تجارب ومواقف غريبة

لعنة اليد المبتورة

بقلم : صلاح الدين زيد – اليمن

فتحتها وإذا بها يد بشرية مبتورة و مضرجة بالدماء
فتحتها وإذا بها يد بشرية مبتورة و مضرجة بالدماء

 

هل رأيت في المنام أنك تحلم ؟

نعم ، قد يبدو ذلك غريباً ، لكنه يحدث نادراً جداً، و أنا حدث معي ذلك مرتين في حياتي ، إحداهما لن أنساها ما حييت ، ففي الوقت الذي استيقظت فيه من ذلك الكابوس كانت مكبرات الصوت في مسجد حارتنا تعلن عن وفاة اثنين من الشباب من أبناء القرية ، و كلاهما كان في مقتبل عمره ، الشاب الأول مات على فراشه بشكل مفاجئ ، و الآخر كان جاري و صديقي  و قد مات بطريقة بشعة و مؤلمة و غير متوقعة .

ما زلت أذكر كل تفاصيل ذلك الكابوس و قد قمت بتدوين تلك التفاصيل على هيئة قصة قصيرة ، و يشهد الله بأني لم أزد فيها شيئاً عن مضمون ذلك الحلم سوى بعض التراكيب والمفردات اللغوية لتتماشى مع طريقة السرد ، وأتمنى أن تنال بعض أعجابكم .

 

رأيت فيما يرى النائم أنني جالس أمام نافذة غرفتي أراقب الأطفال و هم يلعبون بالأسفل ، حاولت أن أعرف ما هي نوع اللعبة التي يلعبونها فلم أتمكن من ذلك ، ألتفتُ فوجدت غرفتي فارغة تماماً من أي أثاث سوى ذلك الفراش الرث الذي يقبع في زاويتها ، كان مهلهلاً و مساوٍ للأرض في سمكه ، و تغطيه ستارة بالية لا تكاد تُظهر الرسوم المنقوشة عليها ،

مع ذلك شعرت برغبة عارمة في النوم ، فذهبت واستلقيت على ذلك الفراش فوجدت نفسي فجأة مع بعض الأصدقاء نمشي على حافة منازل طينية قديمة و متلاصقة مع بعضها ، كانت كل طوابق تلك المنازل منزوعة الأسقف و فارغة من الداخل ، و كنا نمشي على حوافها الشاهقة ، كنت أرى أصدقائي يبتعدون وأنا لا استطيع اللحاق بهم أو الجري مثلهم ، تأرجحت و أوشكت على السقوط فاستيقظت من الحلم ، لكن ليس في الحقيقة بل وجدت نفسي جالساً مرة أخرى على ذلك الفراش الرث الذي كنت مستلقياً عليه.

شعرت ببعض الأمان و أيقنت بداخلي أنه مجرد حلم ، و بينما أنا كذلك إذا بي أسمع صوت طرقات قوية على باب الغرفة ، نهضت مستغرباً و فتحت الباب ، فوجدت خلفه أمرأة عشرينية من نساء قريتنا (عرفتها رغم أنني في الواقع لم أتحدث معها من قبل) و ما إن وقعت عليها عيناي إذ بها تقدم لي شيئاً ملفوفاً في خرقة خضراء قائلة بنبرة باردة : هذه أمانة عندك ، ثم انصرفت ولم تقل أي كلمة غيرها.

 

نظرت إلى الخرقة متعجباً وأنا ما زلت واقفاً في مكاني ، أحسست بشيء بارد يختبئ بداخلها  فتحتها وإذا بها يد بشرية مبتورة و مضرجة بالدماء ، تراجعت إلى الخلف مرعوباً فسقطت تلك اليد المبتورة من بين يدي وأيقنت في نفسي أن تلك المرأة قاتلة و أنها تسعى لتوريطي معها في جريمتها ، و مما زاد من خوفي وهلعي هو منظر تلك الدماء التي تناثرت بشكل مريع على جدران و أرضية الممر .

أغلقت باب غرفتي بعد شق الأنفس وتوجهت صوب النافذة لأطلب النجدة ، لكن بدى لي وكأن الزجاج من النوع الذي لا ينفتح ، كنت أصرخ من خلف الزجاج : أنا مظلوم ، أنا مظلوم ، يا ناس فلانة بنت فلان هي القاتلة ، شعرت أن صوتي قد بُح تماماً حتى لو أن أحداً كان معي بداخل الغرفة فلن يسمعني ، تمنيت في قرارة نفسي أن يكون هذا مجرد حلم ، أغمضت عينيَّ و قلت في سريرتي : إنه حلم ، هذا كابوس ، و تلك اليد المبتورة والدماء المتناثرة ستختفي و تتلاشى بلا شك.

استدرت ببطء ناحية الباب ، تقدمت و فتحته بهدوء ، ألقيت نظرة على الممر فلم أجد شيئاً ، اليد المقطوعة اختفت و تلك الدماء تلاشت أيضاً و صارت ألوانها باهتة و غير واضحة ، تنفست الصعداء و لم أهتم لوجود تلك العملات المعدنية المتناثرة على أرضية الممر ، و عندما عدت إلى غرفتي أثار استغرابي وجود معطف طويل يتدلى على مسمار في منتصف الجدار.

اقتربت منه فرأيت أن أحد جيوبه الخارجية ممتلئ بشكل ملفت ، ساورني القلق ، مددت يدي لأتحسس ذلك الشيء ، وما إن لامسته حتى سقط المعطف أرضاً و خرجت من داخله تلك اليد المبتورة مستلقية على الأرض بهدوء و الدماء تقطر منها ، ارتبكت و اعتراني الخوف مجدداً و قلت لنفسي : لا بد من وسيلة لإنهاء هذا الأمر قبل فوات الأوان ، ارتديت ذلك المعطف على عجل و قمت بوضع اليد المبتورة في جيبه الداخلي ، ثم خرجت قاصداً مكاناً محدداً كي أدفنها فيه.

كان الأجواء بالخارج تشي بأن الوقت هو بعد الفجر أو قبيل المغرب ، فالضوء ما زال ممتزجاً بالعتمة ، توجهت قاصداً مقبرة القرية ، و هي عبارة عن أرض واسعة تشغل القبور ثلاثة أرباع مساحتها ، و تقع أسفل سفح الجبل الذي نقطن في قمته ،

في منتصف الطريق وعلى بعد بضعة أمتار لمحت عجوز طاعنة في السن لم أتعرف عليها من قبل ، و كان منظرها و طريقة مشيتها العرجاء يبعثان على التوتر والقشعريرة ، و لما انتبهت العجوز لوجودي هتفت بطفولية عجيبة : لا تحاول يا ابن فلان ، القرية كلها تعرف أنك القاتل ، لا تحاول. جاهدت في كتمان مشاعري و واصلت طريقي و كأنني لم أسمع شيئاً.

وعندما وصلت إلى حافة الجبل الذي تقع تحته المقبرة صُدمت و شعرت بالرهبة و تسمرت في مكاني ، كانت المقبرة مكتظة بالناس ، كيف جاؤوا في هذا الوقت المبكر ، و هل تُراهم عرفوا بالجريمة التي حدثت ؟ فكرت مباشرةً بالهرب والتراجع ، لكن و قبل أن أخطو أي خطوة للوراء رأيت بعضاً منهم يشيرون بأصابعهم نحوي ، فالتفت بقية من في المقبرة صوب المكان الذي أقف عليه ، و سمعت أصوات بعضهم تشتمني وتصفني بأقبح الألفا ظ، ثم بدأوا يصعدون الجبل كأنهم يريدون الإمساك بي.

كانوا أولئك الناس يصعدون الجبل مستخدمين أيديهم وأرجلهم ويتحركون بشكل بطيء جداً و رؤوسهم تتمايل و تنظر ناحيتي ، ثم فجأة صار بعضهم يصعد السفح بسرعة مخيفة و بشكل مرعب جداً ، شعرت بتنمل في قدمي و أحسست بأن قلبي قد أستقر بينهما ، رفعت يدي بانهيار و تحسست جيب المعطف فأيقنت أن اليد المشؤومة ما تزال بالداخل و أن نهايتي قد صارت قاب قوسين أو أدنى ، استيقظت هذه المرة فعلاً ، كان فمي جافاً جداً و يداي ترتعشان و الذعر قد استولى على كل خلية من جسدي ، ليس فقط لهول ما رأيته في منامي و لكن لدوي ذلك الصوت القادم عبر مكبرات الصوت في مسجدنا: انتقلا إلى رحمة الله تعالى في يومنا هذا فلان ابن فلان ، و فلان أبن فلان.

 

شعرت بصاعقة تزلزل كياني ، هذا غير معقول ، فلان صديقي في أتم الصحة والعافية ! كنا معاً ليلة البارحة نتسامر ونتجاذب أطراف الحديث ، ثم تلك المرأة التي رأيتها في المنام إنها ، إنها زوجته ، كيف حدث ذلك كيف ؟ هل ما زلت نائماً ! و تمنيت في هذه المرة أنني ما زلت فعلاً أغط في غياهب ذلك الكابوس اللعين ، لكن طرقات الباب هذه المرة خذلت أمنياتي.

سمعت صوت أمي تناديني من خلف الباب بصوت متهدج و حزين : فلان يا بني استيقظ و اذهب إلى بيت جيراننا هيا بسرعة ، سمعت وقع أقدامها و هي تنصرف هاتفة بنبرة يغمرها البكاء : رحمك الله يا فلان ، آه يا وجعي على أمك و زوجتك و طفلتك آه ..

مسحت دموعي و كتمت آهاتي وانتحابي و كطير مكسور الجناحين خرجت قاصداً منزل صديقي رحمه الله ، ظننت في البداية أن موته قد حدث بشكل طبيعي ، لم أفكر حتى في حدوث جلطة قلبية أو ذبحة صدرية ، و عندما وصلت و رأيت جثمانه المُسجى و الدماء التي تخضبت بها ملابسه و تلك الرأس التي توشك على الانفصال و مغادرة الجسد أنهرت تماماً .

النهاية……

تاريخ النشر : 2021-06-16

guest
19 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى