أدب الرعب والعام

لعنة (تارا)

بقلم : هايدي – اليمن السعيد

لعنة (تارا)
لعنة تارا ستظل تطاردهم ..

في أول أيام الصيف , بعد انتهائنا من الامتحانات النهائية في الجامعة ,التي في مدينة أخرى تبعد عن مدينتنا الأم ستة عشر ساعة, كنا عائدين إليها بعد فراقنا لها, أقود السيارة بعجل على أمل أن تقصر المسافات للوصول إلى مدينتنا العزيزة ,للقاء الأهل و الأصدقاء , إلا أني بدأتُ أحس بالتعب بعد أن مضت أربعة ساعات منذ مرورنا على أخر استراحة, يرافقني في رحلتي صديقاي, اللذان عرضا علي التناوب على القيادة, إلا أني لا أسمح لأحد أن يمس سيارتي أبداً..

عادل ومحسن يغطان بنوم عميق , ليس وكأن عيناي حدتُ عن الطريق, انه فقط شخيرهما يصل إلى مسامعي, أحسدهما حقاً لأني بحاجة ماسة إلى النوم, حينها فقط تتعطل السيارة على جانبي الطريق المقفر, أوقفت السيارة , لتوقظ حركتي محسن ليهب من مقعده فاركاً عينيه سائلاً :
– هل وصلنا ؟
-لا يا صديقي مازال لدينا ساعتان حتى نصل إلى المدينة , ولا أخفيك سراً إني نادم لعدم أخذي قيلولة.
– محسن : إذاً لم توقفت يا أحمد ؟
– يبدو أن الوقود قد نفد تماماً.

انتظرنا في السيارة برجاء أن يمر عابر , و لم يطل الزمن حتى لمحنا تلك الشاحنة الضخمة المزركشة , تتوسطها كتابة ضخمة ( السيرك الغجري), نزلت إلى الشارع ولوحت لها , لتتوقف وينزلق من خلف مقود الشاحنة, رجل ذو لحية , وجسم ممتلئ , في أواخر عقده الرابع ,يرتدي ملابس قذرة, وامرأة طاعنة السن في مكان المرافق , لها وشم في ذقنها وثياب رثة , وأساور وقلائد من الخرز قد ملأت بها رقبتها ويديها المجعدة, لينزل الرجل الغجري مقترباً منا : 

– هل يمكنني تقديم المساعدة يا سادة؟
– شكراً لك , فقد تعطلت سيارتنا هنا في هذا المكان الموحش, وقد فرغ ما لدينا من وقود, هل لديك بعض منه ؟
– ليقول الرجل متنهداً: للأسف ليس لدي الوقود , ولكن يمكنكم أن تأتوا معنا فقريتنا قريبة من هنا وسوف نعطيكم البعض من الوقود لتكملوا طريقكم.
– رد محسن : حسناً ,ما رأيك يا أحمد أن أذهب معهم لأحضر الوقود بينما تأخذ قيلولتك حتى آتي و …………
-الرجل مقاطعاً : لا حاجة لبقائكم في هذا المكان الموحش , فحتى نحن لا نخرج عند اكتمال القمر, لأنه خطير في هذه الأنحاء , لمَ لا تأتون معنا , وتحلّوا ضيوفاً كراماً علينا حتى الصباح, إذ يبدو أنكم متعبين .

نظرنا إلى بعضنا و قد أخذ منا التعب مأخذه .
– لأقول له : لا نريد إزعاجكم يا سيدي , يبدو أنه ليس لديك متسع لنا جميعنا, فنحن ثلاثة.
– الرجل الغجري: لا إزعاج أبداً,تفضلوا أرجوكم.
فقبلنا عرضه السخي على أمل أن لا نزعجهم ,وأيقظنا عادل وأخبرناه بما حصل فهو لم يشعر بشيء لثقل نومه.

عرفنا السائق عن نفسه باسم ( عتيق ) , فركبنا في مقدمة شاحنته خلفهُ هو ووالدته ,و عرف عن والدته بأسم (مرجانه), كان هناك كرسي يسعنا ثلاثتنا معاً خلف كرسيهما , فالمقصورة كانت بالفعل كبيرة, لنقترب ونلاحظ نظرات الأم الحادة , وجفنيها المليئة بالمساحيق, تفتحت أساريرها بسعادة عندما قال لها (عتيق) أننا قادمين معهم , لترحب بنا بابتسامة مشرقة .

وفي هدؤ المقطورة , كان (عتيق) يرمقنا بنظرات تشخيصية من خلف المرآة الأمامية , ووالدته تبحلق من المرآة الجانبية إلينا وتتمعن النظر , حتى أصبح الوضع غريباً , ولاحظنا جميعنا النظرات التي يتبادلها (عتيق) ووالدته, إذ كانت جد مريبة , بدأ الخوف يدب فينا , ركزنا نظرنا إلى الطريق متجاهلين نظراتهم , لنرى على الطريق في وسط الشارع ذئبين يعويان , وما أن أنتبه (عتيق ) إلى الطريق حتى أوقف شاحنته من فوره, لتدوي صرخة العجوز الغجرية بقوة , لنلتفت إليها فإذا الكرسي قد انقلب رأساً على عقب, والعجوز عند رجلي ولدها من قوة ضغط المكابح ..

ساعدنا الأم لتعود إلى كرسيها وثبتناه جيداً حتى لا تقع , وعندما عدنا بنظرنا إلى الشارع , كان قد هرب الذئبين , أما العجوز كانت غاضبة بشكل واضح من ولدها لقيادته الرديئة, فما كان منها إلا أن تضرب بيديها الهزيلتين رأس ولدها متمتمة باللعنات و الإهانات بلغتها الغجرية , ولشدة حرجه انصب اهتمامه على الطريق, ولكن المشكلة كانت عادل .. فقد كان يضحك مقهقاً لعدم قدرته على نسيان منظر العجوز وهي واقعه بالأسفل , لطالما كان عادل كابوس لأولئك الذين يقعون من أماكنهم, فدائماً كان يرى في سقطات الآخرين كوميديا لا يمكن الاستغناء عنها, وكلما حاولنا لكزه ليتوقف ,تنطلق ضحكته أعلى , والعجوز تنظر بتلك النظرة الحادة إليه من المرآة الجانبية .

***

عند وصولنا لباحة القرية تفاجأنا بأنها ليست سوى سيرك كبير , اجتمع فيه أعضاءه للترحيب بعتيق , مرجانة وضيوفهما , لمن لا يعرفون ((السيرك : هو ذلك الخيمة أو المكان الذي يجتمع فيه الناس لمشاهدة المهرجين , والحيوانات المدربة , والفرق البهلوانية وهو المكان الذي تقدم فيه الكثير من الخدع والفكاهة , سحر وشعوذة , وغير ذلك من الفعاليات.))

وبينما يعرفنا عتيق على أعضاء السيرك , بشكل موجز متجه بنا إلى الخيمة الكبيرة , والتي تضم أكثر من ستين خيمة , و أكثر من مائة شخص , منهم مجموعة الخداع و المهرجين , الفرقة الموسيقية التي تضفي الإثارة إلى العروض, مدربين الحيوانات, غيرهم .
ونحن في طريقنا إلى الخيمة الكبيرة , لنرى لمحة لما سوف يقدم بالداخل منهم من يقذف النار لتكاد تلامس وجوهنا, البعض الأخر ذو الثياب الكلاسيكية المتوازنين على عودين لنراه أطول ليقوم برمي, صحون وكرات ويلتقطها وهو يمشي على العودين الطويلين ,والبعض الذي يضفي الفكاهة إلى العروض .
لندخل إلى خيمة فارغة من أي جمهور , إلا نحن, لكزني عادل بيده قائلاً بصوت هامس : 
– هل نحن الجمهور الوحيد المتواجد هنا ؟
ليتفاجأ بمرجانه تهمس في أذنه بصوت خفيض كصوته:
– لا يا عزيزي ,لكن اليوم إجازتنا الأسبوعية .

قفز عادل من المفاجأة الغير المتوقعة , إذ كانت مرجانة مختفية لوهلة ,لتظهر وتهمس في أذنه و تضحك العجوز مرجانه على ردة فعله ,ونشاركها الضحك.

صاح عتيق الذي يبدو أنه عريف العروض قائلاً :
– تفضلوا بالجلوس أيها السادة الكرام , حللتم أهلاً ووطأتم سهلاً , لنقدم لكم أكبر العروض وأجملها , في سيركنا الغجري المهيب.

لتبدأ العروض التي تضم الألعاب والحركات التي هي مزيج من الإثارة والخطر ,وفقرة الأرجوحة التي تتسم بالخفة والرشاقة , إلى فقرة المهرج المضحكة والمسلية وثم فقرة الحيوانات المدربة التي أذهلتنا لقدرة الحيوانات المفترسة على طاعة جلادها , كانت العروض مرفقة بالموسيقى المثيرة , لتختتم العروض الفتيات الراقصات الجميلات متحلقات حول فتاة حسناء من أجمل الفتيات التي رأيتهن في حياتي , كانت ترقص في وسط الحلقة على وقع أنغام أسبانية بخطوات سريعة , عيونها السوداء كالمها, وشعرها المظلم يتراقص يميناً يساراً , ليحاكي رقصتها التي تخطف الألباب , لتنتهي العروض بالإجمال على تعريف (عتيق) الفتاة لنا على أنها ابنته (تارا) ..

استمتعنا كثيراً بالعروض , قدمت لنا (تارا) العشاء , مبتسمة لي بإعجاب واضح , حتى ظننتُ أن مرجانه وعتيق لاحظا , وإذا كانا قد لاحظا لم ينبسا ببنت شفة, بعد العشاء أرشدنا عتيق إلى الخيمة التي سنبيت الليلة فيها وتركنا متمنياً لنا ليلة سعيدة .

– محسن : لأول مرة في حياتي أحضر عرضاً لسيرك وقد استمتعت بحق .
– عادل : لقد كان رائعاً , لولا العجوز التي عكرت صفوي , فقد كانت ترمقني بتلك النظرة الحادة منذ انقلبت بالكرسي , وليساعدني الرب حتى لا أتذكر سقطتها كلما رأيتها, لقد كانت جد مضحكة .
ضحكنا جميعنا ثم تنهدت : 
– لكم استمتعت بالعرض الأخير , هل رأيتم تارا الجميلة , لم أرَ مثيلاً لتلك الفتاة, ربما أعود خاطباً.

نظر محسن إلى ساعته و قال : حسناً فلننم فقد كان نهاراً مجهد بما فيه الكفاية , والآن تمام التاسعة , علينا الاستيقاظ باكراً.

غطَّ صديقاي في نوم عميق شوقاً للقاء أهلهما , ونمتُ شوقاً لرؤية تارا غداً.

***

استيقظت من سباتي على صوت دق الطبول , لم أعر الطبول أهمية فلابد أنهم يوقظون حيواناتهم المفترسة ,انتظروا لحظة .. رفعت يدي أتعين في الساعة أنها الساعة الثانية صباحاً, عدت للنوم !! الآن كان الصوت مختلف, صوت ذئب يعوي , ولكن لحسن الحظ أن الصوت كان يبدو في الساحة وليس بجانب خيمتنا , تململ محسن ورفع رأسه سألاً :
– هل سمعت هذا يا أحمد ؟ 
ازداد الصوت وضوحاً, كأنه يقترب ، فقلت مدعياً الشجاعة : 
– نعم , فلنتحقق عن الأمر.

خرجتُ أنا ومحسن , من الخيمة ,فلم نرَ داعِ من إيقاظ عادل فنومه ثقيل , وربما ليس هناك أصلاً ما يدعو للريبة.

استدرنا خلف خيمتنا , وبدأنا بملاحقة الصوت الذي لم يعد للذئب فقط بل لمجموعة مفترسين, تبعنا الصوت لنرى تجمهر لطاقم السيرك, اختبأنا خلف صخرة كبيرة في زاوية إحدى الخيم , لتتضح الصورة جيداً, وتترجم عواء الذئاب بكلمات .. يالهي العزيز تجمد الدم فيَّ , لا أصدق عيناي احسب أني في إحدى الأفلام, لا بل لم أظن يوماً أن ما أراه هناك يستطيع أن يكون حقيقي, التفتُ لمحسن كان جامداً تماماً ينظر إلى الإمام ,لدرجة أنه لا يطرف بعينيه , لوهلة حسبت أنه فقد عقله, فقد كان المهرجين مشوهين تماماً ويأكلون اللحم النيئ , قاذفي النيران كوحوش فرانكشاتين , أما عازفي الموسيقى أقزام ذو أسنان حادة لديهم أسهم و رماح في سلة على ظهورهم , عتيق كان في طور تحوله إلى مستذئب , المتزنين فوق الحبال و العصي ليسوا سوى زومبي مترنحين ,الفتيات الراقصات كمصاصات دماء ..

(تارا) ليس لها ووجود بينهم , أما (مرجانه ) فكانت ساحرة خضراء بشعة تحمل في يدها مكنسة , متجمهرين بشكل دائري في وسطهم أشارة غريبة مرسومة بدماء , وقدر كبير بالقرب من الرسم على الأرضية , ومرجانه تقول : 
– سوف نتحرر من اللعنة الأبدية هذه الليلة , ونرجع أحرار من كوننا نصف بشر ونصف وحوش , بالتضحية بهؤلاء الشبان اليافعين ,وأولهم ذاك المزعج الضاحك (عادل) 

لتدوي ضحكة الساحرة في بقاع السيرك , ويهتف الباقيين للاستعداد لليلة الكبيرة, لنلتفت أنا ومحسن مبحلقين في بعضنا, أمسكت كتفي محسن وهززته :
– هيا استيقظ من صدمتك علينا بالهرب .
– محسن باكي بهلع : لقد انتهينا ..انتهى أمرنا تماماً .
– لا مازال يمكننا الهرب , ألا ترى أنهم يجهزون للحفل , أنا سوف أذهب لأحضر عادل بينما أنت , املأ هاتين القارورتين بالوقود .. 
أخذت قارورتي الماء التي يشرب منها طاقم السيرك, فقد كان هناك الكثير من قوارير الماء والبعض الأخر من أوعية كبيرة جداً تحتوي على الوقود وقد لاحظت أنهم لديهم هذه الأوعية على أطراف السيرك , وسكبت الماء على الأرض , وسلمته له ليعيد تعبئتها مجدداً .

أسرعت بخطوات هامسة , لأحضر عادل وفي طريقي رأيت أحد الأقزام قادم على عجل, ليراني ويبدأ برمي بالسهم ضاحكاً, كنتُ أتجنب السهام التي تكاد لا تخطئ مسارها, لأدفع إلى الخلف حتى يتخطاني السهم بثواني معدودة, على يدي (تارا), حمدتُ الله على ذلك, إذ أنها ليست مثلهم هي فقط (تارا) ..

أخذتني لطريق آخر, أقرب إلى خيمتنا التي كنا فيها.
تارا : علينا أن نسرع قبل إن يبلغهم القزم فيأتوا خلفنا.
-هل لكِ إن تقولي لي ما حصل للتو ؟ وعن أية لعنة يتكلمون ؟
تارا : سوف أخبرك لاحقاً , والآن دعنا نحضر صديقك أولاً.

رأيتُ خيمتنا لم يعد هناك شيء سوى إحضار عادل , فإذا باثنين من وحوش فرانكاشتين يريدون الدخول الى الخيمة ليجلبونا, فالتفتت تارا إلي قائلة :
– أنتظر هنا .
وتقدمت إلى الأمام قائلة لهم انتظروا أنا سوف أوقظهم وأحضرهم إلى الساحة الكبيرة ؟
-همُ بالاعتراض : لكن ………..
– لا أريد سماع لكن , أريد الطاعة , اذهبوا وسوف أحضرهم بنفسي.

دخلت تارا إلى الخيمة فدخلتُ خلفها , أيقظت عادل من سباته بهمس هيا نهرب, فاستيقظ مفزوعاً يستفسر عن التفاصيل قفلت له لاحقاً, وما إن خرجنا من الخيمة حتى رأينا القزم المتوحش, ليراه عادل غير مدرك للشيء الذي أمامه ما يكون, ويصرخ صرخة مدوية , تسمع صداها في الساحة الكبيرة ولنسمع الرد على ذلك بضحكة العجوز الشمطاء , ركلت القزم و أبعدته عنا , وهربنا باتجاه المكان المتواجد فيه محسن, كان عادل المسكين يجري وقد اختفت آثار النوم من عينيه .

سمعنا خطواتهم الثقيلة خلفنا , إلا أنهم لم يرونا بعد, ليشتت انتباههم حريق في طرف السيرك بالتحديد المكان الذي أختبأ فيه محسن, حركة ذكية ..لابد أنه سمع صرخة عادل , فحرق إحدى براميل الوقود, حتى يمنحنا الوقت للهرب, وما تقدمنا قليلاً بعد حتى رأينا محسن راكضاً باتجاهنا , أدخلتنا تارا إلى أحدى الخيام .

تارا لاهثة : لا تقلقوا في الوقت الحالي أنتم في أمان هنا.
– حسناً حان الوقت لتسردي لنا كل شيء, عن أي تضحية وأي لعنة, لوهلة حسبتُ أني في أحد أفلام الرعب.
لتبدأ تارا بالسرد : 

– في أحد الأيام ذهبتُ إلى الغابة لأحضر بعض الأعشاب , وفي طريقي تعرفتُ على شاب غجري من القبيلة المنافسة لنا فقد كانت تنافسنا على عروض السيرك , وما زاد الأمر سوءاً هو أنها تفصلنا بينهم الغابة فقط , وما لبث ليفتتن بي الشاب , وأهيم عشقاً به , فقرر الشاب أن يخطبني من أهلي فأبوا أن يزوجوني إياه ,وكان نفس الموقف في قبيلته , فقررنا الهرب في الصباح الباكر على أن يأتي ويأخذني من هنا والناس نيام ..

وما إن طلع الصباح حتى كان في الموعد , لكن أهلي أمسكوا به وقتلوه بعد تعذيبه فدوت منه صرخة , سمعتها أمه فأتت وألقت علينا جميعا لعنة : 

( ألعنكم يا قاتلي ولدي , ألعنكم في الليل المعتم والقمر المكتمل , سوف تتحولون إلى وحوش , الصغير منكم قزم , والكبير منكم آلة , الضحاك مفترس , اللعاب فيكم ميت, الراقص منكم مصاص للدماء , عتيق مستذئب , ومرجانه اللعينة ساحرة شمطاء لعينة, أما أنتِ يا وجه الشؤم فسوف تحبسين بين الوحوش لا مخرج لكي منهم ,ولن يقربك بشر و وإن حصل سوف يأكلوه حياً, أو يمسخ وحش, أما عشيرتك فلا مخرج من دائهم , ولتحل عليكم لعنتي ) 

ومن حينها ,وهم يختطفون و يحضرون أي شخص على طريقهم ليحاولوا فك لعنتهم التي تفشل باستمرار , ثم يأكلونهم أحياء, حاولت قدر المستطاع مساعدة الأسرى, ولكن لم أستطع وعندما أحاول محاورتهم, يتهمونني بأني سبب لعنتهم من الأساس.

– عادل مفزوع : إذا ما رأيته كان حقيقي , فلنهرب قبل أن يجدونا .
– تارا : اسمعوا يا رفاق إنهم بالفعل لن يدعوكم ترحلون , فقد اشتم رائحتكم أبي المستذئب عتيق , فلا فائدة من الهرب ..
محسن يبكي : إلهي إذاً, ما الحل ؟ هل نجا أحدهم من قبل؟
– تارا : لا لم ينجو أحدٌ من مخالبهم , ولكن إذا استطعتُم أن تصلوا إلى الشارع الرئيسي, المكان الذي وجدوكم فيه , سوف تستطيعون الهرب .. لا تقلقوا سوف أساعدكم .

قلت مرتبك جداً : حسناً , راقبي لنا الطريق , ونحن سوف نجتاز الغابة الكثيفة.
– تارا : انتظروني سأذهب وأشعل أحد براميل الوقود وما إن يذهبوا لإطفاء الحريق , تأكدوا من حمل هذه الأشياء, واهربوا .
-فتحت تارا أحدى الصناديق وأخرجت منها مسدس له رصاص من فضة , وأوتاد ومشعل للنار بالإضافة إلى بعض الوقود للسيارة ,و ساطور كبير .

تقاسمنا الحاجيات فعادل أخذ المسدس بينما أنا أخذت الساطور, ومحسن أخذ الأوتاد, وقوارير الوقود.

انطلقت تارا إلى أبعد زاوية في السيرك منا, و ما هي إلا دقائق معدودة حتى رأينا النار ترتفع , وهي تصرخ قائلة أنهم هنا, فهبوا من كل حدب وصوب ذاهبين إليها, فتركنا أقدامنا للريح ننطلق عبر الغابة الكثيفة إلى الشارع الرئيسي, ابتعدنا قليلاً نجري بكل ما أوتينا من قوة , علنا نفلح في الوصول إلى سيارتنا, لنسمع صوت ذئب بالقرب منا , لابد أنه عتيق فقد شم رائحتنا ..

أما أنا فكنت أتقدم المجموعة , ليقفز أمامي وقد اكتمل تحوله إلى ذئب شرس , فصوبت الساطور أمامه ألوح به يمنة ويسرة علها تخيفه , فما كان منه إلى أن أنقض علي وقبل أن أكون فريسته , سمعنا طلقة رصاصة ليهدأ اللعين تماماً , التفت لأرى يد عادل المرتجفة تلوح بالمسدس , أكملنا الجري مجدداً تاركين عتيق وقد عاد جثة إنسان بموته, وصوت مرجانه العجوز الشمطاء يدوي بقوة باكية عليه , حتى قطعنا الشارع ويبدأ محسن بتعبئة الخزان بالوقود, ماهي إلى دقائق لتحوم مرجانه فوقنا على مكنستها كالغراب , يحاول عادل التصويب عليها لترمي عليه كرة نارية من يديها ,تفاداها عادل لتهبط بمكنستها أقرب إلى أن حطت على الأرض .

أكمل محسن تعبئة الخزان بالوقود بينما تقترب من عادل وهي تتوعد بقتله , ليوجه عليها المسدس عن قرب ,فتأخذه من يده المرتجفة وترميه وتهم بخنقه.
فيطير رأسها عالياً جداً بالساطور على يدي , لنرى الوحوش وقد أحاطتنا من كل الجهات يريدون مهاجمتنا, كانت الدائرة التي حاصرونا فيها تضيق , حتى أتاهم صوت مألوف , يأمرهم بالتوقف حالاً, فابتعدوا لتتقدم (تارا) وتقول بحزن :

ـ فلتغادروا .. بالرغم من أني ساعدتكم ما زلت حزينة على والدي عتيق وجدتي , والآن بعد موتهم أصبحت القائدة, فلا مكان لي إلا بينهم , على أمل أن أمنعهم من قتل و خطف الأبرياء, فقد قتلوا الكثيرين بالفعل, وأرجوكم مهما حدث لا تخبروا أحد بما حصل أو رأيتم هنا .. 

وهو ما وعدناها به بعد أن أغرقناها بعبارات الشكر والتبجيل.
.. 

ركبنا سيارتنا عائدين إلى مدينتنا , لتدخل (تارا), بين الأشجار عائدة إلى السيرك الملعون ,يتبعها الوحوش, فيدب شيء في صدري , وفي تلك اللحظة أوقفتُ السيارة , ليسألني محسن بهلع : 
– لماذا أوقفت السيارة يا أحمد ؟

كنتُ أتعرق بشدة أحس بحرارة وألم يجتاح جسدي غير قادر حتى على التمتمة, أجبت بحدة :
– يا الهي هناك شيء قد طرأ
….الافضل.. أن ………….تخرجوني…….من هنا؟
محسن بهلع:
– انظر يا عادل ….أنظر الى أحمد أنه يمتلئ بالشعر !!

فتحتُ باب السيارة وخرجت إلى الطريق قدماي لا تقويان على حملي, وقعت أرضاً.
محسن و عادل يحاولان معرفة ما بي وأنا ممسك برأسي الذي لا يهدأ من الألم .. يتحرك يميناً ويساراً, بينما عيناي تحرقانني بشدة , جسدي مشعر أظافري تصبح حوافر , أرى بعيناي أصغر الأشياء كالمجهر ,أسناني أنياب .
لأسمع محسن يصرخ بهلع : 
– يا إلهي إنه يتحول إلى مستذئب , فلابد أن عتيق قد عضه عندما هجم عليه, وهو لم يلاحظ ذلك بينما كنا نحاول النجاة بحياتنا ,فلنهرب يا عادل .
عادل بفزع :
– يا إله السماوات… أحمد…………. أحمد.

محسن : فلنهرب أيها الغبي سوف يمضغنا كالعلكة في خضم صياحك.
بينما عادل ومحسن يجرياً مبتعدين.
هدأ ألمي , لأرى أمامي على الطريق شيئان يتحركان سريعاً , تصل رائحتهما اللذيذة إلى أنفي, لتأتي و تنمو بداخلي غريزة الافتراس فقد كنتُ جائع جداً .
 

تاريخ النشر : 2017-06-24

هايدي

اليمن
guest
32 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى