تجارب ومواقف غريبة

لا يمكنني البقاء و لا يمكنك امتلاكي !

بقلم : روكسانا – سوريا – عامودا

هل حقاً الجن تخاف من الدبوس و الإبر ؟
هل حقاً الجن تخاف من الدبوس و الإبر ؟

السلام عليكم.
سأتكلم على لسان جدتي عن موقف حصل لها.

كنت آنذاك في الثانية أو الثالثة عشر من عمري ،  و كانت تعيش في قريتنا عجوز وحيدة مات زوجها و أولادها منهم من سافر إلى المدن بحثاً عن حياة أفضل ومن ذهب للإلتحاق بالجيش ولم تسمع عنهم خبرا منذ سنين.

فالكثيرين من الشباب ذهبوا بدون عودة ، كنا نسميه ( سفر بلك ) و لدى العجوز ابنة أيضاً ، عائشة التي تزوجت هي بدورها منذ أكثر من عشرين سنة إلى الأراضي التركية ولم تسمع عنها منذ أن تزوجت أي أخبار ، المهم القرية صغيرة والجميع يعرف بعضها جيداً ، فلاحظ الجميع شيئاً غريباً في منزل العجوز في الآونة الأخيرة ، حيث عندما تذهب العجوز لرعي أغنامها يلاحظ الجميع روائح الخبز الطازج والطعام وأصواتاً كأن أحداً ما يقوم بأعمال المنزل ،  والجميع يريد أن يعرف من يسكن معها ، و في مساء يوم من الأيام وكعادتنا كنا في الحوش جالسين على الدكة (معمولة من الطين بارتفاع مترين وعرض ثلاثة أمتار والطول تقريباً أربعة أمتار ولديها درج يجلس عليها العائلة ، في أيام الصيف الحار وأيضاً ينامون عليها ، تكون مرتفعة عن الأرض لتقينا من الحر و الأفاعي و بعض القوارض )

كنا جالسين فاذا بأبي يقول لأعمامي : أن العجوز تخفي شخصاً في من منزلها و أظن أنها فتاة من الأعمال التي تقوم بها من خبز وطهي ، و أظن أنها هاربة و إلا لما اختفت عن الأنظار ، سنذهب في المساء إلى العجوز لنفهم القصة و نجد حلاً لها ، و ذهب أبي و بعض رجال القرية في المساء إلى العجوز و بعد ساعة تقريباً رجع أبي و وضعت أمي له العشاء و أكل ، أنا وأمي ننتظر بفارغ الصبر أبي لكي يقول من في بيت العجوز ،

و بالتأكيد أخبر أبي أمي أنها ابنة عائشة ، نعم حفيدتها ، أمي ردت عليه : ابنة عائشة ؟ رفيقتي عائشة ، وأين عائشة ، ولماذا ابنتها لوحدها هنا ومتوارية عن الأنظار ؟ لا أعلم يا إمرأة ، قالت العجوز أن عائشة و زوجها و أولادها ماتوا بهذا المرض الخبيث (الطاعون ) و أم زوج عائشة أرسلتها إلي مع بعض تجار التبغ و أرسلوا في طلبي القرية المجاورة و أنا ذهبت وأتيت بها إلى منزلي وهذه كل القصة.

و أمي حزنت كثيراً على موت عائشة وانهمرت دموعها وحاولت أن تخفي الدموع بمحاولتها رفع السفرة و ركوضها مسرعة نحو المطبخ ، و مرت الأيام والشهور و رائحة الخبز والطعام تفوح من بيت العجوز ولكن لا أحد يرى الفتاة ، والعجوز تبرر تصرفات الفتاة بأنها مصدومة من موت عائلتها ولكنها ستخرج للعلن قريباً.

فكنت وفتيات القرية كل يومان أو ثلاثة نذهب إلى النهر للإستحمام وكانت أعمارنا بين التاسعة والرابعة عشرة ، لأن الفتيات كانوا يتزوجون بأعمار صغيرة ولا تكاد ترى في القرية فتاة بلغت الخامسة عشرة و لم تكن متزوجة ولديها أولاد. ذهبنا وكعادتنا مررنا بجانب بيت العجوز ونحن نمشي فإذا بفتاة تمشي خلفنا ، فاستغربنا لأننا جميعنا لا نعرفها ولم نراها من قبل ، ولأننا كنا قريبين من منزل العجوز فقلنا هي حتماً تلك الفتاة التي تعيش مع العجوز.

كانت تمشي خلفنا مباشرةً والجميع ينظر إليها بأعجاب ، كانت جميلة جداً ، شعر أسود ، وجه بدري أبيض ، قامة ممشوقة ، عينان تبرقان كالنجوم ، سبحان الله تمشي بدون صوت أبداً ، تقول كأنها تطفو فوق الأرض ، كنا نقول لبعضنا الوجه هكذا جميل فما بال الجسم و نضحك ، سألناها بعض الأسئلة لكن عبثاً لا ترد علينا فلم نبالي واكملنا طريقنا حتى وصلنا للنهر .

الجميع بدأوا بنزع ثيابهم وثم السباحة والاستحمام والضحك واللعب إلا هي ، كانت تجلس على الصخرة التي إلى الآن مازالت موجودة في القرية وتنظر إلى الماء بعينين حزينتين و بقلب محروق ومتألم من يراها سيقول كأن هذا النهر كان موطنها ولدت هنا ، لعبت هنا ، سبحت هنا كثيراً ، ضحكت هنا ، قضت أجمل أيامها هنا.

لم أتمالك نفسي و ذهبت إليها لادعوها للسباحة : ما لك لا تسبحين معنا ؟ لم ترد ، فأمسكت بثوبها و أيديها ترتجف بخوف و أشارت بسبابتها إلى الدبوس الموضوع في ثوبها فابتسمت و قلت لها : لا تقلقي ، أنا سأخرج الدبوس وأنت انزعي ملابسك عنك ، وما أن أخرجت الدبوس من ثوبها حتى قفزت إلى النهر وغطست بدون عودة ، فخرجن الفتيات مسرعات من النهر مذعورات يقلن : جنية ، جنية ، نعم جنية ، و حتى أُغمي علي من الصدمة ، فتحت عيني على سماع قراءة القرأن من أبي و صوت بكاء أمي ، و لم يمر بعض الوقت حتى سمعنا صوت العجوز وهي في وسط الدار تصرخ : ماذا فعلتي بها ؟

هربت من كانت تؤنسني في وحدتي ، و بهذه الكلمات حتى وصلت للغرفة التي أنا بها و تقول : أين ذهبت من عوضتني عن أولادي الغائبين ، أين ، أين ؟ أبي وأمي ينظران إليها بدهشة ، أمي قالت لها : أرجوكِ ماذا حصل لحفيدتك ، وأين هربت ؟ ردت العجوز على أمي وهي تبكي بقلب محروق و تجيب : لم تكن حفيدتي ، نعم لم تكن ، هي ملاك أرسلتها إلي السماء ليعوضني عن أبنائي الذين فقدتهم ، نعم ، سأقول لكم كيف حصلت عليها ، أنتم تعرفون حصان ابني الصغير موسى الذي ذهب للالتحاق بالجيش ولم يعد ، فكل فجر أطلق سراحه فيذهب إلى النهر ليرعى والمساء يعود ، لكني لاحظت في الآونة الأخيرة أنه يعود إلي وهو متعب جداً ومتعرق و كأن أحداً سار به لعشرات الكيلو مترات ، و تكرر هذا الأمر و ذهبت يوماً لأراقب من يفعل به هكذا لكن بدون جدوى ، لم أرى أحداً ،

فقلت سأقوم بحيلة لأمسك هذا المتلبس واعرضه على أهالي القرية لينال ما يستحق ، فذوبت بعض الأحجار التي تستعمل في تعبيد الطرق أحجار سوداء عندما تسخن تصبح مادة شديدة الإلتصاق و وضعت سرج الحصان و بعدها هذه المادة اللاصقة وتركته يذهب للنهر وأنا أضحك وأقول لنرى ذكائك ، ستكون في المساء أضحوكة الصغار قبل الكبار ، وأنا أنتظر المساء بفارغ الصبر ، حل المساء وجاء موعد مجيء الحصان ، وبالفعل أتى وأنا أنظر وأضحك ، فعلاً كان هناك شخص على الحصان ، من العتمة لم أميز الملامح و كلما اقترب أصبح ملامح الوجه أكثر وضوحاً وأنا اسلط ضوء القنديل عليه ، عندما وصل لوسط الدار ، يا إلهي ، ما هذا ؟ إمرأة بملامح ملائكية جميلة جداً ، وجهها يشع نوراً ملتصقة بسرج الحصان ،

اقتربت منها حتى خرجت دبوس من صدر ثوبي و وضعتها في ثوبها لأنني في تلك الوقت تذكرت أمي وجدتي عندما أخبروني عندما تجد جنية واستطعت أن تضع دبوس في ثوبها في ذلك الوقت لن تستطيع الهرب والتخفي ما دام الدبوس في ثوبها ، و في تلك الليلة بين الخوف والقوة وأنا أقوم بتحريرها من تلك المادة اللاصقة وبعدها بغسلها حتى الفجر ، نعم كانت أطول ليلة مرت علي ، كانت تقوم بالأعمال المنزلية على أكمل وجه ، كانت لا تتكلم لكن وجودها معي عوضني عن كل شيء ، نعم أحببتها ،

كنت أعلم أنها سترحل يوماً ، وها هي رحلت كجميع أبنائي ، و ذهبت العجوز إلى منزلها ، و أبي و أمي مندهشان من ما سمعته ، و أنا بدوري أصابتني حمى شديدة كادت أن تسبب الوفاة لي وبفضل الله تعافيت ولم اذهب من يومها إلى النهر ، وأصبحت قصتي على كل لسان أهل القرية و حتى القرى المجاورة ، و بعدها بسنة تقريباً تقدم إلي جدك طالباً يدي للزواج.

فقامت جدتي بأغلاق عينيها لثواني وهي تبتسم وأخذت شهيقاً طويلاً وبعدها بزفير طويل وفتحت عينيها.
أرجو أن ينال إعجابكم
وهل حقاً الجن تخاف من الدبوس و الإبر ؟ أرجو الرد من كان عنده معلومات عن هذا الموضوع.

والسلام عليكم و رحمه الله و بركاته.
انتظروني في المقال القادم.
 

تاريخ النشر : 2020-08-23

guest
45 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى