أدب الرعب والعام

ليلة الرعب

في ليلة شتوية قاسية و الثلوج تهطل و تغطي كل شيء بحلتها البيضاء الناصعة، اجتمع ثلاثة أصدقاء في بيت جبلي لقضاء سهرة ممتعة بعيدا عن المدينة و ضجيجها . وأمام مدفأة الحطب الجميلة تحلقوا يشربون الشاي الدافئ و يتسامرون في جو حميمي لطيف .

وقف جون أمام النافذة يراقب باستمتاع الطبيعة الممتدة أمامه تعزف لحنها الأبدي ثم قال :

ــ نحن في بيت مخيف منعزل على أطراف غابة واسعة و الجو بارد ومثلج . ألا ترون أن هذا الجو مناسب للإستماع إلى قصص رعب، ما رأيكم؟ .

قال الصديق الآخر (مايكل) :

ــ في الحقيقة كل مفردات الرعب متوفرة لدينا من عزلة وليل وبرد شديد ، و أقترح أن يحكي كل منا قصة مرعبة عاشها أو حدثت لأحد مقربيه .

رد عليه الصديق الثالث (براد) :

ــ لم تكن من محبي قصص الرعب فيما سبق يا مايكل أليس كذلك؟ .

غمغم مايكل :

ــ لا شيء ثابت في الحياة لقد تغيرت . هيا احكي أنت أول قصة يا جون . ألست صاحب الاقتراح؟ .

قال جون :

ــ أنت غريب اليوم ! . بل دعني أقول أنك مختلف .

ثم ارتشف من كوب الشاي ، و بدأ يحكي قصته .

إقرأ أيضا : الغريب – قصة قصيرة – (فانتازي-رعب)

**

القصة الأولى : الفتاة الغامضة

في ليلة مظلمة باردة بينما كنت أقود سيارتي في طريق موحش خالٍ من الإنارة . تحيط به غابة كثيفة من جانبيه والمطر يهطل بغزارة و يرتطم بالزجاج الأمامي بقوة و يكاد يخترقه . وفجأة بينما أمر على مقبرة قديمة مهجورة أوقفت المركبة بعد أن لمحت فتاة تقف على حافة الطريق و تشير لي بيديها كي أتوقف .

لم أصدق ما يحدث و ظننت نفسي أهلوس أو شيئا من هذا القبيل . الفتاة ترتدي ثوبا يبدو أبيضا متسخا و شعرها أسود طويل يتدلى ويغطي نصف وجهها وكأنها خرجت للتو من فيلم رعب .

استغربت من وجودها في هذا المكان الخالي وحدها و في هكذا وقت و ظروف جوية قاسية، كان أمرا غريبا فعلا .

ترددت كثيرا قبل اتخاذ القرار . فقد قرأت عدة قصص لأشخاص نقلوا غرباء انتهت بمأساة . و في ظروف أخرى كنت سأرفض مجرد التفكير في الأمر لكن الشهامة تغلبت علي أخيرا و قلت في نفسي :

ــ هي مجرد فتاة ضعيفة غير قادرة على إيذائي و ليس من المروءة تركها هنا تواجه مصيرها الاسود .

فتحت لها الباب مرحبا بها . و لما دنت مني لاحظت أنها شاحبة جدا مبتلة بشدة و لا ترتدي إلا أسمال بالية .

سالتها عن المكان الذي تريد الذهاب إليه فردت بغموض و بصوت متحشرج :

ــ أرجوك خذني إلى أي مكان غير هذا .

أي مكان غير هذا .. رددت عبارتها في رأسي ثم غلب على ظني أنها تهذي بعد ما مر بها .

تشق الآن المركبة طريقها وسط صمت مطبق . إذ أني رفضت فتح حوار مع الفتاة كي لا أبدو في نظرها مجرد عابث من الذين تعج بهم الطرقات . و لا يدعون أي فرصة تمر في سبيل التقرب من الفتيات .

لكني بدأت أشعر أن رفيقتي تحدق فيَ باستمرار بل و تكاد تخترقني بنظراتها . شعرت بعدم الراحة و سألتها :

ــ عفوا يا آنسة هل أشبه شخص تعرفينه؟ .

فردت بغموض :

ــ كلكم متشابهون .

قلت في نفسي لقد كان ظني صحيحا ان هذه المسكينة تهلوس من البرد ومن الجوع .

حاول تغيير الجو الكئيب الذي سيطر على المكان فناولتها علبة بسكويت و عصير .

ــ كلي لعلك جائعة .

ردت بصوت كالفحيح دون أن تلتفت :

ــ أنا لا آكل .

ردها جعلني أتوجس منها و أحس أن بعض الشعيرات قد انتصبت في مؤخرة رأسي من الرعب . وأصبحت أتفادى النظر إليها . بل إني شعرت أن هناك خطبا ما بها . صراحة أصبحت غير متأكد إذا كانت شاحبة إلى هذه الدرجة عند صعودها في البداية .

بدات الخواطر المرعبة تسبح بحرية في قشرتي المخية . وصوت داخل رأسي يقول له : هل سبق أن رأيت فتاة وحيدة ليلاً أمام غابة و تركب مع الغرباء ببساطة أيها الغبي ؟ .

إقرأ أيضا : رعب خالص ..

استجمعت ما لدي من رباطة جأش و سألتها عن الظروف التي أتت بها الى هذا الطريق المعزول ليلا فردت علي :

ــ كانت هناك فيما مضى فتاة بريئة تخلفت يوما ما عن موعد الحافلة التي تقلها إلى بيتها . وبينما هي تسير في الظلام في ليلة ماطرة شديدة البرودة مر بها شابان و عرضا عليها توصيلة لكنها لم ترتح لهما و رفضت بشدة . فقاما بخطفها بالقوة ثم مارسا عليها صنوفا من التعذيب دون أي جريرة منها .

سكتت قليلا لترى تأثير الكلام علي . كان صوتها قد تغير كثيرا و أنا قد تجمدت في مكان من شدة الخوف و انتصب كل شعر ٍرأسي .

ثم أردفت :

ــ قتلت المسكينة ظلما و ببشاعة . فقررت معاقبة الجميع .

حكت كل هذا بصوت هادئ مرعب جعلني أكاد أقفز من الفزع . طبعا لم أكن غبيا لأسألها كيف عرفت بالقصة . لذا فتحت الباب و فررت بسرعة لا ألوي على شيء ورحت أجري و أصرخ كالمجانين . و هنا حدث شيء غريب إذ أن السيارة تحركت و مرت أمامي و الفتاة تلوح لي و هي تبتسم بسخرية وخبث! . لأدرك أني تعرضت لعملية نصب احترافية ! .

**

قصة جميلة تتحدث عن الرعب الموجه إلى المكان الخطأ . قال أحد الصديقين ليردف :

_ أما أنا فلدي قصة غريبة جدا حدثت لإحدى قريباتي لكني لم أعايش أحداثها . هل تريدان الاستماع إليها ؟ .

قال (مايكل ) :

ــ تفضل إبدأ، لقد أثرت حماسي .

سأل جون :

_ ما به صوتك يا مايكل هامسا أتعاني خطبا ما ؟ .

ــ لا أنا بخير، دعنا نستمع إلى القصة من فضلك .

**

القصة الثانية : رفيق الليل

صوفي .. طالبة في الجامعة في العشرينيات . وحيدة والديها ويعيشون في بيت كبير بمكان معزول نوعا ما . قرر الأبوان القيام برحلة عاجلة إلى مدينة مجاورة من أجل أمر مهم كما يبدو . و لم تتمكن هي من مرافقتهما لانشغالها بإعداد مذكرة التخرج التي لم يبق طويلا قبل موعد تسليمها فقررت البقاء بمفردها في البيت .

إقرأ أيضا : قصة مرعبة

بعد يوم عادي مر بين الجامعة كالعادة، بعض الأشغال و لقاء مع صديقة .. عادت إلى البيت أخيرا . شاعرة برهبة أو حافز خفي ، فالبيوت الخالية تثير في النفس شيئا ما . حاولت التشاغل بهاتفها و مداعبة كلبها، كان هناك خبر يتصدر وسائل التواصل الاجتماعي عن فرار قاتل مجنون من أحد السجون بنفس مدينتها . أحست بالقلق و شيء من الخوف، لكنها تناست كل هذا فهي في بيتها الآمن الحصين و قد أوصدت كل الأبواب و النوافذ . حل اللّيل و استلقت على فراشها و بينما هي بين الحلم و اليقظة تناهى إلى سمعها صوت مريب قادم من مكان ما . نهضت من الفراش تتحسس خطواتها و هي متأكدة أنه صادر عن كلبها الصغير . كان يشبه صوت تقاطر المياه من حنفية نصف مغلقة . صفرت له دون جدوى ، عادت إلى مكانها مقنعة نفسها أن كل شيء بخير . وما إن استلقت حتى بدأ الكلب يلعق يديها فقالت :

ــ أنت هنا أيها المشاغب .

بعدها نامت كطفل رضيع . و في الصباح التالي بحثت عن الكلب كثيرا و لم يظهر له أثر رغم أنه قضى الليل جوارها يلعق يديها . بحثت عنه طويلا كما اكتشفت مصادفة إحدى النوافذ مفتوحة رغم أنها متاكدة أنها أغلقت كل شيء البارحة . غريب فعلا، قالت في نفسها . ثم فتحت الخزانة لجلب شيء ترتديه . و هنا شهقت من الصدمة و اطلقت صرخة مدوية . كلبها المسكين مقتول و معلق داخل الخزانة ، و كتب أمام جثته ” حتى الإنسان قادر على لعق الأيادي ” ! .

**

قال مايكل بشغف :

ــ قصة غريبة بدون تفسير لكنها مقبضة . ما رأيك يا جون؟ .

قال جون :

ــ قصة غامضة ٫٫٫ فلا يوجد من يتمنى أن يقضي ليلته جوار قاتل مختل .

قال عبارته و تثاءب بكسل لذيذ .

قال راوي القصة الثانية :

_ و أنت يا مايكل ماذا تحمل ورائك؟ . ثم أين هاتفك العزيز الذي لم يكن يفارق يديك ألم تجلبه معك؟ .

قال مايكل :

ــ لا ، هل من مشلكة ؟ .ألا تريد سماع القصة؟ .

ــ نعم ، لكنك غريب اليوم فعلا .

تنحنح مايكل في وقار ثم بدأ يسرد آخر قصة في هذه الليلة المرعبة .

**

القصة الثالثة : الخدعة

تبدأ الحكاية في ليلة غير مقمرة على طريق منعزل غير مضاء . و بينما أمر بسيارتي أمام مقبرة (….) أشار لي رجل من أجل التوقف . كان غريبا أن يتواجد شخص ليلا في المقبرة وحيدا . ركب الغريب و بدا رجلا في منتصف العمر، أنيق بشكل لافت . يرتدي بدلة فاخرة بربطة عنق لا تناسب لا المكان و لا الزمان و يحمل حقيبة فاخرة .

ما علينا، تجاذبنا أطراف الحديث قليلا و قد بدا لي أن ضيفي غريب بشكل ما . أو ربما مختلف . سالته بكل عفوية عن سبب تواجده هناك فقال :

ــ لأني أعيش هناك .

انفجرت ضاحكا و قلت :

ــ هل تظن أنك سترعبني بقصص الأطفال هذه؟ .

فرد علي بصوت هامس يشبه الفحيح :

ــ لا ، أعيش هناك منذ ثلاث سنوات .

ــ عفوا يا سيد، لكني أظن أنك تكذب .

إقرأ أيضا : قصص رعب قصيرة

فتح حقيبته و أخرج منها جريدة قديمة و قال :

ــ تريد دليلا ملموسا؟ . إقرأ هذا .

كان هناك مقال مرفوق بصورة رفيقي وهو يرتدي بدلة جميلة . و كان العنوان صادما ــ مقتل رجل الأعمال (س.م) في ظروف غامضة ، و عثر على جثته في مقبرة (….) .

حدق في وجهي بثبات ليرى تأثير ذلك علي . بحركة سريعة نزعت نظارتي السوداء التي كنت أرتديها و بدأت تضايقني ثم ثبت نظري عليه و قلت :

ــ لا أظن أنك شبح مثلما تدعي .

و هنا انتفض الرجل في مكانه و بدأ صدره يعلو و يهبط حتى همدت حركته . لا أعلم ما حصل له لكن كل شيء كان غريبا .

وانتهت القصة . أردف مايكل .

قال جون :

ــ لم أفهم النهاية جيدا .

ــ و لا أنا . قال براد .

فرد مايكل (بلامبالاة) :

ــ أشعر بنعاس شديد، تصبحون على خير .

قالها و انصرف قاصدا إحدى الغرف لينام .

قال جون لبراد :

ــ أريد تدخين سجارة هل ترافقني للخارج .

رد عليه :

ــ دخن هنا، لا مانع لدي ألا ترى العاصفة في الخارج؟ .

اقترب منه و قال هامسا :

ــ اتبعني و لا تجادل، الأمر مهم .

وخرج مسرعا .

في الخارج كان البرد شديدا فقال براد بضجر و أسنانه تصطك :

” ما الأمر يا جون تبدو ممتقع اللون ؟ “.

ــ هل تحمل مفاتيح السيارة في جيبك .

” لا، تركتها على الكومودينو” .

ــ لا يهم ، لا أظن أنها ستسير في هذه الثلوج . ألا ترى أن طباع مايكل غريبة او مختلفة؟ .

ــ في الحقيقة نعم ، خاصة القصة الغريبة التي حكاها.

قال جون :

ــ هنا مربط الفرس، أصغي جيدا لما سأقول . لقد كان هناك برنامج تلفزيوني يقوم فيه المقدم بايقاف سيارة عشوائية أمام مقبرة (….) و يقنع السائق أنه شبح مستخدما كاميرا سرية للتصوير ويرافقه فريق الاعداد في سيارة أخرى .

قال براد :

ــ و ما الذي حدث ؟.

ــ ذات يوم ركب مقدم البرنامج مع سيارة ما لينفذ خدعته . كان كل شيء غريبا منذ البداية . فالكاميرا لم تعمل و لم تسجل أي شيء . وعثر على المقدم ملقى على الطريق جثة هامدة و في وجهه نظرة مرعبة لا ترتسم إلا على وجه شخص رأى شيئا لا ينتمي إلى هذا العالم .

ــ هل تقصد أن صديقنا هو الشـ… و انتفض مرعوبا ثم قال :

ــ ألم تلاحظ أن لون عينيه كان مائلا إلى الحمرة و صوته هامس . ليس هذا مايكل الذي نعرفه ، ثم إنه لم يستعمل هاتفه ــ و هو المدمن عليه ــ و لا مرة طوال السهرة .

أخرج براد هاتفه و اتصل برقم ما ثم صاح :

_ مايكل، أين أنت ؟ .

ليأتي صوت مايكل الحقيقي واهنا ضعيفا :

ــ أنا آسف يا صديقي أصبت بنزلة برد قوية منعتني من الحضور . لقد اتصلت بكما ألف مرة للاعتذار لكن هاتفيكما كانا خارج الخدمة .

قال براد :

ــ أتقصد أنك … أنــ …

لم يكمل كلامه فقد فتح باب البيت و خرج منه ذلك الشيء، كانت النظرة على وجه مخيفة لا تنتمي إلى عالم البشر . جمد كل منهما في مكانه لا يقدر على الحراك .. و…

**

بعد أن هدأت العاصفة وصل مايكل الحقيقي إلى البيت باحثا عن صديقيه الذَين اختفيا منذ أسبوع . وما وجده أمام ذلك البيت سيظل يزوره في كوابيسه إلى الأبد ! .

جثتا صديقيه و قد تجمدتا ، و المخيف هو تلك النظرة، نظرة الرعب في عينيهما والتي اختصرت ماعاشه المسكينان في اللّحظات الأخيرة .

مصطفى 2018

- الجزائر - للتواصل مع الكاتب : [email protected]
guest
19 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى