أدب الرعب والعام

لا أريد أن أكون هي

بقلم : مارني – المغرب
للتواصل : [email protected]

لا أريد أن أكون هي
يا إلهي ما الذي يحصل ! أشعر أن ذهني فارغ تماما من أي معطيات عن نفسي

استيقظت ذاك الصباح على صوت لحوح ينادي “فاطمة لقد تأخرت كثيرا عن المدرسة هيا استيقظي” . بقيت شاردة للحظات لا أدري حقا بماذا أجيب، لقد نادتني فاطمة يبدو أنه اسمي، تبينت فيما بعد أنها أمي يا إلهي ما الذي يحصل ! أشعر أن ذهني فارغ تماما من أي معطيات عن نفسي ، لا أستطيع أن أعرف إن كنت أنا أنا حقا ، هل هو فقدان مؤقت للذاكرة؟ هل سقطت وأصيب رأسي بشيء ما ؟ لا أسيتطيع أن أجزم بذلك حقا ، هل سيعتقدون أني مجنونة إن سألتهم من انا؟ يبدو اني سأتكتم على الامر بعض الوقت حتى وان كنت في داخلي أحترق لاعرف من أنا أو من هي فاطمة هاته التي ينادوني باسمها .

نظرت إلى المرآة الموجودة بالغرفة ولم أشعر بشيء ، لم أشعر بأني أعرف نفسي ولم أشعر بالغرابة أيضا، هل يعقل أن يجهل الإنسان ذاته يوماً ؟ أن يشعر بانعدام الرابط بينه وبين جسده وكل من حوله؟ إنه في الموقع الخاطئ . لست ادري حقا من أنا؟

ارتديت ملابس كانت تبدو وكأنها زي مدرسي موحد، حملت حقيبة فاطمة وأنا أجهل ما تحتويه أو ما الذي من المفترض أن تحتويه ، ولحسن الحظ وجدت بطاقة تعريف التلميذ موضوعة فوق طاولة في غرفتي المفترضة ، يبدو أني طالبة ثانوية في السنة الأخيرة وقد علمت ايضا اسم مؤسستي .
خرجت من الغرفة ألتفت يمينا وشمالا أتبين الطريق ، سمعت صوتا يناديني للإفطار تتبعت مصدره ووجدت أسرتي (هذا ما افترضته) ملتفة حول المائدة ، لم أنبس بحرف إلى حين مغادرتي ، شعرت اني أعرف هذا المكان لكني أجهل الاشخاص .

سرت مبتعدة على غير هدى وأخيرا أوقفت سيارة أجرة وطلبت منه أن يأخذني للعنوان المدوّن على بطاقة التلميذ سألني إن كنت طالبة منتقلة فانتبهت أخيرا إلى أننا في منتصف العام الدراسي
يا إلهي ما الذي يحدث؟ كيف سأتصرف بمجرد وصولي وأين سأذهب؟ كان علي ألا أخرج من غرفتي وأدعي المرض في انتظار ذكرياتي لتعود لي .
من الغريب أن أشعر أن المكان ليس غريبا اطلاقا لكني لا أعرف أحدا، استطعت أن أعرف مكان قاعة الدراسة من جدول الحصص المعلق في أحد الجدران
لحظات وشعرت بيدين تحيطانني من الخلف ووجه مشرق لفتاة جميلة تلقي علي تحية الصباح وتسألني إن نمت جيدا وأنا أكتفي بابتسامة ، وفي داخلي ألف سؤال لا يسعني طرحه حتى لا أبدو كالبلهاء، هل أسألها مثلا من انت ؟ ماذا ستكون ردة فعلها . إنها تبدو كصديقة مقربة ليتني اعرف اسمها على الاقل يا إلهي ما هذا الموقف!

اخبرتني بعد كثير من الثرثرة أن عليها أن تسرع إلى قاعتها كي لا تتأخر وأن علي انتظارها في استراحة الغداء في مكاننا المعتاد .
إذن فهي ليست في نفس فصلي . توجهت إلى قاعة الدرس ودخلت دون تردد لكن الجو كان أكثر من عادي ولا أحد شك في وضعي الحالي ، دخل الاستاذ وبدأ فجاة بتوزيع أوراق الامتحان و الظاهر أن الكل يعرف بالأمر ما عداي بالطبع . المثير للدهشة ان أسئلة الامتحان كانت سهلة بالنسبة لي وكأنها مجرد لعبة اطفال . في الحصة الأخرى أخبرني أستاذ الرياضيات أني حصلت على علامة كاملة في فرض سابق . يبدو اني (اولنقل أن فاطمة )فتاة ذكية جدا .

أخيرا إنها اسراحة الغداء وعلي أن أتوجه للقاء صديقتي المزعومة في مكاننا المعتاد . لم أشعر بغرابة الكلمة حتى اللحظة ، ما هو مكاننا المعتاد يا ترى ؟ رحت أجول في الساحة لمدة قبل أن أرها في إحدى الزوايا تنظر وهي غاضبة ، ولا داعي لذكر السبب لكني استطعت أن أخترع كذبة تنسيها تأخري ، فعادت لها هالتها المرحة وشرعت تثرثر طيلة فترة الغذاء . أما أنا فاكتفيت بالتركيز على كل كلمة تقولها حتى أجمع معلومات عن نفسي

لم أحبها ، على الاقل أنا وليست فاطمة ، لقد كانت متصنعة جدا تثرثر في أشياء تافهة كما أن توجهها في الدراسة مختلف عنى ، لا أدري ما الرابط الذي جمعني بها سابقا لكن، أنا الحالية لا أحبها وأراها مصدر إزعاج فقط ،فطلباتها لا تتوقف وأجد نفسي ألبيها مرغمة عني، على الأقل إن عدت أنا نفسي القديمة لا أريد ان أفقدها ،فلو كانت نفسي الحقيقية تكرهها لما اتخذتها صديقة منذ البداية.

كان هذا ببساطة تحليلي لوضعيتي الحالية ،مع تعلقي بأمل عودتي ذاكرتي أو عودتي أنا أكون مكانها ، ربما كانت هي سعيدة وذكية في نظر نفسها لكنها ساذجة بمفهومي أنا إلى جسدي ان كنت هجرته مع استبعاد الاحتمال الأخير.

لم أجد أي تعليق عن تغير تصرفاتي أو قيامي بشيء لا أقوم به عادة في البيت . ما كنت أقوم به ببساطة هو عدم القيام بشيء أو حتى التحدث بشيء عدا بعض الاسئلة العادية التي لا تثير الشكوك بالإضافة إلى التحيات . هل كانت هذه هي حياتي السابقة يا ترى ؟ فتاة مملة ليس لديها أي شيء تقوم به، فقط تجلس أمام تلك الكتب المكدسة في غرفتها ولا تبرحها أبدا ! أشعر أن الأمر خانق نوعا ما لكن ما دام الجميع لا يشك في شيء فهذه هي أنا

انا لست راضية عن وضعي الحالي ، هذا ما أعرفه عن نفسي الحالية وأعتقد أن بوسعي تغيير الأمر بمجرد الابتعاد عن الكتب و طرد تلك الصديقة من حياتي ببساطة لأني لم اتعلق بها ، و أذكركم أني أتحدث عن نفسي وليس عن فاطمة ، لكن سأنتظر قليلا لعلني أعود الى طبيعتي وذاتي وإلا سأغير هذا الوضع الذي لا يناسبني ،
نعم ساثور على حياتي الحالية

قد يتساءل البعض ما السيئ في ما أعيشه ؟ أنا احظى بمكانة جيدة كوني ذكية ، أسرتي أيضا في وضعية جيدة ،ولا خلافات بيننا على الأقل في الشهرين اللذين أمضيتهما معهم منذ ذاك الصباح. لا شيء مثيرا في حياتي ببساطة أيامي رتيبة لأبعد حد ، علاقاتي محدودة ،ولا مكان للمشاعر الحقيقية فيها، لا مكان للتجارب الجديدة والمغامرات التي تشعرنا حقاً بأننا نحيا، والأسوأ من كل هذا أو ذاك أولئك الناس المحيطون بفاطمة(بي ايضا)، نظراتهم لا تروقني، ولا أحد منهم يحبني لذاتي، هذا كان واضحا، أم أني أو لأقل فاطمة كانت لها نظرة أخرى ؟ أكانت تحب الحياة الهادئة لهذه الدرجة ؟ ألم تشعر أن الابتسامات التي تراها كل صباح تملق وليست حقيقة؟ ألم تشعر ان لا أحد ممن يدعون أنهم أصدقاؤها ليسوا كذلك، بمعايير الصداقة هل كانت ساذجة أم طيبة أم محبة للآخرين أم مغلوب على أمرها ؟؟ أم أن الكتب كانت هي كل حياتها لدرجة أنها لم تعد تعرف كيف تعامل البشر.. لا لا فلنستبعد الفكرة الأخيرة لأن الكتب تجعلنا نفهم الحياة وليس أن نجهلها .

هناك احتمال آخر ، فاطمة كانت لها نظرة مختلفة تماما .عالم من الهدوء والسكينة ،عالم قوانينه مختلفة تماما عن عالمي أنا ، بل لنقل عن الجميع تماما .لا أستطيع بعد الآن أن أربط نفسي بها ، أشعر أننا منفصلتان لكن لا بأس سأستعير اسمها فقط لبعض الوقت ريثما أبحث عن نفسي الحقيقية .

من منا يعيش في الوهم . ربما هي لأنها لاتستطيع أن ترى الشر. والشر موجود
هل هي مخطئة، ربما لا ، لكن أن تظل ساذجا لهو أمر مثير للشفقة. وأن تكون مكروهاً أفضل بكثير من أن تكون مثيرا للشفقة
أم أني تشاؤمية أكثر من اللازم ؟؟؟
لم أعد أدري حقا، وهنا قررت البحث عن فاطمة ، أجل أريد أن أعرف من هي ؟؟ من هي بالضبط؟؟
وهل كانت قادرة على تحمل كل هذا الهراء الذي هي فيه الآن أقصد الذي أنا فيه الآن، الفضول يحرق أعصابي ولن أرتاح قبل أن أعرف . سأبدأ رحلة العودة بالزمن إلى الوراء ،إلى نفسي القديمة وإن كنت لا أستطيع تقبلها بعد، فقط لأعرف من كنت . من كانت فاطمة ؟

***

كتبت في خانة البحث على النت “الذاكرة” لكن لم أفهم حقاً تلك الأقوال الفلسفية ،إنها لا تمت بصلة لموضوعي ،وأخيرا بعد بحث طويل وجدت موقعاً لمشاركة التجارب الغريبة، كان هناك أشخاص ادعوا أنهم أصيبوا بحالة فقدان الذاكرة لساعات لكن لا يبدو أن هناك شخصا طال عليه الأمر لشهرين، وآخرون ادعوا أنهم وجدا أنفسهم في أجساد أخرى مع وعيهم التام بذاتهم القديمة .
ما كل هذا الهراء؟؟ أيستمتع الناس بإطلاق الأكاذيب وجعل الآخرين يصدقونها ،هذا ماقلته لنفسي وأنا أقرأ تجاربهم لكن لم أشعر بكمية التناقض في تفكيري إلا بعد برهة ،أنا أيضا سأكون صادقة لو أخبرت أحدا بما حدث ، لكن يبدو أنهم لن يصدقوا كما فعلت للتو مع الأشخاص الافتراضيين أمامي . يا لها من دوامة علقت فيها .

***

مضت الآن اربعة أشهر وبحثي وصل لطريق مسدود والضجر من حياتي بلغ مني كل مبلغ، وإن أقدمت على خطوة بتغييرها سأشعر بالسوء تجاه فاطمة ،التي سعت لتبني عالمها الهادئ ، وربما يجب أن تشكرني لأني أخرجتها من وهمها . حسناً أنا لا أستطيع المجازفة بعد سأنتظر قليلا.

***

شهر آخر مضى ربما أنا على حافة الجنون ، أي شخص هي هذه الفاطمة ، ألم تصب بالأعصاب جراء تحملها لكل هؤلاء البشر من دون أن تبتعد عنهم ؟ إنهم لا يطاقون .أكاد أجن ربما سأنتهي بقلب حياتها رأسا على عقب إن استمر الوضع هكذا .وإن حدث وعادت ذاكرتي أو عادت هي ووجدت الوضع مختلفاً فيجب أن تشكر من اقتحم حياتها لأنه أبعدها عن كل أولئك الحمقى الذين لا يكفون عن استغلالها .
فبالتأكيد لست أنا هي ، أنا لست ضعيفة أمامهم .كلهم انتهازيون ، على الأقل إن عاملتهم بجفاء فتبرد النار في صدري لكن لا أستطيع ، هذه ليست حياتي ، أنا لذلك لا أستطيع التصرف كما أشاء .

***

هل جننت يا ترى ؟ هناك مرض يدعى الفصام هل من المعقول أني مصابة به ؟ هل أستشير طبيباً نفسياً ؟ لقد بدأت أشك بنفسي كثيراً وليس هناك أحد أسأله من أنا ؟؟ ربما يجب أن أنتظرا قليلاً بعد .

ذات مساء وبعد أن عدت محطمة من المدرسة جراء ذلك الموقف المشؤوم الذي أرفض أن أذكره وقع نظري على طرف مذكرة فوق خزانة ملابسي (بدأت أنسبها لنفسي) سمحت لنفسي بالتطفل على مذكرات فاطمة ، قضيت ساعات أقرأها وكل ما استنتجته أنها فتاة مفعمة بالحياة، ودائمة النظر للأشياء الجميلة ، لم أجد سطرا واحدا تنتقد فيه من حولها، حملت قلماً أحمر وكتبت في الصفحة الموالية لآخر صفحة مكتوبة
إلى فاطمة :
لقد بذلت جهدي لأعرف من أنت بالضبط لكني فشلت ، أود أن أصفعك فقط لأوقظك من أحلامك وأريك الحقيقة وأبعدك عن الأوهام لكنك لست أمامي، صدقيني ستشكرينني . أنت مخطئة ، فكري جديا في تغيير حياتك.

وأخيراً غفوت غفوة طويلة جدا استشعرت فيها عودتي لنفسي ، أجل لقد استيقظت اخيرا من عالم فاطمة، أنا أعلم الآن من تكون، لأني عدت إلى نفسي . لقد ندمت بشدة على رغبتي القديمة في أن أكون مكانها، وأجزم أن هناك الكثيرين مثلي أرادوا يوما أن يكونوا بدل غيرهم، ربما لأنها كانت سعيدة وذكية ومحبوبة من قبل الجميع أو هذا ما خيل لي لكنها ساذجة بمفهومي أنا للحياة ، أرفض قطعاً أن أكون شخصاً جيدا في نظر الغير على حساب راحتي، أن أتحمل سخفهم لأكون محبوبة، لكن لم أدرك هذه الحقيقة إلا بعد أن كنت أنا هي في بعد آخر بعيد عن واقعي .

أنا أحب الآن نفسي أكثر لأنها لا تشبهها ، أتمنى أن رسالتي وصلت إليها ، ربما سأبحث عنها لأعرف هل فعلت أم لا ، ربما سأبحث عنها لأعرف . العلاقات التي تقوم على التنازلات هشة جدا ومهددة بالانهيار وليست طويلة الأمد كما يعتقد البعض وكما اعتقدت فاطمة أيضا .هل بقيت فاطمة على طبيعتها الساذجة. أؤكد لكم أنها لم تفعل حتى وإلم أرها بعد. السعادة في معرفة طينة البشر الحقيقية، بدون أقنعتهم المزيفة. في معرفة من أنت بالنسبة لهم، في محو كل من يدعون أنهم يحبونك من حياتك بدون أن يرف لك جفن .

سأبدأ بمحوهم وسأجلس على حافة النهاية وحيدة في الأخير أستلذ الوحدة وأراقب سخفهم من بعيد.

انتهت

تاريخ النشر : 2018-11-30

مارني

المغرب
guest
14 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى