منوعات

كارثة غويانيا الإشعاعية

فور نطقنا بحرف واحد عن الكوارث النووية “بشرية الصنع” سيتبادر إلى أذهاننا الحادثتين المشهورتين .. وهما قصف مدينتي هيروشيما و نكازاغي اليابانيتين بقنابل ذرية ، وحادثة تشيرنوبل المؤسفة في أوكرانيا أيضا . أما اليوم .. سنتكلم عن كارثة نووية أخرى تدعى كارثة غويانيا الإشعاعية وقد حدثت في أمريكا الجنوبية وتحديدا في البرازيل .

بدايات الكارثة

بدأت القصة في مدينة تدعى غويانيا ، تقع في قلب برازيليا(عاصمة برازيل) . حيث افتتحت في صيف عام 1971 عيادة مختصة في العلاج الإشعاعي في وسط المدينة بالقرب من مشفى خيري .. وفي عام 1985 إنتقلت العيادة إلى مكان آخر .
 
بالطبع كانت العيادة مزودة بجهاز علاج إشعاعي يستخدم عنصر السيزيوم المشع .. وبعد إخلاء العيادة ترك الطاقم الطبي أدوات عديدة ومن بينها الجهاز . ولأسباب غير مفهومة لم يتم إعلام أي جهة معنية بوجود جهاز بهاته الخطورة في العيادة . وطالما المشفى يقع في حي فقير أصبح مفتوحا لكل من هب و دب .

وفي 13 سبتمبر/أيلول عام 1987 دخل اثنان من نابشي الأنقاض باحثين عن شيء ذو قيمة يصلح للبيع . حينها وجدا الجهاز وأجهزا على تفكيكه إلى قطع صغيرة بغية بيعها . وأثناء تفكيكهما للجهاز عثرا بداخله على كبسولة مغلقة بإحكام لفتت انتباههما ، حاولا كسرها لكن دون جدوى .

blank
الكبسولة المحملة بالمادة المشعة المسببة لكارثة غويانيا الإشعاعية

في اليوم الثاني أخذوها إلى ساحة خردة يملكها شخص يدعى ديفير ألفيس فيريرا . وتخيلوا أعزائي القراء أنه تم بيع مادة الغرام الواحد منه والذي سعره حقيقة بين 70 و 80 دولار ، ب25 دولار فقط! .

إقرأ أيضا : الصرخة القاتلة : كارثة القاعة الإيطالية

وعندما تمكن العمال من كسر الكبسولة ، تجمهروا جميعهم مندهشين من توهج حجر وزنه 100 غرام بلون أزرق لامع . قاموا بعدها بتكسير السيزيوم إلى قطع أصغر وكما يقول المثل “كل واحد أخذ حصته”، غير مدركين أنهم يحملون بأيديهم مادة مشعة وخطيرة .

عندما رجع ديفير ألفيس إلى منزله عرضه على زوجته ناويا أن يصنع لها منه خاتما . كما قام شقيقه الأول بنحت جزء من الكبسولة ليتناثر غبارها المشع في غرفة ابنته البالغة من العمر ست سنوات فقط ..  حيث لامست المادة المشعة يديها ولعبها وتناولت الصغيرة طعامها مبتلعة معه ما سينهي حياتها . أما أخوه الثاني فقد قام بمسح صليب يحمل المادة الزرقاء على كامل جسده وذهب إلى مزرعته كالمعتاد . يعتني بحيواناتها ينظف هذا ويطعم ذاك ، ليفتك بهم الإشعاع جميعا .

blank
التصميم الداخلي لكبسولة جهاز العلاج الإشعاعي

أما باقي العمال صاروا يتجولون ويعرضون الحجر على أصدقائهم ومعارفهم وأقربائهم ناشرين بذلك الإشعاع بشكل أكبر .. وخلال 16 يوما فقط انتشرت المادة المشعة في مدينة غويانيا . ووجدت فيما بعد آثار الإشعاع حتى في مدينة أخرى تبعد 60 كلم .

انتشار التلوث الإشعاعي

بدأت الأعراض تظهر على الناس ، مابين تقيؤ و غثيان وفقدان شهية وتساقط شعر بشكل كثيف .. ووجود آثار حروق غريبة على الجلد . لم يعرف أحد ما الذي يجري لا الأطباء ولا المصابين ، ودخلت المدينة في حالة ذعر ظنا منهم أن المدينة أصيبت بجائحة . ومن بين المصابين كانت زوجة ديفير ألفيس تاجر الخردة التي توفيت بعد حوالي شهر لتلقيها جرعة إشعاعية تقدر ب  5،7 قراي .. وابنة شقيقه أيضا توفيت بعد حوالي شهر جراء جرعة قدرت ب 6 قراي ، حيث دفنت بتابوت حديدي مغطى بالإسمنت . كما توفي اثنان من عماله الذين قاما بكسر الكبسولة . فضلا أن النابشين تعرضا للإشعاع  أيضا وتم بتر ذراع أحدهما وبقى مصيرهما مجهولا .

إقرأ أيضا : كوارث كيميائية كانت وبالا على البشرية

أما ديفير ألفيس تاجر الخردة فبقي على قيد الحياة رغم حصوله على جرعة قدرت ب 7 قراي . لكن كان ذلك على فترات متفرقة لعدم مكوثه كثيرا بالبيت .. وذلك سبب نجاته ، فعلى رغم تعرضه لجرعة كبيرة ، لكنه كان كثير الخروج من المنزل .. وهذا أيضا هو مبدأ عمل العلاج الاشعاعي حيث يتم تعريض المريض إلى نسبة محددة من الاشعاع .. وينصح بكثرة خروجه ويمشي في أماكن جيدة التهوية .

blank
ساحة الخردة عام 2020

كان أول من أدرك خطورة الوضع كانت زوجة التاجر . في بادئ الأمر عندما لاحظت الأعراض من إسهال و غثيان ظنت أنه بسبب مشروب وزع ببيتها . لكن سرعان ما وجهت أنظارها للمادة الزرقاء العجيبة ، فقامت بعمل بطولي حيث أرسلت الأحجار مع أحد العمال إلى المستشفى .. وحينما رأوها علموا سبب العلة و قام الأطباء بإعلام السلطات البرازيلية ، وسرعان ما تم احتواء الكارثة .

توجه  74 ٪ من المواطنين  من طوع أنفسهم إلى المستشفيات خوفا من التلوث الاشعاعي ، حيث تم فحص 112 ألفا بالمجمل . ثبتت إصابة 249 شخصا منهم بتلوث إشعاعي عالي ، و بلع واستنشاق 129 شخص آخرين للمادة المشعة . ناهيكم عن تعرضهم لمشاكل نفسية ، وكذلك للنبذ من قبل سكان المدن المجاورة وتجنب الإختلاط بهم . حيث وصلت لحد القيام بمظاهرات رافضة لدفن جثث المصابين بالمقابر العمومية ، ورفض دفن أي مخلفات ناتجة عن الإشعاع بالأراضي العامرة .

blank
تمشيط مخلفات المنازل باستعمال كاشفات المواد المشعة

كما تم إخلاء المدينة من السكان ، وتجنيد عدة جهات جوية وأرضية وحتى على الأقدام لتمشيط المنازل باستعمال كاشفات للمواد المشعة . بعض المنازل تم اعتبارها مخلفات إشعاعية ، وأخرى تم تفكيكها و أقل ما فعل بالبقية منها هو كشط طلائها وتنظيف أرضياتها بالحوامض . تم تحميل المسؤولية كاملة للطاقم الطبي الذي كان مشرفا على العيادة .. بسبب الإهمال بخصوص مواد مشعة وخطيرة على المواطنين ، خاصة وأنهم لم يخبروا السلطات المختصة بانتهائهم من استعمال الجهاز المذكور سالفا .

إقرأ أيضا : كوارث خطيرة تهدد حياة البشر في المستقبل

قامت السلطات باعتقال ثلاثة أطباء مسؤولين عن العلاج الإشعاعي ، و تمت محاكمتهم بتهمة التقصير وعدم إبلاغهم بوجود جهاز مشع مهمل .

أيضا .. كانت كارثة غويانيا الإشعاعية بمثابة صفعة استفاقة للحكومات . حيث جعلتها تتخذ إجراءات صارمة بخصوص المواد والأجهزة المشعة ، ووضعت رقابة مشددة حولها من لحظة دخولها البلاد وخلال فترة استعمالها ، حتى لحظة التخلص منها .

كارثة غويانيا الإشعاعية في الإعلام

صورت العديد من الأفلام والوثائقيات عن كارثة غويانيا الإشعاعية . ومنها الفيلم الذي أنتجه البرازيلي روبرتو بيريس Cesium-137 – The  Nightmare of Goiânia عام 1990 . وهو تصوير درامي للحادث فاز بالعديد من الجوائز في عام 1990 بمهرجان برازيليا .

blank
ملصق الفيلم

ملاحظات :

_ قامت الحكومة البرازيلية بردم أكثر ستة آلاف طن من أثاث المنازل .. وردم ما بين 40 إلى 60 منزل بسبب كثافة نشاط الإشعاعي .

_ لحسن حظ سكان غويانيا فإنه على الرغم من أن السيزيوم عنصر مشع ، إلا أن عمر إشعاعه قصير .

ملاحظة : جميع حقوق المقال محفوظة لموقع كابوس . لا يحق لأي شخص كان النقل الحرفي أو المرئي للمقال المنشور دون إذن مكتوب من إدارة الموقع . وتترتب المسائلة القانونية المنصوص عليها على كل مخالف للتنبيه المذكور .

المصدر
WikipediaBritannica
guest
12 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى