أدب الرعب والعام

محطة البنزين

بقلم : maha – سلطنة عمان

محطة البنزين
هنا توجد محطة بنزين وحيدة ..

إنها عطلة نهاية الأسبوع التي دائما ما أعود فيها من المدينة إلى القرية التي أسكن فيها و التي تستلزم طريقا لا تقل مدته عن ساعتين حتى أصل …

ركبت الحافلة التي اعتدت ركوبها … كانت مزدحمة بعض الشيء ….. كالعادة ، تحركنا حتى خرجنا من المدينة …. كان الرجل الذي يجلس بجانبي ثرثارا مهووسا بالخرافات ، فأخذ يحكي عن فتى انقلب مسخا لأنه كان كثير الفساد ، و حكى عن قوم سكنوا تحت الأرض لعدة عقود و عن أمور خرافية كثيرة …. و عندما دخلنا في الطريق الخالي الذي لا يحيطه شيء سوى صحراء جرداء … كان عدد راكبي الحافلة قد خفّ و لم يتبقى سوى سكان القرى .

ـ لا يغرّك خلو هذا الطريق .

كان هذا كلام الرجل … فالتفتُّ إليه .

ـ عفوا!!!!

ـ في نفس هذا الطريق ، تعرضت سيارة لحادث نتيجة سرعة جنونية و مات كل من كان في السيارة(زوج و زوجته) .

تظاهرت بالإهتمام …. فأردف قائلا :

ـ يُقال أن الزوج كان يعذب امرأته و يظلمها كثيرا ، و لكن هناك رواية أخرى تقول أنه نجى من الحادث و لكنها لم تنجو لهذا فروحها لا تزال هائمة في هذه الصحراء تبحث عن أي رجل ظنا منها أنه زوجها فتصب جم غضبها عليه .

قاومتُ بصعوبة اخفاء ابتسامتي …. كل ما يقوله مجرد هراء .

بعد أن تبقت ساعة واحدة على الطريق ، توقف الباص فجأة… سأله أحدهم : ما المشكلة ؟

التفت السائق الينا و هو يقول : لا أعلم …. سأفحصه من الخارج .

خرج و خرج معه ثلاثة من الرجال ليتفحصوه معه … بعد ثوان عاد إلينا :

ـ أنا آسف يا جماعة تعطل المحرك ، لن أستطيع إكمال الطريق .

تعالت أصوات الركاب و لكن لا مجال …. أردف السائق :

ـ ستضطرون إلى إكمال الطريق سيرا .

بعد أن خرج معظمهم توجهت إليه :

ـ كيف تريدني إكمال الطريق سيرا ؟ أليس لديك وسيلة أخرى ؟ أطلب المساعدة من أحدهم .

أجاب : لا تغطية هنا …. نحن في صحراء كما ترى ….. لا أستطيع فعل شيء لأجلك .

بعد مجادلة و مشادة في الكلام رحلت بائسا أكمل الطريق وحدي و قد اقترب وقت غروب الشمس ….. ربما تتساءلون لمَ لمْ آخذ الأمر ببساطة و أرحل مباشرة مثلما فعل البقية …. المشكلة هنا أمران ….الأول أنني عدائي في طبيعتي لا أعرف لمَ أحب التشاجر دوما ، و الثاني أنني متأكد بنسبة 90% أنه سيغمى علي في نصف الطريق بسبب انخفاض السكر الذي أعاني منه ، و أنا هنا لا أملك طعاما و لا ماء .

حلّ الظلام و انقلب الجو باردا لا يُحتمل و بدأت تدريجيا أفقد تركيزي إلى أن رأيت أضواء من بعيد …. آه تذكرت ، هنا توجد محطة بنزين وحيدة ، و لكنها عادة تكون بلا موظف ، نادرا ما أرى فيها موظفا يعمل ، و دائما ما يكون مختلفا عن ذي قبله ، لا أعرف مالسبب ….. المهم ، آمل أن أجد موظفا هذه المرة لأنني أشعر بأني لا أستطيع المشي أكثر ….. إقتربت و رجلاي تكاد تتكسر ستنغلق عيناي قريبا…..حاولت الإسراع…..أحتاج إلى سكّر…….أخيرا وصلت و أنفاسي تكاد تتقطع ….

رأيت بصعوبة شخصا يجلس على كرسي و يشرب الويسكي ….. كان في حالة سكر ….. و لكني لا أسكر…… غير مهم، أحتاج إلى أي شيء يدخل جوفي ….. إقتربت منه أكثر و سحبت القارورة بقوة من يده و دفعته برجلي فسقط أرضا هو و كرسيه……رفعت القارورة و سكبت الويسكي على فمي…..كان نصفه يتساقط أرضا و في ملابسي …….الى ان اسودّت الدنيا في عيناي .

فتحت عيناي قسرا……كان موظف المحطة يفضفضني بقوة و يحرك شفتيه من دون أن أسمع شيئا……نهضت جالسا…..فسألته : ماذا بك ؟؟ ….. رفع إصبعه الى فمه كي أخفض صوتي و أشار خلفي … فالتفتُّ ورائي و وجدت فتاة شعرها يغطي ملامحها ، كانت جالسة و هي تُخرِج رأسها من بين عمودي البنزين……وقفت في مكاني : هل أنتِ بخير ؟؟!

لم تجب….و لكنها مدت ذراعيها و ألصقتهما في الأرض و سحبت نفسها ليظهر جسدها……و لكنها كانت مقطوعة من النصف……صرخ الموظف ورائي و ابتعدت أنا خطوات للوراء ثم هربنا بسرعة و خرجنا من المحطة و ركضنا حتى اختبأنا خلف تلة ، و كنا نلهث بشدة…..سألته : كيف جاءت ؟؟؟

أجاب مذعورا : لا أدري ، فتحت عيناي فوجدتك أنت و هي…..أنا لا أتذكر شيئا .

جلسنا في مكاننا ما يقارب ربع ساعة…..قلت : أشعر بالعطش .

أجابني : الماء في كيسي بالمحطة .

ـ ألديك ماء؟؟؟

ـ نعم….و لكنني لن أعود هنالك .

صمتُّ ثانية…..

ـ ما رأيك أن نذهب و نتفقد المحطة؟

أجاب بعد تفكير : حسنا….و لكن أنت ستكون أمامي .

مضينا خطوة خطوة الى ان اقتربنا من المحطة…..اختبأنا خلف جدار محل الأغذية التابع للمحطة……بعدها قدّمت رأسي لأرى ان كانت لا تزال موجودة….و لكنني لم أجد أحدا….تقدمنا بعدها و سألته : أين كيسك ؟

هرول ناحية صندوق ما…..في هذه الأثناء أحسست بأحد يمسك قدمي…..و سحبها فسقطت أرضا بقوة…..نظر إلي الموظف في خوف…..وجُرجِرْتُ من الخلف و أنا أصرخ له : سااعدني …. لكنه هرب صارخا … لا أستطيع ….

التفتُّ ورائي لأرى من ذا الذي يجرني…..كانت عجوزا قبيحة ترتدي فستانا لا يليق بها….قاومتها و لكنها كانت أقوى من أي عجوز عادية…..جرجرتني حتى اختفت المحطة…..عندما ركزت في عيناها….اكتشفت أنها بلا سواد….كان وجهها مليئا بالتجاعيد….و قبيحا بكل ما أوتي للكلمة من معنى….تركت قدمي…..و نظرت إلي…قالت بصوت رجولي ضخم : أخيرا وجدتك…..حان الوقت لأسترد حقي….سأجعلك تشعر بما جعلتني أعيشه و أكثر……سأجعلك تندم على كل ما فعلت…..سأجعلك تبكي دما……و سأجعل قلبك يحترق….أعدك بأنني سأفعل ذلك .

عندما كانت تثرثر كنت أبحث عن أكبر صخرة قد أجدها…..فلمحت واحدة و أمسكتها….ووجهتها بقوة في رأسها الكبير…..كان يجب أن تسقط و لكنها عادت بسرعة إلى وضعها الطبيعي…..و لكنها كانت فترة كافية كي أهرب منها…..ركضت مبتعدا و لم يفلح ذلك…فسرعان ما لحقتني و عضتني بقوة في ساقي……ضربتها بقدمي الأخرى فاستطعت إفلاتها……ركضت هذه المرة أسرع الى ان ابتعدت عنها……وصلت الى المحطة و تجاوزتها…..لا أعرف اين علي الذهاب…..التفت ورائي حتى أتأكد من اختفائها…..فجأة تعثرت و سقطت في حفرة ليست بعميقة……لحظة !! هنا جسم آخر…..كان ذلك الموظف…..لكمته ضربا ….

ـ لمَ لمْ تساعدني أيها الأحمق .

مد يديه مدافعا : أنا آسف ، لست شجاعا مثلك .

ـ و ماذا تفعل هنا ؟

ـ أنتظر الحافلة …

ـ الحافلة تعطلت…..انك تنتظر سرابا .

خرجت من الحفرة و رحت أمشي…..فأتى ورائي : إذا ماذا سنفعل ؟

ـ اذهب وحدك…..لا تصاحبني .

لمحنا فجأة أضواء في الطريق تقترب…….فانفرجت أساريري ..التفتُّ إلى الموظف…..فوجدته يسقط أرضا فجأة و يجرُّ إلى الخلف…..و صرخ يناديني : سااعدني .

ابتسمت و قلت : أنا آسف ، لست غبيا مثلك .

تاريخ النشر : 2015-07-27

maha

سلطنة عمان
guest
35 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى