ألغاز تاريخية

أسرة بونوا دو ليغونيس : عندما يتجرد الأب من الرحمة

في يوم 11 أفريل عام 2011 بمدينة نانت (فرنسا) .. تلقت الشرطة بلاغا من الجيران يفيد باختفاء كل أثر للأسرة المحبوبة في الحي ، أسرة بونوا دو ليغونيس المكونة من الأب و الأم و أربعة أطفال ..

بعد البحث و التفتيش عثرت الشرطة على اكتشاف مروع بعد أن حفرت تحت الحديقة الخلفية للبيت . لقد تم اكتشاف جثث تعود للأم و الأطفال الأربعة وقد أطلق عليهم الرصاص .. مع إختفاء الأب جزافييه المشتبه به الرئيسي في الجريمة . فيا ترى ماذا حدث ؟ ، ولماذا ؟ .

تاريخ أسرة بونوا دو ليغونيس

ينحدر الأب جزافييه من سلالة أرستقراطية ، حيث أن والده برنارد إيبار كان يطلق عليه لقب كونت .. و قد كان جزافييه يفتخر بجذوره النبيلة . ولد وسط أسرة كاثوليكية محافظة و في العشرين من عمره التقى بالشابة ( آجنس) و ارتبطا في علاقة حب ، لكن يبدو أنه لم يكن قد استعد للزواج فتركها . وبعد أن حملت (آجنس) من رجل آخر عاد جزافييه و تزوجها و تبنى الطفل و أعطاه اسمه .. و هو بهذا كان يخرق كل الاعراف داخل المجتمعات البرجوازية .

blank
جزافييه بونوا دو ليغونيس

كانت بداية أسرة بونوا دو ليغونيس الصغيرة في منطقة فراسي (فرنسا) ، لكنهم لم يستمروا طويلا و أمضوا فترة التسعينيات في التنقل عبر مختلف المناطق في البلاد . و مع استمرار الأسرة في النمو حاولوا الهجرة إلى فلوريدا لكنهم لم ينجحوا .. وقد صرفت الأسرة مبلغا كبيرا على هذا المشروع و أخيرا تم الإستقرار في ضواحي مدينة نانت .

إلتحق كل أبناء الأسرة بمدارس و كليات دينية . و الأم نفسها حافظت على سمعتها ككاثوليكية متدينة و كانت تعمل أيضا بمدرسة كاثوليكية . و بينما كان الأطفال ناجحين في دراستهم وإجتماعيين جدا و محبوبين لم تكن العلاقة الخاصة بين الأبوين على نفس الدرجة من النجاح .

ففي سنة 2002 إشتكت الزوجة كثيرا من صرامة الأب و حزمه و عدم و وجود أي إهتمام منه . و قد كانت أولى بوادر المجزرة عندما سألت آجنس زوجها عما إذا كان سعيدا فرد عليها بطريقة صادمة :

ــ نعم أنا سعيد ، لكن إن متنا كلنا غدا فسيكون هذا أفضل .

إقرأ أيضا : لغز اختفاء أطفال عائلة بومونت

المشاكل المالية للأسرة

بدأت المشاكل تتفاقم داخل بيت أسرة بونوا دو ليغونيس سنة 2005 .. و هذا عندما تقدمت الزوجة بشكوى للشرطة ضد الزوج بتهمة الإعتداء على إبنها الأكبر آرثر ــ الذي يعتبر الإبن الغير بيولوجي لجزافييه ــ .

كل هذا يعود للضغط الذي كان على عاتق الأب الذي فشل في إيجاد أي عمل بدخل ثابت .. و قد زاول سلسلة من الأنشطة التجارية التي فشلت كلها ، و سيكون من الصعوبة بمكان أن تحافظ الأسرة على مظهر أرستقراطي دون وجود أي مدخول مالي . فالمصدر الرئيسي للإنفاق كانت الأموال التي ورثتها الزوجة عن أهلها . وفي 2011 كانت الأسرة تعاني من خطر نفاذ هذه الأموال .

تعرض الأب جزافييه للإحباط و اليأس ، خاصة أنه كان غارقا في الديون . و قد عثرت الشرطة لاحقا على رسالة خطيرة أرسلها بالبريد الإلكتروني هذا محتواها :

أنا محطم ، ووصلت إلى الحضيض كما لم يحدث من قبل . أستيقظ كل صباح تقريبًا مع هذه الأفكار السيئة . إحراق المنزل بعد إعطاء الجميع حبوبًا منومة ، أو قتل نفسي حتى تحصل Agnès على 600 ألف يورو . على أي حال ، ستنتهي حياتي في الأشهر القليلة المقبلة إذا لم أحصل على 25 ألف يورو على الفور . في معظم الأوقات ، لست في حلم ولكن في كابوس ولا أستطيع الهروب منه . إلا بالطبع من خلال القيام بشيء جذري ونهائي”.

سلاح الجريمة

في جانفي 2011 ، أي قبل 3 أشهر من المجزرة .. توفي والد جزافييه و يبدو أنه كان يعاني ماليا في أيامه الأخيرة . لكنه على كل حال ترك شيئا مميزا سيكتب به نهاية نسله و هي بندقية طويلة 0٫22 ملم .. و التي سيأخذها جزافييه و يتدرب عليها بميادين الرمي بمدينة نانت و هذا طبعا بعد أن تحصل على رخصة حمل السلاح .

blank
منزل الأسرة حيث وقعت الجرائم

أصبحت الأمور واضحة بعد أن أقدم الأب على شراء كاتم صوت للبندقية ، و قد أظهرت السجلات أنه قبل الجريمة اشترى أيضا الإسمنت والجير الطباشيري والرصاص ومواد تنظيف وأكياس القمامة ومجرفة وعربة .. و يبدو أنه خطط جيدا لكل خطوة و لم يبق إلا التنفيذ .

قام الأب بخطوة إستباقية من خلال خلق سيناريو مفاده انتقال الاسرة إلى أستراليا . حيث أنهى عقد إيجار البيت و سحب كل الأموال في أرصدة الأسرة و سحب أوراق أبنائه من المدارس . تلقت المدرسة التي تعمل بها الأم رسالة تفيد باستقالة آجنس من منصبها .. وأنها تنوي السفر مع أسرتها إلى أستراليا بسبب انتقال عمل زوجها إلى هناك ، لكن مدير المدرسة ربما راوده الشك فحاول التأكد مع آجنس لكنه لم يقدر على التواصل معها شخصيا .

إقرأ أيضا : لغز اختفاء مورا موراي

اللحظات الأخيرة في حياة العائلة

في الأول من أفريل 2011 لم يحضر الإبن آرثر للمطعم الذي يعمل به لإستلام راتبه .. و كانت آخر مرة شوهدت فيها الأسرة مع بعض يوم 3 أفريل و كانوا يتناولون العشاء في أحد المطاعم . و في الغد تغيب أصغر طفلين عن المدرسة بسبب المرض و لم يشاهدا مرة أخرى .

أما الإبن الثاني توماس فقد استدعى من الكلية من طرف الأب لحالة طوارئ عائلية . بينما كان تاريخ 5 أفريل آخر مرة شوهدت فيه الأم آجنس على قيد الحياة . و في يوم 13 من نفس الشهر اتصلت إحدى الجارات بالشرطة معربة عن شكوكها من اختفاء الأسرة غير المبرر و بعد بحث خفيف لم يعثر على شيء و كان أقرب تفسير أن الأسرة حزمت أغراضها و غادرت البيت .

blank
أطفال الأسرة : كانوا يعيشون حياة طبيعية

لكن بقية عائلة دوبوا دو ليغونيس كانوا قلقين ، خاصة أنهم تلقوا رسائل تفيد بانتقال الأسرة إلى أمريكا . و إدعى الأب أنه عميل سري . و قد تم وضع الأسرة في برنامج حماية الشهود و مع اختفائهم دون وداع كان كل شيىء مثير للريبة . لذلك استجابت الشرطة لهم و أعادت البحث في البيت .

في 21 من أفريل عثرت الشرطة على جثث آجنس و الأطفال الأربعة و كان كل واحد من الضحايا مصاب بطلقتين في الرأس .

بعد التشريح اكتشف الطب الشرعي أن الأطفال خدروا و قتلوا أثناء نومهم ، و لم يعثر على أي أثر لمخدر في جسد الأم ، والشيء الغريب عدم إيجاد آثار دماء في البيت . مع العلم أنه تم إعدام كلبي الأسرة الأليفين أيضا . وبعد عدم العثور على جثة الأب أصبح فورا جزافييه المشتبه به الرئيسي والمطلوب الأول في فرنسا .

إقرأ أيضا : أسمهان : لغز غرق أميرة الجبل

لغز إختفاء جزافييه

لاشك أن أنباء المجزرة المروعة قد أرعبت مدينة نانت و فرنسا بأكملها .. و لا شك أن الناس ارتعبت من فكرة وجود مجرم خطير مثل جزافييه حر طليق . والعجيب في الأمر أن المجرم لم يتكبد أي عناء في إخفاء تحركاته عن الشرطة ، و كأنه لم يكن يفكر في الفرار أبدا .. حيث مكث في بيته بعد ارتكاب جريمته حوالي أسبوع بما أنه أرسل رسائل إلكترونية لأقاربه و أصدقائه و نشر بعض المنشورات على الإنترنت من خلال كمبيوتر البيت .

غادر جزافييه المنزل يوم 11 أفريل و إتجه جنوبا ، حيث سجل بدخوله لأحد الفنادق . كما التقطت إحدى الكاميرات الخاصة بمراقبة الطرقات لرقم تسجيل سيارته . و في يوم 12 أفريل سجل دخوله لأحد المراقد ، لكن هذه المرة تحت إسم مستعار و واصل خلال اليوم الثالث طريقه بإتجاه الجنوب الشرقي لفرنسا .

تمكنت الشرطة من العثور على سيارة جزافييه يوم 22 أفريل ، أي بعد يوم واحد من العثور على الجثث . وتمكنت الشرطة من تتبع تحركاته عن طريق كاميرات المراقبة و بطاقة الإئتمان .

آخر مرة شوهد فيها كانت بتاريخ 15 أفريل عندما غادر الفندق الذي أقام به و هو يحمل حقيبة ظهر متوجها نحو الجبال و المنحدرات التي تعم المنطقة في رحلة مجهولة النتائج .. حيث لم يعثر بعدها عليه لا حيا و لا ميتا . تخمين الشرطة كان أنه ربما خطط للإنتحار هناك و تم إجراء بحث عن جثته دون أي جدوى .

ختاما ..

تصدرت القضية وسائل الإعلام في السنين الماضية بفرنسا وأسالت الكثير من الحبر ، وانتشرت الكثير من الفرضيات والنظريات عن الأسباب الحقيقية التي دفعت جزافييه لفعل ذلك بأسرته .

blank
كتاب قضية دوبونت دي لينيون : الطائفة والقاتل ، من أهم ما صدر عن القضية

جزافييه الذي دوخ جهاز الشرطة الفرنسية لأكثر من عشر سنوات ، دون أن يعثر على أي أثر يقود إليه ، وذلك رغم أنهم تلقوا عدة بلاغات في أوقات مختلفة لم تقدهم إلى أي شيء .. و بقي مصير المجرم لغزا محيرا حتى الآن .

ملاحظة : جميع حقوق المقال محفوظة لموقع كابوس . لا يحق لأي شخص كان النقل الحرفي أو المرئي للمقال المنشور دون إذن مكتوب من إدارة الموقع . وتترتب المسائلة القانونية المنصوص عليها على كل مخالف للتنبيه المذكور .

المصدر
WikipediaGala.fr

مصطفى 2018

- الجزائر - للتواصل مع الكاتب : [email protected]
guest
13 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى