أدب الرعب والعام

قلم الساحرات

بقلم : البراء – مصر
للتواصل : [email protected]

قلم الساحرات
إذا تمنيت شيئاً ما فما عليك سوى أن تكتب أمنيتك بهذا القلم !

إذا سألتموني عن السبب الذي يبقيني حياً حتى الآن.. جوابي سيكون لا أعرف.. حقاً لا أعرف.. إذا كان كل شيء يسير وفق المعتاد ربما لكنت ميتاً الآن.. لقد ظللت حياً لسبب ما.. و أقرب ما يتبادر إلى ذهني هو أنني حي فقط لأكتب لكم هذه السطور..

إذاً سأبدأ من البداية.. قال أينشتاين أن كل شيء نسبي و أنه لا يوجد ما يسمى بالبداية الفعلية و النهاية الفعلية.. لكن دعكم من هذا العبث.. أين البداية حقا؟!.

البداية

يبدو أن أينشتاين كان محقاً بالفعل ، لا أعرف البداية حقاً.!

إذن أنا أعمل في مشرحة.. تزوجت في سن الثلاثين.. و أنا أدعى عنتر ، هذه هي البداية التي أحاول أن أوصلها لكم .

قد يبدو عملي مخيفاً لكنني اعتدت عليه كما يجب أن أكون قد اعتدت عليه.. أعني أنه لا يمكنك أن تعمل لمدة خمس سنوات في مكان ما بدون أن تعتاد و لو قليلاً على هذا العمل ، اعتدت على أن أجلس في المشرحة ليلاً في انتظار الجثث الجديدة التي قد تظهر فجأة من العدم.. حارس ليلي لمزيد من البساطة .

أعرف كل تلك الألاعيب التي يتحدثون عنها ، تلك الحكايات التي يحكيها أي شخص قد قضى ليلة أو أكثر في المشرحة، أشياء مثل حينما تكون هناك جثة جديدة فأنا أسمع صوت طرقات غريب في المكان الذي وضعها فيه للتو.. أو أن أحس بأن هناك من يراقبني دوماً..

هذه الأشياء تحدث و لن أبالغ إذا قلت أنها تحدث بكثرة.. لكنني كنت قد تعودت عليها، تأخذ الأشياء منحنى مختلف إذا تكرر حدوثها أكثر من اللازم، تذكرون قصة الكوميدي الذي ألقى نكتة ما على المسرح فلم يضحك أحد و ساد الصمت المكان.. يحسب الكوميدي انه لم يسمعه أحد فيعيد النكتة للمرة الثانية فيسمع بعض الضحكات الخافتة من الجمهور.. يعيدها للمرة الثالثة فيضج المكان كله بالضحكات، نفس الأمر هنا مع الاختلافات في المضمون بالطبع 

يحدث هذا الأمر مع الكثير من الأشياء منها الإعلانات و الدعايات و الدراسة.. لكن المشكلة لا تكمن في أنني لم أعد أتأثر بتلك الأشياء.. المشكلة كانت في أنني صرت أمل منها.. و كأنها نشاط طبيعي متعارف عليه من قبل الجميع، يصل الأمر لدرجة أنني في مرة من المرات كنت مرهقاً و أريد أن أنام بشدة.. و بوضعية الجالس أملت رأسي على صدري و نمت.. سمعت تلك الأصوات التي لا تدري كنهها حقاً ما لم تكن تنصت بحرص ، و هو ما لم تكن حالتي تسمح به على الإطلاق.. و هذا كان يحوِّلها إلى مجرد أنين و ضوضاء مزعجة بالنسبة لي.. سمعتها فقلت في عصبية النائم اصمتوا !  
ليست الوقاحة من عاداتي لكني قلت هذا بتلقائية و كأنهم أصدقائي أو ما شابه..

الآن قد يظن البعض أنني طالما لست خائفاً من هكذا أشياء فلابد من أنني متحجر القلب حقاً و أنني لا أخاف، تجلس ليلاً في مكان وحشي كئيب يحتوي على جثث الأموات ، و تعرف أنك أنت الوحيد الذي يتنفس هنا و لا تخاف ، إن الأمر كما قلت هو التكرار.. إذا تكرر الأمر كثيراً قد يتحول الخوف بطريقة ما إلى ملل ، أذكر أنني في أول مرة حدثت فيها تلك الأشياء كاد قلبي أن يثب من مكانه هلعاً .. بل إنني قضيت الليلة بالخارج في العراء .

إذاً لماذا أنا أكتب لكم هذا ؟!

حسناً في معظم الحالات يكون الأمر عظة أو تحذير كي لا تفعلوا مافعلته أنا.. اعتبروها كذلك و أضيفوا أنني لم أجد شيئاً أفضل أفعله ، دقائقي محدودة في هذا العالم ، و ساعاتنا جميعاً محدودة..

يمكنني أن أقول بفخر أنني حققت نصف حياتي التي حلمت بها ، لا يوجد شيء كامل للأسف.. لكن ما عنيته بقولي هذا هو أنني كنت نصف سعيد و كان هذا يكفيني جداً ، النصف الأول من سعادتي و الذي تمكنت من تحقيقه هو الزواج منها.. أنتم تعرفون من.. بنت الجيران تلك التي توجد في قلب كل شخص لديه جيران عندهم فتاة جميلة ، إنها هي التي إذا لم تكن تملك الشجاعة مثلي ستقضي نصف مدة حياتك تتساءل لماذا لم أتقدم كي أخطبها و أتزوجها، ثم بعدها إذا أردت أن تبحث عنها كي تصحح غلطتك رغم فوات الأوان فستقضي النصف الآخر من حياتك تبحث عنها و لن تجدها ، و حينما أتحدث عن الشجاعة هنا فأنا أتحدث عن اقتناص الفرص و ليست تلك الشجاعة التي تجعلك منيعاً لا تخاف من القتلة و العفاريت .. قد كانت مها هي الفرصة الوحيدة التي تمكنت من اقتناصها ، هي نصف حلمي الذي تمكنت من تحقيقه.. لكنها و كما قلت كانت تكفيني جداً.. لن أكذب إذا قلت أنني أحبها أكثر من نفسي..

النصف الآخر من حلمي هو الإذاعة.. أردت دوماً أن أكون مذيعاً في التلفاز ، و أكاد أجزم أنها جينات والدي رحمه الله ، هو من زرع بي هذه الرغبة بكل حال ، كان دائماً يتحدث عن المتعة التي يحظى بها مذيعي الأخبار.. لم يقصد متعة المال بالطبع.. بل متعة أدائهم لعملهم.. و مع مرور الوقت أدركت أنه كان محقاً.. و صرت أتمنى أن أكون مذيعاً..

بالطبع لن أحكي الظروف المقيتة التي جعلتني هكذا أعمل في مشرحة متعفنة بدلاً من السعي وراء حلم حياتي.. أنا لا أكتب كتاباً إسمه أحلام عنتر الضائعة و المحققة ، فقط قلت لكم هذا كي أضعكم في الصورة معي..

إذا انتهت القصة هنا فلن يكون لها أي معنى.. حتى الآن هي مجرد قصة عادية لرجل عادي غريب الإسم و يدعى عنتر، إذاً ما هو الأمر الغير عادي الذي يجعلها قصة تستحق الذكر ؟؟
إنه الأمر الذي حدث في ذلك اليوم .. 

في ليلة صيف حارة و لزجة ، كنت أجلس قبالة ثلاجات الموتى كعادتي مستمعاً للراديو و أنا أتخيل ما كانت حياتي ستكون عليه لو كنت أعمل كمذيع حتى لو في الراديو، ثم كان أن سمعت تلك الطرقات.. في بادئ الأمر ظننت أنها تلك الطرقات المعتادة التي تصدر دوماً من أدراج الموتى ، لكن مع التدقيق أدركت أنها ليست كذلك.. لكن هذا لم يمنعني من الذهاب و فتح درج من الأدراج على سبيل التأكد ، أو على سبيل هبوب بعض الهواء البارد على وجهي من الثلاجة ، كان الجو حار بشكل لا يصدق كما تعلمون ، الغريب أن تلك الطرقات تكررت كثيراً.. في العادة تستمر لثانية أو اثنتين ثم ينتهي الأمر ، ثم أدركت أن هذه طرقات على باب المشرحة نفسه..

كان القادم هو شخص غريب.. و إذا كنت متشكك الطباع لقلت أن الرجل يبدو كدجال.. من ذلك الطراز الذي يجبرك على أن تصدقه من نظرة واحدة و حركة واحدة ، رجل يعرف ما يجب عمله ، بالرغم من ذلك كان الرجل تمثيلياً بدرجة كبيرة ، ما إن فتحت الباب حتى بدأ يحدق هنا و هناك.. ثم دفعني و دخل و أخذ يتحدث عن الرائحة التي يشمها من موت و ما إلى ذلك ، هيستيريا إلى حدٍّ ما.. لكن ليس إلى درجة الجنون.. 

سألته عما يريد فقال لي أنه يريد أن يعقد صفقة معي !
أعطاني الرجل قلم غريب الشكل.. من النوع القديم الذي يجب عليك أن تملأ حبره بنفسك ، أعطاني إياه ثم قال بنبرة تملؤها الرهبة أنني إذا أردت شيئاً ما كأمنية أو ما شابه فإنه علي أن أكتب أمنيتي بهذا القلم في ورقة ما ثم إحرقها ، نوعاً من الطقوس السوداء ، يُعرف هذا النوع بالفعل نفسه.. الإحراق.. الكتابة بالدم.. قتل الحيوانات إذا أمكن ..

بدا لي الأمر سخيفاً للغاية.. شيءٌ كخرافات الساحرات في العصور الوسطى، في أوروبا أقسم الكثير من الناس حينها على أنهم شاهدوهن يَطِرنَ على مكانس حقاً.. أيقونة الساحرات الشهيرة، لكن بالطبع طالما لا يوجد دليل قطعي على الأمر فسوف يظل الأمر خرافة فقط لا غير ، و هذا بغض النظر عن كمية الشهود الرهيبة في تلك الفترة و كذا كمية المؤرخين الذين كادوا أن يجنوا من أجل توثيق هذه المعلومات.. و في النهاية لم يصدقهم العالم.. ففي النهاية التعاطف مع العذارى و النساء الأبرياء اللاتي تم إحراقهن و قتلهن زوراً على أنهن ساحرات أخذ القطعة الأكبر من كعكة الرأي العام ، و تم التغاضي عن تلك القطعة الصغيرة المكتوب عليها بخط واضح توجد ساحرات حقيقيات بالفعل!

إذن ماعلاقة الساحرات بالقصة أساساً ؟.. سأخبركم.

كان الرجل يتحدث عن القلم بحماسة و كأنني سأصدقه إذا جعل صوته أعلى و أضاف بعض المؤثرات المرئية على وجهه، أخبرته أن ينسىى هذه الخرافات ثم دعوته لتناول الشاي معي و الاستماع لبرنامج رفيق الليل معي على الراديو.. بالطبع لم يكن هناك برنامج بهذا الإسم.. فقط أردته أن يكون رفيقي في الاستماع للراديو.. كان الإسم ليكون مريباً إذا وجد عموماً…

رحب الرجل بالفكرة و جلس معي بالفعل.. لكنه لم يكف عن الكلام المتواصل بشأن القلم ، كان يقول أن الساحرات المبتدئات في العصور الوسطى كن يستخدمنه في الهرب من محاكم التفتيش.. و هنا قفز إلى رأسي سؤال منطقي بعض الشيء.. إذا كن ساحرات حقاً.. إذاً لماذا لا يهربن بقدرتهن كساحرات؟!

أكمل الرجل و أخذ يحدثني عن منشأ القلم نفسه.. الأسطورة تقول أنه كان هناك ساحرة قوية ما صنعت ذلك القلم ، و تستمر الأسطورة لتخبرنا أكثر عن القلم فتقول أنه تم صنع هيكل القلم من شجرة آتش.. و التي هي شجرة النار في الفارسية ، كانت الشجرة نادرة للغاية ولا تنبت إلا في بلاد فارس التي هي إيران حالياً مع بضعة دول أخرى ، و سميت ب-آتش أي النار لأن خشبها كان لا يحترق على الإطلاق مهما اشتدت عليه النيران ، و يقال أنه تم صنع سن القلم من شوك سمكة السماء التي يدعون أنها كان يمكنها أن تطير مثل الطيور العادية و تعيش في المياه مع أقرانها من الأسماك.. شوك هذه الأسماك و رغم أنه حاد إلا أنه و بطريقة ما لا يجرح أي شيء أبداً ولا أحد حتى الآن يعرف السبب الفيزيائي لهذا ..

تقول الأسطورة أيضا أنه تم تدعيم القلم بعظام أقزام الشرنقة.. و هم أقزام يتم إكتمال نموهم في شرنقة و يكملون بقية حياتهم ينامون فيها باعتبارها بيتهم حتى تغلق عليهم الشرنقة في يوم ما و تخنقهم فيموتون مثلما ولدوا تماماً.. أما عظامهم فيقال أنها تملك القدرة على تجديد نفسها كل فترة تلقائياً كما أنها صلبة بشكل لا يصدق ، كانت الأسطورة تتحدث عن الكثير من الأشياء التي صنع منها القلم.. و عن الحبر الموجود فيه ، فقط ذكرت لكم القليل ، قد كانت أسطورة سخيفة و لكن لنكن منطقيين بعض الشيء هنا.. إذا لم تكن الأسطورة سخيفة فلماذا ستسمى بأسطورة من الأساس ، فلتسمّوا لي أسطورة ليست سخيفة !

كنت أستمتع حقاً بما يقوله.. و أحياناً كنت أتحمس معه ، بالنسبة لي كان مجرد رجل يقص علي قصة خيالية من عالم تولكين الشهير.. و أنا لطالما أحببت تولكين و عالمه .
الحق أنني لا أعرف ما أصابني حينها.. لا أعرف هل كان تأثير الشاي أم أنه الليل المتأخر.. المهم هو أنني و لكي أرضيه أمسكت بالقلم و بحثت عن ورقة كي أكتب الأمنية السخيفة و ننتهي من هذا الأمر ، لكنه صرخ و كأنني على وشك القيام بشئ خطير.. 

قال لي أنه على قدر قوة أمنيتي فسوف يتم أذية أكثر شخص أحبه.. مثلاً إذا تمنيت أن أحصل على الكثير من المال فسوف يتم أذية الشخص الذي أحبه بنفس القدر الذي حصلت عليه من المال ، كان الرجل يخبرني ببساطة أنه لكل فعل يوجد رد فعل مساوٍ له في القوة.. و بالطبع لا شيء يأتي بسهولة ، رجل غريب أراه لأول مرة في حياتي و يتفوه بكلام غير منطقي.. هل سأصدقه؟.. بالطبع لا..

و هكذا تمنيت أن أقضي بقية حياتي في باريس.. لمَ لا؟!
أمسك الرجل بالورقة و نظر فيها ثم ابتلع ريقه و قال بنبرة خائفة أن هذه الأمنية خطيرة و قد تؤذي لحد الموت ، لم أهتم لكلام الرجل و أمسكت الورقة ثم أحرقتها بولاعتي الصغيرة ، في هذه اللحظة بدا لي أن الدخان المنبعث من الورقة أكثر سواداً من المعتاد ، اتسعت عينا الرجل و هو يراقب اللهب ، لم أعرف حقاً ما نوعية تلك النظرة.. بدت لي مزيجاً من الخوف و الترقب و الندم ، نظرته هذه أكدت لي أن الرجل يأخذ الأمر بجدية.. و في لحظة من اللحظات ظننت أنه أنا أيضاً يجب علي أن آخذ الأمر بجدية…

بعدها لا أعرف ما الذي حدث أو كيف نمت.. لكنني حينما استيقظت كان الرجل قد اختفى ، وجدت القلم لا يزال مكانه حيث تركته و بجانبه توجد ورقة ، في الورقة كُتب…

» لقد اضطررتُ للتخلي عن القلم من أجل مصلحتي الشخصية.. لم أُرِد أن أؤذي من أحبهم مجدداً ، من قوانين استخدام القلم أن تستخدمه على الأقل مرة كل أسبوع.. إذا لم تفعل فسوف تكون العواقب وخيمة.. و صدقني لقد جربت هذا ، و إذا أردتَ التخلص منه إجعل شخصاً آخر غيرك يتمنى أمنية به و حينها سوف ينتقل القلم لملكيته ، لذا القلم ملك لك الآن.. أنا آسف«

وضعت الورقة جانباً و أنا أتثاءب كالأحمق ، بالطبع لم أصدق كلام الرجل.. بدا لي حينها كرجل يريد أن يعبث بي قليلاً ، على كل حال حينما عدت للمنزل اكتشفت أن الرجل لم يكن يعبث معي على الإطلاق.. لكن أعتقد أن الأمر كان متأخراً بعض الشيء ..

لست أظن أنني الأن أملك ترف إخباركم بالذي حصل بالتفصيل حينما عدت ، لكنني سأكتفي بالانتقال إلى المشهد التالي.. عزاء مها زوجتي !

إذا ما سُؤلت عن أقسى لحظات الحياة.. فسأقول أنها تلك اللحظات التي يكون خيارك الوحيد فيها هو البكاء.. تلك اللحظات كما أعتقد هي أكثر شيء قاسي يمكن أن يحظى به الإنسان في حدود الظروف الطبيعية التي يعيشها معظم الناس ، عرفت هذا حينما كنت واقفاً أمام قبرها لا أملك شيئاً لأفعله سوى البكاء بحرقة..

قالوا أنها سكتة دماغية أدت إلى الوفاة مباشرة.. زوجتي قد ماتت بسبب سكتة دماغية؟!

لن أصدع رأسكم بكمية حزني.. فمرة أخرى هذه ليست فقرة أحزان عنتر ، و اسمحوا لي أن أقفز بكم مرة أخرى من العزاء إلى ما بعد العزاء بأسبوع كامل ، حينما كنت قد بدأت أنتبه لما حولي.. أنتبه إلى ذلك المغلف الصغير الذي كان يوجد على الطاولة منذ أسبوع ، لم أكن في مزاج يسمح لي بأن أنتبه له من الأساس ، أما ما كان بداخل المغلف كان شيئاً لم أكن أتوقعه أبداً ، دعوة من رجل الأعمال الفرنسي أنطوان مور للإقامة الدائمة في فرنسا و العمل معه في شركته.. مرفق مع التذكرة و “الباسبورت” و بعض الأشياء الأخرى اللازمة.. حتى أنا لا أذكر أنني أملك “باسبورت” !

إذن ماهي الاحتمالات؟؟ 
الصدف ؟ .. صفر .. بل بالسالب لو وجد ، القلم حقيقي و يعمل.. لا مجال للشك الآن.. أمنيتي كانت كبيرة لدرجة أنها قتلت زوجتي ، قال الرجل في رسالته أن أسبوع هو الحد الأقصى ، مما يعني أنه يجب علي أن أتمنى أمنية و أتوقع حدوث أذى للشخص التالي الذي أحبه.. ربما أمي أو أبي !
الواقع هو أنني لم أفكر كثيراً في الأمر.. قلت لنفسي إذا كان القلم قوياً لهذه الدرجة فليكن.. سأتمنى أمنية مقيتة.. مقيتة لأقصى حد.. أنا آسف يا أمي ستموتين.. لقد كبرتِ على أي حال!

و بدأت أقرأ الكلمات مجدداً و هي تحترق..
أتمنى… أن…. تعود… زوجتي… مها… للحياة!
أقسم أن ذلك الدخان كان الدخان الأكثر سواداً الذي أراه في حياتي.. و أقسم أيضاً أنني كنت وغداً حينها..
ضحيت بوالدتي حتى تعيش زوجتي ، أعني أن هذا هو ما توقعت أن يحدث ، لكنني نلت جزائي على كل حال.. كيف؟
دعوني أخبركم بما حدث بعدها أولاً ..

بعدها أن احترقت الورقة تماماً سمعت صوتاً غريباً.. أشبه بصوت ارتطام شيءٍ ما بالأرض ، تسمرت مكاني من شدة فزعي.. كنت أتساءل.. أي شئ فعلته للتو؟.. ما الذي اقترفته؟
لم أنتبه في غمرة تساؤلاتي إلى الشيء الذي يجلس بجانبي.. على الكرسي المجاور لي ، و حين التفت برأسي بعدها رأيت ذلك الشيء ..

كتلة بيضاء ساكنة.. إذا دققت أكثر ستعرف أن هذا البياض ليس إلا ملاءة و قد تم لفها حول هذه الكتلة ، و إذا دققت أكثر و أكثر ستعرف أن هذه الكتلة هي جسد بشري بحت و لا مجال للشك في ذلك ، باختصار كانت مها تجلس أمامي ، جاءت لي من القبر.. أنا سحبتها من هناك !

كانت تجلس جلسة مستحيل نظرياً أن تقوم بها جثة.. بحيث أن ظهرها كان مواجهاً للهواء و لم تكن تستند على شيء .. تجلس منتصبة !
لكن و على الرغم من ذلك لا علامة من علامات الحياة سوى هذا.. لا صوت تنفس.. لا كلام.. لا شيء ، عموما لم أعر للأمر اهتماماً كبيراً ، لأنه و في اللحظة التي كنت أستوعب فيها ما أراه أمامي داهمني صداع رهيب.. و كأن هناك من يعتصر عقلي ، كان قوياً لدرجة أنني أمسكت رأسي و بدأت بالصراخ.. بعد ذلك اكتشفت أن دم في كل مكان.. نظرت ليدي فإذا بها حمراء هي الأخرى… إن الدم يخرج من أذني!..
هل استوعبتم الأمر بعد ؟!

إنها علامة السكتة الدماغية.. مثل مها.. هل فهمتم ؟!

******

قال لي أنه على قدر قوة أمنيتي فسوف يتم أذية أكثر شخص أحبه.

******

لن أكذب إذا قلت أنني أحبها أكثر من نفسي.

******

ما اكتشفته هو أنني كنت فعلاً أحب مها أكثر من نفسي.. و لهذا كانت هي من تأذت أولاً.. بعد ذلك ظننت أن الشخص التالي هو أمي ، و كنت مخطئاً .. إن أكثر شخص أحبه بعد مها هو أنا..
لعمري هذه هي الغريزة التي ولدنا بها نحن البشر .. حب الذات .
أنت تفكر إذن أنتك تحب نفسك أكثر من الجميع.. هي طبيعة نفوس جميع البشر..

أنا الآن أقاوم صداعي الرهيب و أكتب تلك الكلمات بنفس القلم الذي قتلني.. نفس القلم الذي قتل مها ، أكتبها و تجلس أمامي من هي مِن المفترض أن تكون مها التي لا أعرف هل هي حية أم ميتة حتى الآن.. لم أجسر حتى على الاقتراب منها ، إذا كانت حية فلماذا هي لا تفعل أي شيء يفعله الأحياء مثل الحركة و التنفس أو حتى إزالة الكفن الذي لابد و أنه يخنقها؟.. و إذا كانت ميتة فلماذا هي تجلس هذه الجلسة التي لا يمكن أن يجلسها إنسان ميت ، هي تساؤلات لن أعرف أجوبتها أبداً بكل حال..

قلت أنني أكتب هذه الرسالة كنوع من العظة.. قد تتساءلون ما هي العظة في ذلك ؟ ما هو الدرس المستفاد ؟
الدرس المستفاد هنا هو أن لا تثقوا بأي شخص يدعي أنه دجال و يحمل معه قلماً غريب الشكل.. و أيضاً الأهم لا تحبوا أنفسكم أكثر من اللازم..
كل ما أطلبه منكم فقط هو تدمير القلم ، هذه هي رسالتي لكم.. صدقوها أو لا.. فقط إرموه في قاع المحيط لو أمكن.. هذا القلم سيجلب الوباء على من يستخدمه.. و أيضا إذا عاشت مها فأخبروها أنني أحبها.. و إذا قرأتِ ذلك الكلام يا مها فاعلمي أنني أحبك.. ولا تخبروا أمي بما فعلت.. ستموت مرتين..

إن الصداع يزداد.. الموت يناديني.. السكتة الدماغية قريبة
دعوني أخبركم بآخر خواطري قبل أن أموت… خطر لي حالاً أنني في اللحظة التي سأموت فيها ستستيقظ فيها مها.. وقت التنفيذ يتماشى مع وقت الدفع تماماً .. أياً كان فأنا لن أكون موجوداً لأشهد على هذا..
إنها النهاية.. أنا أراهم.. قادمون من أجـ…

النــــــــــــهاية
 

تاريخ النشر : 2017-05-24

البراء

مصر - للتواصل: [email protected]
guest
21 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى