أدب الرعب والعام

ماندالوفاس – قِصة قصِيرَة

بقلم : حمزة لحسيني – Hamza Lahssini – المملكة المغربية
للتواصل : [email protected]

https://www.kabbos.com/images/tranz/errry20201023.jpg
إنه الشخص الذي يدعى ” ماندالوفاس ” الذي قتل أزيد من 200 شخص في قرية تدعى “جورسينا”.

الناس ينظرون والحكام ينتظرون وهو في ساحة الإعدام ينتظر صوت الجرس ليتم إعدامه، يبكي أمام الجميع و يقول: لم أكن أنا ! أنا شخص بريء ! لم أقتل أحد صدقوني.. أرجوكم صدقوني.. إنه الشخص الذي يدعى ” ماندا لوفاس ” الذي قتل أزيد من 200 شخص في قرية تدعى “جورسينا”.

كان يعيش “ماندا” في منزل داخل غابة بجوار قرية تدعى “جورسينا”، مع أمه المريضة بالقلب و أبوه المنحرف الذي كان قاسيا معه؛ لدرجة أن “ماندا” كان يتعرض لضرب دون سبب، منذ أن كان صغيرا وهو يحمل في داخله خوفا تجاه البشر بسبب ما تعرض له من تعنيف .

كان لا يحب ولا يصدق أحد سوا أمه، اعتقادا منه أن كل البشر أشرار ، لا يعرف ما معنى الكتابة أو القراءة أو اللعب، كل ما يعرف هو مساعدة أبوه في صهر الحديد؛ لصناعة الأفران وبيعها. كان هو وأمه يتعرضون للاضطهاد، والعنف الكلامي والجسدي من طرف أبيه؛ بمنعهم من التكلم مع الأخرين سواء الأقارب أو الغرباء، وعندما يريد أبوه بيع الأفران يقوم بإغلاق المنزل على “ماندا” وأمه و يأخذ عربته متجها نحو السوق الأسبوعي .

 في صباح إحدى الأيام أستيقظ “ماندا” باكرا ينادي على أمه فلم يسمع صوتها ، فكرر مناداته دون نتيجة ، فقرر الدخول إلى غرفتها فوجد فمها خارج منه الزبد . ماندا : أمي هل أنتِ بخير ؟ أمي استيقظي! فلم تستجب له. في حين عرف أن أمه أخذتها المنية فبدأ يبكي و يصرخ : أمــــي أمــــــــــــــــــي.. لماذا تركتني ؟ !!

 فجاء أبوه مسرعا فقال له : ماذا يجري هنا أيها الغبي ؟
فرد عليه ماندا : رحم الله أمي لقد توفيت .
فقال له أبوه : من الأفضل لها أن تموت لم تكن تنفع في شيء فمرضها كلفني كثيرا.

ماندا : ماذا تقول يا أبي ؟ هل أنت من تقول هذا الكلام على أمي ؟
كنت على يقين أنك لم تحبها قط في حياتك !!

أبوه : أصمت أيها الكلب وإلا ستلحق  بأمك.

بعد انتهاء مراسم دفن أم ماندالوفاس، استمرت حياته بشكل غير معتاد؛ بسبب بكائه الدائم على أمه عندما يتذكر ذكرياته معها. بأيامٍ ليست ببعيدة عن يوم وفاة أمه، لن يتركه أنينه وبكاؤه واشتياقه أن ينام، نهض في منتصف الليل بدون أن يثير أي ضجيج يتسبب في استيقاظ أباه من النوم ، متجها للجبانة، عندما وصل لقبر أمه ودموعه تتساقط.

قائلاً : سلام الله عليك يا أمي الحبيبة ، ها أنا جئت لكي أنام بجانبك لأنني أعلم أنك تخافين من سواد الليل.( فوضع رأسه متكئا على القبر) فقال: هيا يا أمي ضعي يدك على شعري واحكي القصة التي لم تكمليها لي بعد ؟ هيا تكلمي يا أمي ! لماذا لا تريدين التحدث معي ؟

هل أنتِ غاضبة مني ؟ حسنا.. حسنا، ربما أنت تصلي لأنك قلت لي ذات مرة عندما تنادي لي ولم أجيبك فأعلم أنني أصلي، حتى و إن كنت بشكل لا يظهرني كذلك، حسنا لا مشكلة سأنتظرك إلى أن تنهي صلاتك.

( ظل في انتظار سماع صوت أمه حتى استيقظ من النوم في صباح )

فقال : إلى اللقاء يا أمي سأذهب إلى المنزل وعندما يحل الليل سآتي عندك لكي لا تخافين من الظلام.

 يعتقد “ماندالوفاس” أن أمه هي القبر فأصبح يعتني بقبرها وكأن للقبر روحا ومشاعر وأحاسيس.. وعندما علم أباه بهذا الأمر حاول أن يمنع “ماندا” من الذهاب إلى الجبانة مجددا .

الأب : اسمع أيها الأحمق لقد نعتوني رجال ونساء القرية بأوصاف مذمومة على ما تفعله في المقبرة ، لن أتركك تذهب مجددا لذلك المكان، أنت كنت سببا في تشويه سمعتي أيها الغبي.

ماندالوفاس : أنا أذهب لأن أمي تخاف من الظلام، لا أقصد أن اشوه سمعتك يا أبي .

الأب: اسمع أيها المغفل أمك ماتت، مـــــــاتت! ليس لها أي صلة بالحياة، فروحها صعدت للسماء.

ماندالوفاس : أمي لازلت على قيد الحياة مادام أننا وضعنها في ذلك المكان(الجبانة) ، أنا لم أرى أن روحها صعدت للسماء ؟

الأب : أمك ماتت.
ماندالوفاس: أرجوك أبي أصمت أمي لازلت على قيد الحياة.
الأب: ( صفع ماندالوفاس في خده ) اصمت أيها الغبي إن أمك الغبية ماتت سحقا لكما جميعا.
ماندالوفاس: ( وفي هذه اللحظة لم يشعر ماندا بنفسه إلى أن مسك بالبندقية فأطلق النار على أبوه ).

الأب : ( يتلعثم في الكلام ) ماذا، ماذا فعلت يا ماندا! كنت اعلم أنكـ .. و … وول .. ولد عاق

فسقط على الأرض فمات، رجال قرية “جورسينا” سمعوا صوت البندقية فاتجهوا مسرعين إلى المكان (مكان الواقعة) ، عند وصولهم وجدوا “ماندا” يجمع أغراضه في الحقيبة ..

فقال أحدهم : ماذا تفعل أيها الشاب ! هل أنت من أطلقت النار على أباك ؟

ماندا : (يتكلم بارتعاش وتأسف ) نعم أنا من فعلت هذا بأبي ، بسببكم أيها الأوغاد لو كانت أفواهكم مغلقة لما وصلنا لهذا الوضع!

أحدهم: هيا يا رجال أمسكوا بهذا المجرم.
ماندا: ( صوب البندقية في اتجاههم ) إياكم و أن يقترب مني أحد و إلا سأفجر رأسه بهذه البندقية

حمل حقيبته خلفه وبدأ بتراجع شيئا فشيئا إلى الوراء ، ورجال القرية ينظرون له بخوف خشية على أرواحهم إلى أن توقف، فبدأ يتذكر السب و الشتم و العنف الذي تعرض له من طرف أبوه و خاصة أن رجال القرية هم سبب نزاع “ماندا” مع أبيه، فانفجر ذلك الخوف والضغط المغمور في داخله الذي كان يحمله منذ صغره فشرع بطلق النار على كل من أمامه إلى أن قتل جميع الرجال الذين كانوا موجودين في المكان

كما قالت ميساء راشد ” هناك حقائق ثابتة لا نملك تغييرها مهما كرهناها أو اختلفت وجهات نظرنا حولها، ومن تلك الحقائق تأثير العنف على المجتمعات والأفراد الذين ينشئون على مشاهد العنف و تتشبع بها نفوسهم، وقتها يصبح هذا العنف أمرا عاديا لديهم” .

 نفس الشيء الذي طرأ “لماندا” فهو شخص لم يمر عليه يوم دون أن يتعرض للعنف ولم يمر يوما دون أن يرى أمه تتعرض للقهر من طرف أبيه. قرر “ماندا” أن يفر من ” جورسينا ” على متن عربة أبيه تاركا ورائه أرواحا خوفا من العقاب.

 بعد هروبه من مكان الحادث وصلت الأخبار للسلطات المعنية المكلفة بالمنطقة ، فأرسلوا دوريات رجال الأمن للبحث عن ماندالوفاس وقاموا بملء الطرق المجاورة للقرية بالحواجز ليتم القبض عليه.

سلك “ماندا” طريقا وسط الغابة عوض الطريق الرئيسية خوفا من القبض عليه ، فذهب مسرعا بالعربة ، فسمع صوت سيارات رجال الأمن ، فقرر أن يسرع أكثر بكثير ، فتمت ملاحقته من طرف رجال الأمن كما طلبوا منه أن يسلم نفسه لكنه مصر على الهروب فبدأت الشرطة تطلق النار عليه وهو الأخر فعل نفس الشيء فكان سببا في إصابة شرطي في كتفه بطلقة نارية بواسطة بندقيته .

 فشرعوا كل من رجال الشرطة و “ماندا” أن يتبادلوا الطلقات النارية إلى أن صوب أحد الشرطيين مسدسه على العجلات الخلفية لعربة “ماندالوفاس” فأطلق النار عليهما ، فقفز “ماندا” من العربة إلى جانب الطريق فأصيب بوخز على مستوى رجليه ومع ذلك بدأ يركض وسط أحشاء و أشجار الغابة فصعد لأحد الأشجار و لكي يفلت من قبضة الشرطة قام برمي وتشيت دمه أمام طول الطريق من فوق الشجرة؛ لكي يثير انتباه الشرطة فيعتقدوا أنه هرب من المكان نحو الأمام .

 نجح “ماندالوفاس” في الهروب من الشرطة ولكي يضمن حريته قرر أن يظل عالقا في الشجرة حتى تستقر الأحوال فأرهقه النعاس فقرر أن يأخذ قسط من النوم فتوكئ على أغصان الشجرة..

” الناس ینظرون والحكام ینتظرون وهو في ساحة الإعدام ینتظر صوت الجرس لیتم إعدامه، یبكي أمام الجمیع و یقول: لم أكن أنا ! أنا شخص بريء ! لم أقتل أحد صدقوني..، أرجوكم صدقوني! “

نهض مفزوعا فوجد نفسه كان يحلم بأنه في ساحة الإعدام يموت شنقا ، وبعد هذا الأخير بدأ يتذكر أمه قائلاً : أمي أنا لا أعلم هل أنتِ تنصتين لما سأقوله لكن أرجوك لا تقلقي على ما فعلت ، إنني لا أحتمل أقوال و أفعال الآخرين فكلهم يقسون علي ، أمي الحبيبة هل صحيحا ما قاله ذلك الوغد الحقير (يقصد أبيه) هل أنت فعلا روحك صعدت للسماء وليس لكي أي صلة بالحياة ؟ بصراحة أنا لا أصدق كلمات ذلك الرجل لكن ما جعلني أدرك كلامه هو عدم وجودك معي الآن ( فبدأ يبكي ويصرخ بصوت مرتفع بدون شعور ) أين أنتِ يا أمـي أين !

 فكان هذا الأخير سبب هجوم بعض جواسيس الشرطة عندما سمعوا الصراخ فتتبعوا الجهة المصدرة للصوت حتى تمكنوا من معرفة مكانه ، فأحس ماندالوفاس بشيء ليس على ما يرام من خلال بعض همسات الصوت وخشخشة الأعشاب اليابسة فأمسك بالبندقية ، فنزل من الشجرة فبدأ ينضر أمامه و خلفه بخوف و فزع شديد .

 الجواسيس ؛ لكي يثرون انتباه ماندالوفاس قاموا برمي الحجارة في الجهة المعاكسة لمكان وجودهم ليقوما بالهجوم من ورائه ليتم القبض عليه لكن “ماندا” علم بهذه الخدعة فركز على كل الاتجاهات فحاول أن يفر من المكان بهدوء و عند وصولهم للمكان لم يجدوا شيئا .. فجأة أنصدم “ماندالوفاس” بأحد الجواسيس هو الأخر حامل بندقية صيد .

 الجاسوس : أرفع يدك ولا تفعل أي شيء.
ماندا : وما جعلك تفرض عني هذا ؟ ماهر الشيء الذي يقويك عني الآن ؟ فنحن الاثنين لنا بندقيتين ؟
الجاسوس: أنت وحدك في هذه الغابة أما أنا فيصاحبني الكثير من الرجال و الكثير من البندقيات، فل ترفع يدك و تسقط سلاحك ارضً أفضل لك.

ماندا : فلتذهبوا أنتم و بندقياتكم للجحيم لم أعد أخشى شيئا هل فهمت يا ابن الساقطة.
الجاسوس : حسنا يا ابن العفيفة، فلنخوض معركة أنا و أنت بدون أسلحة ؟
ماندا : حسنا.
الجاسوس: ( رمى سلاحه بعيدا ) ها أنا أنتظرك لكي ترمي سلاحك أيضا ؟
ماندا ( يتردد في رمي البندقية ) فسأل الجاسوس: و ما جعلك ترمي سلاحك بهذا الشكل ؟ هل أنت واثق من عضلاتك أو أنك تحاول خداعي بشيء ما ؟

 ومن حسن حظ “ماندالوفاس” نظر فجأة لبركة الماء الموجودة أمامه، فظهر له احد الجواسيس فوق أحد الأشجار، وعلم بالأمر و بالخدعة التي كانت ستسقطه في شباك الجواسيس، فقام “ماندالوفاس” بإستادرة مسرعة في اتجاه الجاسوس الموجود فوق الشجرة، فأطلق عليه النار على مستوى الرأس، فحاول (الجاسوس الخادع) أن يركض للمكان الذي قام برمي البندقية فيه، لكن لم يصل حتى وجد رصاصة في رأسه.

 حاول “ماندا” أن يجد طريقة ليخرج من الغابة، التي أصبحت مملوءة بالشرطة و الجواسيس محاولين القبض عليه، لكن “ماندا” أعتقد آن هروبه ليس له أي منفعة، و ما زاد من ارتعابه هو حلمه وتفكيره بالإعدام، وعند هذا الأخير بدأ يرتجف و يتنفس بصعوبة، فوجد حل وحيد هو أن ينهي حياته بنفسه .

فوضع البندقية في عنقه، وأصبعه على الزر فقال: اشتقت لكِ يا أمي لهذا سأنهي حياتي مع سلامة أيتها الحياة القاسية، فأطلق النار على نفسه، وقبل أن تزهق روحه ظهرت له أمه الميتة، فقالت له: فلترقد بسلام يا ابني؛ أحبك كثيرا..

النهايــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة.

دواعي التأليف و أهداف القصة :

أشكر كل من منح وقته ليقرأ هذه القصة و أن يعيش و يتخيل أحداثها و أزمنتها وأمكنتها كما أعتذر لكم على الأسلوب الذي كتبت به ، و ما جعلني ارفع قلمي المتواضع و اسرد لكم هذه الأحداث التي هي من نسج خيالي هو حبي للفن و بالأخص فن الإخراج.

و كذلك لأبلغكم برسالة ألا وهي ” أن العنف لا يولد إلا العنف ” أتألم كثيرا عندما أرى أطفالا يتعرضون للعنف من طرف عائلتهم وهذا العنف يحدث خلل في شخصية الطفل و يبقى مغمورا في داخله حتى ينفجر في وقت ما.

وغالبا ما يكون هذا الانفجار سلبيا كما أن الشخص المعرض للعنف يشكل تهديدا على الأفراد الآخرين في مجتمعاتنا و المجتمعات الأخرى فيقوم بتعنيف الآخرين فيصبح العنف أمر عادي بنسبة له أو أنه يصبح منغلق على نفسه مصحوبا بخوف دائم، بالإضافة إلى التربية الغير المعقلنة قد تنتج أجيالا متطرفين و إرهابيين و مجرمين ..

بقلم: حمزة لحسيني .

تاريخ النشر : 2020-10-25

guest
15 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى