أدب الرعب والعام

قلق..

بقلم : عطعوط -اليمن

للتواصل :[email protected]

رعى الله من قرأء، واثاب من علق،
واحسن الى من نشر ودقق.
وسلم من سلم الناس لسانه، ويده،
وغفر لمن سمى، واستسمى، وعلى النبي صلى…

كان قلق يمتلك ركب نوق يافع،
يدر عليه دخل، مقابل نقل البضائع،
وله عبيد، ذو باس شديد.
الى جانب صهره مختار، صاحب حكمة و وقار.

وكان دائم التنقل، بين البصرة والموصل.
مارا بمراحل اقامة، غير مستدامة.

و له فيها، اما صديق او حبيب.

فكان
اوقات يتناول في واسط قوزي،
واخرى في العمارة تشريب.

وفي احد الرحلات،
اصطحب معه زوجته قبسات،
ذات الاقراط،
تسر الناظر، وتجبر الخاطر،
إلا انها عاقر.
وتفاديا للصوص والمتقطعين،
انقسموا
الى ركبين،
فساروا في طريقين منفصلين،
قلق وقبسات في درب،
ومختار  في  درب.

ذات نهار، اشتدة الرياح، فعصفة بالجمال بما عليها من احمال،
فاناخوا على شاطئ نهر،
من الانهار آخر النهار.

نصبوا الخيام،

في واد خال من الانام.

واعدوا موقد النار.

ومع الغروب

اخذ قلق المنظار،
نظر في كل مسار،
عله يعثر على ركب مار.

لمح جسم قاتم،
صاعدا من النهر،
نحوهم قادم .
افلت قلق من يدية المنظار،
بعد ان شاهد دب جبار.
قالت قبسات:
لماذا عويت، ماذا رآيت؟.

رد:
لا أُصدق إنه عليناء عازم،
اضحيناء وليمة من الولائم.

التقطت المنظار قبسات
فقالت:
يا للهول، صدقت القول،
انه صوبناء آت.
انظر لقد التهم من قبلناء،
وعلى فمه يحمل  ما تبقى.

قال قلق:
هذا غير معقول،
انه دب مهول.

عقة الجمال وهاجة
واستنفر العبيد،
مشعلين الوقيد.
مستلبين بالحديد.

فبرز قلق ظاهر،
لسيفه شاهر.
بينما قبسات على الوقيد وقفت،
بالمجاديف استعدة،
لقذف الجمر الى فمه.

اقبل الدب،
يتبختر في خطاه،
حاملا بين فكيه فتاة.
القاها امام قلق،
ومن حيث اتى طفق.

بهت قلق وبحلق،
واطال ثم قال:
سبحان من خلق.
جثى جوارها،
لنبضها جس، لمس فيها نفس،
فقال: احضروا الماء والنشادر،
واضعا رآسها على ركبتيه،
لم يصدق ماتراه عينيه،

ظل الجميع إليها ناظر.

احضرت قبسات ماطلب.
بخ وجهها بالماء،
فلمع كبدر السماء،

نشقها قلق النشادر،
فعطسة عطس نادر.

نفض عنها التراب،
كمد مغارز الانياب.
نظر قلق فلم ير الدب فقال:
اين ذهب! امر غريب!, لماذا لم يلتهمها؟، من اين اتى بها؟.
هناك سر مكنون، لاتراه العيون.

قالت قبسات:
لعله شعر بالخطر ففر،
وربما عاد لإحضار شخص اخر.

انتاب قلق إرتعاش،
حمل الفتاة بين ذراعيه،
ادخلها و وضعها على الفراش.

جلست قبسات الى جوارها،
تتفحصها.

فقالت:انظر ياقلق!
ثوبها خارج عن المالوف،
ليس مغزول من الصوف.
تنتعل خفين ،
ليست حافية القدمين.

حاجب مدور،
ووجه مكور.

انها فريدة المنظر،
ليس لها شبيه بين البشر.
وفوق ذا وذاك
جسده جاف غير مبلول،
ألم تخرج من النهر الآن؟، هذا غير معقول.

كان قلق شارد، غارق، مذهول،
لايعي مايقال، ولايفقه مايقول.

اقتربت منه قبسات،
لوحة بيدها امام عينيه،
لم يرمش له جفن ولاحاجب،
فصاحت:اجب أجب من أخاطب!
لارد ولا اجاب! كانه قطعة من قطع الاخشاب.
شدة قبسات شعره المتدلي الى خصره،
ووغزته تحت ضلعه،
استيقض وافاق من غفلته،
فقال:هل احضرت اللبن؟
ردت: منذ زمن.
هل فتنك تعدد الالوان وجمال المنظر!
إنها جنية من الجان، ليست من البشر.
خذ حيطتك وحذرك،
ابعد عنها نفسك،
ولاتلمسها بيدك،
ربما تمسسك وتتلبسك.

في هذه الاثناء،
شهقت الفتاة و زفرت،
فارتعبت قبسات وإلى الخلف انقلبت.
استبشر قلق، فتبسم ونطق:
احضري الحليب والمرق.

جرعتها قبسات، المرق،
فرشحة بالعرق.

فتحت عينيها، تنش الدمع نشوش،
فانكشف خلف ظلال الرموش،
زوج زمرد يطوقه البرد.

فحفها قلق بذراعيه و وسد.
رافعا رآسها، المندوش،
مستعيضا بركبتيه،
عن الفراش المفروش.

فض شفتيها بعناية،
بالإبهام والسبابة.

فصب الحليب على البرد،
فنصع، وتجرد.

تغرغرة فتوقف،
وبعد ان بلعت،
عاد فاردف،

استفاقة فتلعثمة،
ثم عادة فاطبقة عينيها فنامة.

باتت قبسات تلف وتحوم،
لم يغمض لها جفن ولم يبتل لها بلعوم،

تغد وتعود، لم تعد تطيق القعود.
بينما قلق عاكف يسقيها مرق،
كف يمسح عن الخدود العرق،
بينما يتخلل الاخر درايا الجعود.

لاح الصباح،
فجهرت قبسات بالكلام المباح.

فقالت: لابد ان اذهب الى اخي مختار، ازف اليه جديد الاخبار، واطلعة على ماجرى وصار.
قال قلق:ولماذا العجل؟
تريثي حتى يتضح لنا ماحصل!
ردت: الدب وحده يعلم ماجرى،
وها هو قد توارى.
رد: الدب لايتكلم، حتى وان كان يعلم.
انتظري ربما افاقة، ونطقة.
ردت: لم يعد عندي ثقة.
ربما تكن اخت الدب، او ابنته.
فقد يكن كلاهما من الجان،
لالا لم اعد احتمل بعد الآن.
ساذهب قبل ان يحصل ما يحصل،
رد: دعك ياقبسات من العجل،
فجلست و على الفراش امتدت، وفي سبات عميق غطة.
غشى قلق نعاس
فغفى، ممتدا على القفاء،

اتت العرافة، حسب عادتها طوافة،
فشاهدة،
الفتاة على الفراش ملقاة.
وعلى جانبيها قبسات وقلق،
فقلقت، وارتعبت، ثم خرجت.
لاذت بالفرار،
الى ركب مختار،
ناقلة اليه الاخبار.

فقالت:غزى الغزاه قافلة قلق،
وفيهم فتاة ذات اقراط وحلق.
انطلق مختار باعوانه،
لنصرة اخته وصهره.
وجدوا العبيد دايخة،
والابل نائخة.
فا يقضوهم،
ثم سألوهم،
عن الفتاة.
فدخلوا اليها ايقضوها،
فسألوها عن اسمها.
ردت:
اسمي مرجانة
ابنت ملك البحار
قال قلق: إذاٌ
ابنت ملك البحار انت؟
-نعم
انا ابنت ملك البحار،
اجتزت احد الانهار.
على ظهر جواد عابس،
فغاص بي في الغاطس.
عندها لم اعد احس،
حتى عاد إلي الحس.
لذ ارج ان تحس، بما احس،
فلاتجس، و لاتمس، فلك حس، ولي حس.
خجل قلق فارتبك وارتجف،
فتعفف  و تاسف،

كانت قبسات تسمع ما تقوله،
ناظرة اليها
فاتحة فمها مذهولة.
فقالت: هل لك حبيب، زوج كان او خطيب؟.
-نفت بالسبابة فقالت:
لا طارق طرق،
ولا بارق برق.

فؤادي،
من الهوى،
خلاء خال،
مؤصد بالاقفال.

انتاب قبسات قلق،
وخشيت ان يكن قلق،
مفتاح الباب المغلق.
ثم قالت:
كيف لنا ان نصلك لاهلك؟.
اين هي مملكتك؟.
ردت:
في جزر عدة،
في بحر من البحور ممتدة،
مسورة، محوطة،
ابوابها مؤصدة.

-ما إسمها كي نسأل عنها؟.

ردت:مملكة القناديل.

قال قلق: سنسأل عنها المارة،
وقوافل التجارة.

امر قلق العبيد في الحال،
بشد الاحمال على الجمال.

اركب قلق قبسات و مرجانة،
في الهودج على الناقة،
وسارة القافلة.
وفى الموصل،
حضر التجار اخذ كل تاجر قسطه،
فتوجه قلق الى داره،
برفقته قبسات و مرجانة.
فتوافدة النساء،
للشراء والاقتناء.
وعندما راينها،
راعهن جمالها،
فسألن عنها،
ثم اخبرن بها.

فشاع في المدينة خبرها، وذاع صيتها.

فحضر امير المدينة خاطب،
للزواج بها راغب.

قلق قلق ،
فصال وجال،
الى البصرة شد الرحال.

سال عن مملكة القناديل،
معظم الرحالة و عابري السبيل.
لم يحصل على جواب،
وكل من سال نفى باستغراب.
فتزوجها قلق،
فانجبت له بنت و ولد،
ليس بجمالهما احد.
ووضعت قبسات  العاقر،
بنت تسر الناظر.
ثم اعقبت بولد،
يسبح للواحد الاحد.

اقترب وقت رحلة القافلة.
فطلب أو الاولاده ونسائه
مرافقتة في رحلته.

خرجت القافله
فتاق قلق للنزول في نفس المكان،
ليتذكر ماجرى وكان.

اقاموا الخيام،
وقدحوا الطعام،
واتي وقت المنام.
كان القمر سامر،
و قلق للنهر ناظر.
فلمح الدب نحوهم قادم،
التف الجميع حول قلق،
لم يظهر عليهم اي قلق.

اقترب الدب منهم،
فوقف امامهم.
والقى  من فمه الى قلق كيس،
بينما قلق انحنا لاخذ الكيس.
تقدمت مرجانة نحو الدب، فرحانة،
فحملها الدب بفمه،
كما يحمل القط صغيره.
مسرعا إلى النهر عاد،

حزن قلق والاولاد،
ومن حولهم من العباد.

وباتوا ثلاثة ايام، غائصين،
في النهر سابحين باحثين.

يئسوا  فغادروا المكان،
ففتحو الكيس فوجدوه مليئ بالذهب والمرجان،

رأت قبسات القلق، يخيم على قلق،

فانشدته قائلة:
لا قلق لا قلق،
عاد الزمان أقلق أقلق،
يحوصين الحِلق،
والرطل يصبح وقية.

استمر قلق،
يذهب ويعود،
منتظر ان تعود،
الا انها لم تعود.

فعاش قلق  في قلق،
فاقام  في المكان خيمته،
وقضى فيها بقية حياته.

يُبات الى النهر ناظر،
مترقب، تائه، حائر،

فتظهر له على وجه الماء،
ملوحة بيديها، نحو السماء.

فينزل اليها،
وعندما يصل لا يجدها.
فيعثر على صرة،
ذهب طافية.
فيحملها ويسلمها لابنائها،
الذي يمرون عليه، ذهاب. واياب.
وبقي في المكان،
على هذا الحال،
حتى اجله حان.

فدفن في الخيمة،
فكان ابنائه يمرون عليه،
يقرأؤن الفاتحة
وفي كل مرة،
يعثرون على صرة.
فانتشر خبر قبره،
انتاب امير البلاد قلق بشأنه،
فأمر  بقلعة،
ورُميٌ  في النهر رفاته.

فسمي الواد بواد قلق،
وتواتر القلق،
ممن سبق الى من لحق..
انتهى ومن يحب النبي صلى…

الفهد

اليمن . للتواصل مع الكاتب : [email protected]
guest
58 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى