أدب الرعب والعام

ليلة في المقبرة (مايا)

بقلم : سامي عمر النجار – jordan
للتواصل : [email protected]

ليلة في المقبرة (مايا)
تجمعت حولي القطط.. دائرة من القطط تحوم حولي

اسمي عبير أعمل صحفية في إحدى الجرائد، أكتب تحقيقاتي عن القضايا الغامضة، دائماً ما تستهويني الأحداث الغريبة والغامضة، ودائماً ما أحاول تجميع خيوط أي قضية غامضة واليوم سأقص عليكم أحد القضايا الغريبة بلسان أبطالها.

1

مايا تروي ما حدث لها…

ذهب والداي لحضور حفل زفاف أحد أقاربي، تركوني وحدي مع جدتي المقعدة في المنزل، كانت الساعة العاشرة حينما أغلقت كتابي و توجهت إلى النوم، كنت أشعر ببعض القلق بسبب بداية امتحانات الثانوية العامة، تقلبت قليلاً على السرير ثم غلبني النعاس ونمت.

أذكر أني استيقظت على صراخ عالي، وجدت نفسي داخل مقبرة المدينة، كان المكان شديد الظلمة، ولشدة خوفي لم أستطع الوقوف على قدماي، بقيت ساكنة.. وحيدة.. بين هذه القبور.. لا أسمع إلا نباح الكلاب.. وصرخات لا أعلم من أين تأتي..!! حاولت أن أنادي حارس المقبرة و لكن صوتي خذلني، أو ربما لشدة خوفي نسيت كيفية الصراخ!!
بقيت جالسة مكاني وأنا في حالة من الخوف والرعب.. دقات قلبي كانت سريعة.. و زادت سرعتها حينما لمحت قطاً أسوداً يقترب مني.. أمسكت بعض الحجارة في يدي.. وأخذت أضرب بها هذا القط حتى ابتعد.. هدأ قلبي وأحسست ببعض الطمأنينة.. ولكن.. سرعان ما ذهبت الطمأنينة من قلبي حين رأيت مجموعة من القطط السوداء تقترب مني.. وزاد فزعي من رؤية أعينها الحمراء.. تجمعت حولي القطط.. دائرة من القطط تحوم حولي.. أحسست بحركة أسفل جسدي.. حاولت الوقوف وأنا أرتجف من شدة الخوف.. وحينما وقفت على قدماي، شعرت بيد تمسك قدمي وتسحبني للأسفل.. صرخت صرخة عالية.. لم أستطع التحرك من فزعي، تجمدت مكاني.
ثم بعد برهة شعرت بيد أخرى تمسك قدمي الأخرى.. شعرت بأني أغوص داخل أعماق الأرض، شعرت بتلك الأيادي التي تمسك قدماي وهي تسحبني إلى أعماق الأرض، حاولت المقاومة دون جدوى.

توقفت القطط عن الدوران من حولي، أعينها الحمراء كانت تحدق بي، كنت أنظر لها وأنا أشعر بأني أغرق داخل التراب، ثم فقدت وعيي.

2

استيقظت لأجد نفسي مكاني.. ضوء النهار لم يخرج بعد، حاولت تحريك قدماي لكني لم أستطع، نصفي العلوي فوق التراب ونصفي الآخر تحت التراب، نظرت حولي أبحث عن أحد ما ليساعدني، لمحت شخصاً يسير بشكل غريب.. يترنح.. يبدو أنه ثمل.. أخذت أصرخ لعله يأتي و ينقذني.. اقترب مني هذا السكير وحينما رآني.. فر هارباً وهو يصرخ ويستعيذ بالله من الجن والشياطين.. زاد فزعي، ماذا أفعل..؟  تمنيت لو يذهب هذا السكير ويأتي بالناس ليروا هذه الجنية الشيطانة المسكينة، تمنيت أن يخبر الناس ليأتوا لإنقاذي.
بدأت بالبكاء…

رغم برودة الجو إلا أنني كنت أشعر بنيران تشتعل داخل جسدي.. وزاد احساسي بهذه النيران حينما استفرغت كل ما كان في جوفي.. في المواقف السيئة تأتي الأفكار السيئة.. بدأت التفكير بأبي وماذا يفعل الآن..! هل يبحث عني..! أم أنه يظن أني نائمة في غرفتي..يا ترى هل تبكي أمي الآن..! هل تفتقدني..! وجدتي هل… توقفت عن التفكير والتخيل حينما شممت رائحة غريبة.. نتنة، ثم رأيت أمامي مباشرة ، طفل رضيع تحيطه الديدان وربما الديدان كانت تخرج منه، الطفل كان ينظر لي..!
ثم صار يبكي ويصرخ، صوت هذا الطفل أفقدني عقلي ووعيي.

3

استيقظت على سقوط الماء على وجهي، لم يكن المطر بل بكاء أمي، وجدني أحد الزائرين وقام بإبلاغ حارس المقبرة وتم إخراجي ونقلي للمشفى، وتم الإبلاغ عني.
قام الطبيب بإجراء بعص الفحوص الطبية لي وكانت أموري بخير.. شرحت للطبيب ولوالدي ما حدث معي، فقال الطبيب بأني لا أشكو من شيء عضوي، لكني بحاجة لطبيب نفسي لحل مشكلة السير أثناء النوم.
وأخيرا عدت لمنزلي، ذهبت إلى جدتي وقمت باحتضانها وتقبيلها، آه كم اشتقت إليك يا جدتي أخذت أتجول في البيت، حتى لمحت نفسي في المرآة، توقفت واقتربت من المرآة وصرخت وأنا مرعوبة، شعري الأشقر صار لونه أبيض..

4

في الليل بعد تناول العشاء..كان أبي يتحدث مع جدتي.. وأمي تشاهد التلفاز.. وأنا في أحضان أمي نائمة..وفجأة
استيقظت وأنا أسمع بكاء ذلك الطفل اللعين في رأسي، أخذت أصرخ وأصرخ وأصرخ
أوقفوا هذا البكاء، لا أستطيع التحمل، رأسي يكاد أن ينفجر، أوقفوا بكاء الطفل، أوقفوا بكاء هذا اللعين، هل تسمعون.. ! أوقفوا بكاء هذا اللعين..! فقدت أعصابي وبدأت بتكسير كل ما كان حولي.

5

كاد هذا الصوت أن يفقدني عقلي، لا أحد يسمعه إلا أنا، بدأت بتكسير كل شيء حولي، فقدت أعصابي، لم يجد أبي وسيلة لإيقافي، لذلك قام بتقييدي بالحبال، لم أتوقف عن الصراخ
خرج أبي ليحضر طبيباً ، بينما كانت أمي ترتعش من خوفها، كانت تنظر لي وهي تبكي، أما جدتي فقد أخذت تقرأ القرآن..
كان الصوت يزداد ارتفاعاً في رأسي، حتى لم أعد أذكر ما حدث بعدها.

6

أحد الشهود يتحدث…

بيتي بجانب بيت مايا، في الساعة الحادية عشر سمعت صوت صراخ في بيت مايا، صوت الصراخ كان عالٍ جداً ، خرجت من بيتي إلى بيت مايا لأرى ما الذي يحدث،  كان باب البيت مفتوحاً ، توجهت إلى الداخل ، كل شيء كان محطماً ، كأن البيت حطمه زلزال، أخذت أنادي على والد مايا، لم يجبني أحد، أخرجت هاتفي وأبلغت الشرطة، وعندما أردت الخروج من البيت، سمعت صوت همسات في إحدى الغرف، كان مصدر الصوت يأتي من غرفة نوم والدي مايا، توجهت إلى مصدر الصوت، فتحت باب الغرفة و… رأيت سريراً عليه جثتان، الدماء كانت تملأ المكان..حتى الجدران كان مطبوع عليها بالدماء صورة كف “خمسة أصابع”، ورأيت قرب الجثتان فتاة شعرها أبيض و ملامحها مفزعة كانت تقوم بنزع شعر الجثتين، أدارت الفتاة وجهها ونظرت لي ، كانت أعينها شديدة الاحمرار، و من شدة فزعي وخوفي هربت من هذا البيت بسرعة البرق.

7

“والد مايا ” يتحدث…

كنا نجلس في الصالون أمام التلفاز، ابنتي مايا كانت في أحضان أمها تشاهد التلفاز، وكانت أمي تتحدث معي، كانت تقول لي أننا يجب أن نحضر أحد أصحاب الكرامات ليقرأ على ابنتي مايا. وقالت أمي أنها تعرف شخص يقال له “أبو فرج”وهو صاحب كرامات، ولا يأخذ المال مقابل مساعدته للناس، وبينما أمي تحدثني عن هذا الرجل، قامت مايا من نومها وهي تصرخ وتلعن وتشتم،  ثم بدأت بتكسير أثاث البيت، حاولت جاهداً تهدأتها واحتوائها، لكني لم أستطع، كانت تصرخ وتقول أوقفوا هذا الصوت !!

أحضرت حبلاً وقمت بتقييدها بعدما أجلستها على الكرسي، ثم طلبت من زوجتي أن لا تحررها حتى أجلب الطبيب معي، خرجت من بيتي لا أحمل إلا مفاتيح سيارتي، انطلقت مسرعاً وجلبت الطبيب من بيته وعند عودتي، سيارتي اللعينة تعطلت في منتصف الطريق، عدت بعد نصف ساعة إلى البيت ومعي الطبيب، وحينما دخلت البيت وجدته مقلوباً رأساً على عقب، كان كل شيء محطم ، أخذت أبحث في أرجاء البيت عن زوجتي وابنتي وأمي حتى وجدتهم في غرفة نومي، كانت جثة أمي وجثة زوجتي فوق السرير و رائحة الغرفة كانت نتنة ، الدماء منتشرة في أرجاء الغرفة، وهناك بجانب السرير كانت فتاة غريبة تقف بجانب السرير وفي يدها مقص قديم ملطخ بالدماء، كانت تلك الفتاة ابنتي مايا، لقد كانت كالشيطان ، وصل سبعة من رجال الشرطة إلى بيتي، حاولوا الإمساك بابنتي لكنها كانت أقوى منهم بكثير ، لا يمكن أنسى تلك اللحظات عندما قامت مايا بقتل الطبيب وعناصر الشرطة، كانت سريعة جداً وقوية جداً ، أذكر أنها وقفت أمامي، نظرت في عيني، قالت لي شيئاً لم أفهمه..! لكني شعرت أنها بحاجة إلى مساعدتي، ثم خرجت ابنتي مايا من البيت واختفت.

8

مر شهر على اختفاء ابنتي مايا، عناصر الشرطة في كل مكان تبحث عنها، أصبحت ابنتي مجرمة هاربة و الكل يبحث عنها، تم نشر صورها في الجرائد والتلفاز، المجرمة الهاربة مايا مراد.

خطر على بالي كلام أمي رحمها الله عن “أبو فرج” وكراماته، توجهت إلى القرية التي يسكن فيها أبو فرج، أخذت أسأل الناس عن بيت أبو فرج قالوا لي أنه رحل منذ خمسة عشر سنة، أصابني اليأس والإحباط، وعند عودتي الى بيتي وجدت رجلاً يبدو أنه في الستين من عمره يجلس أمام باب بيتي، عندما رآني ابتسم لي وقال : أنا أعلم مكان ابنتك، اقتربت منه وقلت له من أنت ؟
فقال لي : الناس تناديني بـ أبو فرج.

عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ، أخذني أبو فرج إلى مقبرة المدينة ووقفنا أمام أحد القبور وقال لي وهو يشير لأحد القبور :
هذا القبر لطفل رضيع، أمه كانت ساحرة تحبها الشياطين، كان اسمها خلود وكانت عاقر، كانت على استعداد لفعل أي شيء حتى ترضى عنها الشياطين، حتى أنها كانت تسجد لهم، كل ما كانت تريده أن تساعدها الشياطين وتعالج عقرها، وبالفعل أعطاها أحد الشياطين الطقوس اللازمة لمساعدتها على الإنجاب، دم ورجل شاذ ينام معها وسجود لشياطين والكثير من الكفر والفسق.
بعد تسعة شهور أنجبت خلود طفلها ولكنها ماتت من فورها، وسكنت الشياطين جسد هذا الطفل ومات بعد شهر من ولادته، أصبح هذا القبر لعنة على الجميع.

كما علمت ابنتك مايا قضت ليلة كاملة في هذه المقبرة وبسبب خوفها تمكنت الشياطين منها، ابنتك الآن ممسوسة والشياطين تخفيها في مكان موازي لهذا المكان “المقبرة” لذلك علينا إخراج جسد هذا الطفل من قبره وعمل بعض الطقوس وحرقه.

بالفعل ذهبت وأحضرت العدة اللازمة للحفر وعدت للمقبرة عند الساعة الثالثة بعد منتصف الليل،  بدأت بحفر قبر هذا الطفل، كان أبو فرج يقوم برسم رموز غريبة، ويتمتم بكلام غريب، انتابني احساس غريب بشأن أبو فرج لكن لا أعلم ما هو..!
انتهيت من الحفر وقمت بإخراج بقايا جسد هذا الطفل الملعون، قام أبوفرج بوضع بقايا جسد الطفل في منتصف رمز غريب قام برسمه، ثم تكلم بصوت مرتفع ولغة لم أسمع بها من قبل..و..اشتعل رفات الطفل، لا أعلم كيف هبت النار في بقايا جسد هذا الطفل الملعون دون أي شرارة وما أن أصبح كل شيء رماداً ، حتى سمعت صوت ابنتي من داخل أحد القبور، كانت تبكي حبيبتي، توجهت مباشرة إلى مصدر الصوت وبدأت بالحفر حتى أخرجت ابنتي من داخل أحد القبور، حضنت ابنتي بشدة، كنت أبكي وأنا أحضنها، سألتها هل أنتِ بخير..؟
فنظرت لي نظرة فارغة من التعبير وقالت :
ماذا حدث يا أبي ؟
لم تكن تذكر أي شيء، لم تكن تذكر أنها قتلت أمها وجدتها، لم تكن تذكر الذي حصل لها في تلك الليلة المشؤومة .

بحثت حولي عن أبوفرج ولكني لم أجده، لقد اختفى من المقبرة، لم أعلم أين ذهب
حتى قبر الطفل الذي فتحته لم أجده!!
خرجت بصحبة ابنتي من المقبرة وتوجهت إلى المشفى.

9

النهاية.. مازال الأب يتحدث…

لم يصدق أحد قصة ابنتي.
اتهموها بالجنون وتم وضعها في إحدى المصحات النفسية تحت حراسة مشددة،حتى أنا لم يصدقوني، بحثت عن أبو فرج في كل مكان ليشهد على ما حدث ولكن، أثناء بحثي عنه سمعت من البعض أن أبو فرج قد مات منذ زمن بعيد .

هناك أمور في الحياة لا يمكن للعقل البشري احتمالها أو استيعابها..أمور خارجة عن المنطق، فقط أسئلة كثيرة لا إجابة لها

ملاحظة : القصة نشرت لي مسبقاً في عدة مجموعات منها ، ببلومانيا book وساحر الكتب و قصص رعب وشعوذة ، وقصص رعب وجرايم غامضة ، ولكني قمت بتعديلها لتناسب محتواكم

تاريخ النشر : 2018-08-08

guest
34 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى