أدب الرعب والعام

مذنب؟

بقلم : تقي الدين – الجزائر
للتواصل : takieddinemouss@gmail-com

إنني أعود كل يوم و أنظر للشرفة مفكرا في رمي نفسي منها لعل الألم يكون أعظم إن رأيت الموت قادم إلي
إنني أعود كل يوم و أنظر للشرفة مفكرا في رمي نفسي منها لعل الألم يكون أعظم إن رأيت الموت قادم إلي

 

غرفة مظلمة، شقة في حالة فوضى الملابس مبعثرة في كل مكان ، سرير مهترئ مثبت بألواح خشبية و علب الطعام مرمية هنا و هناك تعطي هذه اللوحة الحزينة بعض التنوع . كان تقي يضع مسدسه في تلك الطاولة الزجاجية الصغيرة و يحدق إليه بعينيه البنيتين كأنه يحاول إقناعه بأنه ليس خطأه ، يحمل تقي جسمه من تلك الأريكة الصغيرة التي أهديت له منذ سنوات من قبل أخيه – ليس حبا فيه و إنما لأنه حصل على ترقية و انتقل إلى منزل أفضل و أصبحت حياته مثالية – و توجه نحو النافذة ، بالرغم من حالة الشقة المزرية إلا أنه لا يمكنك أن تكره هذا المنظر الجميل إن أضواء المدينة المتلألئة تجعله يشعر بالراحة لسبب ما .

نظر إليها مطولا لعل ذلك يحدث لكن دون جدوى إنه يعرف أنه لن يجد الراحة إلا في موته، لقد عاش مع ذلك الذنب طويلا ، إن كل يوم هو معركة بالنسبة له لكنه اليوم قرر أنه سيجد حلا لصراعه، إن اليوم هو المعركة الأخيرة، (تخيل نفسه محاربا أيام الروم العظيمة و سيخوض معركته الأخيرة للحصول على حريته، إن الجموع الغفيرة تهتف بإسمه تقي… تقي…) أغمض عينيه و عاد بذاكرته للخلف، عاد بذاكرته لذلك اليوم المشؤوم.

يوم الأربعاء التاسع عشر من أفريل، لقد كان يوما عاديا لشرطي دورية. بل كان يوما مثاليا السماء صافية تحسدها على نقائها و تقي تعرف بفتاة جميلة منذ بضعة أيام ، إنه يقود سيارته عبر الشوارع يحيّي الجميع .

لا يوجد أحد لا يعرف صهيب إنه شخص طيب ، إنه رجل قد تراه في إعلان على التلفاز يرينا كيف هو الشرطي الصالح ، ركن السيارة جانبا لحظات منتظرا شريكه لكن عكر هدوء يومه شخص إصطدم بسيارته يرتدي حقيبة ظهر و قناع و يركض كأنه ليس من هذا العالم، خرج تقي من سيارته ليلبي نداء الواجب و لحق خلفه، إنه يركض… يركض… يركض لقد بدأت أنفاسه تنقطع لكنه يرى المجرم ، لقد اتجه نحو مرآب سيارات ، إنه يحاول الفرار تماما.

أعطى تقي لنفسه دفعة و ركض بكل ما لديه… إن المجرم أمامه مباشرة ” توقف” صرخ تقي بكل ما لديه و توقف الرجل المقنع، اقترب منه تقي بحذر شديد محاولا تفتيشه و اعتقاله لكن المجرم استدار و أشهر سلاحا، و قد كانت ردة فعل تقي بإطلاق النار عليه، وقف مكانه لحظات ليستوعب ما حدث، قد كان كل شيء سريعا، ثم قرر أن يتقدم منه و يبعد السلاح بحذر بقدمه و يمد يده لينزع القناع عن وجهه لكن يده لم ترجع لمكانها بل تجمدت هناك مثل سائر جسده..

توسعت عيناه كقط سينقض على فريسته و هو يردد ” صهيب… صهيب” إنه مصدوم لدرجة أنه يحاول إيقاظه، نهض ينظر هنا و هناك كالمجنون ثم حمل حقيبة الظهر و نظر فيها ليجد علب أدوية، فأصابه الدوار و بدأت عيناه تذرفان الدموع قطرة بقطرة كمطر يتهيأ للهطول.

فتح عينيه على منظر المدينة و عاد للحاضر، أخرج صورة صغيرة مهترئة بعض الشيء من جيبه و نظر لها بعينيه الصارختين ندما، إنها صورة له مع رجل وسيم طويل القامة و ابتسامة عريضة مزيفة فقط لأجل الصورة مرتسمة على وجهه ، ثم قلبها و قرأ ما كتب عليها ” أكثر من أصدقاء إننا إخوة تقي و صهيب”…

نعم لقد قتل صديقا كان مثل أخيه فقط لأنه يأس، فقط لأنه كانت له إبنة صغيرة مريضة إبنة لم تذق طعم الطفولة إبنة لم يحس أبوها بنعومتها و لم يحس ببراءتها . لم يستطع أن يبقى مكتوف الأيدي و لا يلام فمن يستطيع، كل الحديث في الشارع حوله و كل الأعين موجهة إليه لكنه غير مهتم بنظرات الناس الفارغة فصراعه مع نفسه أكبر من كلام فارغ يقوله الناس فهو يعرف أنه لن يسلم من الألسنة مهما فعل، لم يعد يحتمل أكثر من ذلك إنها ستة أشهر كاملة و هو ملاحق بشبح صهيب إنه يراه في أحلامه، إنه يراه في وجوه الأشخاص، إنه يراه في تلك الزاوية المظلمة لغرفة نومه، إنه يقف على هذه الشرفة لأنه قال مرة لأخيه” إن كنت تظن أنني أعود لشقتي كل يوم و أنظر لسلاحي محاولا إطلاق النار على نفسي فأنت مخطئ، إنني أعود كل يوم و أنظر للشرفة مفكرا في رمي نفسي منها لعل الألم يكون أعظم إن رأيت الموت قادم إلي”، نظر مرة أخيرة للأسفل و مال للأمام و أغمض عينيه…

النــــهاية

تاريخ النشر : 2019-05-02

تقي الدين

الجزائر
guest
11 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى