أدب الرعب والعام

لعنة العقوق

بقلم : NORAWY 38 – سلطنة عمان

لعنة العقوق
 

– أنتظر يا رعد لا أريدك أن تذهب مع هذه الفئة الفاسدة مجدداً

– أتركيني لست بحاجة إلى نصائحك المملة ، هيا إبتعدي عني ..

ويدفعها بيديه لتسقط أرضا تبكي وتشكو عقوق هذا الولد .

وسريعا يذهب مع رفاقه في هذه المغامرة الجديدة ، في هذه المرة سيجربون ركوب البحر لأول مرة في رحلة صيد بقارب ولا يملكون من خبرة ممارستها إلا ذلك الرفيق الذي بالكاد يفقه تشغيل القارب وإغلاقه ، وعدا عن ذلك فلا يزيد شيئا ، كما لم يحملوا معهم في هذه الرحلة إلا مئونة يوم من الطعام والماء .

كانوا ثلاثة هذا المسمى رعد وحسام ومانع ، حتى أسماءهم كانت تدل على الشدة والحرمان ، فلا عجب أن يجتمعوا في هذه الصحبة البائسة .

وصلوا للشاطئ وبدءوا بإنزال مئونتهم وأغراض هذه الرحلة في القارب ، مرت الساعات وهم يتنقلون من مكان إلى آخر في عرض البحر بحثا عن مصائد جيدة بلا فائدة . لم يشعروا بعجلة الزمن ولا بالمسافة التي إبتعدوا بها عن الشاطئ ، وقد خيم الظلام وأستحالة الرؤية الجيدة في هذه الليلة الحالكة .

لم يضعوا في الحسبان أن رحلتهم ستطول وعليهم إحضار مصابيح للإضاءة ومزيد من المئونة ..

ماذا سيفعلون الآن ؟!

هل يواصلون البحث عن اليابسة في هذا الليل البهيم أم ينتظروا للصباح لتتضح الرؤية فكان الاتفاق على الاختيار الأول ،و لكن مهلا لقد نفذ الوقود من خزان القارب ! ولقد إبتعدوا عشرات الكيلومترات عن الشاطئ ( هذا كان تقديرهم للمسافة المقطوعة ) .

لقد مر اليوم الأول وهم على هذه الحال ونفذ الطعام والشراب من ليلة البارحة ، و لا يلوح في الأفق أي بادرة على وجود سفينة أو قارب ولو كان تائهاً في هذا البحر الذي لا يقصده أو يمر به الكثيرون .

لم تكن بصحبتهم إلا النوارس وطيور البحر الأخرى التي لا تفيدهم بشيء ما في هكذا وضع .

بدأ الجوع يغزو بطونهم ، والعطش يلهب حلوقهم .

ماذا يأكلون ويشربون

أسماك نيئةً ؟ أم ماءاً مالحاً ؟

حتى صناراتهم لا تصطاد شيئا من الأمس وحتى اليوم ، بدأ اليأس والرعب يتسلل إليهم وهم يتذكرون المعاصي التي أرتكبوها سابقاً ، فلربما كان هذا عقاب من الله ، وبذات الوقت سلموه مقاليد أمورهم .. ولكن هل ستشفع لهم التوبة الآن ؟! .

مر اليوم الثالث والرابع وهم على هذه الحال .. لا يابسة ولا أناس يرونهم ولا ما يسكت جوعهم ويطفئ ظمأهم ..

وها قد أتى اليوم الخامس .. كانوا مجهدين لأبعد الحدود وقد حاولوا في اليومين السابقين التجديف بأيديهم ولكنهم لم يستمروا للإجهاد وإنحدار القوة التي أعترتهم ، غابوا عن الوعي لفترة ولم يصحوا إلا على صوت أحدهم :

– ” إنها اليابسة ! ، إنها اليابسة ! ” ، ” الحمد لله ، الحمد لله “

هكذا صاح بهم مانع وبسرعة وضعوا أيديهم في الماء للتجديف خارج هذا القارب الذي يفتقد حتى المجداف ، وبعد جهد جهيد وصلوا بالقارب لبر الأمان .

ورموا أجسادهم المنهكة على الشاطئ . أخذهم الوقت وهم مستلقون لإلتقاط الأنفاس وإستعادة القوى ..

– ” أووووه ، ما هذه المنطقة الجبلية والنائية ، إننا لا نرى أحدا ، ولا نرى ما يدل على أنها مأهولة للبشر ” .. هذا ما قالوه بعد قسط الراحة الذي أخذوه .

أتفقوا على أن يواصلوا المسير خصوصا أن المساء على بعد ساعتين تقريبا من القدوم ، وحينها ستصعب بل ستستحيل معرفة الطريق . تلفتوا يمينا ويسارا لا طريق ولا حتى ترابي ، فكان الخيار على الولوج في الجبال علها تكون سكنا لأناس ما .

دخلوا الجبال وبعد الفترة من المشي في هذه الجبال تنزلق رجل رعد على أحدها ويسقط ثم يتدحرج قليلاً لبضع أمتار للأسفل وهو يتأوه . ها هو يصرخ من الألم ، ويتبعه تقيؤ كدليل على وجود الكسر ، لقد اصيب بكسر في ذراعه من قوة السقطة وبعض الخدوش والجراح المتفرقة على جسده المنهك .

نعم “إن المصائب لا تأتي فرادى ” هكذا حال لسانه يقول . ولكن رغم ذلك يشجعه رفيقاه على النهوض ليواصلوا المسير ، والمسير ، ومن ثم المسير في هذه الليلة المشئومة .

وفجأة ! يسمعوا أصواتاً قادمة من بعيد في وسط هذه الجبال النائية ، تبدو كأصوات حفل زفاف ، نعم بالفعل إنها كذلك فأصوات الطبول والغناء ترن مسامعهم ، أقتربوا رويدا رويدا من الصوت ، وبحذر رفعوا رؤوسهم من خلف أحد الجبال للتأكد من إعتقادهم .

يا للهول أصوات ولكن لا يرى أحد ولا ترى الانوار ولا حتى نارُ موقدة ، الأصوات تقترب منهم شياً فشياً ، نعم إنها تقترب ، نعم إن مسيرة الزفاف تقترب منهم ، وفي لحظة تصبح مارة بجانبهم وفوق رؤوسهم ، وهم مستلقون على ظهورهم من الفزع . نعم إنها مسيرة وإحتفال زفاف ولكنهم ليسوا بشراً ، إنما هم أعداء البشر إنهم بالطبع الجن .. لقد رأوهم وتوقفت المسيرة ، لتبصر هؤلاء الزوار الثلاثة الغرباء .

فعلا لقد كان هذا ما ينقصهم ، إنها النهاية .

لقد استسلموا لقدرهم وحتفهم ..

قبيلة من الجن في مواجهة ثلاثة من البشر العزل ..

إنها الحانقة وأغمضوا أعينهم للمصير المحتوم .

سامحيني يا أمي ويا أبي ..

وليسامحني كل من أخطئت في حقه ..

هذه كانت كلمات رعد الأخيرة التي تمتم بها وهو مغمض العينين ينتظر نهايته ..

..

..

..

رعد ، رعد

أنهض ، أنهض ..

لقد تأخر الوقت لذهابك للجامعة  ..

يصحو رعد فزعا

ماذا ؟ ماذا ؟ ..

أخي ؟! أخي ؟! هل حقا أنت أخي ؟! أم إنني أحلم ؟ ..

وسريعا أطلق العنان لساقيه قاصدا والديه يقبل رأسيهما وأيديهم وأقدامهم ، راميا نفسه في أحضانهم الدافئة ، باكياً كالطفل الصغير ، ومعتذرا منهم ، عازماً أن يكون ولداً طائعاً لله ، وباراً بوالديه .

والآن رعد هو داعية من دعاة الهدى بالإضافة إلى وظيفته التي يعتاش منها .

تاريخ النشر : 2015-04-27

NORAWY 38

سلطنة عمان
guest
25 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى