أدب الرعب والعام

لسنا مجرد ميثولوجيا – نحن حقيقيون مثل عواءنا – الجزء الثاني

بقلم : محمد ضحاك – الجزائر

ينظر بلا خوف بعين واحدة متوهجة و يتقدم نحو المستذئبة الغاضبة
ينظر بلا خوف بعين واحدة متوهجة و يتقدم نحو المستذئبة الغاضبة

 
أخرجت قطعة من الشوكولاتة لينهال عليها القط أكلا بغلافها  محدثاً فوضى بصدى لعابه هز بها المكان الكئيب .

– تباً إنها لذيذة جداً ، لستم كلكم سيئين في النهاية أيها الجاكلوردز ! صبي جيد !.
– لقد فعلت ما تريد و الأن حان دورك أيها القط العجيب .
– لست قطاً ! اسمي هو “تالوك” .
ضحك محشرجاً بابتسامته المشئومة .
– أنا شيطان و قد حبسني مشعوذ في هذا المكان اللعين منذ خمس و عشرين عاماً أو أكثر .
– لماذا ؟.
– كنت الوحيد الذي ساعدته في الهروب من جنية تدعى روتانا بعد أن اكتشفت أنه متزوج بسبب مشاهدتها لأبنه و هو يولد و قد حمل نفس رائحة دماء أبيه ، لقد كانت تحب المشعوذ حباً من طرف واحد و عرفته من خلالي أنا ، فقد كنت يده اليمنى ، اتهمني بعد ذلك بأنني سبب مشاكله و حبسني هنا ، لا أستطيع الخروج بسبب جمجمة الذئب المعلقة في أعلى المكان قرب المخرج ، نحن الشياطين لا نتحمل الذئاب يا روبي ، أنا من أقوى مردة الجن و لا استطيع تحمل الاقتراب منها .

– اذا أنرت لي المكان و أريتنيها قد أساعدك برميها بعيداً عن الباب ، و ستساعدني للخروج و التخلص من الحراس .

– حقاً … لا أستطيع أيها الصبي ، لا أستطيع إيذاء البشر أو الظهور لهم و لا الكلام معهم .
هنا انتابني شعور قوي جداً ، لا شيء منطقي هنا ، إنه يكلمني بالفعل ، و كابوس تلك الحسناء الذي يراودني منذ صغري تسألني أين ذهب والدي ؟ ارتباطي بجاين لأن كلانا أتهم بالجنون إلا أنها …
– إلا أنها تهتم بالميثولوجيا ، و أنت تكلم الجن أليس كذلك ؟.

– توقف عن هذا يا تالوك ، و كيف لي أن أكلمك أذن و أراك ؟ و أنا بشري.
– لا يرانا أحد ما عدى السحرة و المشعوذين ، أنت لست مشعوذاً ، لكنك تحمل دماء أبيك .
– أبي ، أبي الذي اختفى و أنا صغير ، مشعوذ و يسلخ جماجم الذئاب للهروب منكم ؟ توقف !.
– لم يسلخ شيئاً ،  الجبان سرق الجمجمة من متحف الحيوانات ، من تظن الأحمق الذي أحدثك عنه ؟ لقد حبسني الجاكلورد اللعين هنا و صادف الأمر أن يتم حبس أبنه الشاب معي هنا ، بدل أن يخبر زوجته بأنه يمارس الشعوذة كهواية ، روتانا قتلت أمك غيرة و الجبان هرب من بطشها بتعاويذه البائسة بعد أن عجز عن الانتقام منها و جحد مساعدتي و بالتالي لجأ إلى غابة هوياباكيو و اختفى ، إنها لا تجرؤ على الاقتراب من تلك الغابة و لا أي مكان فيه بقايا مستذئبين أو ذئاب ، إنها تأكل الجان يا روب …

روتانا القذرة هي من كنت أراها في الحلم أذن !.
– انهم يريدون قتلك ، روتانا أقسمت بتدميرك لأنك من صلبه بعد أن أفلت منها ، أتذكر خطيبتك التي حاولت تسميمك ؟.

– هل جاين جزء من خطتها يا تالوك ؟.
– و أنت هنا أتلاعب أنا بك للتسلية  ، كانت خطيبتك تدمر مركز الشرطة تبحث عنك
، الحمد لله أنني محبوس هنا و لم أشهد ذلك ، هجوم ذئب أبيض كاسر بحجم الدبابة على رجال الشرطة و العجيب أنه خرج مع ذئب أسود أخر عينه مكدومة يلاحقه بسرعة الريح و اختفيا بسرعه.

– ذئب أسود ! إنه الذئب نفسه الذي رأيته يمزق جسد الكلب روستر ، كانت تحاول اللحاق بالمستئذئب الذي أراد أن يقتلني .
– إنه صديقك الشرطي الذي أعطاك كدمة في عينك ليزيدك وسامه .
– أتقصد أن الذئب الأسود هو جيراي نفسه الذي تشاجر معي ؟.
استلقى القط بكسل في حجري ليقول ببرود :
– لماذا كل هذا الانفعال يا روبنسي ؟ ضربك في عينك ، أنت أدخلت زجاج مصباح نيون لعيناً في عينه يا رجل ، أليس هذا عادلاً كفاية ؟.
– دعك من حس الفكاهة الأن يا تالوك ، أخرجنا من هنا ، ما الذي قد يفعله مع جاين ؟.

– إنها التاسعة ليلاً ، في جو من الضباب ، و وسط الأشجار البائسة ينتهي مسار خطيبتك إلى مساحه عشبية تعود لشكلها البشري بعد أن فقدت كل أمل في الإمساك بجيراي ، جيراي المستذئب المزيف الذي تحول بالسحر الأسود لألة قتل هرب من ذئبة كرينوس بيضاء حقيقية ، و يحاول بجد إرضاء سيدته روتانا بعد سنوات من البحث في ملفات الشرطة ليجدك أخيراً يا روب ، و أول خطوة هي زجك في السجن ، الخطوة التالية هي استدراج خطيبتك إلى الغابة ليمزقها أتباعه بالسيوف الفضية و التخلص منها و من أي فرص تحويلك لمستذئب ، و لأنك الوحيد الذي يستطيع التواصل معي و استغلال قوتي ” قوة الشيطان الأخضر ” . الخطوة الثالثة هي البحث عني و قتلي قبل خروجك من السجن و تصاعد فرص لقاءنا و عودتي لشكلي الطبيعي ، ملا يعرفونه هو …

– هو أنك محبوس هنا معي بالصدفة ، بالفعل التقينا و ما بقي هو التخلص من تلك الجمجمة.
– بالضبط ، دعنا من الكلام الأن ، سأفتح لك الباب .
 
توجه القط للباب الذي كسر قفله من تلقاء نفسه فقال لي : ” اتبع اليراع يا روب , سترشدك إلى طريق سالم نحو السلالم المؤدية للمخرج ، احذر أن تدوس على أي عظام حسناً ، أنهم خجولون من الظهور و لكن لا تدس على طعامهم إن أردتهم أن يبقوا ودودين “.
– ماذا عن الحراس ؟.

– لا تخرج مباشرة ، سترمي الجمجمة بعيداً عن المخرج ، بعد أن تضع في فمها الزهرة البنفسجية النامية في المزهرية الصخرية القديمة ثم أشار إلى زهرة خانق الذئب ، ” بعد الخروج أغسل يديك جيداً من أثار هذه الزهرة قبل أن تلمس جاين فقد تقتلها ، سننتظر جاين عند المخرج فهي لن تتوقف حتى تجدك ! تذكر جيداً ، لا تدع الأحداث تخدعك.
– حسناً .
 
*****
 
 
صوت خطوات حافية تكسر الغصينات و تتقدم بحذر في ساحة من العشب الذي عكس ضوء القمر على نداه ، ليتراقص على وجهها الملائكي العازم متحدياً الضباب , تفسد جمالها أسنان الذئب البارزة ، عيناها تنظران هنا و هناك لتصطبغا بالأصفر الملتهب ، لقد أحست بوجود العدو ، تحس بكل شيء أكثر فأكثر كلما كبرت أذناها ، راحت بشرتها بالتواري خلف فراء أبيض يسرح فوقه ضوء القمر الفضي ، تمدد جسدها ليلائم المخالب الكبيرة ، مخالب لو حملتها اليد البشرية لسقطت من ثقلها . استمرت جاين الكاسرة بالتقدم نحو ذاك الرجل ممزق الثياب يحدق بها وسط الأشجار في الظلام ، ينظر بلا خوف بعين واحدة متوهجة و يتقدم نحو المستذئبة الغاضبة قائلاً :” صديقك فقأ عيني ، فقد أعصابه ، لقنه فقد شيئاً أخر …”.
عادت بسرعة لشكل أقرب إلى بشرية.

– أين هو ، أخبرني ؟.
– لم تسأليني بعد ماذا فقد ، لقد فقد ثقته بك ، أنتم أعداء الأن !.
– يمكنك أن تحاول أيها الأشقر ، لن يسيء بي روب الظن مهما حدث .
– كان يجب أن ترى وجهه عندما اكتشف بأن الكعك الذي حضرتيه له مسموم .
– أنا لم أحضر الكعك له منذ عام أيها الكاذب ، تقصد الذي حضرته أنت ؟.

ضحك جيراي ليستفز الوحش الذي بداخلها فهاجمت كرصاصة عملاقة لا تكاد تلحظ لقطة ، أنفصال رأس جيراي عن جسده و أين الدماء ؟ تحول كل من الرأس و الجسد لكومة فراشات سوداء ، إنه وهم.

وقفت حائرة تلتفت هنا و هناك بغضب حتى لمحت مجموعات من الملثمين برماح و سيوف تحمل رائحة كريهة جداً ، رائحة الفضة ، هل هذا كاف ليهزموا كتلة عضلات متعطشة لرؤية الدماء تجري خارجا لتتحرر من أجسادهم ؟  إن الدماء ليست في مكانها الصحيح ، خفقان قلب هؤلاء ال”شجعان” يجعل الدماء تجري أسرع ما يغيظ شهوة الدم أكثر فأكثر لديها فتندفع كالريح غير مبالية بالسيوف التي تخترقها و تحرق جلدها غير مصيبة قلبها ، كأنها السرعة بعينها تجهز عليهم مزمجره كدبور يقضي على النحل في طريقه للخلية ، فما هي إلا بضع ثواني حتى حولتهم إلى مجزرة جماعية ، تعوي بانتصار ، و تباً بدأت تخور قواها الأن و تعود للشكل البشري ، لاحظت تلك الورود البنفسجية في ثياب أولئك القتلى ، لا تصدق ماذا فعل استسلامها لرغبة الدماء ” انهم أشرار ، انهم أشرار يستحقون هذا ، لا عليكِ ، كنتِ متوترة ” راحت تصبر نفسها بتلك العبارات .
– لديك جسد جميل .
من هذا القذر الأن  ؟ تراه يمشي مترنحاً  سكران ، كان ذلك الملثم و قد تخلف عن جماعته الممزقين ، كبحت الذئبة بداخلها و حاولت أن تستغل الموقف ، اصفرت عيناها بشكل مرعب و أمسكته من حنجرته .

– أين جيراي ؟.
– روتانا العظيمة ! أخيراً نلت شرف لقاءكِ يا سيدتي فاتنة الجما..
صدمت السكران في أقرب جذع فتقيأ …
– أوو مقزز ، أسمع أيها الشيطاني ، أنا لست روتانا اللعينة ، أخبرني أين سيدك كي لا تصبح مثل رفاقك البائسين ؟.
– لقد أخبرنا أنه سيذهب لقتل سجين تمقته سيدتي روتانا ، إن اسمه هو روبنسي جاكلوررد!.
– بأي اتجاه ذهب ؟.
– ذهب شرقاً إلى سجن كرنكبي .
– إن كنت تريد أن تتكمل ليلتك بهدوء أعطني كل ما لديك .

راحت تركض كالريح في اتجاه كرنكبي بملابس الرجل و رداءه الذي ظل يرفرف بقسوة و هي تثب و تركض حتى خارت قواها عندما وصلت إلى طريق سيارات ، توقفت سيارة رجل و قد عرفها و عرفته من الصوت .

– تشاك أنطلق بسرعة إلى سجن كرينكبي !.
– كنت أعرف أن روبنسي بريء.
– هل أذيت أحداً ؟ لماذا اقتحمت مركزكم هذا المساء ؟.

– كنت أنتِ أذن ها ؟ سنتعامل مع جيراي لاحقاً ، الأن و قد شاهدته يتحول بأم عيني ، اكتشفت أمره و سأتصل بالقوات العسكرية .
– بل سنتعامل معه الأن يا تشاك ، أسرع قبل أن يصل إلى روب ….
 
*****
 
” مللت من الجلوس تحت المخرج يا تالوك ، سأخرج “.
– أنتظر ، هل جننت ؟.
– ما الذي قد يفعله هؤلاء الحراس ؟.
– لن أدافع عنك أنا عاجز عن إيذاء هؤلاء الملاعين ، أفعل ما تشاء .

ركل روبنسي البلاط و خرج مع عودة الحارسين ليبصقا روب بقهوتهما من الدهشة .
– أنت ! كيف خرجت من هناك ؟ ماكس اذهب و أحضر الصاعق الكهربائي .
خرج القط ليتفرج.

– صدقني أيها الحارس لقد هددني سجين أخر بقتلي إذا رفضت الخروج من الزنزانة .
– ما الذي تهذي به ؟ مخبول أنت ، أتقصد هذه الهرة ؟.

ضربه روب مفاجئاً إياه و هرب بينما هم الحارس برن جرس الإنذار ثم ملاحقته .
لاحق تالوك روب قائلاً له وسط رنين الإنذا و هرولة عشرات الحراس :” أيها المخبول لم لا تسمع كلام تالوك ؟ “.

لم يهتم رروب إذ به يقابل الحارس الثاني و الذي راح يحاول صعقه بالكهرباء فرما تالوك عليه بكل تهور ففوجئ الحارس بهر مسعور يخدشه ككتلة من الطاقة و هرب روب صائحاً في تالوك أن يترك الرجل الأن و يتبعه ، ” توقف ! ” صاح أحد الحراس بعد محاصرة بطلينا.

– هل تكلم هراً أيها الشاب المجنون ؟.
لم يرد عليه روبنسي بل انشغل بشيء ما ، ما بال القط يا ترى ، لماذا توقفت شتائمه لروب جراء رميه ؟ فجأة لاحظ الجميع توقف المواء المزعج  بشكل مريب.

– تالوك ، ما بالك يا صديقي ؟.
– عزيزي جاكلورد سررت بلقائك ، يجب أن أرحل إلى أقرب مخبئ .

– عد إلى هنا أيها الهر الجبان ، ما بك ؟.
– دعني و شأني روبي ، إني أشتم رائحة الذئب تقترب ، دعني أهرب.

اقتحمت الباب عربة شرطة مسرعة و خرج تشاك يترنح و جاين تساعده على النهوض ، حالما رأت روب ينظر باتجاه الهر الذي أخذه الفزع ، هرولت اليه مبتهجة فضمها بكل قوته ، تشاك يظهر بعض الملفات لحراس السجن يقنعهم ألا يتدخلوا بحالة روب.

– و كأنك أنت الكلب المطيع و ليس هي يا روب ، اتركها تتنفس .
صاح فيه الهر ساخراً
– تباً ، انقرض يا تالوك .
جاين : هل تحدث هرة يا صديقي ؟.
روب : إنها ألهة الخصوبة الفاتنة التي حدثتني عنها .
انهال الهر على روبي بغضب يخدشه وسط ضحك الفتاة و انتفض لما حاولت لمسه .
– إنه يخاف المستذئبين يا جاين ، أبتعدي عنه !.
– و ما أدراه أنني كذلك ؟.
– إنه شيطان و الشياطين لا تحتمل الذئاب و قد أشتم رائحتك .

– لا تمزح يا عزيزي ،  دعنا نذهب إلى أقرب مركز لأنقل لك قليلاً من دمي ، أريد أن أراك بشكلك البري .
– مركز ؟ عضيني الأن ، سأتحمل .
– أعرفك جيداً ، ستؤلمك كثيراً و ستشبعني شتماً .
قطع الهدوء صوت اقتحام جيراي القاعة المجاورة محولاً المكان إلى فوضى عارمة ” أين القط ؟ ” و صاح مزمجراً .

نظرت جاين الى خطيبها مبتسمة رغم هلع تشاك و الحراس قائلة  ” روبي .. أنت هو الأفضل “.
– أعرف تلك النظرة الدرامية ، ما الذي تنوين فعله ؟.
– الاستماع لكلامك و لو للمرة الأولى في حياتي !
بسرعة شديدة اصفرت عيناها و عضته في يده و هو يحاول ألا يتلوى من الألم و يشتمها.
– حسناً توقفي يا عزيزتي قبل أن تكسري شيئاً .
– أذهب مع تشاك و لا تطهر الجرح مهما حصل … ثق بي .

ثم همست ، بأن جيراي هو من حضر الكعك .
أخذ تشاك الفتى في حجرة خاصه وتبعهما الهر وسط فزع السجناء ، ثم ظهر جيراي بشكله المهول مع أتباعه الملثمين و هاجموا جاين فهرب الحراس ، و كانت قد خارت قواها تماماً فشرع الوحش يهاجمها بضراوة و هي لا تقوى على الحراك بينما الأخرون يبحثون عن روبنسي و القط تالوك .

كانت تقاوم كمن يصارع حبل المشنقة بعنقه ، على الأقل لا زالت أعضاءها في أماكنها لم تُمزق بعد ، و بينما الوحش يزمجر منتصراً ، استجمعت قواها و لوحت بكفها المخلبية بضربة خاطفة ليطير أنفه عن خطمه فراح يتلوى و يصيح فجاء جماعة من رجاله و أمسكوا بالمرأة المترنحة ليجهز عليها جيراي ، و ما أن استرجع بأسه هم بالوثوب عليها فدخل غراب في الحجرة يرفرف حوله بإصرار ، إنه الأن يتوارى خلف الملثمين الذين جثوا فور رؤيته مع جيراي ،غرابة فالحقيقة  لا بل شيء أخر ،.. دخل بينهم و أصدر ضجيجاً غريباً ، فخرج من بينهم على شكل امرأة تتشح السواد و شعرها الأحمر يغطي معظم وجهها و جسدها ، طويل يسحب خلفها و هي تمشي حتى تحول بين جيراي و جاين ، فتحت فمها لتخرج منه عشرات من الفراشات السوداء فتحيط بخطم الذئب ثم تتبخر فيعود أنفه من جديد و تلتئم جراحه ، و تقول بصوتها الأنثوي الناعس :” دعك من هذه التافهة و أحضر لي ابن جاكلورد بسرعة  “.

– إنه قادم إليك بنفسه أيتها البائسة ، أين اختفى أتباعك الملثمون في رأيك ؟.

التفتت إليه و قد عاد بزي الشرطة المعتاد وسط الرجال الملثمين المفصولة أجزائهم و كم أثارت رؤيته دهشه جيراي ! برز جناحاها السوداوان متقدمتا نحوه ، وجه تشاك المسدس نحوها و أفرغ فيها ذخيرته جاعلاً إياها ترقص لتهوي أرضاً و تتلوى ألماً و تزمجر ، ” بالمناسبة ، جيراي ، ستعطيني شارتك عندما ننتهي من هذا ” خاطبه تشاك بكل ثقة و قوة ثم أردف :” أراك في مستشفى المجانين لاحقاً ”  هنا زمجر الذئب الأسود بشراسة ، يجري نحو الضابط الذي يساعد جاين في النهوض غير أبه به و لا بالشيطانة التي صارت تستشيط غضباً .

يركض و يركض و ها هو بثقله المهيب يثب بقائمته على الحائط كسند محطماً إياه ، واثباً بكل قوة كحمم يقذفها بركان على جاين و تشاك ، فهاجمه شيء كأن صاروخاً صدمه لينطلقا كلاهما نحو أقرب عائق محطمين له في جزء من الثانية ، تحلق الشيطانة خارجاً مخترقة أسطح السجن بعد سماع زمجرة جهنمية مجهولة من الحجرة الأخرى ، يحمل الشرطي جاين بعد وصول دوريات و يذهب بها معهم إلى أقرب مشفى ، ينقشع دخان الدمار بينما جيراي يتعرض للتمزيق من قبل ذلك الكرينوس المثقل و الذي يفوقه حجماً و فتكاً ، إنه كتلة ذهبية اللون من الشراسة المطلقة التي تمزقه و تحرر دماءه منه بكل سهولة انصياعاً لغريزة المستذئب ، يفترسه بضربات سريعة كعصفور يرفرف كي يطير عالياً ، تماما كما تطير أسنان جيراي ثم يلتف روبنسي و يغرز أنيابه الضخمة في كتفه ليسحق عظامه و بحركة عنق فقط يطرحه بفكه أرضاً كصخر عملاق سقط من أعلى قمة ، و بدافع السخرية قفز إلى السقف مقتلعاً مصباح نيون و كسره ليحط على الأسود العاجز عن الحركة و يغرزه في عينه الأخرى.

مشى الذئب الأصفر نحو المكان الذي أحتجز فيه و هو بشري تاركاً جيراي مشلولاً تماماً ، الأن و قد بات قادراً على الرؤية في الظلام فقد زاح عنه خوفه و قد دمر المدخل تماماً ، ينزل فتهلع كل جموع الجن فور رؤيته و يسرح كالريح في تلك الأرض الواسعة الكهفية بين الزنانات المختلفة ، و يصعد ليعوي منتصراً بقوة فيسمعه صديقه الشيطان الأخضر بعدما انتهى من أكل جل خزينة مطعم السجن فيحضر كاللهب الجائع يراه روب واقفاً بطوله الفارع مفتول العضلات يحيط به اللهب يتلاعب بشعره الأسود الحريري و بعباءته القطيفية الخضراء مكحل العينين المرعبتين يبتسم بأنيابه لروبنسي ” أنظر ماذا فعل بك الحب يا صديقي العاشق ؟ ” وسط دهشة الجن الأخرين من هذا المارد الذي يكلم مستذئباً بلا خوف و يبتسم له الوحش فاهماً ” نكتة ” تالوك .

تقلص روبنسي ليبدو كالقزم أمام تالوك ، صار في شكل البشري الأن و راح يغسل نفسه من الدماء في بركة الماء المتساقط ، لا توجد الأن فرصة لأي شيطان أن يقتله ، ببساطة يجلس يشاهد صديقه المارد و قد توهج قرناه العظيمان مع توهج بضعة أوشام في جلده الأخضر لتخرج سلاسل نارية خضراء من الأرض و تبرز نحو السماء و هناك في الأعلى ظهرت نباتات و أشجار تتحرك
و تلتوي بمشهد عجيب يتطلب أفضل مخرجي هوليوود ليصوروه لك في فيلم ، نزلت الأشجار بجذورها الطويلة إلى تالوك كأنها جنده المطيع ، نزلت حاملة المرأة الغراب التي هربت و هي الأن مقيدة بالأشجار التي تخنقها وسط دهشة روبنسي من الموقف .
 
– روبي ، هل تعرف هذه الشيطانة ؟.
– إنها تشبه الحسناء التي أراها في الحلم يا تالوك ، أنتِ هي روتانا أليس كذلك ؟.

شرعت روتانا تسبه باسم أبيه و تزمجر ، و في تلك الضوضاء يخاطب الشيطان الأخضر روبنسي :
– صديقي ، سد أذنيك .
– لماذا ؟.

– هل تذكر أسطورة عازف المزمار قبل قرون ؟ الرجل الذي أخرج الفئران من البلدة بالموسيقى و لم يدفع له عمدة تلك البلدة .
– أعرف القصة يا تالوك.

– كل ما طلبته منه هو بعض الطعام لكنهم يشوهون الحكايات مع مرور الوقت و لم يذكروا المصير الحقيقي لذلك العمدة عندما بصق على وجه تالوك ، كان بإمكانه أن يقول لا بكل بساطة.

– تباً لك أيها الشقي ، ألا تخلو من المفاجأت ؟.
– إن أردت أن ترى المشهد مجدداً فقم بسد أذنيك ، ستشهد قوة الشيطان الأخضر ، قوة الطبيعة .
 
****

” جاين رريسرز ” في سريرها بالمشفى و بجانبها الضابط تشاك يقرأ جريدة و هو جالس على طرف السرير مع رجال الشرطة و فجأة تسمع موسيقى خافتة كأنها من حفلة بعيدة ، نبات الصبار بجانبها صار يتحرك بغرابة ففهمت الأمر عندها ، هرعت إلى تشاك و طلبت منه سد أذنيه ففعل مستغرباً و سدت هي الأخرى أذنيها و الغريب هو أن رجال الشرطة الأخرين بدأوا بالرقص ببراعة مفتونين و كذلك كل من في المشفى ، أما في قاع السجن فقد كان تالوك يعزف ببراعة على مزمار ذهبي و كل كائن حي في السجن و كل نبات كان يرقص و خصوصاً الفئران ، ثم غير النغمة فبدأت الدواب تهاجم روتانا من كل النواحي فانتفضت و ظهرت بشكلها الحقيقي بقدها الشيطاني الأسود و جناحاها و قوائمها العديدة و برز قرناها فكشف شعرها عن وجهها اذا به وجه عنكبوت بشع بأربعة عيون خرجت منه كل الألوف من الفراش الأسود متأثراً بلحن الموت ، خرج حتى نشف لحمها و صارت عظاماً هزيلة ، ثم خرج لسانها يتراقص بشكل عجيب مع اللحن فتوقف تالوك ليأخذ نفساً .

– أتريدني أن أجعل أعضائها ترقص داخل جسمها فتتعذب حتى الموت ؟.
– لا يا صديقي ، كان هذا عجيباً للغاية ، لكن أتركها لي .
– تباً يا رووب ، كنت قد بدأت أستمتع تواً.
تحول روب إلى شكل ذئب كامل و أنقض على وجبة الانتقام لتشهد المنطقة صرخة مدوية لن يسمعها إلا الحيوانات و المشعوذون .

دخل هذا الشاب ماسحاً الدماء من شفتيه و على كتفيه قط أسود صغير يتمدد بكسل حول عنقه
، دخل إلى المشفى حيث كان الجميع يلهث ، فاستقبلتهم الممرضة :
– جاين ريسرز ، أين هي يا أنستي ؟.
– رائحتك يا سيدي ، أسفة يجب أن تنظف نفسك قبل أن نسمح لك بمقابلة المريض.
ضحك الهر قائلاً :” يا قذر “.

– أنت أخرس ، كله بسبب غازات الهررة خاصتك.
– سيدي أنت تكلم هرة ؟ أنت مرح لكنك تحتاج إلى تنظيف لمقابلة الأنسة .
 
” لا بأس ، ليست لدي مشكله ” قالت جاين و قد غادرت سريرها إلى قاعة الاستقبال بوجه بشوش كعادتها ، تبعها الضابط تشاك ليجدها مع خطيبها و هره تعانقهما بشدة .

– لماذا تركتي سريرك يا أنسة ؟.
– تركته لمن يحتاجه أكثر مني .
قاطع المشهد دخول ممرضين يحملون رجلاً أشقر و قد كسرت كل عظامه و زال سحر روتانا عنه بعد موتها ، فلم يعد مستذئباً ، يشتم و يشتم و يشتم .
 
– لا يا أنسة جاين ، سينقلونه إلى مشفى المجانين .
ضحك الجميع ، و بعد عامين تزوج روبنسي بجاين في زفاف حيث رقص الناس رغماً عنهم للحظات ،  بعد أن أصلحا معاً الضرر الذي حل بمحله وقد ازدهرت تجارته.
 
الأن  ستتأسس عائلة جديدة من ال”جاكلوردز” , هذه المرة سيكون نسلاً خيراً و طيباً  و مفترساً أيضاً .

أما القط  فقد صار يعيش في محل روب و قد تحقق حلمه أخيراً ، بقالة لذيذة كل مساء .
و رحلة مغامرة مع جاين و روب كل نهاية أسبوع إلى أخطر بقاع الأرض حيث سيعزف بمزماره و يستمتع ، بينما صديقه روب الذي حُرم منذ صغره من حضن العائلة ، في نهاية كل معركة له في زمن قلت فيه المشاعر الصادقة ، يجد دوماً مكاناً في حضن زوجته جاين التي تحضنه سواءً بملابس البيت النظيفة بعد حمام منعش أو بفراء ملطخ بأثقل الدماء في ساحات المعارك ، إنها عائلته .
 
 
مياو ! .
 
النهاية …..

ملاحظة :  الكرينوس : حسب الميثولوجيا هو أحد أقوى أشكال المستذئب حيث يكون له رأس ذئب بجسد ضخم مكسو بالفرو ، حيث يتحول أولاً لشكل كلابرو GLABRO و هو أقرب إلى الشكل البشري مثل فيلم WOLFMAN أو سلسلة تينوولف
، ثم شكل الكرينوس CRINOS مثل ذئب فيلم فان هلسنغ ، ثم شكل الهيسبوHISPO و هو ذئب بحجم أضخم من الدب ، ثم شكل اللوبوس LUPUS و هو الذئب العادي.
 

تاريخ النشر : 2020-03-12

محمد ضحاك

الجزائر
guest
17 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى