسم بارسباي وأدخل باقي التذاكر في جيبه وقال بنبرة هادئة :
– ” حسناً .. استئذنكم الآن .. اقتطعت بعضاً من وقتي لزيارتكم هنا ، لا تنسوا موعد رحلتنا هناك

خرج معه آلان وايملي لتوديعه .. و عندما بقيت دارين مع أمها لوحدهما صرخت قائلة :
– ” أمي ما بك ؟ لماذا تتعاملين هكذا مع الرجل ؟ أنتِ حتى لم تصافحيه إلا بعد وقت “
– ” أنتِ لا تعرفين شيئاً “
– “طيب .. إذن عرفيني “
– ” لا داعي ، انسي الموضوع ” 
– ” أمي أنا لا أخبئ عنكِ شيئاً وأنتِ أيضاً عليكِ أن تفعلي مثلي”  
–  ” أنا وبارسباي هيكتور بيننا ثأر !! “

انتفضت دارين ثم أخذت تنظر إلى وجه أمها بتمعن وقالت لها :
– ” أمي .. أي ثأر ؟! ” 
– ” ثأر قديم بينه وبين عائلتي ، جدك  وجدتك وأعمامي و … ” 
قاطعتها دارين قائلة لها :
– ” كيف كيف ؟ احكي لي ماذا حدث بينكما رجاءً ؟ بالكاد أفهم شيء” 
 

نظرت لها السيدة سارة وقالت لها بجدية .. ” اسمعِي ، ما سأقوله لكِ عليك أن تقوليه لآلان بالحرف حتى يعرف مع من يتعامل ، بارسباي هيكتور كان زميلي في الكلية ، كنا في نفس الصف ، كان صديقي ليس أكثر ، في هذه الأيام كان مشغولاً بلعب القمار والسهر مع الفتيات وكان دائم الرسوب في دراسته , سمعته كانت سيئة بحق ، أعترف أنه كان غنياً ومن أغنى الطلاب هناك ، ولكن .. أتى هذا اليوم .. “

قالت دارين بلهفة :
– ” ما هو ؟ أكملي ماما ” 
بلعت السيدة سارة ريقها وتابعت قائلة وكأنها تتذكر المشهد أمامها الآن :
– اليوم الذي ذهب فيه لمنزل عائلتي وطلبني !

جلست دارين تنظر لأمها وهي مندهشة من حديثها ..

– “تقدم بنفسه ، وأنا رفضته ” 
– ” ترفضين شاباً بهذا الغنى !! لولا هذا لكان بارسباي هيكتور والدي ! “
– ” النقود ليست كل شيء يا حمقاء ! رفضته بسبب سمعته السيئة وبسبب آخر كان أكبر مما أظن ، كان والده مختلساً كبيراً لنقود الدولة ، وقد أذى الكثير من المشردين والفقراء ، بعد أن رفضته امتلأ قلب بارسباي ووالده بنيران الحقد والانتقام ، كيف لفتاة فقيرة مثل هذه أن ترفضني وأنا الغني الذي يركض الجميع ورائي ، قام أشخاص مجهولون بإطلاق النيران على سيارة عمي واطسون .. وأنتِ تعرفين هذه الحادثة وقد رويتها لكِ ، فمات قتيلاً ، ولم يعرف أحداً من وراء الحادث ، والدك أيضاً أشك في ميتته ، كيف لرجل في ريعان شبابه أن يموت ميتة كهذه ، رصد بارسباي عمله وبالكاد أستطاع أن يسسمه لينتقم مني ومنه ، لأنه نظر للفتاة التي أحبها هو ، و … ” 

قاطعتها دارين قائلة :
– ” ماهذا الذي تقولينه ؟!! كلامك خطير جداً ، لقد عرفت الحكاية كلها من جدتي قبل موتها ، أبي مات ميتة عادية بالفعل وبسبب تأثير الضغط والسكري عليه ، وعمي واطسون كان متورطاً مع المافيا لهذا قتلوه ، جدتي قالت لي هذا عندما كنت صغيرة ، هل يعقل أن يصل جنون بارسباي لقتل جميع عائلتنا لأنكِ رفضته ؟!! لابد أن كرهكِ الشديد له جعلكِ تقولين ذلك ، ولكن لا أعرف لماذا لا تحبينه ؟ الرجل يبدو لطيفاً ولا يشوبه شيء ، كلامك هذا ناتج عن أوهام ” 

– ” أنا بصراحة لم أجد دليلاً واحداً على أنه قتلهم ، ولكن هناك شعور بداخلي أكد لي ذلك ، القلب يا دارين قد يؤكد لك أكثر من بعض الأوراق عديمة القيمة ، من يومها وأنا أكرهه ، أنا أعرف ، هو من قتلهم ودمر الجميع ، بالرغم من أنني متأكدة أنه مازال يحبني ولكنه قد ينتقم مني فقط لأنني رفضته ، ربما يكيد لي مكيدة ” 

– ” أمي أرجوكِ دعكِ من هذا ، أنها أوهام في رأسكِ لأنك فقط دائمة الشك ، لا تجعليني أكرهه أنا أيضاً وأصدق قلبك هذا .. يجب أن نقبل دعوة الرجل حتى لا نضر آلان في عمله ، أنتِ تعرفين هو يعمل معه منذ مدة ولم يضره بشيء ، لنكن واقعيين قليلاً الآن ” 
– ” هو لا يريد أحداً غيري الآن ، أشعر شعوراً سيئاً يا دارين ، صفَّى الجميع ويريد تصفيتي أنا الآن أشعر بذلك ” 

ضحكت دارين ضحكة كبيرة وقالت لأمها المنزعجة :
–  ” أمي .. أوهامك تشوبك مجدداً وتجعلك عاجزة عن التفكير ، يريد الخلاص منكِ !! كيف وأنت قلتِ أنه لايزال يحبكِ ، ولنفترض أنه يكن لكِ ضغينة .. 
وبعدها ضحكت وقالت :
– بعد كل هذا العمر وكل هذه السنين التي مرت ومازال الأمر في رأسه ، هذا طبعاً لو أوهامكِ هذه صحيحة ، الرجل لا يضع في رأسه سوى عمله وأشغاله التي لا تنتهي ، هو رجل أعمال مشهور ويمتلك الكثير من الأشغال التي لا مفرغ منها ، لا تقلقي ، إنها أوهام .. أوهام فقط ، صدقيني ” 

ضحكت السيدة سارة واحتضنت ابنتها وقالت لها بصوت خافت :
– ” أتمنى ذلك يا ابنتي .. أتمنى ذلك ، سأذهب لهذه الرحلة من أجل رؤية فرحتكِ ومن أجل مصلحة آلان فقط لا غير ، ربما هي أوهام بالفعل وربما لا ، ولكن سأكون حذرة فقط “

وبعدها غاب المشهد مع حضن الام لابنتها ..

***
في الرواق الذي أمام مكتب بارسباي هيكتور ، جلس هذا الرجل بقبعته الظريفة أمام مكتب هذه السكرتيرة و على كرسي من هذه الكراسي الفخمة السوداء ، وعلى ما يبدو أنه بانتظار شيء ، بلع الرجل ريقه وظهر متوتراً ، وقال للسكرتيرة التي تنتصب أمامه على مكتبها وقد كانت تكتب بعض المستندات وقال لها :
– ” سيدتي .. هل سأنتظر كثيراً ؟ ” 
– ” قلت لك ياسيدي عندما يخرج الضيوف الذين عند السيد بارسباي سأسمح لك بالدخول على الفور “
– ” سيدتي .. أود أن أناقش مع السيد بارسباي أمراً هاماً طلبه هو مني ، أنا أهم من هؤلاء الضيوف الذين عنده الآن “
– ” يا سيدي العزيز أنا اقدر موقفك ، ولكن أنا بالفعل لا أستطيع أن أجعلك تدخل إلا بعد خروج الضيوف “

وعلى الفور فتح باب مكتب السيد بارسباي وخرج فوج كبير من الضيوف منه ، وقد كان أغلبهم يحملون في أيديهم حقائب سوداء ومستندات ، بعدها نظرت السكرتيرة في وجه هذا الرجل العجوز مضحك الشكل وقالت له بابتسامة :
– ” حسناً .. لك ما طلبته .. يمكنك الدخول الآن .. تعال معي “
نهضت السكرتيرة من على مكتبها واتجهت مع هذا الرجل أمام باب مكتب السيد بارسباي وقد كان مفتوحاً ، فانتصبت عليه ولمحها بارسباي وهو على مكتبه الزجاجي الأنيق ، و كان يجلس بجانبه كلبان ضخمان من نوع الدوبرمان و كانا مطوقين بطوق مليء بالأشواك ، وكان بارسباي يلقي لهم بعض الطعام المجفف .

طرقت السكرتيرة الباب طرقات خفيفة بتوتر وبدت خائفة من هذين الكلبين الشرسين ، فباغتها بارسباي قائلاً وقد حول نظره الى أحد الأوراق التي على مكتبه .. 
– ” ماذا يا جيسيكا ؟ ” 
– ” سيدي هناك ضيف يقول أنه مهم يريد أن يقابلك ” 

بعدها حافظ على وضعية رأسه ورفع عينيه من الورقة التي في يده وقال لها :
–  ” من هو ؟! ” 
قبل أن تنطق السكرتيرة بحرف أطل من وراء كتفها هذا الرجل الغريب وقال بصوت زهيد :
– ” أنا يا سيد بارسباي ! “

فجأة زمجرت الكلاب تجاه الرجل فزاد توتراً فوق توتره .. بعدها ابتسم بارسباي ونهض من جلسته وذهب ليحتضن هذا الرجل وقال له أثناء اتجاهه له :
– ” أهلاً أهلاً مستر وودي .. تفضل “
احتضن بارسباي هذا الرجل وقال لسكرتيرته :
– ” اتركينا وحدنا الآن يا جيسي .. لا أريد أي ازعاج ، أي شخص يأتي لا تدخليه إلا بعد أن أنتهي ، وأعدي لنا قهوة “

خرجت السكرتيرة وأغلقت عليهم الباب .. وهنا قال بارسباي لهذا الرجل الغريب :
– ” اجلس مستر وودي ، تفضل “” 
وبعدها ذهب بارسباي وجلس على مكتبه وأخذ سيجارة ضخمة وأشعل القداحة لكي يشعلها ، ثم قال له وهو يحاول اشعالها :
–  ” تشرب ؟ ” 
– ” لا .. شكراً .. أنا لا أدخن ” 

اشعل بارسباي سيجارته وقال لهذا الرجل الذي يبدو من هيأته أنه ممثل كرتوني ، فقد كانت بشرته بيضاء وشعره كان أبيض ومشعث وخارج من جانب قبعته البنية الظريفة ، وقد كان يرتدي نظارة صغيرة مستديرة
– ” ما بك ؟؟ أنت متوتر جداً ” 
– ” أنا .. ل .. لا .. لا شيء ، ولكن سيدي أنت تعرف ما طلبته مني صعب وخطير جداً جداً جداً ، إنها جريمة يعاقب عليها القانون ! “

نظر بارسباي إلى الأرض وحول عينيه بسرعة إلى الرجل وكأنه لا يعجبه كلامه .. وبعدها قاطعتهم السكرتيرة بعد أن طرقت الباب ودخلت لتقدم القهوة لهما ، وبعد أن فرغت من تقديمها أدارت ظهرها لهم وخرجت وأغلقت الباب مجدداً ، وقد كان السيد بارسباي في نفس وضعيته ويعطي جميع أنظاره إلى الرجل ثم قال له بهدوء :
– ” لا يضايقني الناس قبل أن يستطيعوا الكلام ، تفضل .. احتسي قهوتك رجاءً ” 
قال له الرجل وهو يمد يده يأخذ فنجان القهوة بطبقه الصغير وقد كان الفنجان يتراقص في يد الرجل من شدة توتره وخوفه من نظرات بارسباي .. قال له بارسباي بهدوء :
– ” أنت تعرف يا مستر وودي أنني لا احب المماطلة ، أنت قلت أن القانون يعاقب على ما طلبته منك ، القانون يا مستر وودي عبارة عن مجموعة من البشر يحكمون هذا الكوكب تحت بنده ، أنا لا اخاف القانون وأنت تعرف هذا ، لا أخاف هؤلاء البشر الجبناء ، القانون لن يمنعني من تنفيذ أفكاري ، أنت تعرف أيضاً انني اأستطيع حمايتك من أي شيء يطالك “

وبعدها أشار بيده الى المباني خارج زجاج مكتبه وتابع :
– ” أنت تعرف أنني استطيع حماية العالم بأسره .. فعن أي جريمة تتكلم ؟؟ ومن ماذا أنت خائف ؟! ” 
قال له الرجل بتردد :
” سيدي الأمر ليس هكذا ، أنت لم تخبرني حتى لماذا ستفعل ذلك ؟! الأمر خطير جداً جداً ، وأيضاً كمبيالات التسليم بها بنود تمنع هذا ، وهذا بالفعل يعد جريمة ، ثم لماذا ستطلق نم … ؟ ” وقبل أن يكمل الرجل كلمته سحب بارسباي مسدساً فضياً كبيراً من نوع نسر الصحراء ! وانتفض من مكانه في غضب و ألصق الرجل في الحائط بقوة وهو يضع فوهة المسدس في فمه ، وقال له وقد انتفضت الكلاب هي أيضاً واخذت تنبح بعنف على الرجل المسكين وتساقط الزبد من أشداقها وظهرت أسنانها البارزة .. وانتهبت السكرتيرة هي وبعض العمال لهذا الضجيج الذي يحدث في مكتب بارسباي ، وانتفضت السكرتيرة ونهضت من مكانها ووقفت أمام مكتب بارسباي ، وقد كانت تنظر للعمال في خوف وكأنها تريد أن تستفسر عما يحدث ؟! 

وهنا قد كان بارسباي يمسك بالرجل بقضبته الضخمة ورفعه الى أعلى وقد كان المسدس مثبتاً على فمه وقال له ..
– ” جريمة ؟! ثم ضحك وقال أتعرف ما معنى كلمة جريمة بالنسبة لي أيها الأحمق ؟؟ ليس لها أي معنى يذكر عندي ، ما عانيته في حياتي كان جريمة كبيرة بحقي وأنت هنا تأتي لتقول لي جريمة !! الجريمة أن أرى من أحب ولا أستطيع أن ألمسه ، الجريمة هي أن أرى شيئاً ملكي ولا أستطيع الاستحواذ عليه ، سيدفن كل شيء هناك وسأنهي الأمر هذه المرة ، لا مفر الآن من قفص الزوجية المنصوب وسط البرية ..

البرية ياوودي هي من تحكم هذه الشركة الضخمة وهذه الأعمال التي بالمليارات ، ألا يحق لي أن أتخذ عملي كوسيلة لإراحة قلبي من ألمه ؟! ستنفذ ما أقوله بإرادتك أو من غيرها ، والأمر ليس بهذه الخطورة التي تعتقدها ، نحن نزور الأطباء فقط لأننا قد نصاب بالبرد ، ولكن خيالات مرعبة لفتى في السادس عشر سبب جيد للتحدث للعائلة ، لو قلبت الأمرين سيكون الناتج صحيحاً ، نحن شعب يحتاج إلى إعادة توظيف ، ولا تحمل هم أي شيء ، اذهب واجلس وسط عائلتك ولا تهتم سأحميك مما تخاف أيها الرجل الجبان “

بعدها قال له وودي بنبرة بها فزع ورعب شديد :
-” لست متزوجاً يا سيدي ولكن تحت أمرك .. تحت أمرك .. سأنفذ ما تقوله ” 
كان بارسباي يحملق في الرجل بغضب وبعدها ارتسمت الابتسامة على ملامحه شيئاً فشيئاً ، وأنزل مسدسه وقال للرجل :
– ” إذن رجاءً .. اجلس الآن ” 

فجأة هدأت الكلاب وجلس الرجل وهو مرتعب .. وهنا أشعل بارسباي سيجاراً آخر وقال للرجل بكل برود :
– ” أنت تعرف ما اتفقنا عليه وأنا لست بحاجة للكلام معك أكثر ، لا تقلق من شيء ، لن يكون هناك ضحايا ؛ لأن المنازل السكنية التي تم افتتاحها داخل هذه الأحراش خالية تماماً ولا يوجد بها أي نشاط بشري بخلاف العمال ومهندسي الديكور ، وهؤلاء سأجعلهم ينجزون عملهم بسرعة حتى نبعدهم ، والأحراش وهذه المنازل منعزلان عن قريتي السياحية التي تقبع في ظهر هذه الأحراش ، يعني لا ضرر ، وحتى إن كان ، كما أسلفت لك سابقاً أنا ساحميك ، وبالنسبة لعدم زواجك سيكون عندك فتاتان جميلتان في منزلك في نهاية هذا اليوم كي تعوض الفارق .. أنت لست بحاجة للزواج أصلا “

قال له الرجل وقد خرجت عيناه فرحاً بالخبر الأخير :
– ” حسناً .. حسناً ياسيدي اتفقنا .. ولكن المعذرة لماذا ستفعل ذلك ؟ فضول فقط “
– ” بالرغم من أنني قد أعيد استخدام مسدسي مجدداً بسبب هذا السؤال ولكن سأكون لطيفاً وسأجيبك ..
بعدها نظر الرجل لمسدس بارسباي الفضي وهو بجانبه وانتفض وتابع بارسباي قائلاً :
–  هناك شيء ما في رأسي أود تنفيذه ، وما سنفعله جزءاً منه ” 
– ” رائع .. تقصد خطة .. أنا أحب الخطط “
–  للأسف أنا لا أحبها .. لم أقل لك أن لدي خطة ، إذا أردت أن أخوض حربا أنا وبكل بساطة رجل لا أصنع الخطط ، إنها مضيعة للوقت !! يمكن أن تخمن أنني لا أصنعها لأنني ليس لدي قلماً ، تذهب رهبتك في خطوطها السوداء المتجهة صوب قلب عدوك ، أنا شخص أتعامل بعشوائية وبقواعد مهتزة مع الأمور .. أتعامل بعشوائية فقط لأخبر أصحاب الخطط كم هي مثيرة للشفقة محاولاتهم السيطرة على الأمور ! ” 

– رائع سيدي .. وكما أسلفت أنت ستحميني ” 
– مجدداً ؟!!! 
– أعتذر أعتذر يا سيدي .. اسمح لي الآن .. سأباشر عملي الذي طلبته مني .. سأكون على الجزيرة قبل الموعد الذي حددته لي بيومين .. وبعد إتمام ما طلبته سأذهب من عليها فوراً كما طلبت مني ” 
ابتسم بارسباي وقال له وهو يصافحه :
– ” اتفقنا ” 

فرغ الرجل من مصافحة بارسباي وقال له :
–  ” حسناً .. اسمح لي الآن سيدي ” 
هز بارسباي رأسه وأعطى الإذن للرجل ، وقبل أن يفتح الرجل الباب باغته بارسباي قائلاً :
– ” انتظر ! ” قال له وهو مرتعب وقد تردد في فتح الباب :
– ” ماذا ياسيدي ؟! “
– ” حاول أن تزيح هذه الفكرة عن رأسك فوراً ” 
– ” أي فكرة يا سيد بارسباي ؟! “
– ” رجلا غير جيد ! “
– ” لا أفهمك سيدي “
– ” لا تأخذ عني فكرة أنني رجلاً غير جيد ، ربما أكون كذلك بالفعل غير جيد ، ولكن هذا ربما يعني أنني لا أضر ! وأكشف نفسي أمام الجميع أتعرف لماذا ؟! “
–  ” لماذا ؟؟ ” 

– ” أنا غير جيد , والرجل الغير جيد دائماً ما يمكنك الاعتماد عليه بأن يكون غير صادقٍ ، بصراحة , إنهم الشرفاء من تحتاج أن تراقبهم جيداً وليس أنا , فقط لأنهم يمشون على الطريق الصحيح وقد ينحرفوا في أي لحظة ضعف عن مسارهم ويتخذوا من الخطيئة العمياء هواية لتعويض شهواتهم التدميرية المكبوتة التي اختزونها لفترة ، عليك أن تحذر من الجيدين يا مستر وودي ، المحتالون والأشرار عليك ألا تخاف منهم بقدر خوفك من الشخص المثالي الجيد ! عليك أن تحذر .. عليك أن تحذر من العالم لأنه يتخفى بعدة أقنعة ، أما انا وبكل بساطة لا أرتدي الأقنعة و مازلت أكشف للجميع مبدئي الأعوج .. رجل غير جيد … تفضل الآن ” 

فتح الرجل باب المكتب وانصرف وهو في سعادة وخرج أمام السكرتيرة والموظفين وأخذوا يتعجبون منه ومن سبب الضجيج والصراخ الذي كان بالداخل ، وكيف خرج سعيداً هكذا ! أشياء كثيرة لم يفهمها البعض

***

23 / 1 / 2017 .. 

– ” هيا يا أمي اللنش هناك .. أتراه يا آلان ؟! ” 
– ” نعم أراه ” 

بدأ المشهد بدارين وهي تحمل ابنتها مع آلان والسيدة سارة وايملي ، وعلى ما يبدو أنهم متجهين إلى هدفهم المنشود أو إلى منزلهم الجميل وسط الأحراش الخلابة لقضاء الإجازاة هناك كما قال لهم السيد بارسباي ، وهنا باغت آلان ايملي قائلاً :
– ” سيكون منزلك بعبداً عن منزلنا بقليل ، ستقضين معنا بعض الوقت هناك “
– ” لا أعرف ربما في منتصف المدة سأقضي معظم الوقت داخل القرية التي وراء منازلنا لشراء الحاجيات ، طالما أنها مجانية “
ضحك آلان وقال :
– ” لا تكوني استغلالية “
أدارات ايملي وجهها وقالت لآلان :
– ” انظر الرجل صاحب اللنش يشير لنا “
– ” يبدو أنه ينادينا لكي نركب معه ” 

وفجأة توقف الجميع أمام هذا الرجل ذو الشارب الضخم والسترة الزرقاء المكتوب عليها جزيرة براديس ، وهنا أيقن الجميع أنهم أمام هدفهم الذي سيقلهم لهذه الجزيرة الجميلة ، وهنا قال الرجل بصوت متأجج :
– ” أهلاً بكم يارفاق .. أنا من طرف السيد بارسباي .. أتمنى أن تكونوا مستعدين .. تفضلوا الآن “

اتجه الجميع الى داخل اللنش وساعد الرجل قائد اللنش السيدة سارة أثناء صعودها على سطح القارب وأمسك يدها كي لا تتعثر ، دخل الجميع واستقروا داخل اللنش واستقر القائد في مكانه وأدار اللنش وانطلق على الفور ، ومع صرير اللنش المزعج ورذاذ المياه المتطاير بدأت الرحلة الى جزيرة براديس ، وفي أثناء الرحلة لمحت السيدة سارة زعنفة قرش متوسط الطول مر بجانب القارب وغطس ، فانتفضت من الرعب ، وهنا أردف قائد اللنش قائلا لها وهو يضحك :

–  ” لا تقلقي ياسيدتي ، إنها ليست خطيرة ، إنها من نوع مطرقة الرأس ، تزن حوالي 30 كيلو جرام في منتصف عمرها ، وهي متقلبة المزاج ، و ليست خطيرة على الإطلاق إلا عندما يتم تهديدها فقط ” 

تنهدت السيدة سارة وقد ارتاحت من كبت خوفها بعد رؤيتها للقرش ، وبعدها تابع الرجل رحلته وهو يحدق للأمام بشموخ أثناء قيادته ، وبعد مدة بدأ اللنش يظهر على ضفاف البحر أشجار عالية ذات منظر خلاب ، وطيور نورس ذات صوت بهيج حلقت فوق الجميع 
بدأ الجميع يتعجبون من منظر المكان وجماله ، وقد لاحظوا ضفة يابسة قريبة منهم ، وعندما ظهرت هذه الضفة أشار الرجل بإصبعه عليها وقال لهم بتفلسف واضح :

– ” هذه هي جزيرتنا المزعومة .. جزيرة براديس .. وهي كلها ملك للسيد بارسباي ، مناخها الاستوائي هو أفضل مناخ ما بين جميع جزر المحيط ، أنتم محظوظين لأنكم أول من يدخل المنازل التي هناك ، كنت أتمنى أن أقضي فيها وقتاً جيداً مع زوجتي ” 

وعلى الفور وقف اللنش على هذه اليابسة وعلى هذا المرسى الخشبي الطويل تحديداً ، وهنا قال لهم الرجل بشاربه الضخم .. 
– ” تفضلوا انزلوا الآن .. لقد وصلنا “

نزل الجميع وارتصوا على مرفق اليابسة الخشبي الذي ينتهي آخره عند غابة مليئة بالأشجار الضخمة ، وعندما هم الرجل ليدير اللنش لكي يرحل باغتته دارين قائلة :
– ” لحظة .. الى أين أنت ذاهب ؟؟ نحن لا نعرف شيئاً هنا .. ولا نعرف أين سنتجه تحديداً . ” 
– ” مهمتي هنا انتهت سيدتي ، هذه تعليمات السيد بارسباي لي ، عند المرساة فقط ” 

وهنا أردف آلان قائلاً :
– ” من سيأخذنا لمكان اق …. ” وقبل أن يكمل كلمته قاطعه صوت رقيق ورفيع للغاية وعلى ما يبدو أنه صادر من حنجرة ذهبية قائلاً :
– ” الحمد لله أنكم وصلتم .. السيد بارسباي أوصاني عليكم كثيراً ” 

استدار الجميع خلفهم ليجدوا امرأة جميلة ذات طول فارع ، وشعر بني ملفوف للوراء على شكل دائرة ، ونظارة طبية رفعية ، ويبدو من مظهرها أنها سيدة محترمة ومرموقة ، تقدمت اليهم وصافحت الجميع وقالت بلطف :
– ” أعرفكم عن نفسي .. اسمي ايلين .. أنا أعمل سكرتيرة في تسويق منتجات المولات التي وراء منازل الأحراش التي ستقيمون فيها ، كما ترون .. السيد بارسباي أوكل إلي مهمة تعريفكم على أماكنكم ، السيد بارسباي سخي للغاية مع موظفيه وعماله وأنتم محظوظين للغاية لأنكم ستختبرون هذه المنازل الجميلة بأنفسكم ولأول مرة .

تعالوا معي ، لن نستقل شيئاً لأن المنازل داخل هذه الغابة التي أمامنا الآن .. هي تقع على بعد كيلو مترين من هنا ، المشي سيفيدكم وسيعرفكم على المكان والغابة من حولكم أكثر ، تعالوا معي ” 

لم ينطق الجميع ولو بكلمة واحدة وذهبوا وراء هذه المرأة .. ومشوا على هذا الجسر الخشبي الطويل متجهين إلى الغابة ، و ما إن خطت أقدامهم أول الأحراش والغابة تحديداً حتى ظهر أمامهم طريق خلاب وسط الغابة 

وبعد فترة ليست بالقليلة من المشي ظهرت أمامهم منازل سكنية فخمة انتصبت في أماكن متباعدة عن بعضها فوق حواف شجرية منسدل منها منحدر اسفلتي وكان هذا المنحدر هو الطريق المؤدي لها ، كانت دارين تمشي وهي تنظر فوقها وقد غطت ظلال الأشجار المكان وحجبت أشعة الشمس عن ضيوف هذه الجزيرة الصغيرة ، كان نعيق الغربان والطيور يملأ المكان ، ثم بعدها توقف الجميع أمام منزل به نوافذ زجاجية كبيرة وقد كان أمامه حاجز طولي صغير ، وقد انتصبت كابينة حراسة يجلس بها حارس معه بندقية من نوع ال shoutgun، ثم بعدها قالت ايلين بابتسامة بشوشة وهي تشير للمنزل بإصبعها :

– ” انظروا هذا منزلكم الجميل ! ها هو هناك ” اتجهت هذه السيدة ذات الطول الفارع والقوام الرياضي ومعها أبطالنا نحو هذا الحارس في هذه الكابينة الزجاجية ، انتصب الحارس واقفاً عندما لمح ايلين تتجه مع ضيوفها نحوه ، وفجأة صافحته قائلة :
–  ” ها هم ضيوف السيد بارسباي .. أريدك أن توفر لهم الراحة التامة لو احتاجوا شيء ” 
رفع الحارس رأسه وأخذ ينظر الى ضيوفنا وكأنه يرسمهم وقال لها :
– ” لا بأس سيدتي .. لا تقلقي “
ابتسمت ايلين وتجاوزت البوابة واصطحبت ضيوفنا إلى داخل منزلهم 

بعد دقائق أصبحت السيدة ايلين مع ضيوفنا الأربعة داخل منزلهم ، أخذت السيدة سارة تحملق باستغراب في أسقف المنزل :
– ” كم هي رائعة ! ” 
وهنا اردفت ايلين قائلة :
– ” لديكم كل ما تريدون ، الثلاجة مليئة بكل أنواع الطعام . وهناك كاميرات مراقبة مثبتة في كل الغرف والردهات لضمان سلامتكم ، وهناك حمام سباحة في الحديقة الخلفية لو أردتم الهروب من الحرارة العالية ، إجازة سعيدة ، يجب أن أرحل فوراً لأن وقتي هنا محدود .

ثم بعدها استدارات قبل أن تمشي وقالت لايملي :
– ” ايملي أنتِ لكِ منزل خاص بجانب منزل السيد آلان وزوجته ، من المفضل أن تكوني فيه الآن تباعاً للإرشادات “

قالت ايملي لها :
” لابأس من قضاء بعض الوقت معهم ، إنهم عائلتي أيضاً ، كما أن مكوثي هنا أو في منزلي شيء يخصني ! “
قاطعها آلان قائلاً :
– ” لا بأس سيدة ايلين .. ايملي صديقتي وتستطيع البقاء هنا معنا ” 
قالت بنبرة خفيفة :
– ” لابأس .. ولكن انتهاك القواعد دائما شيء غير محبب ، إلى اللقاء “

وبعدها خرجت وسحبت الباب ورائها .. زمجرت ايملي قائلةً :
ـ  ” ماذا تريد هذه المرأة بالضبط ؟! ” 
وضعت السيدة سارة يداها على كتفها وقالت :
– “ربما تعليماتها من بارسباي هكذا يا ابنتي ، لا تنزعجي “

كانت ايلين تمشي في الردهة الطويلة المؤدية إلى بوابة المنزل للخروج ، وفجأة أخرجت هاتفها وتكلمت بصوت أظهر انزعاجها المكبوت :
– “سيدي .. ايملي ستمكث قليلاً مع آلان وعائلته ” 
تكلم معها رجل صوته أجش وقال لها :
– ” لا بأس .. سواء في منزلها أو في منزل آلان ستلقى نفس المصير “
ثم توقفت قليلاً من مشيها وقالت :
– ” كيف ؟! “
–  ” سيشرب الجميع من نفس الكأس ، خطة الانتشار تغيرت تحولت من انتشار جزئي إلى انتشار كلي في كافة ربوع الجزيرة ، لا أستطيع المغامرة بشخص على قيد الحياة ! ” 
– ” نعم فهمت ، ولكن هذا سيكون شيء خطير جداً، وأنت قلت لي من قبل أنها من أنجب موظفي شركتك ” 
-” لا بأس .. أنا لست بحاجة إليها  ” 
– ” طيب يا سيدي .. كما تريد ” 
– ” هل قامت السيارة بإطلاق الـ 50 كلب داخل الجزيرة ” 
– ” نعم سيدي .. الـ 50 كلب سيطلقون ليلة اليوم ، سأجلس في منارة الجزيرة لأرصد حركاتهم باللاب توب ، كل واحد فيهم سيكون مثبتاً على رقبته طوق حراري يتحكم في تصرفاتهم ويجعلها غرائزية أكثر “
– ” جيد إذا .. حاولي أن تكوني بأمان وانجزي عملك على أكمل وجه ، تعرفين .. لا أحب تصيد الأخطاء “
– ” نعم ، ولكن هناك مشكلة يا سيدي ” 
– “ما هي ؟؟ ” 
– ” عمال البناء والمصممين لم يتم إخلاءهم من المكان بعد ! ” – ” لابأس .. يمكنني التضحية بهم أيضا ” 
– ” ماذا ؟!! سيدي ولكن … ” 
قاطعها بصرخة :
– ” نفذي ما أقوله لكِ يا ايلين ” وبعدها مباشرة أغلق الهاتف .

أمسكت ايلين الهاتف في يديها ونظرت إليه ، وبعدها تابعت مشيها نحو الخارج ..

زجاج فاخر ينير عتمة الليل من الخارج ، منزل آلان من الداخل تحديداً .. كانت دارين تحمل الطفلة الصغيرة وقامت على الفور بوضعها في سريرها ، وبعدها هرولت بسرعة إلى السلم متجهة للأسفل ، حيث كان آلان يجلس هو والسيدة سارة وايملي يتجاذبون أطراف الحديث .. قالت ايملي وهي تجلس على الأريكة بجانب السيدة سارة :
– ” غريبة تصرفات المرأة التي أتت بنا الى هنا “
قاطعها آلان قائلاً :
– ” إنه بروتوكول يجب أن تمشي عليه هذه السكرتيرة .. ولا يجب الالتزام به “

كان دارين تراقب هذا الحديث وهي على السلم ، وبدت منزعجة من تقرب آلان من صديقته ايملي ، مسحت شعرها وصعدت إلى الأعلى بسرعة ، ارتدت روبها استعداداً للنوم ، ستنام الآن وستغلق الأباجورة ، بالفعل أغلقتها ، فردت جسمها على السرير وأخذت تنظر للسقف وكأنها تفكر في شيء ما ، وفي الأسفل كان الثلاثة يتجاذبان أطراف الحديث ثم قالت ايملي بتعجب :
– ” غريبة .. أين دارين ؟! ” 
قالت السيدة سارة :
– ” ربما متعبة من الرحلة وذهبت لتنام ، هي عادتها لا تحب السهر ” 
قالت السيدة سارة بعدها بصوت يشوبه الحنين وكأنه تحاول فتح موضوع للحديث فيه :
– ” أتعرفان .. عندما كنت في سنكما لم أكن أريد الزواج أبداً ، وغيرت رأيي على الفور عندما رأيت الأطفال .. كم هم ملائكة ” 
ضحك آلان وقال :
– ” نعم .. الزواج هو الحرب الوحيدة التي تنام بها مع العدو ” ضحك الجميع وقالت ايملي :
– ” بالعكس أنا امرأة لا أنظر للرجال على أنهم أعداء ، أرى أنهم شيء يجب تقبله ، شيء همجي ومتوحش ! “
نظر لها آلان وهو يعبث في هاتفه نظرة ثاقبة وقال :
– ” متوحش ! 
ثم ضحك ضحكة ساخرة وقال :
– أتعرفين ؟! حينما تسوء الأمور هؤلاء البشر المتحضرون سيلتهمون بعضهم البعض ، سيلتهمون بعضهم البعض رجالاً ونساءً ، الكل ، جميعنا نتظاهر بالتحضر وفي الحقيقة أن بداخلنا وحوش في انتظار أن تخرج ياصديقتي ، ولكنها فقط تنتظر اللحظة المناسبة لذلك ! ” 

ضحكت السيدة سارة وقالت :
– “الأمور ستسوء يا آلان عاجلاً أم آجلاً ، لا ترعب الفتاة من المجتمع والحياة ، لا تجعلها تفقد الأمل الآن ، لايزال الوقت مبكر لذلك ” 
ضحك آلان وقال :
– ” لا هي مرعوبة من المجتمع بما فيه الكفاية ، الطبقة الوحيدة التي تعيش في رعب من هذا المجتمع القذر هي طبقة الموظفين ، تخاف الاثنان ، المجتمع القذر ، والحكومة اللعينة التي صنعته ” 

قالت ايملي :
– ” نعم معك حق ، ولكن لا أعرف لماذا هذه الطبقة بالذات هي المضطهدة من قبل الاثنين ؟! ” 
قال آلان :
– ” سأقول لك لماذا ؟ المجتمع الحقيقي شرفاؤه هم الموظفون ، الباقون كلهم لصوص وقطاع طرق ، بالنسبة للحكومة عليكِ أن تكوني صامتة لكي لا تؤرقيها .. إذا تم اعتبارك مجنونة فإن كل الأفعال التي تثبت للآخرين أنك لست كذلك , تصبح في الواقع في إطار أفعال الشخص المجنون ! تصبح احتجاجاتك السلمية إنكاراً ! تصبح مخاوفك المشروعة رهاباً ! يطلق على غرائزك للصمود اسم آليات الدفاع ! ليس هذا وضعا يمكنك الفوز فيه, إنه بالفعل حكم الإعدام ! لهذا نحن نخاف منهم يا ايملي هم يقتلونا ونحن أحياء ، لا يعطونا فرصة حتى للدفاع عن النفس ” 

وهنا على الفور في هذه المنارة الكبيرة المنتصبة بشموخ وسط الأحراش انتصبت ايلين في غرفة مظلمة فيها وقد فتحت حاسب محمول من نوع خاص وكانت تحدد به شيء ظهر على شاشته التي تنير هذه الغرفة المظلمة ، وعلى الفور ظهرت على شاشته خريطة مقطعية تبدو للجزيرة التي تستقر عليها المنارة ، وارتسمت عليها نقاط برتقالية وسوادء لأشياء مجهولة تتحرك وسط الأحراش ! وقد كانت ايلين تراقبها وترصد تحركاتها بعناية ، وبعدها فتحت هاتفها وقالت في ابتسامة خبيثة محدثة أحدهم :

– ” سيدي .. ستبدأ الحفلة ! “

***

وعلى نفس الجزيرة .. وفي هذه البقعة تحديداً بجانب هذا المنزل ، انتصبت استراحة للعمال مغلقة الجوانب ، وبها باب مفتوح على مصراعيه ، كانت هناك نار مشتعلة في منتصف الاستراحة من الداخل ، وضحكات لنسوة ظهرت أرجلهن وأيديهن بشكل مخل ” عاهرات ” ، ومسك هذا العامل ذو الخوذة الزرقاء والشارب الضخم عود من المارشميلو وأخذ يسويه بيديه على النار ، وفي يده الثانية كان يمسك قنينة خمر ، كان زميله يجلس بجانبه وكانا يتجاذبان الحديث بسعادة حول النيران المتراقصة .

باغت هذا الرجل ذو الشارب الضخم زميله ذو الجبهة العريضة الذي كان يضع يديه على كتف فتاة زنجية سمراء البشرة ، وبجانبها جلست فتاة حسناء بيضاء بشعر أسود . وجه الرجل ذو الشارب الضخم حديثه إلى زميله وهو يسوي طعامه قائلاً :
– ” أتعرف أفضل أنواع الأطعمة هي الأطعمة الجاهزة ، لا تتطلب منك وقتاً لكي تأكلها ، فقط افتح وكل ” 

وبعدها ضحك ثم باغته زميله قائلاً :
– ” أنت كسول أيها الرجل الضخم ، هذه الأطعمة مضارها أكثر من فوائدها ، كما أنها تترك لك بطناً منتفخة “
قالت الفتاة السمراء :
– أنتما لا تجيدان سوى الثرثرة .. كم ستعطونا في الليلة ؟؟ قال لها الرجل ذو الشارب الضخم :
– ” بقدر ما ستعطينا أنتِ أيتها الجميلة ! ” 
وبعدها غرق في الضحك مع زميله .

كان الباب مفتوحاً خلف الرجلان ، وهنا نهض الرجل ذو الشارب الضخم و أسند ظهره إلى الباب وأمسك بلاسيلكي أسود اللون وعلى ما يبدو أنه التقط اشارة من زميل له .. بدأ بالتحدث مع تشويش اللاسيلكي وقال ..
–  ” اهلا روفل .. هل هناك خطب عندك ؟! “
– ” رودني .. أنا لا أجد المر ؟! لا اعرف أين ذهب ؟! “
ضحك هذا العامل الملقب برودني وقال لزميله المتحدث ..
– ” ألن تتوقفا عن لعبة الغميضة هذه ؟ أنتما رجلان كبيران “
–  ” اقول لك لا أجد المر يا رجل ؟! صدقاً لا أجده ؟ انا لا أمزح ! ” 

قال له وهو يضحك مجددا ..
– ” ابحث عنه بمفردك ، أنا لست متفرغاً الآن ، أمامي ليلة جيدة لا أريد تفويتها ” 
وبعدها على الفور أغلق اللاسيلكي في وجه زميله ،وبردة فعل مجنونة قام بتطويح وإلقاء اللاسيلكي تجاه الأحراش المظلمة التي أمامه وقد بدا ساكراً للغاية . 

وقع اللاسيلكي على الحشائش وسط الظلام واخذ يشوش أمامه ، وبعدها وقف هذا العامل الملقب برودني على باب الاستراحة ونظر نحو الحشائش و قال وكأنه يخاطب أحداً متوارياً هناك :
– ” خذه أنت تستحقه ، رد عليه بخطوطك السوداء هذه ! ” نظر اليه زميله بتعجب ولم يعرف مع من يتكلم هناك ، وظن أنه مجرد رجل يهلوس من فرط سكره لا أكثر .. بعدها قالت لهما الفتاة السمراء :
– ” عملكما صعب وشاق للغاية .. أعانكما من خلقكما “
قال لها الرجل ذو الشارب الضخم وعلى ما يبدو أنه قد وصل لأوج سكره .. 
– ” لو كان سيعيننا لما خلقنا يا امرأة ؟! ” 
قال له زميله وهو منزعج .. 
– ” هل سكرت يارودني ؟؟ توقف عن السخرية في هذه الأشياء ” بعدها تنهد قليلاً وقال بسعادة والآن لننقل جلستنا مع الفتيات الى الخارج ، نظرت اليه الفتاتان وقد ابتسم وتابع قائلاً .. “سنرقص ! “

وبعدها بفترة غاب المشهد وقد ظهر مجدداً خارج غرفة الاستراحة ” في العراء ” ، وقد كانت هناك موسيقي مدوية وصخب ونيران مشتعلة على الأرض ، وقد أخذت الفتاة السمراء ترقص بمهارة للرجلين اللذبن كانا يهذيهان من فرط سكرهمها ، ولكن رودني كان الأكثر سكراً مقارنة بزميله الآخر 

قال رودني ذو الشارب الضخم موجهاً حديثه للفتاة الراقصة وهو يمسك بقنينة خمر وكان يضع يديه على كتف الفتاة الأخرى بجانبه .. 
– ” رائع ، ابذلي جهدكِ يا امرأة ” 
اخذت الفتاة ترقص وتمر بقدميها من فوق النيران .. كان العامل الآخر سارح ويشعر بشعور غير مريح قادم من أحراش هذه الغابة المظلمة ، قام بوكز زميله وقال له ..
– ” رودني .. هل تشعر بشيء ما ؟؟ “
قال له وهو يضحك ..
– ” نعم ” 
– ” بماذا ؟! “
” برائحتك النتنة ! ” 

أدار زميله رأسه بضيق وأكمل الأخير ضحكه بهيستريا .. أخذ العامل يحدق في الحشائش الضخمة التي أمامه و التي اصطبغت بلون الليل الأسود الكئيب ، والذي ألقى عليها ظلاله بغير هدى ، أخذ يحدق وكانت نفسه تنغزه وتشعره بشيء غير مريح هناك ، ثم وقف على قدميه لينظر خلف الحشائش من مكانه ، ولكنه لم يجد أي سبب لشعوره السيئ هذا ، كانت الغابة مظلمة وهادئة جداً ، ثم أمسكه زميله من ذراعه واجلسه وقال له .. 

– ” ما بك ؟! انتبه للفتاة التي أمامك ، على ماذا تنظر ؟! “
لم يجبه وأدار ناظريه للفتاة وبدا أنه يحاول عدم الاهتمام بما ينغصه .. وهنا ارتسمت هذه الأنظار البراقة بنورها المشع من خلف طيات الأشجار ! أقدام مظلمة وضخمة لشيء يزمجر ويلهث بعنف كانت تتحرك وراء الحشائش ، كان يقين العامل القلق صحيحاً ، هناك شيء ما وراء هذه الحشائش !  

أخذت هذه الأنظار البراقة تطل من وراء الحشائش بدون أن يلاحظها أحد ، كانت أنظاراً ثاقبة وتنير باللون الاصفر المكتسي بالحمار المبهم ، فجأة استدارت أنظار العامل نحو الحشائش مجدداً ، وهنا كانت الطامة الكبري له ! لقد لاحظ بالفعل هذه الحركة الغريبة بين الحشائش وهذه العينانان الثاقبتان ، وهنا قال لزميله بهدوء .. 
– ” رودني .. علينا أن نغادر فورا ! “
قال له زميله وهو يضحك ..
– “أي مغادرة أيها الأحمق ؟ الحفلة لم تبدأ بعد ! ” 
بصوت عال .. 
– ” قلت لك علينا المغادرة الان !! “

توقفت الفتاة عن الابتسام والرقص وقالت وهي قلقة .. 
– ” ماذا يحدث ؟! ما خطب صديقك هذا ؟؟ “
– ” انه يلهوس من فرط جبنه .. تابعي رقصك “
ابتسمت الفتاة وتابعت رقصها بالفعل وكأن شيئاً لم يكن .. قال له زميله ..
– ” رودني .. حاول ان تسمعني .. هناك شي لعين يراقبنا خلف هذه الأحراش !! ” 
أجابه وقد ارتشف قطرات من قنينته الكبيرة :
– ” نعم نعم .. عرفت عن ماذا تتكلم ، تقصد هذا الوجه القططي الضخم الذي يحدق فينا !! “
– ” أي وجه قططي ؟!! عن ماذا تتكلم ؟! ” 
– ” اخفض صوتك حتى لا تفزغ الفتيات ! ” وفجأة اقترب من أذنه وقال بصوت خفيض ..
– ” هذا الوجه القططي الذي يركض نحونا الآن !! ” 

وعلى الفور حدق العامل بعيناه مجدداً نحو الأحراش ! ولمحه يتقدم من الوراء نحو الفتاة الراقصة ؟! نعم .. هذا النمر الضخم الذي كان يركض بسرعة شديدة متوجها نحو الفتاة الزنجية المسكينة التي كانت ترقص حول النيران وهي تعطيه ظهرها ، وبالعرض البطيء ارتسم المشهد ، قفز هذا النمر الضخم الذي اخترق الأجواء بسرعته الرهيبة فاتحاً مخالبه قافزا من فوق النيران التي أنارت جسده الضخم ، قفز وسقط بثقل جسده عليها واستقر بيديه الضخمتان على جسد الفتاة المسكينة التي وقعت تحت براثنه ، وهنا على الفور أفاق الجميع من سكر حفلتهم الصاخبة ، صرخت العاهرة البيضاء صرخة مدوية ضجت في أنحاء الجزيرة كلها وتناثرت منها الطيور ! وعلى الفور سمع ضجيج هذه الصرخة آلان وهو جالس مع ايملي والسيدة سارة .. ونظر الجميع نحو النافذة وهم في مكانهم وهنا قال آلان وهو مذعور ..
– ” ما كان هذا ؟!! ” 

قامت السيدة سارة مع ايملي وتوجها نحو النافذة وأخذتا تنظران منها نحو الأحراش المظلمة في الخارج ، والتي انعكس ضوء المنزل عليها ليظهر هدوءها الساكن بشكل سيئ ، بينما كان آلان جالسا في مكانه يحدق اليهم . 

كانت تشاهد صديقتها وهي تحت براثن هذا المخلوق الجبار ، سدد النمر الضخم طعنات ” عضات ” نحو عنق وجسد الفتاة السمراء التي اكتسى جسدها بالدماء ، تحول المشهد الراقص إلى صرخات دامية تراقصت حولها النيران وكأنها ترحب بها ، وهنا هرول العامل الآخر نحو الأحراش في ذعر وأخذ ينادي صديقة الذي جلس أمام النمر وهو يشرب زجاجة الخمر وكان يقول ..
– ” أنت نمر سيئ ، افسدت علي ليلتي “
– ” رودني تعال هنا ! ” 
قال غاضباً : 
– ” أنت خائف من هذا الهر ؟ سأزيحه لك الآن ” 
قام من جلسته واقترب من النمر وقد قضى الأخير على الفتاة السمراء وفتك بها تماماً ، وقبل أن يفعل أي فعل قابله النمر بقفزة جبارة استقر بها على كتفيه وطرحه أرضاً ، وقام بعضه عضتان قاتلتان في العنق ! بينما تشبث العامل المسكين رودني بيديه في أذن وطوق النمر الشوكي الذي يطوق رقبته قبل أن يفارق الحياة . 

ركض العامل وعرف بمصير صديقه المخمور ، بينما ركضت خلفه الفتاة الساقطة الأخرى وتركت جسد صديقتها التي انتهى مطافها بين أنياب هذا النمر الضخم ، وهنا سكن كل شيء ، كان النمر مطبقاً بفكيه وهو يزمجر على عنق الرجل بقوة ، لم يعد تتحرك بتاتاً ، أخذت دماؤه تنسدل من على شواربه القططية البيضاء ، وفجأة تركه ووقف بجسده الضخم أمام النيران يلعق يديه وينظفها من الدماء ، وهنا برقت عينيه المخيفتان ، ونظر تجاه الأحراش وإلى المكان الذي هرب منه العامل والفتاة الأخرى تحديداً ، وغاب المشهد عن الأنظار ..

وهنا ظهرت أقدام الرجل والفتاة وهما يركضان وراء بعضهما داخل الأحراش المظلمة ، كانت الفتاة تركض حافية على الأرض الطينية للغابة وهي لا تأبه من فرط خوفها ، وفجأة توقفا أمام حائط صخري كبير منسدل منه حبال شجيرة غليظة ، توقف العامل مع الفتاة وقد سقطت خوذته بعيداً وأخذ يلتقط أنفاسه 
وهنا باغتته الفتاة قائلة :
– ” لماذا لم تقولا لنا أن جزيرتكم هذه موطناً للحيوانات المفترسة ؟!! صديقتي ماتت بسببكما ” 
ثم بعدها رفعت قبضة يدها استعدادا لضربه فأمسك بيدها وقال :
– ” توقفي نحن لم نكن نعرف شيئاً صدقيني ، صديقي مات أيضا ! ” 
– ” كيف ؟ هذا النمر كان مثبتا على رقبته طوق غريب كأطواق الكلاب “
– ” صدقيني لا أعرف شيئاً ! لقد شعرت به ، ولكن لا أعرف من أين خرج ؟! ” 

توقفت وأخذت تبكي ، وقد غطى جسدها العاري نتوءات الأشجار الجارحة والطين ” وهنا أردف قائلاً :
– ” هذا النمر سيكون وراءنا الآن ، سأحاول تسلق هذا الحبل الغليظ للصعود لأعلى وبعدها سأرفعكِ “
– “وماذا سيضمن لي أنك لن تهرب وتتركني ؟! “
– ” يا سيدتي .. لا تقلقي لن أهرب ، أنا وأنتِ نحتاج للصعود إلى الأعلى هرباً من هذا النمر الضخم ، سيأتي عاجلاً أم آجلاً من هذه الأحراش التي في ظهرنا ، أنا واثق ” 

نظرت خلفها في خوف تجاه الاحراش وقالت له بصوت مضطرب .. 
– “حسنا ، ولكن أرجوك أسرع ! ” 

أمسك الرجل هذا الحبل الغليظ بيديه ورفع جسده إلى الأعلى رويداً رويداً ، وأخذ يتسلق وهو ينظر إلى الحافة تشوقاً منه لبلوغ حافتها ، كانت بعيدة بعض الشيء ، ولكنها كانت تقترب كلما كان يضع كفاً فوق كف على مسار الحبل ، كانت الفتاة الأخرى تقف وهي مشتتة في الأسفل ، وكلما كانت تنظر للأحراش المنتظر منها النمر كانت تقول له .. 
– ” أسرع أرجوك ” 
كان الرجل يبذل قصارى جهده ويسرع ليبلغ الحافة ، بينما كانت الفتاة في الأسفل تحلق ورائها كل ثانية بخوف ، وكانت تكرر وتقول له مجدداً في كل ثانية تحلق فيها ..
– ” أسرع أرجوك .. أسرع ” 
ها قد سمعت زئيره قادم من ورائها !! زئيره كان مخيفاً للغاية ، مخيفا بحق .. أخذت تولول وتنتحب وأخذت تقول له وهي تهز الحبل ..
– “أسرع ، أسرع ، أنه قادم !! “
– ” توقفي عن الهز ستسقطيني ! سأبلغ القمة الآن ” 

ظهر المشهد وقد لمس فيه الرجل القمة بيديه ، ثم استعان بكتفيه ليقوم بالاستناد عليهما للصعود الى الأعلى ، وهنا كانت تنتظره مفاجأة كبري ! انعكس ظل لشيء أسود لعين في عين الرجل وقد كان ينظر إليه ، اتسعت حدقة عين الرجل وتعرقت جبهته ! وفي الأسفل أخذت الفتاة تقول .. 
– ” لقد ظهر ، أسرع ، لماذا توقفت ؟!! ” 

وبالفعل ظهر النمر البنغالي الضخم من وراء الفتاة وقد اخترق الاحراش بجسده المهيب ، وأخذ يقترب منها بعينيه ذات النور الخاطف ببطء شديد ، وكأنه يدرك أنها لن تهرب لأي مكان ، ولا مفر منتظر سوى براثنه المميتة ، أسندت الفتاة ظهرها على الحائط وأخذت تصرخ وتصرخ وهي تنظر في وجهه ، كان النمر يستمتع بصراخها وكان يقترب منها ويرص أقدامه على الأرض بشكل متناسق ، كان ينظر في عينيها مباشرة ، وفي الأعلى كان الرجل ينظر لهذا الشيء الأسود ذو الشوارب الكبيرة والأنياب العاتية ” نمر أسود ، يغور ” أطبق هذا الشيء الأسود بفكاه على وجهه الرجل وأخذ يجذبه إليه ، أطبق عليه بشكل عنيف للغاية ، وتابعت الفتاة المشهد من الأسفل ورأت الرجل وهو يسحب من قبل شيء مجهول جذبه اليه ..

كان النمر الآخر يقترب منها وقد كشر عن أنيابه ورفع ظهره استعداد للهجوم ،” لا بديل سوى المواجهة ” ، لا وقت للهرب ولا مكان ، كان هذا التعبير صريحاً في رأس الفتاة ، الهرب حتى لن يكون خيار هنا ، أنت محصور بجوار حائط وأمامك نمر ضخم في طريقه للانقضاض عليك ، لن تهرب لأي مكان ، أمسكت الفتاة عصا غليظة بجانبها ، ولوحت بها في وجه النمر الذي تراجع للوراء قليلاً وهو يدرس الموقف 

كانت العصا تهتز في يدها من فرط خوفها ، وبسبب هذه الشيء اللعين الهدام الذي يتدفق في الجسم وفي العروق في حالات الخوف مسبباً شعورا سيئاً للغاية ” الأدرينالين ” ، كانت تلوح بالعصا في وجهه بعنف ، وشيئاً فشيئاً ضاع خوفها ، وبدأت تتأقلم مع خطورة الموقف ، كانت تقول له وهي تلوح بعصاها القوية .. 
– ” ابتعد ، ابتعد من هنا ” 
كشر عن النمر عن أنيابه وركض نحوها لكي يسقطها ، بينما ركضت هي أيضاً تجاهه للدفاع عن نفسها ، حاولت الاعتداء عليه بضربه بالعصا فوق رأسه ولكنه تملص منها برأسه الكبيرة وأنيابه الحادة ، اقتربت بالعصا أكثر وأخذت تحاول ضربه بها ، بينما وقف هو أمامها وكشر عن أنيابه وكان يصد ضرباتها بمخالبه القوية ، وبدون أي سابق انذار ، بحركة بهلوانية جبارة كان قد استقر فوق جسدها وأسقطها على الأرض

كانت هي قابعة تحته وتحاول جرحه بأظافرها وحركات يديها المتكررة للتملص ، ولكن كانت النهاية مأساوية للغاية عندما فشلت كل محاولاتها للدفاع عن نفسها وأطبق هو بفكيه عليها بقوة وثبتها من رقبتها وهي تقاوم ، وبعد فترة من المقاومة وإطباق فكيه سكنت حركاتها تماماً ، وأعلنت أخيراً عن استسلامها له . 

***

بيت أنار نوافذه وسط ظلمة الأحراش ” بيت آل آلان ” ..

بعد أن قضت ايملي وقتاً جيداً في بيت آلان مع السيدة سارة قالت لهما .. 
– ” الوقت تأخر الآن .. حان الوقت لكي أذهب لمنزلي ” 
قالت لها السيدة سارة :
– ” أتعرفين أين هو ؟؟ “
– ” نعم .. في نهاية الممر المحوش الطويل الذي أمام منزلكما ” قال لها آلان .. 
– ” امكثي معنا الليلة ، الوقت تأخر ” 
– “لا أستطيع ، يجب أن أذهب الآن ” 
– ” ساتي معك لكي أوصلك إذن ” 

ذهب آلان معها لكي يصطحبها إلى منزلها وفتح لها الباب لكي تخرج أولاً ، وبعدها لحقته السيدة سارة وقالت له .. 
-” لا تتأخر يا آلان .. سأذهب للنوم بعد قليل ” 
أومأ آلان برأسه لها واصطحب إيملي للخارج ، وبعد دقائق كان آلان على بوابة المنزل بصحبة إيملي ، وبعدها تجاوز بوابة الحارس وألقى عليه التحية ، ثم توجه مع ايملي إلى طريق منزلها الذي كان موحشاً وطويلاً قليلاً ، وعلى ضفافه كانت تقبع المنازل الأخرى التي كانت مظلمة النوافذ بشكل مفزع نظراً لأنها خالية من السكان .

كان آلان يمشي معها على ضفاف الطريق وفي أثناء مشيهما أخذا يتجاذبان أطراف الحديث .. 
– ” دارين بها خطب ما يا آلان ؟ أشعر انها متضايقة من وجودي ” 
– ” لا بأس ولن أطعن فيما تقوليه ولا تهتمي لها ، أنا أعلمتها بطبيعة مابيننا ، لا تهتمي ” 
– ” هل تحبها ؟ ” 
– بالتأكيد ، هي زوجتي وأكن لها الاحترام ، والا لما كنت تزوجتها ؟ ” 
– ” لو كل الأزواج مثلك لكانت كل البيوت عامرة بالحب ، شخص لطيف و حبوب ، وأيضا مسالم ولا تستعمل أساليب التعنيف ” 
ضحك آلان وقال وهو يضع يديه في جيوبه أثناء مشيه وقد كان ينظر للأرض ..
– ” ليس لهذه الدرجة يا صديقتي ، أنا موقن أنني شخص سيئ ، دائماً ما أشعر بذلك مهما فعلت الخير “
–  ” كل هذا لأنك طيب ” 
– ” الطيبة شيء ساذج ، تجعل الجميع يسيؤون فهمك مهما بلغت نبالة مقصدك ” 
– ” من لا يضع لك الأعذار ليس صديقاً ، لا تشغل بالك بهم “

رفع رأسه للأعلى وكأنه تذكر شيء ما مليء بالحنين وقال ..
– ” وأنا صغير يا ايملي صادفني موقف لا أنساه ، كنت أربي طير من طيور الكناري الاسترالية الصفراء ، كنت في عمر السابعة تقريباً ، كنت أطعمه و أعتني به ولا أفوت يوماً دون الاطمئنان عليه ” ثم بعدها أومأ برأسه الي الارض وتابع .. حتى انني كنت اضع قفصه بجوار سريري عند اشتداد البرد في الشتاء ، طفل صغير ، نعم كنت طفلاً لا أعرف شيئاً .

في يوم من الأيام كنت قد نسيت إطعامه وتأخرت عليه ، خرجت له بوعاء مليء بالحبوب وماء فاتر منقي لأكمل مهمتي بين طيات قفصه واطعمه ، لم أجده هناك ! لم أجده في القفص ، كان يقف على الجدار وعند رؤيتي طار وهرب ، كانت لحظة سيئة بالفعل عندما كنت أراقب طيري الذي هرب من قفصه والدموع تملأ عيني وأنا أراه يحلق مبتعداً عني في الأفق حتى تلاشي واختفي من أمام أنظاري مع أشعة الشمس المتوهجة ، يال الحظ ! كنت أظن هذا الأحمق صديقي ؟! ” هكذا قلت في نفسي ” واقسمت انه لو عاد سأذبحه ، ولكن مع بعض التفكير اكتشفت انني أنا الذي لم اكن صديقه ! أنا من خنته وحبسته في قفص من أجل تسليتي فقط 

هكذا أنا .. مثل هذا الطير الذي أسأت الظن به ، يضعوني تحت طيات أيديهم فقط لأنني لطيف ، وعندما أحاول التعبير عن نفسي أقع في سوء الظن دائماً ، حقاً تباً لهم ” 

ومع كلام آلان اقتربا من كابينة الحارس الشخصي الخاص ببيت ايملي وقد كانت فارغة ! واقتربا من منزلها مع كل خطوة يخطوها الاثنان .. قالت له ايملي بانتفاضة :
– ” ها هو المنزل يا آلان ، عد لمنزلك حتى لا يقلقوا عليك وسط أحراش هذه الجزيرة ، إنها تصبح مرعبة ليلاً “
قال آلان بابتسامة :
– ” حسناً .. 

وبعدها أدار ظهره ورجع ، بينما تقدمت ايملي من خلفه عدة خطوات لمنزلها ، و ما كاد آلان يبتعد قليلاً حتى صعقته صرخة ايملي وهي تنادي عليه برعب …

يتبــــع 
 

تاريخ النشر : 2017-09-21

توتو

مصر
guest
35 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى