عجائب و غرائب

لغز الشاب الغريب

بقلم : وليد مصطفي – مصر

هل يمكن للانسان ان تكون له حياتين في آن واحد؟!

قبل ان اقوم بعرض موضوعي عليكم احبائي .. عليكم اولا بإغلاق مصابيحكم والبعد عن ضوضاء من حولكم حتي تساعدوني في فك هذا الطلسم الذي عجز عنه كل من وقف بصدده والذي من وجهة نظري لن يقدر علي فك شفراته الا المحقق “شارلوك هولمز” .. فهيا بنا نستعرض ما تحويه طيات قصتنا.

عندما تسمع حفيف الاوراق وزقزقه الطيور الغنائه وارتطام الرياح مع جداول الماء منبعثه منها سمفونيات عذبه تشرح الصدر وتهدئ الفكر فحتما سيخلد الي عقلك هذه المدينه الجميله الي قصدها المستعمر والغازي والسائح والهاجع والناجع ويشهد بعظمتها القاصي والداني..
نعم انها القاهره مهد الحضارات ومجمع الثقافات وارض الطيبات.
وقصتنا تبدأ في حي من احياء الجيزة في القاهرة والذي يسمي (الطالبيه) ..

محمود شاب في بداية العقد الثاني من عمره ، شاب هادئ الطباع لا يتكلم كثيرا وكل اقاربه وجيرانه يحبونه لطيبته وهدوءه ولا تشوبه شائبه باستثناء المرض العقلي وبعض الاضطرابات النفسيه التي حلت به تأثرا بوفاه عمته التي ربته منذ نعومه اظافره ولكنه عُرض علي المصحات النفسيه وتعافي منها الي حد كبير.

ذات يوم تخلف محمود عن المنزل اثناء فتره الثورات التي كانت تعيشها مصر في ذلك الوقت ، وكثفت اسره محمود جهودها من بحث واعلانات في الجرايد ونشر لصور له في كل مكان
كما بحثت الاسره داخل كل مراكز الايواء والمشردين والمصحات وحتي مستشفيات التشريح ولكن دون جدوي فقد تبخر محمود!!

نقف بالزمن هنا قليلا ونطير هنالك الي اقصي صعيد مصر ، الي مدينه اسوان حيث اسرة العم (ربيع) ، هذه الاسره البسيطه التي حالها كحال بقيه عائلات صعيد مصر والذي تغيب ابنه “احمد” عن المنزل ولم يترك شارده ولا وارده الا وبحث عنه وذهب الي كل نجع وكل قريه ولكن دون اي نتيجه.

وفي بوم بائس وبينما كان يسير احد اقارب العم (ربيع) الي حقله الذي كان قريب من منزل العم ربيع واذ به يجد شابا تعتري محياه الخوف والقلق وعند التمحلق به جيدا والتدقيق
نعم انه احمد ربيع المُتغيب عن المنزل وبإحضاره الي منزل والده تعالت الزغاريد والهتافات والعزائم فرحهً بقدوم ابنهم احمد.

بقي احمد في منزل العم (ربيع) الذي قام باستخراج بطاقات تعريفيه له واوراقه الحكوميه وشهاده الخدمه العسكريه وزوجه من احد جيرانهم وعاش احمد حياه هانئه في عائله ريفيه بسيطه يعيش في كنفهم ويقتاد قوت يومه من ذلك المحل المجاور لمنزله الذي تعلم فيه سمكره السيارات واصبح ينفق علي زوجته وبناته الاربعه حتي جاء اليوم التي تجلت فيه الحقائق التي ازاحت الستار عن اشياء يصعب فهمها.

استيقظ احمد في صبيحه احد الايام وسافر الي حي الطالبيه بالجيزه وما ان وصل الي العنوان المنشود حتي خّر الناس بكاءاً من شد فرحهم .. لقد عاد محمود!! ..
عاد محمود الشاب ابننا الذي اختفى من سنوات وبحثنا عنه في كل مكان ، وتعالت الهتافات والافراح وعند سؤاله اين كان كل هذه المده اجابهم انه كان يعيش مع اسره في صعيد مصر واطلقوا عليه اسم احمد وهو كل هذه المده يعلم انه ليس ابنهم وانه محمود الذي تربي بالجيزه ، فظن اهل محمود ان ابنهم كان مختطف من قبل (عائله العم ربيع) فابلغوا الشرطه وذهبت الشرطه والعائله الي ذلك المكان السحيق في اقصي اقصي صعيد مصر الذي يبعد اكثر من ١٠٠٠ كيلو متر عن الجيزه !!!

وعند مواجهه العائلتين ببعضهم تمسكت كل عائله بإن هذا الشاب هو ابنها وانه كان مختطف من قبل العائله الاخري واظهرت كل عائله ما يثبت صحه ادعائها من صور لهذا الشاب في صغره مع اقاربه واولاد عمومته
وكانت المفاجأة .. نعم انه نفس الشخص في كل الصور عند العائلتين باختلافات بسيطه جدا جدا .. يا الهي !!

غرابه القصه لن تنتهي عند هذا فحسب ، فجدة هذا الشاب لأمه في كلا العائلتين اسمها  “سلمي” ..
المهنه التي كان يعمل بها هذا الشاب سواء بالجيزه او اسوان هي “سمكره السيارات” ..
صور الشاب في صغره عند كل عائله متقاربه جدا جدا الي حد التطابق ..

هل سئمت عزيزي القارئ من كثره المتشابهات ؟؟ ..

اليك الفاجعه التي ما ان عرفتها العائلتين حتى جعلت افواههم فاغرة وعيونهم جاحظة .. فهذا الشاب له شقيقتين في اسرته بالطالبيه وايضا اسرته بالصعيد له شقيقتين .. وان كلا الشقيقتين في كلا الاسرتين يحملون نفس الاسم “آيه وهاله”..

وعند سؤال هذا الشاب عن نسبه الحقيقي قال انه ليس “احمد” ولم يتكلم طول المده التي مكث فيها بالصعيد خوفا من طرده او اهانته!!

واحتكمت كلا العائلتين الي ان تحليل DNA ، فهو الذي سيثبت احقيه إحدي العائلتين بهذا الشاب الغريب وقصته الاغرب ..

وبالفعل حدث ذلك وكانت المفاجأة والقشه التي قصمت ظهر البعير في عدم تطابق عينه دم اسره الصعيد بهذا الشاب وانه ليس ابنهم ، فتعالت الهتافات والفرح ..

لكن مهلا هل حقا تم سحب عينه دم من اسره الطالبيه ومقارنتها بعينه دم الشاب؟ ..

والمفاجأه التي عُرفت بعد ذلك انه لم يتم سحب عينه دم من الاسره الاخري خوفا من عدم تطابق ايضا عينه الدم وبذلك يتطور الامر ويكونوا بصدد قصه ستفتح عليهم ابواب لن يستطيعوا الصمود امامها .. وهكذا أُغلقت هذه القصه العجيبه بأحقيه اسره محمود له وبذلك تنطوي قصه عجيبه تحمل بين ثناياها الكثير والكثير من الامور التي تقشعر لها الابدان وتشيب منها الولدان وتطلق العنان للعقل في الابحار في ابعاد فوق قدراتنا نحن البشر!!

ولكن هل حقا اذا كان هذا الشاب يُنسب الي اسرته القاطنه بالجيزه فكيف ظهر في اسوان ولماذا تحديدا بالقرب من منزل العم ربيع الذي هو الاخر يبحث عن ابنه المختفي والذي يتشابه مع هذا الشاب في الوصف؟؟
ثم هل يُعقل ان طوال هذه المده التي مكثها الشاب في اسوان مع عائله ليست عائلته علي حد قوله انه لم يتكلم ابدا عن نفسه او حتي مع زوجته؟؟
والاغرب من ذلك كيف انه عند استخراج اوراقه وشهاداته الحكوميه باسم احمد، لماذا لم يتكلم ويقول ان اسمه محمود وظل ساكتا طوال هذه المده؟؟
ثم هل يعقل ان يتزوج الانسان بإسم ليس إسمه وهو يعلم ذلك ؟

برأيي الشخصي ان الفتره التي اختفي فيها هذا الشاب من الجيزه وظهوره بالصعيد الذي قال هو عنها انه لا يعلم كيف حدث ذلك وانه لم يتذكر اي شئ في هذه المده تحمل في جُنباتها الكثير من الحلقات المفقوده التي ما ان عُرفت فسوف تتجلي الكثير من الحقائق.
ام ان هناك حقا ابعاد متداخله واكوان متعدده؟؟
ام حقا يخلق من الشبه اربعين؟

تاريخ النشر : 2018-12-10

guest
26 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى