أدب الرعب والعام

لا تقتل فأراً

بقلم : مريم – السودان

لا تقتل فأراً
رأت فئرانا بحجم إنسان !

ذات ليلة مقمرة كان فيها الجو هادئاً تتلاعب الرياح بأوراق أشجار تلك القرية البعيدة عن العالم , استيقظت تلك الطفلة من نومها تواً , كان عمرها ثمانية أعوام .. استيقظت و وجدت نفسها تنام على كرسي قصير في غرفة مظلمة , أخافها الظلام قليلاً , نبض قلبها جداً و ازدادت وتيرة تنفسها , بقيت في مكانها لفترة لا بأس بها , تخلصت من القليل من خوفها , نزلت من كرسيها و لمحت ضوءاً يتسرب من أحد أركان الغرفة لتشقق الخشب عنها ..

اتجهت إليه مسرعةً لكنها لم تجد باباً , كان الضوء مجرد فتحة صغيرة , نظرت من خلال الفتحة فرأت مجموعة من الفئران تجلس على طاولة الطعام ، كانو بحجم البشر ويرتدون الملابس ويتناولون الطعام مباشرة من الطاولة بنهم شديد من غير استخدام أيديهم كالبشر , كانت أصواتهم عالية و مرعبة , عاد إليها خوفها مضاعفاً و أخذت ترتجف , اختبأت منهم بالرغم من أنهم لم يروها , بكت من الخوف , لم يكن صدرها يتسع لقلبها النابض , غطت وجهها بيديها علها تنسى أو تستيقظ ..

بدات تتذكر عائلتها .. أين هم الآن ؟ لماذا لا تراهم , بل أين هي الآن ؟؟ 
ما هذه الفئران العملاقة ! تذكرت والدها الذي أخبرها أن تنام في غرفتها وحيدة لأنها شجاعة , وتفتح الباب قليلاً ليدخل لها من ضوء البيت حتى لا تذعر , تذكرت أمها التى غالباً تحكي لها قصص قبل النوم , تذكرت أخواها الكبيرين اللذين يحبان الشجار لكنهما أيضا يحبانها ويلعبان معها , تذكرت قطتها الصغيرة “ننة” التي كانت تؤانسها أين هي الآن ؟ 

فجأة أحست بشيء يلمسها في يدها , لم ترد أن تفتح عينيها , كان شيئاً ناعماً و دافئاً كصوف القطة , فسمعت صوت قطة بقربها وكأنه يرجوها لتفتح عينيها , أحست أنها “ننة” فأبعدت يديها عن وجهها فلم تجد “ننة” و لكن وجدت إنسان في شكل قطة ، و كأن “ننة” تحولت لإنسان ، لكن احتفظت بصوفها وأنفها وأذنيها وذيلها وصوتها , لم تصدق عينيها , مدت “ننة” يديها للطفلة الصغيرة مطمئنة , بكت الطفلة واحتضنت “ننة” على الأقل شخص تعرفه أو بالأصح قطة .

الغريب في الأمر أن “ننة” لم تكن تجيد غير لغة القطط , فكانت تشير إلى جهة مظلمة من الغرفة , لم تجرؤ طفلتنا على الذهاب إليها وكانت “ننة” تحاول جاهدة جعلها تتجه إلى هناك , حتى علا صوتيهما فأحستا بهدوء غريب , لقد صمتت الفئران في الخارج ففتح باب من الحائط لكن لم يدخل أحد , أنار الضوء المكان , وكان الصمت مخيماً , فقامت طفلتنا بالتوجه إلى الخارج ولكن “ننة” حاولت منعها من الخروج لكنها ركضت بأسرع ما يمكن نحو الضوء , وعندما خرجت لم يكن المكان فارغاً كما تخيلت , بل وجدت أربعة فئران تحيط بها في صالة صغيرة هي نفسها صالة الطعام ..

خافت جداً وبدأت بالارتجاف , نظرت خلفها إلى مكان “ننة” كانت “ننة” تشير لها بالسكوت وتقول “هسسس” أرادت الركض والعودة إليها .. على الأقل هي تعرف هذه المخلوقة , لكن أحد الفئران قام بإغلاق الباب ونظر إليها بتعجب , فبدأت جميع الفئران الأربع بقتربون منها و ينظرون إليها بأعينهم الحمراء وأسنانهم البارزة , مصدرين أصوات الفئران المزعجة , لكن أصواتهم كانت عالية و كأنهم قد حصلوا على وليمة ..

بدأت الطفلة بالبكاء , فصرخ أحد الفئران فيهم بشدة فتوقفوا عن الاقتراب منها , ولكنه هو بدأ بالاقتراب ببطء خبيث منها مصدراً صوتاً للفئران , لكنه منخفض , وكانه يحدثها ويحرك يديه كأنه يشرح أمراً .. كان يجري حواراً عقيما معها ، هي مرتعبة وترتجف , فتوقف الفأر في مكانه وبدأ يبكي أخذت تنظر إليه فلاحظت شيئاً غريباً .. فأراً يبكي !! ولكن لماذا يرتدي هذا الفأر ملابس أبي ! فنظرت إليه مرتعبة .. أيمكن أن يكون هذا أبي ؟! فقالت للفأر العملاق متسائلة أبي؟؟
فرفع رأسه ناظراً إليها و أومأ إيجاباً و مبديا على وجهه ابتسامة هي غريبة على وجه فأر مجاري عملاق يرتدي ملابس بشرية يقف على قدميه ,  فقالت له أين أمي ؟؟ فنظر إلى أحد الفئران , فالتفتت إليه لتجد فأراً يرتدي ملابس أمها لكن لا يبدو عليه أنه والدتها فهو في النهاية فأر ووالدتها كانت سيدة جميلة !

نظرت إلى الفأرين الآخرين .. لابد من أنهما أخويها , وفعلاً كانا يرتديان ملابس إخوتها ! لم تدري ماذا تفعل غير النظر إليهم باستغراب , لم ترد أن تلمس أحدهم فهي غير واثقة من أنهم عائلتها , فقد كانت عائلتها مضرب مثل في الجمال وهذه الفئران هنا …. !! كانت في موقف لا تحسد عليه فجأة تذكرت “ننة” في الداخل , فقالت للفأر :
–  ننة في الداخل وحدها .. 
ففتح لها الباب .. دخلت باحثة عنها لكن ننة قامت بالهجوم عليها بشراسة فعادت إليهم لتخبرهم بهلع , فاندهشوا جميعاً عند رؤيتها وبدؤوا ينظرون إلى يديها , نظرت إليهما فوجدتهما ملئتين بشعر الفئران , وبدأتا بالتحول إلي يدي فأر , وبرزت أسنانها فارتعبت جداً وبدأت بالصراخ وهي تريد التخلص منهما , فقالت لها والدتها : 

– يا ابنتي .. (وبالرغم من أنها كانت بلغة الفئران لكن تمكنت من فهمها ) قالت لها : 
– لقد بدأ الأمر ولا يمكنك إيقافه , ستتحول عائلتنا كلها إلى فئران كعقاب لنا لأننا قتلنا واحداً , ولا ندري كم سيدوم العقاب , لكن بمجرد أن تقوم قطة بمعاملتنا كبشر بالرغم من مظهرنا سنعود كما كنا و في غمضة عين , لكن المشكلة أن القطط جميعاً أصبحت تطاردنا حتى “ننة” قطتك المفضلة , أو علينا أن ننتظر كبقية الفئران ذلك الفتى القادم الذي سوف يجمعنا كلنا ويذهب بنا إلى بركة ندخل فيها عائلة عائلة لنعود بشراً كما كنا 

فسألت فأرتنا أمها : 
– متى سيأتي
فردت : 
– لا نعرف متى , لكن سنعرف عندما يأتي , لأنه سوف ينادينا عائلة عائلة بواسطة موسيقى الناي العجيب الذي يحمله .. وإلى أن يأتي نحن لا نعرف كم سننتظر .

 

تاريخ النشر : 2017-06-27

مريم

السودان
guest
16 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى