أدب الرعب والعام

مرآة الإنتقام

بقلم : رائد قاسم – السعودية
للتواصل : [email protected]
انت أسير المرآة و لن تتخلّص منها إلاّ بالموت
(يرى نفسه و قد أصبح مسخاً , يرتدي ملابسً سوداء قاتمة.. يقترب منها بلا إرادة , يصفعها بشدّة .. تبكي .. تتوسّل بأن لا يؤذيها .. إلاّ انه يمسكها و يقذفها على الأرض , ليعتدي عليها)

يستيقظ من نومه فزعاً.. العرق يتصبّب منه بغزارة .. أنفاسه لاهثة… يفتح النافذة ليتنفّس هواء ساعات الفجر الأولى .. ثم يستلقي على كرسيه .. يشرب قدحاً من الماء ..و يحاول النوم مجدداً .. لكنه لا يزال يشعر بالخوف .. فيضّطر لإضاءة مصابيح الغرفة .. لينام اخيراً , بعد تقلبٍ طويل…

ينهض من نومه بصعوبة .. يغسل وجهه .. يؤدي طقوس الصباح .. ثم يذهب إلى عمله , و هو متعب…
في طريقه لمكتبه .. يمرّ على مكتب زميلته سعاد , فيجده مُغلقاً ! … يشعر بالقلق .. يدخل مكتبه , و يجلس على كرسيه بشرود…. ساعات العمل تمرّ ثقيلة ..

بعد ساعات .. يعاود المرور على مكتب زميلته , فيجده لا يزال مُغلقاً !.. يشعر بقلقٍ شديد , لكنه لا يجرأ على السؤال عنها..
فيعود لمكتبه , ليرى مجموعة من رجال الشرطة تحيط به ! ….
الخوف و الفضول يدفعانه لمواصلة السير نحوهم ..
-أأنت السيد حسن ؟!!
-نعم أنا !
-انت مطلوب للتحقيق في مقرّ الشرطة المركزي !!
فيضّطرب و يرتسم القلق على ملامحه , إلاّ انه يحاول تمالك نفسه…

يأخذونه إلى مقرّ الشرطة.. و بعد عدّة ساعات مريرة من الإنتظار , يدخل عليه المحقق :
-سيد حسن !! أين كنت في الليلة الماضية ؟ و تحديداً في الساعة الثانية , بعد منتصف الليل ؟
فيصعق من سؤاله.. فهو حقاً لا يعرف ما يقول ! ..دوّامة محيّرة من الأسئلة يواجه بها نفسه , قبل مواجهته لسيلٍ من اسئلة التحقيق..
و قطع تفكيره صوت المحقق :
-لما لا تجيب , يا حسن ؟!!
-كنت .. كنت حينها نائماً
-و ما دليلك ؟
-و كيف أقدّم دليلاً على ذلك ؟!
فيخرج المحقّق سيجاراً .. سرعان ما يملأ دخانه غرفة التحقيق .. و يكمل اسئلته :
– سيد حسن ..أتعرف لما أنت هنا ؟
– ( بإضّطراب) بالحقيقة لا !
– أتعرف الآنسة سعاد ؟
– بالطبع اعرفها , فهي زميلتي في العمل.
– لقد هجم عليها شخص ليلة البارحة , و اعتدى عليها
فتتغير ملامح وجهه .. و يقول بدهشة :
– يا للهول ! أحقا ما تقول ؟!
– نعم .
_ ( بإرتباك و قلقٍ شديد) و ما علاقتي انا بالأمر ؟!
– لقد قالت لنا : بأن الشخص الذي اعتدى عليها , كان يشبهك الى حدٍ كبير

فصار حسن يحدّث نفسه , بقلقٍ شديد :
((يا الهي ! حلمت البارحة بإعتدائي على الآنسة سعاد ، و هآ أنا اُتّهم بإغتصابها.. ما الذي يحصل معي ؟!))
ثم يقف من هول الإتهام ! و يفتح قميصه ليتنفّس بحريّة أكثر.. يتدفّق العرق من كافة أنحاء جسده … و يشعر بضعفٍ شديد ..فيعود للجلوس , واضعاً يديه على جبهته…

ثم تبدأ الإجراءات , و يدخل عليه خبراء الأدلة الجنائية : و يقومون بتصوير بصمات أصابعه و عينيه .. يأخذون منه عيّنات مختلفة من شعره و أظافره و قطرات من دمه و غيرها من العينات .. ثم يأمر المحقق بإرساله إلى الحجز , حتى ظهور نتيجة تحاليل المعمل الجنائي.
خمسة أيام تمرّ عليه ثقالاً.. الخوف من الأحداث القادمة , يهيّمن على كافة تفاصيل حياته..

و طوال فترة احتجازه , ظلّ يتساءل بقلق :
((ما علاقة ذلك الحلم المزعج , بجريمة اغتصاب الآنسة سعاد ؟! و كيف توافق معه بالتوقيت و الحدث ؟! أمرٌ محيّرٌ فعلاً ! لكني قطعاً لست الجاني !!))

في اليوم السادس .. يدخل عليه المحقق… و يخبره بأن نتيجة المعمل الجنائي كانت في صالحه ..و بأن الخبراء لم يجدوا أيّ دليل على علاقته بالجريمة… فأُطلق سراحه , بضمان مقرّ إقامته..
يعود حسن بعدها إلى شقته , لينام نوماً طويلاً..

و في اليوم التالي .. يتصل بمديره ليستأذنه بقضاء بقيّة الإسبوع في قريته , ليريح نفسه من عناء ما جرى له …
و بعد ان انتهت الإجازة , عاد للمدينة مع بداية الإسبوع الجديد… و في مكتبه , توافد عليه زملائه لتهنئته بالبراءة و السلامة , و اخبروه : بأن الآنسة سعاد طلبت نقلها إلى فرعٍ آخر .. كما أنها قامت بتغير مقرّ إقامتها !
و بعد ان ذهب كلاً الى عمله .. جلس حسن يمارس عمله بإنسيابية , و كأنه لم يمرّ بمشكلة كبيرة كادت تقضي على مستقبله إلى الأبد !

و بعد ساعة .. دخل عليه احد زملائه , و هو ينظر اليه بوحشية و الشررّ يتطاير من عينيه !
و من دون سابق انذار , هجم على حسن و صار يضربه بكلتا يديه .. فتدخل بعض الموظفين محاولين إبعاده عنه..
اما هو فكان يصرخ بغضب :
– سأقتلك يا حسن بيديّ هاتين !! سأقتلك .. اسمعت !!

..و تشابكت الأيدي !! فأضّطر المدير العام بتحويلهما إلى امن الشركة…
و برّر المعتدي فعلته , قائلاً :
-هو الذي تهجّم عليّ اولاً , و صفعني عدّة صفعات .. انظروا لوجهي !! انه شاهد على اعتدائه الآثم .
-لا مستحيل !! أنا اصلاً لم أغادر مكتبي منذ الصباح !
-ايها الكاذب !! آثار صفعاتك ماتزال على وجهي , و هذا دليل على صحّة ما أقول ..
ثم توجّه (الموظف الغاضب) بحديثه لرجال الأمن :
-صدقوني !! هو دخل الى مكتبي ..و كان وجهه مخيفاً جداً , ثم بدأ بصفعي و ضربي كالمتوحش .. و من دون ايّ سبب !

و بعد ان حقّق قسم الأمن في الواقعة .. تيقن بأن حسن كان في مكتبه , في ذلك التوقيت …. فيتبرّأ حسن من هذه التهمة ايضاً ..
لكن زميله ظلّ يتوّعده و يهدّده بغضب … و لذلك اعطاه المدير : إجازة عاجلة ليومين ، الى ان يهدأ الوضع ..

فخرج حسن من مقرّ عمله متضايقاً و متفاجئاً مما حصل ! و ذهب الى شقته طلباً للراحة , من عناء المواقف التي مرّ بها في الآونة الأخيرة ..
و كان مايزال يحدّث نفسه :
((ما الذي يحدث لي ؟! لما يتهمونني بتهمٍ لم ارتكبها ؟! .. بتّ لا أعرف شيئاً ! هل هذه مجرّد صدف , ام ماذا ؟!))

في منزله … قام بحلق ذقنه .. ثم عاد و خرج ذاهباً للتنزه بوسط المدينة , لعلّه يزيل ما علق به من أحداث الأيام السابقة .. فتوجّه إلى السوق الرئيسي… و هناك ..شاهد بدلة أنيقة معروضة للبيع , بسعرٍ منخفض…
((هذه بدلةٌ جميلة , و سعرها مقبول ! .. حسناً !! سأسحب النقود من الصرّاف و اشتريها .. أتمنى أن يكون طالعها جميلٌ عليّ))

و بعد ان سحب من الصرّاف ، عاد الى نفس المتجر ..لكنه وجد بعض افراد امن السوق متجمّعين حوله .. فاضّطرب قليلاً .. لكنه قرّر ان يدخله .. و كان يحدّث نفسه بقلق :
((يا الهي ! ما الذي يجري هنا ؟! ..أيكون قد حدث أمرٌ جللّ ؟ طيب لما أنا خائفٌ هكذا ؟! فلا علاقة لي بالأمر ..سأشتري البدلة و أخرج بسرعة , فهذه فرصة لن تتكرّر))

و عندما دخل الى هناك.. اقترب منه احد عمال المتجر , ناظراً اليه بذهول :
-هذا هو ! انه نفس الشخص الذي حاول سرقة البدلة .. ايها الأمن !! هذا هو السارق بكل تأكيد !!
فألقوا الأمن القبض عليه ..
و هو كاد يفقد وعيه , من كل تلك الإتهامات الظالمة التي تحصل معه هذه الأيام !

و بعد طول تحقيق و احتجازه لساعاتٍ طويلة .. افرج عنه امن السوق , بعد ان تأكّدوا من براءته…
فيعود حسن إلى شقته مُحطماً … و يتصل بشركته و يطلب تمديد الإجازة ..

في صباح اليوم التالي .. يحمل حقيبته و يسافر برفقة اعزّ أصدقائه سمير , إلى منتجع على شاطئ البحر…
سمير : أنت تتوهم يا حسن .. لا شك في كونها مجرّد صدف.
-أتمنى أن يكون كلامك صحيحاً.
-أنت مرهق و أعصابك منهارة .. تحتاج إلى المكوث هنا عدة أيام , و ستعود قوياً نشيطاً .. و ان لم يحدث ذلك , فلابد لك من مراجعة طبيب نفسي.
و بينما هما مستلقيان على الشاطئ , تمرّ من امامهم فتاة جميلة…
-حسن ! انظر لهذه الفتاة ..ما أجملها !!
-لا لن انظر , أخشى من حدوث مكروهٍ لها !!
-دعك من هذا الهراء , و استمتع بوقتك يا صديقي.
و بعد ان قضيا اسبوعاً ممتعاً.. بدأت صحة حسن تتحسن , و صار يشعر بالإرتياح..

و في طريق العودة ..كان حسن يقود السيارة و هو في قمّة النشاط .. فقال صديقه (الذي يجلس بجانبه) :
– حسن .. لابد لك ان تتزوج .. و حينها فقط , تنتهي مشاكلك.
– ربما كلامك صحيح .. فأنا اشعر بتصحّر في حياتي لن أتخلص منه , إلا بشريكة عمر جميلة ..تماماً كالتي رأيناها على الشاطئ.
و عند مروره من نقطة تفتيش .. و ما أن رآه الشرطي , حتى أمره بالوقوف و طلب منه إبراز وثائقه… فسلّمها له بكل أريحية .. إلاّ أن الشرطي ظلّ يحدّق مليّاً في وجه حسن , الذي اضّطرب و انتابه القلق !
فيأمره الشرطي بإيقاف السيارة جانباً و المكوث فيها ..
دقائقٌ عشر صعبة تنتهي بوصول سيارة شرطة كبيرة , و تقتاده مع صديقه سمير إلى اقرب مركز الشرطة…

و هناك !! يقفان بين يديّ ضابط المركز
– أأنت حسن ؟
– نعم أنا !
– أين كنت قبل ليلتين ؟
سمير : كان برفقتي طوال الوقت , سيدي
– أنا لم أسالك انت !! هيا اجب يا حسن
– كنت برفقة سمير .. مالأمر ؟!
– أنت متهم بمحاولة قتل فتاة.
– لا مستحيل !!
فيريهما صورتها..
سمير : يا للعجب ! إنها نفس الفتاة التي رأيناها على الشاطئ.
حسن : لكني بريء !!
فيأمر ضابط المركز بإحتجازهما…

في غرفة الحجز .. يهمس سمير له بقلق :
– حسن ..أنت كنت برفقتي معظم الوقت ..لكني أخشى من….
– هل تقول انني الجاني ؟!
– كلا !! أنا متأكد من براءتك
– إذاً !!
– حسن , اسمع !! اعتقد انك بحاجة إلى مراجعة طبيب نفسي على عجل.
فيسكت حسن بشرود..

و بعد أكثر من أسبوع .. يُنقلان إلى النيابة العامة ..و هناك , يقفان بانتظار عرض حسن على الضحيّة..
فتدخل نفس الفتاة (التي شاهداها على الشاطئ) و هي تمشي مستندة على رجل يبدو بأنه والدها.. و كانت آثار الضرب واضحة على وجهها ، و بطنها مُنتفخٌ قليلاً من آثار عملية جراحية و اللفائف الطبية.. و كانت في غاية الشحوب و الضعف..
فيعود و يسألها الظابط من جديد :
– آنسة سلوى .. هل هذا الذي حاول ايذائك ؟
فتنظر الى حسن .. و تتغرّغر عيناها بالدموع , و تقول بتردّد :
-هو ..و ليس هو !
-(الظابط بتعجب) كيف يكون ذلك ؟!
-الذي هاجمني كان شخصاً يشبهه , لكنه اضخم منه !
-هل يمكنك وصفه أكثر ؟
-كل الذي استطيع قوله : بأنه رجلٌ مخيف بكل معنى الكلمة.

و بعد عدّة أيام ..تقرّر النيابة الإفراج عنهما لنقص الأدلة ..
يتوجه حسن الى شقته بصحبة سمير , لأخذ قسطاً من الراحة بعد أكثر من أسبوعين من الإحتجاز…
و هناك , يسأله سمير :
-أمرك مُحيرٌ فعلاً يا حسن !
-لا بد أن هناك شخصً ما يراقبني طوال الوقت , و يتنكّر بهيئة تشبهني !
-أظن ذلك ! لكن لابد ان تعثر عليه فوراً , قبل أن يرتكب جريمة تدمّر حياتك للأبد.
-هذا ما يجب أن أقوم به على عجل.

و ما أن يكمل حسن كلامه , حتى يسمعان طرقاً عنيفاً على الباب , يرافقه نبرة صوت غاضبة و مخيفة :
– افتح الباب يا حسن , قبل أن اكسره !!! ..هيّا افتح يا حقير !!!
ففتح باب شقته بقلق .. و اذّ بأحد جيرانه يهجم عليه , و هو يحمل عصاً حديدية طويلة..
-سأضربك حتى تعيد لي اللوحة الزيتية , أيها السارق اللعين !!
-( حسن بصدمة و ذهول) ماذا ! .. انا لا افهم ماذا تقول !
-و من يكون غيرك , يا من تدّعي الشرف و المروءة !! الم تزرني قبل يومين طالباً شرائها و عندما رفضت , هدّدتني بأنك ستأخذها رغماً عني ؟!!
-مستحيل !
-كل مرّة كنت تدخل شقتي , أراك تنظر اليها مليّاً .. و الآن أعدها لي !! قبل أن أضربك ضربة لا تقوم بعدها أبداً.
فيتدخل سمير و يحاول إفهام الجار بغياب حسن عن شقته لأكثر من أسبوعين ، إلاّ انه لم يهتم بكلامه .. و يبدأ بتسديد ضربته الأولى .. لكن حسن استطاع الإبتعاد عن العصا بإعجوبة… ثم فرّ هارباً من شقته , و الجار مازال يلاحقه بغضب , و ينهال عليه بالشتائم ..

و ما ان وصل لباب العمارة , حتى التقى بجاره الآخر و معه ابنته الصغيرة , التي قالت لوالدها بفزع :
– أبي !! هذا الذي سرق اسوارتي الذهبية !

فيسرع حسن نحو الشارع ..
البقال :
– يا ناس !! هذا الذي سرق مني المال البارحة !! الحقوا به !!
بائع المجوهرات :
– نعم هو من سرق الخاتم الإلماسي من محلّي !!
و صارت الناس تلاحقه في الشارع و حسن يحاول الهرب و هو يركض (مذهولاً) بكل قوته :
– سارق !!!!
– محتال !!!!
– متحرّش !!!!
– عديم الضمير و الأخلاق !!!!
-قف يا جبان !!!
و ما ان ابتعد عنهم .. حتى اوقف اول سيارة أجرة , لتأخذه بعيداً إلى أطرف المدينة…

و هناك .. صار يمشي في الشوارع بغير هدى .. يبكي بكاءً مرّاً.. و يضرب رأسه بيديه من هول مأساته…
و عندما حلّ عليه الليل , كان يمشي وحيداً في طريقٍ صحراويٍ موحش.. الهواء البارد لم يدفعه للمغادرة.. و هناك , يلمح صخرةً ضخمة … يستلقي بجانبها.. يتخذ من حذائه وسادة ..و يحتضن جسده بأطرافه .. و بالرغم من البرد الشديد , إلاّ أن النوم استطاع ان يغلبه …

و بعد ساعة .. يفتح حسن عينيه , فيرى نفسه سابحاً في الهواء !
((يا الهي ! ما الذي يحدث ؟!))
و ينظر للأسفل ..فيرى الشارع و الصخرة .. و يرى نفسه ما زال نائماً بالقرب منها !
((كيف أرى نفسي تحت , و انا معلقاً هنا في الهواء ؟! هل هذا هو الموت ؟!))
و يحاول النزول إلى الأرض , فلا يستطيع… بل صار ينجذب اكثر نحو الأعلى !
((لا شك بأنني متّ !))
فنظر للأعلى , و وجد انه ينجذب نحو مرآةٍ كبيرة !
((ما هذا ؟! .. ما هذه المرآة الغريبة ؟!))
و فجأة !! انطلق جسمه بسرعة نحوها (و هو يصرخ بخوف) ثم اخترق المرآة و دخل فيها !

ظلامٌ دامس… سوادٌ لا حدود له ! يلتفت وراءه , فيرى المرآة في وسط الظلام .. يقترب منها بحذر , و ينظر من خلالها : فيرى الشارع و الصخرة و جسده النائم بقربها , كما السيارات التي كانت تجوب الطريق !… و كان كل شيءٍ واضحٌ من فوق .. فصار يتساءل بقلق :
((ما الذي يحدث لي ؟! .. أين أنا بالظبط ؟!))

و فجأة !! سمع ضحكاتً مخيفة ! ثم ظهر صوتٌ اجشّ :
-أهلا بك يا حسن !!
فالتفت اليه بفزع .. فرأى شخصاً يشبهه تماماً , لكن بملامحٍ مرعبة اكثر !
ضخم الجسم .. شعره اسود كثيف , و رأسٌ يخترقه قرنان صغيران… عيونٌ حمراء… حواجبٌ غليظة.. انفٌ طويل.. أذنان كبيرتان… أسنانٌ بارزة…أظافر طويلة..
فينظر اليه حسن بخوفٍ مهول .. فيقول ذلك الكائن بإبتسامة لئيمة :
– ما بالك يا حسن ؟
– يا ألطاف الله !! أيّ شيءٍ أنت ؟!
فيقترب منه بضع خطوات ..
– ألم تعرفني ؟
– كلا لا أعرفك ! و لم أرك قطّ في حياتي !!
… يقترب منه أكثر..
-حسن !! انظر اليّ جيداً .. أنا هو أنت …و أنت هو أنا !!
-ماذا تقصد ؟!
-أنا هو نفسك الثانية .. الجانب الآخر منك.
-أراك تشبهني ! لكن بصورة مغايرة … فمن انت حقاً ؟!!
-قلت لك .. أنا ذاتك الأخرى .. ولدت معك , لأبقى بجانبك ما دمت حيّاً.
-و ماذا تريد مني أيها المخلوق الغريب ؟!! أنا لا أعرفك , و لا أريد أن أعرفك !! أرجوك أخرجني من هذا المكان المظلم
فضحك بسخرية و بصوتٍ عالٍ :
-اكيد ليس بهذه السهولة
فقال بخوف :
-و ماذا تعني ؟!
-انظر لجسدك .. انه هناك , و أنت الآن هنا .. يعني انك انفصلت عن جسدك , و أصبحت أسير المرآة .. و هنا !! سنصفّي حسابنا يا حسن !!
-عن ايّ حسابٍ تتكلّم ؟!
-( بغضبٍ مستطير) طالما انه انفتح لك الغطاء , و انكشفت لك بعض اسراري .. فلابد أن اقتلك !!
فيغضب حسن أيضاً , و يصرخ قائلاً :
– الويل لك !! و لماذا أموت ؟! ما الذي جنيته ؟ لا شك انك سبب محنتي و عذابي !!
فقال بسخرية :
-من ؟ انا ! على العكس تماماً .. انا حققت جميع أمانيك.
-عن ايّ أمنيات تتكلّم , أيها الشيطان اللعين ؟!!

فاقترب منه و قال بإبتسامة صفراء :
-أتنكر أنك كنت تشتهي زميلتك سعاد ؟
فيصدم حسن من كلامه !
– هآ !! ما بالك سكتّ ؟ .. انسيت كم حلمت بها ؟ .. ماذا عن زميلك الغليظ , كم مرّة تمنّيت ضربه ؟ ..و ماذا عن فتاة الشاطىء , الم ترغب بها ؟ .. أتنكر بأن تحفة جارك أعجبتك , و أردّت امتلاكها ؟
– أنا…
-لا تنكر يا حسن !! كل رغباتك الدفينة , حققتها لك.
– إذاً أنت السبب في كل ما حدث لي , ايها الحقير ؟!!
– لست أنا , بل أنت !! فكلانا شخصٌ واحد
– اذاً أنت شيطاني .. و انا سأنتقم منك !!
– و هل تظن بأنني سأدعك تعيش بعد ان اخترقت الحجب , و أصبحت تعرف مدخل عالمنا ؟ ..لا طبعاً !! لأنك إن عدت لعالمك , فستفضحنا لبنو جنسك .. و حينها يصبح السيطرة عليكم , امراً صعب
– أنت مخلوقٌ شرير !!
– بالطبع !! فأنا شيطان , و هذا عملي .. و الآن !! اذهب ناحية المرآة , و ودّع جسدك النائم لآخر مرّة ..ففي صباح الغد , ستجدك الشرطة وقد فارقت الحياة بسكتةٍ قلبية.
– مستحيل !
– و لما انت متفاجأ .. فكل يوم يموت أناس بدون أسبابٍ واضحة ..
– لن ادعك تنال مني بسهولة !!
و هنا !! يلمح حسن سيفاً سابحاً في الهواء , فيمسك به…

فيقول الشيطان بلؤم :
-قبل ان اسحبك اليّ , تركت سيفي هنا.. لأني بصراحة متشوّق لأعرف , كيف ستدافع به عن نفسك .. (بسخرية) فهيا يا حسن !! حاول قتلي .. هذا ان استطعت طبعاً
ثم يضحك بسخرية .. فيسرع حسن اليه محاولاً طعنه بالسيف , إلا ان الشيطان يتجنّبه بسرعةٍ و خفّة…….
-يا مسكين يا حسن .. سيراك الناس غداً , و أنت ميت بالقرب من صخرةٍ صماء .. طبعاً بعد ان اسلّط على جثثك الأعاجم لتنهشها , و تحوّل جسدك إلى رمّة ترعب كل من يراها .. و سأعمل على اثبات تُهمّ الإغتصاب و السرقة عليك , لتصبح بعدها , شخصاً ملعوناً من افراد مجتمعك ..فلا تجد من يترحّم عليك , أو يذكرك بخير.
-لن اسمح لك بذلك , أيها الشيطان الرجيم !!
-أنا شيطانك انت , يا حسن !! أنت من صنعتني و جعلتني قوياً.
-اخرس !! لست سوى مخلوقاً بشع .. لست مني و لست منك !! فلتذهب إلى الجحيم الذي خُلقت منه
..و يحاول من جديد طعنه لكن دون جدوى !
– انت من ستعود قريباً , إلى كومة التراب التي خلقت منها !!
– بل خُلقتُ من فاضل طينة الأرض !! أما أنت فلست الاّ روحاً بشعة , منبوذة من كل المخلوقات !!
– الويل لك !! اتعيّرني يا كومة اللحم و العظم
– بل أنا من تراب و ماء و نار و هواء !! أما أنت , فلست سوى نطفة من السّعير.

فيغضب المارد غضباً رهيباً , و يتمكّن بسهولة من الإمساك بسيفه و رميه جانباً .. ثم يقبض على حسن و يرميه بعيداً..
ليطلق بعدها ضحكة عالية ساخرة , و يقول مهدّداً :
-احلف بأنني سأحيط قبرك بالشياطين , كي لا يقترب منك إنسٌ أو ملاك !! و سيغدو قبرك خراباً , تفرّ منه حتى ديدان الأرض ..
فيركض حسن بسرعة , و يمسك بالسيف الواقع بقرب المرآة ..
فيقول له الشيطان :
– لا تحاول يا حسن ..فأنت أسير هذه المرآة , و لن تتخلّص منها إلاّ بالموت !!
– لن استسلم لك !! و سأموت بشرف.
-لا تقاوم يا عزيزي .. و هات سيفي ….. هيا !! لا تقلق .. هي مجرّد طعنة صغيرة , و ستذهب روحك إلى بعدٍ آخر .. الى عالمٍ يعيش فيه الموتى من بني جنسك.. كل ما هنالك , انني سأرميك في المكان التي تعيش فيه : ارواح البشر الأكثر بؤساً و شقاءً….اعدك بأنني سأفعل !!
-و انا لن اسمح لك !!

ثم يُفاجأ شيطانه , باقترابه ناحية المرآة .. ثم رفع حسن السيف بكلتا يديه , و اخترق به بقوّة سطحها الزجاجي .. و اذّ بالمكان يهتزّ اهتزازاً مدويّاً !!!
فصرخ الشيطان صرخةً رهيبة :
– حسن !!! مالذي فعلته يا احمق ؟!!!!
و سقط على الأرض و هو يتلوّى من الألم , و تصدر منه اصواتٍ مخيفة … بينما كانت النيران تلتهم جسده شيئاً فشيئا… و حسن يراقبه بإرتياح :
-هيا احترق ايها اللعين !! وعدّ إلى الجحيم الذي جئت منه.
ثم يتبخّر الشيطان و لا يعود له ايّ اثر ..

و فجأة !! يرتفع حسن بالهواء , ثم يخترق بجسده المرآة المُهشّمة.. و بدأ يبتعد عنها شيئاً فشيئا .. و عندما رفع نظره اليها ليراها , و جدها تلاشت إلى الأبد ! … بينما هبطت روحه نحو الأرض , لتستقر بالقرب من جسده النائم .. و حينها شعر بالإطمئنان التام…و استلقى بجانب جسده… ثم صار ينظر الى السماء المضيئة بالنجوم ، و يتنفّس الهواء العليل .. ثم عاد الى النوم

.. ليستيقظ في اليوم التالي .. و يجد نفسه و قد عاد للحياة , بعد ان ايقظته الشمس بأشعتها…. فينهض ليمشي بهدوء .. و يوقف سيارة أجرة ..
ثم يبدأ نهاره في عملية البحث عن شقةٍ جديدة , في مكانٍ بعيد عن محلّ اقامته القديم ..
ليبدأ من هناك , حياةً جديدة .

تاريخ النشر : 2015-12-29

رائد قاسم

السعودية
guest
24 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى