تجارب ومواقف غريبة

ليلة القدر

بقلم : محمد الشريف العلاوي – الجزائر
للتواصل : zatrra@yahoo;fr

رميت المنظار بقوة راجياً أن أعود بصيد كبير

 

تحياتي إلى القائمين على الموقع المحبوب و إلى  كافة الزوار والمشاركين.

قال لي صديقي أثناء فترة الراحة خلال العمل : كنا في شهر رمضان الفضيل وأتذكر بأننا كنا في العشر الأواخر منه ، وأذكر جيداً بأني مررت بضائقة مالية عسيرة ولم أكن وقتئذ موظفاً عند الحكومة ، مما اضطررت بأن احمل “المنظار” – وهو عبارة عن شبكة صيد على شكل بيضوية في طرفها حبل سميك مخصصة للصيد في الأنهار الجارية أو على سواحل الشواطئ أو المياه الراكدة – وخرجت للصيد ليلاً ، فسرت حوالى كيلومترين من منزلي الذي يقع فوق هضبة كبيرة و توقفت ملياً عند الشاطئ فرميت المنظار بقوة راجياً أن أعود بصيد كبير ،

فانتظرت حوالي ساعة ثم سحبت المنظار وكانت خيبتي كبيرة عندما وجدته فارغاً إلا من الطحالب ، ففكرت بأن أبدل المكان و وضعت المنظار على كتفي وشرعت في المشي حتى وصلت إلى شاطئ أخر تفصله صخور كبيرة ومياه راكدة ، فأخذت أصعد فوق الصخور بحذر شديد لأن الرؤية كانت ضئيلة بالرغم من أن الليلة كانت مقمرة ، واذا بي أرى حلقة من الرجال جالسين القرفصاء وكان هناك مكان فارغ ، فاندهشت لأول وهلة وسالت نفسي : ما شأن هؤلاء ؟ و عندما اقتربت منهم قليلاً سمعتهم يقرؤون القران ، و عندما تقدمت منهم كثيراً لم يلتفتوا إلي ، فسلمت عليهم وجلست في المكان الشاغر وكنت مدفوعاً بقوة كبيرة كي اجلس بينهم ، ومن حسن الطالع أن السورة التي كانوا يقرؤونها كنت احفظها عن ظهر قلب ، و عندما انتهينا من التلاوة رفعوا اكف الدعاء إلى الله ، فرفعت كذلك يدي واخذوا يلحوا بالدعاء والمناجاة ، فأغمضت عيني واستشعرت بوشائج قلبي تختلج بالراحة والسكينة ، وبرهة توقفت الأدعية والابتهالات وفتحت عيني ولم أجد أحداً و رأيتني وحيداً ما بين الصخور و أصوات المد والجزر تملأ الأجواء ، وازداد ضوء القمر ينير الشاطئ ولم أفهم شيئاً غير أني كنت أشعر براحة نفسية كبيرة ، فقمت من مجلسي وسرت قليلاً فخرج كلب أسود من أحد الجحور و أخذ ينبح علي ، فقرأت آية الكرسي وسرت قليلاً فابتعدت عنه ولم أعد أسمع نباحه من خلفي ، ثم وصلت إلى صخرة كبيرة تطل مباشرة على البحر الغامق فرميت المنظار بقوة كبيرة وأخذت انتظار ، وبعد دقائق فقط ظهرت الوان غريبة في البحر كانت تشع بأضواء ، ثم أخذت تلك الألوان تقترب من الصخرة الغامقة التي أنا فوقها ثم ازدادت تلك الألوان ضياء عن ذي قبل ، كانت ألواناً عجيبة كالوان قوس قزح ، ثم بعدها خُيّل إلي بأني رأيت السمك يقترب من المنظار فشعرت بحبل المنظار يهتز فازددت دهشة ثم اقترب السمك أكثر و أكثر وكان سمك كثير جداً ومن كل الأنواع الفاخرة اللذيذة و طرت فرحاً وسروراً ،  كان المشهد رائعاً ، يا إلهي لم أكن أحلم بصيد وفير وعجيب كهذا ! وأخذت أشد حبل المنظار وكان ثقيلاً واستعملت كامل قواي وأنا أشده إلى أعلى والأضواء والألوان تزداد ضياء ونوراً ، كما أن ضوء القمر انعكس على البحر فكان المشهد لا يُوصف ، و عندما رفعت المنظار إلى أعلى و وضعته عند قدمي رأيت حوتاً لم أره من قبل فوضعته فوق كتفي و رجعت إلى البيت وأنا لا أكاد اصدق ، وطبعاً عندما وصلت إلى بيتي مع بزوغ الفجر صليت ونمت نوماً عميقاً ، واستيقظت قبيل الزوال ، فجاء أبن أخي على غير عادته فسألني إن كنت قد خرجت الليلة السابقة للصيد ؟ فقلت : نعم ، فقال : أين هو ؟ سآخذه إلى المدينة وأبيعه ،  والسمك في رمضان سعره يكون مرتفع ، فقلت : انتظر سأحضره لك ، أحضرت له صندوقاً كبيراً فيه السمك ، فنظر إليه وقال : هذا سمك جميل وشهي ، فقلت : أتمنى أن تبيعه بثمن مرتفع ، فقال : نعم ، وكانت من عادتي أن اصطاد السمك ويأخذه أبن أخي و يبيعه ونقتسم الدراهم ، وفي المساء عاد أبن أخي وكانت تظهر على وجهه ملامح الغرابة والدهشة ، فسألته : ما بال لون وجهك اصفر؟ فقال : رأيت عجباً سائر اليوم ! فقلت : ماذا تقصد ؟ فقال : ركبت الحافلة و عندما ركنت في الرصيف المخصصة لها وترجلت منها رأيت رجلا غريباً واقفاً محدقاً إلي و كأنه في انتظاري ، فسألني ببرودة : بكم تبيع هذا السمك ؟ فقلت في نفسي : و لما لا أبيعه لهذا الغريب وأعود مباشرة مع هذه الحافلة ويكفني عناء الذهاب إلى السوق ، فسمعت صوت الرجل قائلاً : ألم تسمع ، كم تريد ؟ فقلت : إنه سمك شهي وطازج ، فقال : اطلب ما شئت ، فقلت : أعطيني خمسة الألاف دينار ، وهو سعر أكبر من سعر السوق ، فقلت : خذه ، فأخرج النقود من جيبه وناولني إياها وأخذ الصندوق المليء بالسمك ثم انصرف ، هذا كل ما حدث.

وشعرت أن ذاك بأن السكر والضغط قد ارتفع في جسمي و بدأت أرتجف و أتصبب عرقاً فقلت صارخاً وأخذته من قميصه : يا احمق ، يا بليد ، ألم يقل لك اطلب ما شئت ؟ فقال المسكين بصعوبة : إنها كناية عن سعر السوق و زيادة ، فقلت : يا احمق لو طلبت الملايين ، أتسمع الملايين إنه رزق كبير ؟ ثم جلست و وضعت رأسي بين يدي وبكيت ، نعم بكيت بمرارة وأبن أخي واقف مشدوهً لم يفهم شيئاً ، فطلب مني بأن أتكلم معه ، فقلت : أنصرف و إلا سأقتلك.

إن أغلب القصص التي نشرتها في هذا الموقع كلها حقيقية وقعت لأشخاص ثقات أعرفهم جيداً و وقعت لي شخصياً ، لا لشيء سوى أني احب القصص الغامضة والظواهر العجيبة منذ كنت صغيراً ، أما عن هذه القصة فهي حقيقة سمعتها من صديقي يسكن خارج المدينة ومنزله يطل على البحر وسمعتها بحذافيرها من مصدر أخر بنفس التفاصيل والأحداث ولكن من صديق أخر لأنها انتشرت في المدينة وأصبحت بعدها قصة مشهورة.

تاريخ النشر : 2019-08-29

guest
19 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى