كنز اللقيطة
هذا كان كنزاً مرصوداً لا يخرج إلا عند اكتمال القمر في شهر معين |
و أثناء عودتنا إلى منزلي قال لي : هل تعتقد أن هناك بالفعل سحر اُستخدم في حماية كنوز و مقابر قدماء المصريين ؟ فقلت : نعم ، لأني شاهدت و سمعت من مصادر موثوقة جداً قصص غريبة ، و لكن معظم القصص بها مبالغات بالفعل ، و أن قدماء المصريين كانوا بارعين جداً في السحر ، و الدليل تحدي نبي الله موسي لهم فيما يبرعون فيه ليثبت لهم نبوته و أن قدرة الله عز وجل أقوى من سحرهم ، و لكن إلى الآن كل ما نعرفه عنهم قدر ضئيل.
و هذا الشخص يريد مترجم يتقن الفرنسية ليرافقه في عمل ما نظير مبلغ ضخم وقتها ، و صديقي هذا مرشد سياحي فرنسي يتحدث الفرنسية بطلاقة ، و ذهبا و قابلا هذا الشخص الذي تحدث معه بالفرنسية و تأكد من إجادته لها مثل الفرنسيين ، و قال له : أن مهمته هي الترجمة بينه وبين بعض الأصدقاء الذين سيحضرون من بلجيكا و فرنسا خلال يومين للذهاب إلى منطقة صحراوية بغرض الاستكشاف الأثري و شرطة الوحيد السرية المطلقة و أن لا يسأل عن شيء أبداً ، فوافق صديقي نظير المبلغ الضخم المعروض و كذلك زاده له هذا الرجل وطلب منه أن يحضر إليه بعد عدة أيام في موعد حدده له ليقابل باقي المجموعة حين يصلون من الخارج ،
وذهب إليه في الموعد المحدد وحدهم رجلين آخرين و سيدة نظراتها قاسية جداً و تدخن بشراهة غريبة ومعهم شخصين يظهر عليهم الشراسة ، مصريين يبدو من ملابسهم أنهم من صعيد مصر ، و كان أحدهم صامت والآخر يتحدث معه و أنهم يعرفون هذين الشخصين جيداً ، و طلبوا منه أن يستعد لمرافقتهم إلى الصحراء بعد يومين ، و حضر إليهم جاهزا بعد يومين كما طلبوا و ذكر أنه وجد ٥ سيارات دفع رباعي حديثة وقتها محملة بلوازم إقامة معسكر ، و كان هناك رجل من الاثنين المصريين فقط معهم ،
و عندما سأله عن رفيقه الآخر ، ذكر أنه سيلحق بهم ، و تحركوا إلى مدينة القصير بالبحر الأحمر ثم انحرفوا إلى طريق القصير ، وهي مدينة قديمة جداً في وادي النيل واصل أسمها كفتوس ، و منها أُخذ أسم قبط الذي يُطلق على المصريين قديماً ، و ذهبوا إلى حوالي ٩٠ كيلو من هذا الطريق الذي طوله حوالي ١٤٠ كيلو في منطقة بها محاولات زراعة اسمها اللقيطة أو اللجيطة كما يُطلق عليها باللسان الصعيدي ، و معلوماتي عن هذه المنطقة أن نهر النيل كان قريب جداً منها أيام قدماء المصريين ، و كان بها بلد و سوق كبير لأن تحت طبقة الرمال يوجد طبقة طمي كثيفة و وُجد بها آثار دالة تواجد بشر بها في عصور قديمة ،
المهم أنهم توغلوا بداخل هذه المنطقة و توقفوا في منطقة بها تلال رملية صغيرة و نزلت السيدة الوحيدة معهم وحدها وتحركت في المنطقة وهي تتمعن في المكان وترفع يدها بإشارات غريبة و كأنها تتحدث مع أحد ، مع أنها وحدها ، ثم طلبت منهم النزول والتخييم في هذا المكان ، و بالفعل نزلوا جميعاً وكان معهم عدد من المصريين للعمل معهم ، و أخذ يترجم التعليمات إلى المصريين معه وبالأخص هذا الرجل الذي قابله سابقاً ، و لاحظ أنهم طلبوا إقامة خيمة في مكان بعيد حوالي ٢٠٠ متر عن المخيم و تركوها فارغة إلا من صندوق واحد وُضع بها ،
و حل عليهم الليل وطلبوا منه أن يجلس معهم ، و كانوا يتحدثوا معه بالفرنسية و بين بعضهم يتحدثون لغة اسمها الفلاميش ، يتحدث بها جزء من البلجيك و هي لغة محلية صعبة ، و كان صديقي يعرف منها بعض الكلمات ولا يتقنها ، فتظاهر أنه لا يفهم منها شيء ، و لكنه ذكر لي أنه فهم منها بضع كلمات مثل ، القمر ، و الموعد ، و كلمة الهدية ، و لكنه فهم فيما بعد أنها كانت تعني القربان و ليس الهدية .
و بالفعل قبل الليل كان المكان قد وصل إلى العمق الذي طلبوه و جمعوا العمال و أعطوهم مبالغ كبيرة و طلبوا من سائقي السيارات أن يصطحبوهم إلى مدينة قفط على بعد حوالي ٥٠ كيلومتر أو مدينة قنا على بعد ٨٠ كيلو متر و يعودوا اليهم ، و تركوا الرجلين الأولين فقط و ٣ عمال فقط للمعاونة ، و قال : أن فضوله كاد يقتله ليسألهم عما يفعلون أو يريدون ؟ ولكن إغراء المبلغ الضخم وشرطهم عليه أسكته ، و عندما حاول سؤال أحد المصريين لم يجيب على سؤاله ، و أثناء الليل أقسم أنه سمع بكاء أطفال رُضّع يأتي من الخيمة البعيدة و كان معظم من معه من الأجانب سعداء و يشربون الخمر حتى ناموا جميعاً ، فقرر أن يتسلل إلى الخيمة البعيدة و يرى ما فيها ليشبع فضوله القاتل ،
و أقسم لي و هو يدخن سيجارته الثامنة أن صوت بكاء الأطفال كان يقترب كلما أقترب من الخيمة ، و دخل الخيمة و على أضواء كشاف صغير معه وجد ما جعله يتجمد مكانه من الرعب والخوف ، و شاهدت بالفعل عينيه يظهر به ذكرى ما شاهد ، قال : أنه وجد على أرض الخيمة نجمة سداسية مرسومة بالدماء ، لأنها كانت حمراء جافة امتصتها الرمال و بها جماجم أطفال ، و في منتصفها رأس طفل رضيع يبكي و يبكي معه باقي الجماجم ، قال أنه تجمد مكانه ثم خرج من الخيمة بصعوبة ، و من الرعب جرى إلى خيمته و ظل مستيقظاً لا يعلم ماذا يفعل أو كيف يهرب من هذا المكان ، لأن المكان بعيد عن الطريق الأسفلتي و لم ترجع السيارات بعد من قنا ، و كذلك خاف أن يعرفوا ما شاهد و يقتلوه ، خصوصاً أن الرجلين المصريين كانا يحملان سلاحاً نارياً ،
بالفعل وقبل الفجر عادت السيارات و عندما أشرقت الشمس جاهد ألا يظهر لهم أنه شاهد أي شيء برغم خوفه الشديد ، و عندما استيقظ الأوربيين و هذه السيدة طلبوا من المصريين تفكيك المخيم و تحميله على السيارات و وجد حوالي ١٠ صناديق كبيرة عليها أقفال ضخمة طلبوا تركها بجانب الحفرة المربعة السابق حفرها و أن يتركوا الخيمة البعيدة لا يذهب إليها أحد و تم الأمر بالفعل قبل العصر ، فطلبوا منهم أن يبتعدوا جميعاً بالسيارات و يتركوا الأوربيين والسيدة والرجلين المصريين فقط و أن يتوقفوا في مكان بعيد بحيث يروا إشارة ضوئية من كشاف كإشارة لهم أن يرجعوا إلى المكان بالسيارات مرة أخرى و أن يغادر معهم ، و بالفعل ذهبوا بعيداً ،
و كانت الليلة هي تمام القمر البدر ، قال أنه كان يشاهد بصعوبة بالغة المكان الذي كانوا به لأن السائقين امتثلوا للأمر وبالكاد يروهم نقاط بعيدة جداً ، و ظلوا مكانهم يشربون الشاي و يدخنوا إلى قرب منتصف الليل ، و أقسم أنه كان يستند على سيارة و يقف وحيداً يحاول أن يرى أي شيء مما يحدث بعيداً عنه ، و الباقين في جانب السيارات يتسامرون ، و شاهد كأن هناك طائر ضخم جداً يأتي من جهة الجبال البعيدة في ناحية المخيم و هبط هناك بالفعل وتجمد مكانه لا يستطيع إخبار السائقين عما رآه ،
و بعد منتصف الليل بساعة شاهد الإشارة الضوئية ليعودوا إلى مكان المخيم ، فأخبر السائقين و ركبوا السيارات و عادوا و وجدوا الأوربيين والاثنين المصريين واقفين بجوار الحفرة الكبيرة و بجوارهم الصناديق المغلقة و طلبوا منهم تحميلها على السيارات التي تركوها فارغة لأجلها ، و كانت سيارتين من ال ٥ سيارات و قال : أن الصناديق كانت ثقيلة جداً لأنه شارك في إنزالها من السيارات و كانت فارغة خفيفة والأن هي ثقيلة جداً و كان يتعاون ٣ أشخاص لحملها و كانت الخيمة البعيدة مكانها ، و عندما انتهوا من تحميل الصناديق ذهبت السيدة إلي الخيمة البعيدة و أخذت ترفع يديها و تحركها بإشارات غريبة و أشعلت بها النار وعادت و تتحدث مع الأوربيين وحدهم جانباً ثم طلبوا من الجميع ركوب السيارات والمغادرة إلى اتجاه طريق القصير قفط ،
و قبل أن يصلوا إلى الطريق قبل الفجر توقفوا ونزلوا وتحدثوا جانباً مرة أخرى و شاهدهم يستدعوا المصريين الاثنين و يتحدثوا معهم و يسلموا عليهم بحرارة ويضحكون ما عدا السيدة التي كانت صامتة و تقف وحيدة ، ثم طلب منه الرجل البلجيكي الذي قابله أولاً أن يركب معه سيارته و ركب الباقيين باقي السيارات ، و عندما وصلوا إلى الطريق الأسفلتي وجد أن سيارات الأربع تحركت إلى اتجاه قفط و قنا و معهم الصناديق ، و هو والبلجيكي تحركوا إلى عكس الاتجاه إلى مدينة القصير ،
و عندما سأل الرجل الذي كان صامتاً : هل سنذهب معهم ؟ رد : لا ، و صمت ، و عاد مع الرجل إلى مدينة الغردقة جنوب القصير ١٣٠ كيلو متر حيث تقابلوا أول مرة ، وعندما وصلوا إلى فيلا هذا الرجل طلب منه الدخول و تناول الطعام معه ، ولكنه اعتذر خوفاً وتعلل أنه لا بد أن يغادر الآن ، فذهب الرجل وعاد إليه بمبلغ مالي ضخم جداً فوق ما كان يتوقع وطلب منه أن ينسى تماماً هذه الرحلة ولا يتحدث عنها مع أي أنسان بلهجة ودودة مغلفة بالتهديد والوعيد .
و عندما طلبت أن أصور الخاتم لأترجم ما كتب عليه ، رفض بأدب جم و أعاده إلى جيبه ، و قد شاهدت قبلاً مثل هذا الخاتم في المتحف المصري ، و قال : أنه بعد عدة أيام ذهب إلى فيلا هذا الرجل و لم يجد أحداً ، و أن الفيلا كانت مستأجرة و لم يره مرة أخرى ، و بعد عدة أسابيع استأجر سيارة دفع رباعي واصحب أخويه وعاد إلى مكان المخيم بصعوبة و لم يجد إلا الحفرة الكبيرة و في أطرافها تظهر جماجم الأطفال و باقي الخيمة المحترقة التي عصفت بها الرياح والرمال ، و حاول أن يقرأ و يبحث و يصل إلى أي شيء مما رأه بعدها بعدة سنوات ، لم يوفق إلا منذ عدة سنوات ،
قص هذه القصة على رجل قابله في الأقصر حسب ما ذكر لي أنه كان روحاني ويعلم الكثير عن خفايا الفراعنة ، و قال له الرجل : أن هذا كان كنزاً مرصوداً لا يخرج إلا عند اكتمال القمر في شهر معين ، و لا يخرج إلا بالدم و بالسحر الأسود ، و أن السيدة كانت ساحرة عظيمة و هي من أخرجته ، و طلب منه أن يصطحبه إلى المكان ، فتحجج له أن الطريق قد تغير ولا يستطيع تحديده مرة أخرى بعد هذه السنوات ، فقال له : أعتقد أن هؤلاء الأوربيين عادوا إلى هذا المكان مرة أخرى .
أسف جداً فقد أطلت عليكم .
عندما تحريت عن أصل تسمية هذا المكان باللقيطة أو اللجيطة ، أخبرني كبار السن من القصير و قنا و قفط ، أن سبب التسمية يرجع إلى أنها كانت قديماً و إلى الآن مكان يتم فيه القتل والتخلص من أي فتاة من وادي النيل من البلدان القريبة حملت سفاحاً أو فقدت عذريتها بغير زواج من قبل ذويها ، و أن هناك جثث وهياكل عظمية كثيرة هناك ، بالفعل أن الاسم مرتبط بكلمة لقيط أو أبن الزنا أو الحرام.
تاريخ النشر : 2020-11-21