أدب الرعب والعام

ماري الدموية

بقلم : أحمد محمود شرقاوي – مصر
للتواصل : [email protected]

دمائي قد جفت و رأسي قد أشتعل لهيباً و العرق قد سال مني
دمائي قد جفت و رأسي قد أشتعل لهيباً و العرق قد سال مني

 
ساعة الحائط تدق بعنف معلنة عن قدوم منتصف الليل بكل جبروته وسكونه ، إنه الظلام المخيف ، إنها الوحدة المميتة والجنون المُطبق ، ها أنا أقف في قلب الظلام ، أتراني ؟ نعم ، أحمل بين يدي شمعة تتراقص نيرانها لتداعب وحش الظلام ، ينعكس لهيبها على وجهي فأبدو كخاطف الأرواح الذي جاء ليسلبك روحك ، أواجه مرآة الحائط وأنظر لها في تركيز شديد ، في الحقيقة أنا أنظر إلى لهيب الشمعة المنعكس في المرآة ، يجب أن أتأمل اللهب لمدة نصف ساعة كاملة ، لا يجب أن أرمش بعيني كثيراً ، ربما ثلاثون مرة فقط ، اللهيب يتراقص على سيمفونية صفير الصمت وأنا أشاهده مبهوراً.

ألا ترى معي تلك الصور التي راحت تتشكل في المرآة ، إنها وجوه كثيرة لأشخاص من كافة العصور ، الأزياء مختلفة ومتباينة ، نعم ، نعم أنا أتخيل فقط ، هناك وجه مخيف يتربص بي ويحملق في وجهي ، أراه في ظلام المرآة ، وجه بشع أسود  مخيف ، أشد ظلاما من ظلمة المرآة نفسها ، قلبي يضطرب وجبيني يتعرق ، الخوف يمس روحي من الداخل ، لا يمكن أن أتراجع الآن أبداً ، نعم أعرف أن هناك سؤال يراودك وتتمنى لو أجبتك عليه.

لماذا أقف هنا ؟.

حسنا سأخبرك لماذا أقف هنا حتى تنتهي الثلاثون دقيقة ، إنها ماري الدموية ، لقد أخبرني أحدهم أنه قد استدعاها ، عرفت منه كل الطقوس اللازمة لاستدعائها ، قيل لي أنها تخبرك بالمستقبل وبكل الأحداث الهامة التي ستحدث لك ، أخبرني كذلك أنني يجب أن أعتذر لها قبل أي شيء ، وقال لي في نهاية الحديث أن الأكثرية يفشلون في استدعائها لأنهم يفقدون تركيزهم سريعاً أمام المرآة.

لذا فقد قررت أن أحاول مهما كان ، خاصةً وأنا أعيش هنا مع خالي بعد أن توفي والديّ في حادثة ، الحياة هنا كالجحيم إن كنت لا تعلم ، خالي هو فرعون يمشي على الأرض يعاملني كعبد قد أشتراه من سوق الرقيق ، يستعبدني كجارية حسناء في قصر الملك ، لذا فقد سقطت في عوالم الرعب وتعمقت في البحث عن مواقع الرعب والفزع ، وتعرفت على أحدهم هناك من خلف الشاشة ، تواصلنا لأشهر طويلة وبحثنا عن كل كتب السحر وطرق التحضير ، حتى أخبرني بالأمس عن ماري الدموية وأخبرني بالمطلوب ، تغلق نور الغرفة و تقف أمام المرآة وتحمل بين يديك شمعة ، تحاول بقدر استطاعتك ألا تفقد تركيزك وألا تنظر لشيء غير لهب الشمعة ، وما زاد شوقي للأمر أنه قال لي أنه قد فعل الأمر وتواصل مع ماري ، لذا فقد قررت وها أنا أفعل.

لقد مرت الثلاثون دقيقة سريعاً ، ما أسرع الزمن حينما نتحدث مع شخصاً نحبه ، نعم أنا أحبكم يا أصدقاء ، الآن سيكون طقس الاستدعاء الأخير ، استجمعت أنفاسي و بعضاً من شجاعتي وهمست بصوتٍ خفيض.
” ماري الدموية ، أنا قتلت رضيعك “.
لا شيء.
 
تنفست الصعداء لأنني حقاً لا أريد أن يحدث أي شيء ، هناك جزء مني يصرخ خائفاً ، فقط أريد أن أحكي قصة مشوقة على موقع الرعب وكأن الأهوال قد حدثت معي.

” ماري الدموية ، أنا قتلت رضيعك “.
قلتها بصوت مسموع نسبياً .. ولكن..
لا شيء..

ابتسمت في نفسي وأدركت أن الأمر كله لا يعدو مجرد لعبة نفسية لا أكثر ، لا ماري ولا شيء أبداً.
” ماري الدموية ، أنا قتلت رضيعك “.
قلتها بنبرة سخرية واضحة وبصوت عال تلك المرة.
لا شيء..

و قررت أن أنهي هذا الأمر السخيف ، و……….
لقد كانت تقف أمامي في المرآة ، شهقت شهقة عنيفة خلعت قلبي من مكانه وتناثرت دمائه عشوائياً على صدري ، وعلى ضوء الشمعة كانت تقف لا يفصل بيني وبينها سوى لوح من الزجاج الرقيق ، كانت واقفة تنظر لي بكل غضب ، كانت ترتدي فستانها الأبيض الشبيه بفستان الزفاف ، ولكنه كان ملطخاً بالدماء ، كان شعرها الأشعث أسوداً بلون الفحم وإن لطخته الدماء أيضاً ، يدها اليسرى كانت مبتورة والدماء تنزف منها في غزارة بينما اليد اليمنى كانت تحمل سكيناً كبيراً يكفي لتمزيق ديناصوراً ضخماً ، وقفت أنظر لها وقد تراخت قدماي وزاغ بصري وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من السقوط في البئر المظلم ، ولكني تذكرت ما قيل لي.

” إياك أن تفقد وعيك حينما تراها “.
” وإياك أن تنسى أن تعتذر لها “.
حاولت أن ألملم شجاعتي المنسوفة وتحدثت بصوت باكٍ ونبرة شبيهة بالغرغرة.
” أ أ أنن أأأأنننناااا أعععععتتتذررر لك ، ممممماااااااررررري “

لا أعرف هل تفهّمت كلماتي أم لا ، ولكنها ظلت على حالها تنظر لي بأعين سوداء مخيفة ، نظرات غضب كفيلة بإحراق مدينة بأكملها.

وبعد لحظات سمعت صوتها ، كانت تهمس بصوتٍ غليظ ، خشن ، مخيف.
” اعتذارا غير مقبوووووووووووووووول “.
وانتصب شعر جسدي كله وغزاني تنميل رهيب حينما فتحت فمها على اتساعه فظهر لسانها المقطوع وهو يقطر بالدم ، كانت تزوم كما الحيوانات الشرسة وعينيها قد جحظتا بطريقة منفرة جعلتني أترقب سقوطهما من مكانهما ، وانطفأ نور الشمعة وغرقت في محيط من الظلام الأبدي.

جسدي متصلب كتمثال من الشمع وقلبي يدق على صدري ليهرب خارجاً ، دمائي قد جفت و رأسي قد أشتعل لهيباً ، العرق قد سال مني وأطرافي قد أصابها صقيع شديد ، لا أعرف كيف رأت عيناي هذا المشهد في الظلام ! ها هي ترفع يدها الممسكة بالسكين ، ها هي تصرخ كنواحة في مآتم ، وأغمضت عيني وصرخت كل ذرة في كياني و………..

وفُتح باب الغرفة  وأختفى كل شيء في لحظة واحدة ، نظرت لمن فتح الباب بأعين غائرة ، كنت كمن استيقظ من كابوس مروع ، كان خالي هو من عاد من سهرته المفضلة مع أصحابه ، وقف يتطلع لي في حيرة شديدة ثم قال بعد لحظات من الصمت.

– لماذا تقف هكذا في قلب الظلام أيها المعتوه ؟.
لم تسعفني الكلمات كي أرد ولو بكلمة واحدة.
– هل فقدت النطق ؟.
لم أرد أيضاً.
– حسناً اذاً فقدت النطق فلا أظن أنك قد فقدت السمع أيضاً ، فأنا أدق جرس الباب منذ دقائق ومحظوظ أنت لأنني قد وجدت معي مفتاحاً وإلا لكان عقابك معي شديد.

تركته بهدوء ثم انسحبت من الغرفة ، وحينما مررت بجواره سمعته يقول :
– أيها الأحمق ما تلك الشمعة الساقطة على الأرض.
تركته وجلست في الصالة فاقداً للنطق والإحساس ، أشعر أنني معدوم القدرة والإرادة ، لم تمر لحظات حتى سمعت صوت تهشم زجاج قوي في الغرفة ،
دق قلبي بفزع وانتفض جسدي على الصوت ، نهضت من مجلسي سريعاً وتقدمت بخطى من الهلام ناحية الغرفة ، ناديت بصوت واهن على خالي ولكنه لم يجيب ، تقدمت ثانية خطوة تلو الخطوة ، وكان ينتظرني أبشع منظر قد أراه في حياتي.

كان خالي مُلقى على الأرض وقد فُصلت رأسه عن جسده ، ومن مكان العنق كان هناك شلال من الدم يتدفق على الأرض ، كانت الرأس على الفراش تنظر لسقف الغرفة بنظرة شملت كل رعب الدنيا ، وكانت المرآة محطمة ومتناثرة في كل مكان ، وهناك على الحائط كانت تلك العبارة مكتوبة بالدم.
” هذا الثأر لأنكم قتلتم رضيعي وهناك ثأر أخر ممن استدعاني “.

في تلك اللحظة جاءتني رسالة على الهاتف ، لا أعرف كيف فتحت الهاتف وكيف وجدت نفسي أقرأ الرسالة ؟.
كانت رسالة من صديقي الذي حادثني على الموقع.
” يا صديقي سامحني فقد كذبت عليك ، أنا لم استدعي ماريا أبداً ولكن هناك من أخبرني حقاً أنه استدعاها وهو شخص مُصدق القول ، لقد قيل لي إنها تطارد من يستدعيها طوال العمر ، لا تفعل يا صديقي أنا حقاً خائف جداً ، لا تفعل يا صديقي “
ابتسمت في بلاهة وجنون وقلت بصوتٍ ممزوج بنبرة جنونية
” لقد تأخرت رسالتك كثيراً يا صديقي “.

………………………………………………..

أسطورة ماري الدموية ، اختلفت الأساطير عن ماهية ماري الدموية ، ولكنهم أجمعوا أنها روح شريرة تلبي النداء وتحضر اذا ما دعاها أحدهم لتقتلع عينيه أو تشوه وجهه أو تقتله شر قتلة ، وهناك بعض الأطفال يرددون أنها تأتي لتجلب لهم الحلوى.
يُقال أنها ملكة ذُبح أطفالها في الغابة فجُن جنونها وقامت بذبح كل أطفال المملكة ثم انتحرت.
و يُقال أنها امرأة شابة قد ذُبح رضيعها أمام عينيها ، ويُقال أنها امرأة كانت مريضة نفسية وكانت تستلذ بقتل الأطفال.

لا أحد يعرف بالحقيقة ولكن ما نعرفه أنها أسطورة مشهورة جداً في الأوساط الإنجليزية وهناك ربط في الأوساط الشعبية بينها وبين الملكة الأولى لإنجلترا ” الملكة ماري ” لأن الملكة ماري كانت كثيرة الإجهاض ، لذا فقد أطلق عليها أيضا ” ماري الدموية “

ولكن ما يهمنا هو سؤال واحد.
هل تجرؤ عزيزي القارئ على إتمام طقوس استدعاء ماري ؟.
سأترك الجواب لك.
فقط لا تنسى ” ” ماري الدموية ، أنا قتلت رضيعك ” ” Bloody Mary, I killed your baby “
 
النهاية ……..
 
ترقبوا صدور رواية ” إن الله سيبطله ” في المكتبات عما قريب لشخصي البسيط..
 

تاريخ النشر : 2020-04-11

guest
19 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى